أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-08-2015
919
التاريخ: ج1-ص291-295
660
التاريخ: 6-08-2015
1212
التاريخ: 20-11-2014
884
|
ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻤﺮﻳﺪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻛﻠﻔﺔ ﻭﻣﺸﻘﺔ، ﻭﻳﻘﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻛﻠﻔﺔ ﻭﻣﺸﻘﺔ ﺃﻧﻪ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻣﺮﺍً ﺇﻻ ﺑﺈﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻤﺄﻣﻮﺭ ﺑﻪ ﻭﺍﻟﺮﺗﺒﺔ ﻣﻌﺘﺒﺮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻛﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺮ.
ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻣﻦ ﺃﺭﺍﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻴﺮ ﻣﺎ ﻳﻠﺤﻘﻪ ﻓﻴﻪ ﻣﺸﻘﺔ ﺳﻤﻰ ﻣﻜﻠﻔﺎ ﻟﻪ، ﻭﻣﺘﻰ ﺃﺭﺍﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻴﺮ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻠﺤﻘﻪ ﻓﻴﻪ ﻣﺸﻘﺔ ﻟﻢ ﻳﺴﻢ " ﺑﺬﻟﻚ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻣﻜﻠﻔﺎ ﻟﻪ ﻭﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻨﺎ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻴﻪ ﻣﺸﻘﺔ ﻛﺎﻥ ﻣﻜﻠﻔﺎ ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻭﺍﺟﺒﺎ ﺃﻭ ﻧﺪﺑﺎ. ﻭﺇﻋﻼﻡ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ ﻭﺟﻮﺏ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺃﻭ ﺣﺴﻨﻪ ﺃﻭ ﺩﻻﻟﺘﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﺮﻁ ﻓﻲ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ، ﻷﻧﻪ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺇﺯﺍﺣﺔ ﺍﻟﻌﻠﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻛﻠﻔﻪ. ﻭﻟﻴﺲ ﻧﻔﺲ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﻜﻠﻔﺎ ﻟﻪ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻌﻠﻤﺎ ﻟﻪ (1) . ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺴﻢ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻴﺮ ﺍﻟﺼﻮﻡ ﺃﻭ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻣﻜﻠﻔﺎ ﻟﻪ، ﻷﻧﻪ ﺳﺒﻖ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺇﺭﺍﺩﺗﻪ، ﻓﻠﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﻮﻩ ﺑﺬﻟﻚ.
ﻓﺈﺫﺍ ﺛﺒﺖ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻓﻴﺤﺘﺎﺝ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺤﺴﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺃﺷﻴﺎﺀ: ﺃﻭﻟﻬﺎ ﺻﻔﺎﺕ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ، ﻭﺛﺎﻧﻴﻬﺎ ﺻﻔﺎﺕ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ، ﻭﺛﺎﻟﺜﻬﺎ ﺻﻔﺎﺕ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻨﺎﻭﻟﻪ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ، ﻭﺭﺍﺑﻌﻬﺎ ﻣﺎ ﺍﻟﻐﺮﺽ ﺑﺎﻟﺘﻜﻠﻴﻒ.
ﻭﻧﺤﻦ ﻧﺒﻴﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺃﺧﺼﺮ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ، ﻭﻗﺒﻞ ﺫﻟﻚ ﻧﺒﻴﻦ ﺃﻭﻻ ﻣﺎ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻓﻲ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀ ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﻭﺑﻴﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻧﻘﻮﻝ: ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻏﺮﺽ ﺃﻭ ﻻ ﻏﺮﺽ ﻓﻴﻪ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻻ ﻏﺮﺽ ﻓﻴﻪ ﻓﻬﻮ ﻋﺒﺚ، ﻭﺫﻟﻚ ﻗﺒﻴﺢ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ. ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﻏﺮﺽ ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﻏﺮﺽ ﻗﺒﻴﺢ ﺃﻭ ﺣﺴﻦ، ﻓﺎﻟﻘﺒﻴﺢ ﻫﻮ ﺃﻥ ﻳﻘﺼﺪ ﺑﺨﻠﻖ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﺍﻹﺿﺮﺍﺭ ﺑﻬﻢ، ﻭﺫﻟﻚ ﻗﺒﻴﺢ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ، ﻭﺍﻟﻐﺮﺽ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻻ ﺑﺤﺼﻮﻝ ﺍﻟﻨﻔﻊ ﻓﻴﻪ. ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻔﻊ ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺭﺍﺟﻌﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮﻩ، ﻓﻤﺎ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﺴﺘﺤﻴﻞ ﻻﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﻨﻔﻊ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻣﺎ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﻴﺮ ﻫﻮ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻓﻲ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀ ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻔﻊ ﺭﺍﺟﻌﺎ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻕ ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮﻩ ﺃﻭ ﺇﻟﻴﻬﻤﺎ، ﻓﺈﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺫﻟﻚ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺇﺫﺍ ﺗﻌﺮﻯ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻩ ﺍﻟﻘﺒﺢ. ﻓﺈﺫﺍ ﺛﺒﺖ ﺫﻟﻚ ﻓﺎﻟﻤﻜﻠﻒ ﻣﻨﻔﻮﻉ ﺑﺎﻟﺘﻔﻀﻴﻞ ﻭﻣﻨﻔﻮﻉ ﺑﺎﻟﺜﻮﺍﺏ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻧﻪ ﻳﺆﻟﻢ ﻟﻤﺼﻠﺤﺘﻪ ﺃﻭ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻏﻴﺮﻩ ﻓﻬﻮ ﻣﻨﻔﻮﻉ ﺃﻳﻀﺎ ﺑﺎﻟﻌﻮﺽ، ﻓﺘﺠﺘﻤﻊ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ، ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ ﻣﻨﻔﻮﻉ ﺑﺎﻟﺘﻔﻀﻴﻞ ﻗﻄﻌﺎ ﻭﺑﺎﻟﻌﻮﺽ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺇﻳﻼﻣﻪ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻟﻐﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻜﻠﻔﻴﻦ. ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻔﻊ ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻭﻝ ﻣﺎ ﻳﺨﻠﻘﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣﻴﺎ، ﻷﻥ ﺍﻟﻨﻔﻊ ﻻ ﻳﺼﺢ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻲ، ﻭﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺨﻠﻖ ﻓﻴﻪ ﺷﻬﻮﺓ ﻟﻤﺪﺭﻙ ﻳﺪﺭﻛﻪ ﻓﻴﻠﺘﺬ ﺑﻪ ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻥ ﻫﻮ ﺃﻭ ﻏﻴﺮﻩ. ﻭﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﺒﺘﺪﺉ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺨﻠﻖ ﺍﻟﺠﻤﺎﺩ ﺇﺫﺍ ﻋﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻳﺨﻠﻖ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺣﻴﺎ ﻣﻜﻠﻔﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻟﻄﻔﻪ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻩ ﺧﻠﻖ ﺟﻤﺎﺩ ﻗﺒﻠﻪ، ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺤﺴﻦ ﺍﻻﺑﺘﺪﺍﺀ ﺑﺨﻠﻖ ﺍﻟﺠﻤﺎﺩ. ﻭﻧﺤﻦ ﻧﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻭﻋﺪﻧﺎ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺷﺮﺍﺋﻂ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ.
ﺃﻣﺎ ﺻﻔﺎﺕ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺣﻜﻴﻤﺎ ﻣﺄﻣﻮﻧﺎ ﻣﻨﻪ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﻘﺒﻴﺢ ﻭﺍﻻﺧﻼﻝ ﺑﺎﻟﻮﺍﺟﺐ ﻟﻴﻌﻠﻢ ﺍﻧﺘﻔﺎﺀ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻘﺒﺢ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ... ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺎﺩﺭﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺮﺽ ﺑﺎﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻟﻪ ﻭﻋﺎﻟﻤﺎ ﺑﻤﺒﻠﻐﻪ، و ... ﺃﻧﻪ ﻗﺎﺩﺭ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻭﻋﺎﻟﻢ ﻟﻨﻔﺴﻪ. ﻭﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﻏﺮﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ...
ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻨﻌﻤﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺠﺐ ﻟﻪ ﺑﻪ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ، ﻭﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻻ ﺗﺴﺘﺤﻖ ﺇﻻ ﺑﺄﺻﻮﻝ ﺍﻟﻨﻌﻢ ﻣﻦ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﺸﻬﻮﺓ ﻭﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻭﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺧﻠﻖ ﺍﻟﻤﺸﺘﻬﻲ ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﻧﻌﻤﺔ ﻛﻞ ﻣﻨﻌﻢ ﻓﻲ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻧﻌﻤﺔ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﺗﻘﺪﻣﻬﺎ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻭﺇﻥ ﺍﺳﺘﺤﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺸﻜﺮ، ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﻘﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﻨﻌﻢ ﻭﻳﺨﺘﺺ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻓﻠﺬﻟﻚ ﺍﺧﺘﺺ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺎﻟﻌﺒﺎﺩﺓ. ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻳﻀﺎ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﺎﻟﻤﺎ ﺑﺘﻜﺎﻣﻞ ﺷﺮﺍﺋﻂ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ ﻣﻦ ﺃﻗﺪﺍﺭﻩ ﻭﺳﺎﺋﺮ ﺿﺮﻭﺏ ﺍﻟﺘﻤﻜﻴﻦ. ﻓﺈﺫﺍ ﺛﺒﺖ ﺫﻟﻚ ﻓﺎﻟﻮﺟﻪ ﻓﻲ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﺃﻧﻪ ﺗﻌﺮﻳﺾ ﻟﻤﻨﺰﻟﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﺘﻜﻠﻴﻒ، ﻭﺍﻟﺘﻌﺮﻳﺾ ﻟﻠﺸﺊ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺇﻳﺼﺎﻟﻪ. ﻓﻌﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﺗﻌﺮﻳﻀﺎ ﻟﻠﺒﻴﻊ ﻟﻠﺸﺊ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻧﻔﻌﺎ، ﻷﻥ ﻣﻦ ﺣﺴﻦ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﻊ ﺣﺴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﺿﻪ ﻟﻪ. ﻭﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺘﻌﺮﻳﺾ ﺗﺼﻴﻴﺮ ﺍﻟﻤﻌﺮﺽ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻋﺮﺽ ﻟﻪ [ﻣﻊ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻤﻌﺮﺽ ﻟﻠﻔﻌﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺮﺿﻪ ﻟﻪ] ﻭﻋﺮﺽ ﻟﻠﻤﺴﺘﺤﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻮﺻﻞ ﺑﻪ ﺇﻟﻴﻪ. ﺃﻻ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻌﺮﺿﺎ ﻟﻮﻟﺪﻩ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﺇﺫﺍ ﻣﻜﻨﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻌﻠﻢ ﻭﺃﺯﺍﺡ ﻋﻠﺘﻪ ﻓﻴﻪ ﻭﺃﺭﺍﺩ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺘﻌﻠﻢ، ﻭﻣﺘﻰ ﻟﻢ ﻳﺮﺩ ﻣﻨﻪ ﺫﻟﻚ ﺃﻭ ﻟﻢ ﻳﺰﺡ ﻋﻠﺘﻪ ﻓﻴﻪ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻌﺮﺿﺎ ﻟﻪ. ﻭﻣﻦ ﺷﺮﻁ ﺍﻟﻤﻌﺮﺽ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﺎﻟﻤﺎ ﺃﻭ ﻇﺎﻧﺎ ﺑﻮﺻﻮﻝ ﺍﻟﻤﻌﺮﺽ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻋﺮﺿﻪ ﻟﻪ ﻣﺘﻰ ﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﻭﺻﻠﻪ ﺇﻟﻴﻪ. ﺃﻻ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻟﻮ ﻋﺮﺽ ﻭﻟﺪﻩ ﻟﻠﺘﺠﺎﺭﺓ ﻭﺃﻣﺮﻩ ﺑﺎﻟﺴﻔﺮ ﻭﻏﻠﺐ ﻓﻲ ﻇﻨﻪ ﺃﻧﻪ ﻣﺘﻰ ﻓﻌﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﺭﺳﻤﻪ ﻻ ﻳﺤﺼﻞ ﻟﻪ ﺷﺊ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺑﺢ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪ ﻣﻌﺮﺿﺎ ﻟﻪ، ﻓﻌﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ ﻣﺘﻰ ﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﻛﻠﻔﻪ ﺃﻧﻪ ﻳﺜﻴﺒﻪ ﻭﻳﻮﺻﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﺤﻘﻪ. ﻭﺍﻋﺘﺒﺮﻧﺎ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻷﻥ ﺑﻬﺎ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﻤﺎ ﻋﺮﺽ ﻟﻪ ﺩﻭﻥ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﺮﺽ ﻟﻪ، ﻭﺍﻟﺘﻤﻜﻴﻦ ﻭﺍﻹﻗﺪﺍﺭ ﻳﺼﻠﺢ ﻟﻸﻣﺮﻳﻦ. ﺃﻻ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﻣﻦ ﺃﻋﻄﻰ ﺳﻴﻔﺎ ﻟﻐﻴﺮﻩ ﻟﻴﺠﺎﻫﺪ ﺑﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻌﺮﺿﺎ ﻟﻪ ﺑﺄﻥ ﻳﻘﺘﻞ ﺑﻪ ﻛﺎﻓﺮﺍ ﺩﻭﻥ ﻣﺆﻣﻦ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩ ﻗﺘﻞ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ، ﻭﺇﻻ ﻓﺎﻟﺴﻴﻒ ﻳﺼﻠﺢ ﻟﻸﻣﺮﻳﻦ.
ﻓﻌﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺇﺫﺍ ﺃﻗﺪﺭ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ ﻭﻣﻜﻨﻪ ﻭﺧﻠﻖ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺸﻬﻮﺓ ﻭﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻨﺎﻝ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻤﺸﺘﻬﻲ ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﺨﺘﻠﻘﻪ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﻳﺸﻖ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﺘﺨﺼﺺ ﺑﺄﺣﺪ ﺍﻟﻮﺟﻬﻴﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﻵﺧﺮ ﺑﺎﻹﺭﺍﺩﺓ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﺇﻧﻪ ﺗﻌﺮﻳﺾ ﻟﻠﺜﻮﺍﺏ ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﻏﺮﺽ ﺃﻭ ﻻ ﻏﺮﺽ ﻓﻴﻪ، ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻴﻪ ﻏﺮﺽ ﻛﺎﻥ ﻋﺒﺜﺎ ﻭﺫﻟﻚ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﻏﺮﺽ ﻟﻢ ﻳﺨﻞ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻐﺮﺽ ﻧﻔﻌﻪ ﺃﻭ ﻣﻀﺮﺗﻪ، ﻭﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻐﺮﺽ ﻣﻀﺮﺗﻪ ﻷﻥ ﺫﻟﻚ ﻗﺒﻴﺢ، ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻖ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻏﺮﺿﻪ ﻧﻔﻌﻪ. ﻭﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻔﻊ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺑﺎﻟﺘﻜﻠﻴﻒ، ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻴﻪ ﺇﻻ ﺑﺎﻷﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻨﺎﻭﻟﻬﺎ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ، ﻷﻥ ﺍﻻﺑﺘﺪﺍﺀ ﺑﺎﻟﺜﻮﺍﺏ ﻻ ﻳﺤﺴﻦ ﻷﻧﻪ ﻳﻘﺎﺭﻧﻪ ﺗﻌﻈﻴﻢ ﻭﺗﺒﺨﻴﻞ، ﻭﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻗﺒﺢ ﺫﻟﻚ ﺑﻤﻦ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻘﻪ، ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﺳﺘﺤﻘﺎﻕ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺇﻻ ﺑﻤﺎ ﺗﻨﺎﻭﻟﻪ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻣﻦ ﻭﺍﺟﺐ ﺃﻭ ﻧﺪﺏ. ﻓﻌﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﻣﺘﻰ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻭﺟﺐ، ﻷﻥ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ ﻣﺘﻰ ﺗﻜﺎﻣﻠﺖ ﺷﺮﻭﻁ ﺗﻜﻠﻴﻔﻪ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﻩ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺘﻤﻜﻴﻦ ﻭﺟﻌﻞ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺷﺎﻗﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻛﺎﻥ ﻣﺘﺮﺩﺩ ﺍﻟﺪﻭﺍﻋﻲ ﻭﺯﺍﻝ ﻋﻨﻪ ﺍﻻﻟﺠﺎﺀ ﻭﺟﺐ ﺗﻜﻠﻴﻔﻪ، ﻭﻣﺘﻰ ﻧﻘﺺ ﺑﻌﺾ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﻗﺒﺢ ﺗﻜﻠﻴﻔﻪ، ﻷﻧﻪ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻠﻔﻪ ﻟﻜﺎﻥ ﺇﻣﺎ ﻣﻐﺮﻳﺎ ﺑﺎﻟﻘﺒﻴﺢ ﺃﻭ ﻋﺎﺑﺜﺎ، ﻭﻛﻼﻫﻤﺎ ﻻ ﻳﺠﻮﺯﺍﻥ ﻋﻠﻴﻪ. ﻳﺒﻴﻦ ﺫﻟﻚ ﺃﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺎﺩﺭﺍ ﻋﻠﻰ ﺇﻏﻨﺎﺋﻪ ﺑﺎﻟﺤﺴﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﺒﻴﺢ ﻓﻠﻢ ﻳﻔﻌﻞ ﻭﺃﺣﻮﺟﻪ ﺑﺎﻟﺸﻬﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺔ ﻓﻴﻪ ﻭﺍﻟﺘﺨﻠﻴﺔ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻨﻪ ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﻏﺮﺽ ﻛﺎﻥ [ﻋﺎﺑﺜﺎ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﻏﺮﺽ] ﻓﻼ ﻏﺮﺽ ﻓﻴﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ، ﻭﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻠﺰﻣﺎ ﻟﻪ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﻤﺸﺘﻬﻰ ﻭﺇﻥ ﺷﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺫﻟﻚ ﻟﻠﻤﻨﻔﻌﺔ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺑﺎﻟﺜﻮﺍﺏ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﺎﻻﻏﺮﺍﺀ ﺑﺘﻘﻮﻳﺔ ﺍﻟﺪﻭﺍﻋﻲ ﺇﻟﻰ ﻧﻴﻠﻪ ﺣﺎﺻﻞ. ﻭﻻ ﻳﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺒﻬﺎﺋﻢ ﻣﻐﺮﺍﺓ ﺑﺎﻟﻘﺒﺢ، ﻷﻥ ﺫﻟﻚ ﻣﻌﺘﺒﺮ ﻓﻴﻤﻦ ﻳﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻌﻮﺍﻗﺐ ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻨﺘﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﺒﻬﺎﺋﻢ.
ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻨﺎﻭﻟﻪ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻓﻼ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺼﺢ ﺇﻳﺠﺎﺩﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻠﻔﻪ، ﻷﻥ ﺫﻟﻚ ﻳﻤﻜﻦ ﻻ ﻳﺤﺴﻦ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻣﻦ ﺩﻭﻧﻪ. ﻭﻣﻦ ﺷﺮﻭﻃﻪ ﺗﻘﻮﻳﺔ ﺩﻭﺍﻋﻴﻪ ﺑﻔﻌﻞ ﺍﻟﻠﻄﻒ ﻣﻤﺎ ﻻ ﻳﻨﺎﻓﻲ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ، ﻭﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺎ ﺗﻨﺎﻭﻟﻪ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺑﻪ ﺍﻟﻤﺪﺡ ﻭﺍﻟﺜﻮﺍﺏ، ﻷﻥ ﻭﺟﻪ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﺘﻌﺮﻳﺾ ﻟﻠﺜﻮﺍﺏ ﻟﻢ ﻳﺠﺰ ﺃﻥ ﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ﺇﻻ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺑﻪ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ، ﻭﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺑﻪ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﻫﻮ ﺇﻣﺎ ﻭﺍﺟﺐ ﺃﻭ ﻧﺪﺏ ﻓﻼ ﻳﺨﺮﺝ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻋﻨﻬﻤﺎ. ﻭﺍﻟﻤﺒﺎﺡ ﻻ ﻣﺪﺧﻞ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ، ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺑﻪ ﻣﺪﺡ ﻭﻻ ﺛﻮﺍﺏ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﺍﻟﻨﺪﺏ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﺪﺏ ﻣﺴﺘﻬﻼ ﻟﻠﻮﺍﺟﺐ ﻭﻣﻘﻮﻳﺎ ﻟﻪ، ﻓﻼ ﻳﺼﺢ ﺃﻥ ﻳﻘﺘﺼﺮ ﺑﺎﻟﻤﻜﻠﻒ ﻋﻠﻰ ﺗﻜﻠﻴﻔﻪ، ﻷﻧﻪ ﺗﺎﺑﻊ ﻻ ﻳﺴﺘﻘﻞ ﺑﻨﻔﺴﻪ. ﻓﺄﻣﺎ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﻲ ﺻﻔﺎﺕ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ ﻓﺈﻧﻪ ﻓﺮﻉ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ، ﻷﻥ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﻲ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻓﺮﻉ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ. ﻓﺈﺫﺍ ﺛﺒﺖ ﺫﻟﻚ ﻓﺎﻟﻤﻜﻠﻒ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻲ، ﻷﻥ ﻣﻦ ﻟﻴﺲ ﺑﺤﻲ ﻻ ﻳﺤﺴﻦ ﺗﻜﻠﻴﻔﻪ. ﻭﻳﺴﻤﻰ ﺍﻟﺤﻲ " ﺍﻧﺴﺎﻧﺎ " ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺠﻦ ﺑﺄﺳﻤﺎﺀ ﺃﺧﺮ، ﻭﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺗﺴﻤﻴﻪ " ﻧﻔﺴﺎ ". ﻭﺍﻟﺤﻲ ﻫﻮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ ﺩﻭﻥ ﺃﺑﻌﺎﺿﻬﺎ، ﻭﺑﻬﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﺍﻟﻨﻬﻲ ﻭﺍﻟﻤﺪﺡ ﻭﺍﻟﺬﻡ. ﻭﻗﺎﻝ ﻣﻌﻤﺮ ﻭﺃﺑﻨﺎﺀ ﻧﻮﺑﺨﺖ ﻭﺷﻴﺨﻨﺎ ﺃﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ: ﺍﻟﺤﻲ ﻫﻮ ﻏﻴﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﻭﻫﻮ ﺫﺍﺕ ﻟﻴﺲ ﺑﺠﻮﻫﺮ ﻭﻻ ﻋﺮﺽ ﻭﻻ ﺣﺎﻝ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ. ﻭﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺮﺍﻭﻧﺪﻱ ﻭﻫﺸﺎﻡ ﺍﻟﻔﻮﻃﻲ: ﻫﻮ ﺟﻮﻫﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ. ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻷﺳﻮﺍﺭﻱ: ﻫﻮ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻭﺡ.
ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ: ﻫﻮ ﺍﻟﺮﻭﺡ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﺔ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ. ﻭﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﺍﻻﺧﺸﻴﺬ: ﻫﻮ ﺟﺴﻢ ﺭﻗﻴﻖ ﻣﻨﺴﺎﺏ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ. ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺔ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎﻩ ﺃﻭﻻ ﺃﻥ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺮﺍﺟﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺪﺡ ﻭﺍﻟﺬﻡ ﻭﺍﻟﻨﻬﻲ ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ. ﻭﺃﻳﻀﺎ ﻓﺈﻥ ﺍﻻﺩﺭﺍﻙ ﻳﻘﻊ ﺑﺄﻋﻀﺎﺋﻬﺎ ﻭﺍﻟﺘﺄﻟﻢ ﻭﺍﻟﺘﻠﺬﺫ ﻟﻼﺩﺭﺍﻙ، ﻭﻟﻮ ﺃﻧﻬﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﻟﻤﺎ ﻭﻗﻊ ﺍﻻﺩﺭﺍﻙ ﺑﺄﺑﻌﺎﺿﻬﺎ. ﻭﺃﻳﻀﺎ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﻤﺒﺘﺪﺃ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺃﻃﺮﺍﻓﻨﺎ ﻛﺤﺮﻛﺔ ﺃﻳﺪﻳﻨﺎ ﻭﺃﺭﺟﻠﻨﺎ ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ، ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺇﺳﻨﺎﺩ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﻣﺎﻟﻪ ﺑﻪ ﺗﻌﻠﻖ ﻣﻌﻘﻮﻝ، ﻓﺈﺫﺍ ﺃﻓﺴﺪﻧﺎ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﺍﺩﻋﻲ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻩ ﺍﻟﺘﻌﻠﻖ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﺇﻻ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎﻩ. ﻭﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﻏﻴﺮﻫﺎ، ﻷﻧﻪ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻛﺬﻟﻚ ﻻﻗﺘﻀﻰ ﺃﻥ ﻳﺨﺘﺮﻉ ﺍﻷﻓﻌﺎﻝ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ، ﻷﻥ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻐﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻮﻝ. ﻭﻫﺬﺍ ﺑﺎﻃﻞ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﻠﻢ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺃﺣﺪﻧﺎ ﺇﺫﺍ ﺗﻌﺬﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻤﻞ ﺷﺊ ﺑﺈﺣﺪﻯ ﻳﺪﻳﻪ ﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﻌﺎﻥ ﺑﺎﻟﻴﺪ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺗﺄﺗﻰ ﺫﻟﻚ ﺃﻭ ﻳﺴﻬﻞ، ﻭﻻ ﻭﺟﻪ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﻣﻊ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺎﻻﺧﺘﺮﺍﻉ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﺼﺢ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻝ ﻣﻦ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﺪ ﺍﻟﻴﻤﻨﻰ ﻣﻘﺪﺍﺭ ﻻ ﻳﺘﺄﺗﻰ ﺑﻬﺎ ﺣﻤﻞ ﺍﻟﺜﻘﻴﻞ، ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻧﻀﺎﻑ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﺗﺄﺗﻲ ﺫﻟﻚ ﺃﻭ ﺳﻬﻞ، ﻭﺇﻥ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻻ ﻳﺼﺢ ﺇﻻ ﺑﺎﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﻣﺤﻞ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ. ﻭﺑﻤﺜﻞ ﺫﻟﻚ ﻳﺒﻄﻞ ﻗﻮﻝ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺇﻧﻪ ﺟﺰﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ، ﻷﻥ ﺍﻟﻴﺪﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻟﻴﺴﺎ ﺑﻤﺤﻠﻴﻦ ﻟﻠﻘﺪﺭﺓ ﺃﺻﻼ، ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺤﻞ ﺍﻟﺠﺰﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ. ﻭﺃﻳﻀﺎ ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻳﻔﻌﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺍﺧﺘﺮﺍﻋﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﺃﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺼﺢ ﺃﻥ ﻳﻔﻌﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻟﻔﻘﺪ ﺍﻻﺧﺘﺼﺎﺹ ﺍﻟﻤﻌﻘﻮﻝ. ﻭﻣﻤﺎ ﻳﺪﻝ ﺃﻳﻀﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻌﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺃﻥ ﺍﻻﺩﺭﺍﻙ ﻳﻘﻊ ﺑﻜﻞ ﻋﻀﻮ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﻠﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﺍﻷﻋﻀﺎﺀ ﺣﻴﺎﺓ ﻟﻤﺎ ﺃﺩﺭﻙ ﺑﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﺪﺭﻙ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ ﻭﺍﻟﻈﻔﺮ.
ﻓﺄﻣﺎ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﻭﺡ، ﻓﻠﻴﺲ ﻳﺨﻠﻮ ﺃﻥ ﻳﺮﻳﺪ ﺑﺎﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻭﻏﺮﺽ ﺃﻭ ﻳﺮﻳﺪ ﺑﻪ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﺍﻟﻤﺘﺮﺩﺩ، ﻭﺍﻷﻭﻝ ﺑﺎﻃﻞ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺣﻴﺔ ﻗﺎﺩﺭﺓ، ﻭﺇﻥ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﺬﻟﻚ ﺃﻳﻀﺎ ﺑﺎﻃﻞ، ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﺼﺢ ﺃﻥ ﺗﺤﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﻻ ﻳﺪﺭﻙ ﺍﻷﻟﻢ ﻭﺍﻟﻠﺬﺓ ﻭﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺘﻪ، ﻭﺇﻥ ﺃﺭﺍﺩ ﻏﻴﺮﻫﻤﺎ ﻓﺬﻟﻚ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﻘﻮﻝ. ﻓﺄﻣﺎ ﻣﺬﻫﺐ ﺍﺑﻦ ﺍﻷﺧﺸﺎﺫ (2) ﻓﺈﻧﻪ ﺃﻳﻀﺎ ﻳﺒﻄﻞ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺃﺑﻄﻠﻨﺎ ﺑﻪ ﻣﺬﻫﺐ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻻ ﺗﺒﻄﻞ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺑﻘﻄﻊ ﻭﺳﻄﻬﺎ ﻭﺑﻘﻄﻊ ﺭﺃﺳﻬﺎ.
ﻭﺇﺫﺍ ﻗﺎﻝ ﺑﺎﻟﺘﻘﻠﺺ ﻓﻲ ﻗﻄﻊ ﺍﻟﻴﺪ ﺃﻭ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻓﻠﻢ ﻻ [ﻳﺘﻘﻠﺺ ﻓﻲ ﻗﻄﻊ ﺍﻟﺮﺃﺱ ﻭﺍﻟﻮﺳﻂ ﻭﻟﻢ] ﻳﺘﻘﻠﺺ ﺑﻘﻄﻊ ﺍﻟﻴﺪ ﺗﺎﺭﺓ ﻓﻴﺒﻘﻰ ﺣﻴﺎ ﻭﺗﺎﺭﺓ ﻻ ﻳﺘﻘﻠﺺ ﻓﻴﻤﻮﺕ، ﻭﻣﺎ ﺍﻟﻤﻮﺟﺐ ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻔﺮﻕ. ﻓﺈﺫﺍ ﺛﺒﺖ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﻓﺎﻟﺼﻔﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ ﺷﻴﺌﺎﻥ:
ﺃﻭﻟﻬﻤﺎ: ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺎﺩﺭﺍ ﻟﻴﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﻛﻠﻔﻪ ﻭﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻜﻠﻔﺎ ﻟﻤﺎ ﻻ ﻳﻄﻴﻖ، ﻭﻗﺪ ﺑﻴﻨﺎ ﻓﺴﺎﺩﻩ.
ﻭﺛﺎﻧﻴﻬﻤﺎ: ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﺎﻟﻤﺎ ﺃﻭ ﻣﺘﻤﻜﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﻛﻠﻔﻪ ﻣﻦ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻷﻓﻌﺎﻝ ﺃﻭ ﺇﻳﻘﺎﻋﻪ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﻣﺨﺼﻮﺹ ﻟﻴﺴﺘﺤﻖ ﺑﻪ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﻭﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﻪ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﻘﺒﻴﺢ ﺇﺫﺍ ﺗﺮﻛﻪ ﻟﻘﺒﺤﻪ، ﻭﺫﻟﻚ ﻻ ﻳﺘﻢ ﺇﻻ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﻘﺒﺤﻪ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﻪ ﺑﻨﺼﺐ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻳﻘﻮﻡ ﻣﻘﺎﻡ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻱ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ. ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻗﻠﻨﺎ ﺇﻥ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﻣﻜﻠﻔﻮﻥ ﻟﻠﺸﺮﺍﺋﻊ ﻟﺘﻤﻜﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ.
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻮﻣﻪ ﻻ ﻳﺼﺢ ﺣﺼﻮﻟﻬﺎ ﺇﻻ ﻣﻊ ﻛﻤﺎﻝ ﻋﻘﻠﻪ ﻭﺟﺐ ﺃﻥ ﻳﺨﻠﻖ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﻫﻮ ﻣﺠﻤﻮﻉ ﻋﻠﻮﻡ ﺇﺫﺍ ﺍﺟﺘﻤﻌﺖ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺤﻲ ﻋﺎﻗﻼ، ﻭﺇﺫﺍ ﺣﺼﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺃﻭ ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ ﺷﻲ ﺃﺻﻼ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﺎﻗﻼ.
ﻭﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﻰ ﻋﻘﻼ ﺗﻨﻘﺴﻢ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻗﺴﺎﻡ: ﺃﻭﻟﻬﺎ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺄﺻﻮﻝ ﺍﻷﺩﻟﺔ، ﻭﺛﺎﻧﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺘﻢ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻷﺻﻮﻝ ﺇﻻ ﻣﻌﻪ، ﻭﺛﺎﻟﺜﻬﺎ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺘﻢ ﺍﻟﻐﺮﺽ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ ﺇﻻ ﻣﻌﻪ. ﻓﺎﻷﻭﻝ ﻛﺎﻟﻌﻠﻢ ﺑﺄﺣﻮﺍﻝ ﺍﻷﺟﺴﺎﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻐﻴﺮ ﻣﻦ ﺣﺮﻛﺔ ﻭﺳﻜﻮﻥ، ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻔﻲ ﻭﺍﻻﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻘﺎﺑﻠﻴﻦ، ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺄﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﻦ ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ. ﻭﻟﻴﺲ ﻳﺼﺢ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺇﻻ ﻣﻤﻦ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﺎﻟﻤﺎ ﺑﺎﻟﻤﺪﺭﻛﺎﺕ ﺇﺫﺍ ﺃﺩﺭﻛﻬﺎ ﻭﺍﺭﺗﻔﻊ ﺍﻟﻠﺒﺲ ﻋﻨﻬﺎ ﻭﻣﻤﻦ ﺇﺫﺍ ﻣﺎﺭﺱ ﺍﻟﺼﻨﺎﺋﻊ ﺑﻌﻠﻤﻬﺎ، ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﻌﺎﺩﺍﺕ ﻣﻦ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ، ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻨﻪ، ﻓﻬﻮ ﻧﻈﻴﺮ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ. ﻭﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺠﻬﺎﺕ ﺍﻟﻤﺪﺡ ﻭﺍﻟﺬﻡ ﻭﺍﻟﺨﻮﻑ ﻭﻃﺮﻕ ﺍﻟﻤﻀﺎﺭ ﺣﺘﻰ ﻳﺼﺢ ﺧﻮﻓﻪ ﻣﻦ ﺇﻫﻤﺎﻝ، ﺍﻟﻨﻈﺮ، ﻓﻴﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻭﺍﻟﺘﻮﺻﻞ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ. ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﻫﻮ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻻ ﻏﻴﺮ ﺃﻧﻪ ﻣﺘﻰ ﺗﻜﺎﻣﻠﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻛﺎﻥ ﻋﺎﻗﻼ، ﻭﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﺎﻗﻼ ﺇﻻ ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺣﺎﺻﻠﺔ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﻣﻌﻨﻰ ﺁﺧﺮ ﻟﺠﺎﺯ ﺣﺼﻮﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ، ﻭﻻ ﻳﺤﺼﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﻼ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﺎﻗﻼ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ، ﻭﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺧﻼﻑ ﺫﻟﻚ. ﻭﺳﻤﻴﺖ ﻋﻘﻼ ﻷﻥ ﻟﻤﻜﺎﻧﻬﺎ ﻳﻤﺘﻨﻊ ﻣﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﺒﺤﺎﺕ، ﻓﺸﺒﻬﺖ ﺑﻌﻘﺎﻝ ﺍﻟﻨﺎﻗﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻨﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺮ. ﻭﻷﻥ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻤﻜﺘﺴﺒﺔ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻬﺎ ﻭﻻ ﻳﺼﺢ ﺣﺼﻮﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺩﻭﻧﻪ، ﻓﺴﻤﻴﺖ ﺑﻪ ﻋﻘﻼ ﺗﺸﺒﻴﻬﺎ ﺃﻳﻀﺎ ﺑﻌﻘﺎﻝ ﺍﻟﻨﺎﻗﺔ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻭﺻﻒ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺄﻧﻪ ﻋﺎﻗﻞ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻋﺎﻟﻤﺎ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ. ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ ﻣﺘﻤﻜﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻵﻻﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺘﻜﻠﻴﻔﻪ، ﻷﻥ ﻓﻘﺪ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﻛﻔﻘﺪ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻓﻲ ﻗﺒﺢ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ.
ﻭﺍﻵﻻﺕ ﻋﻠﻰ ﺿﺮﺑﻴﻦ: ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻻ ﻳﻘﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺼﻴﻠﻬﺎ ﺇﻻ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻛﺎﻟﻴﺪ ﻭﺍﻟﺮﺟﻞ، ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺨﻠﻘﻬﺎ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ ﻣﻦ ﺗﺤﺼﻴﻠﻬﺎ ﻛﺎﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻭﺍﻟﻘﻮﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻣﻲ ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ، ﻓﺎﻟﺘﻤﻜﻴﻦ ﻣﻦ ﺗﺤﺼﻴﻠﻬﺎ ﻟﻪ ﻭﺇﻳﺠﺎﺏ ﺗﺤﺼﻴﻠﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻳﻘﻮﻡ ﻣﻘﺎﻡ ﺧﻠﻘﻬﺎ. ﻭﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﻤﻜﻴﻨﻪ ﻣﻦ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻓﻌﻞ ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺑﺎﻹﺭﺍﺩﺓ ﺇﺫﺍ ﻛﻠﻒ ﺇﻳﻘﺎﻋﻪ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﺟﻪ، ﻧﺤﻮ ﺻﻴﻐﺔ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﺍﻟﻨﻬﻲ ﻭﺍﻟﺨﺒﺮ ﻭﺇﻳﻘﺎﻉ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ. ﻭﻣﺎ ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﻻ ﺗﺆﺛﺮ ﻓﻴﻪ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺟﺎﺯ ﺃﻥ ﻳﻜﻠﻒ ﺫﻟﻚ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺘﻤﻜﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ، ﻭﺫﻟﻚ ﻧﺤﻮ ﺭﺩ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﻮﺩﻳﻌﺔ ﻭﺭﺩ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﻤﻐﺼﻮﺏ. ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ ﻣﺸﺘﻬﻴﺎ ﻭﻧﺎﻓﺮﺍ، ﻷﻥ ﺍﻟﻐﺮﺽ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﻌﺮﻳﺾ ﻟﻠﺜﻮﺍﺏ ﻓﻼ ﻳﺼﺢ ﺍﺳﺘﺤﻘﺎﻕ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻠﺤﻖ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻤﺸﻘﺔ، ﻓﻼ ﻳﺼﺢ ﺫﻟﻚ ﺇﻻ ﺑﺄﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻧﺎﻓﺮ ﺍﻟﻄﺒﻊ ﻋﻤﺎ ﻛﻠﻒ ﻓﻌﻠﻪ ﻭﻣﺸﺘﻬﻴﺎ ﻟﻤﺎ ﻛﻠﻒ ﺍﻻﻣﺘﻨﺎﻉ ﻣﻨﻪ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻧﻘﻮﻝ ﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ ﻣﺸﻘﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺃﻭ ﺷﺒﻬﻪ ﺃﻭ ﺃﻣﺮ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻪ، ﻭﺃﻣﺜﻠﺔ ﺫﻟﻚ ﻣﻌﺮﻭﻓﺔ ﻻ ﻧﻄﻮﻝ ﺑﺬﻛﺮﻫﺎ. ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻮﺍﻧﻊ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ، ﻷﻥ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﻨﻊ ﻳﺘﻌﺬﺭ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻛﺘﻌﺬﺭﻩ ﻣﻊ ﻓﻘﺪ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ. ﻭﻻ ﻓﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻨﻊ ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻏﻴﺮﻩ ﻓﻲ ﻗﺒﺢ ﺗﻜﻠﻴﻔﻪ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ ﻗﺎﺩﺭﺍ ﻋﻠﻰ ﺇﺯﺍﻟﺔ ﺍﻟﻤﻨﻊ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ. ﻭﻻ ﻳﺤﺴﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻠﻔﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺸﺮﻁ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺍﻟﻤﻮﺍﻧﻊ، ﻷﻥ ﺫﻟﻚ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺤﺴﻦ ﻓﻴﻤﻦ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﺍﻟﻌﻮﺍﻗﺐ. ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻳﻀﺎ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻠﺠﺄ ﻓﻴﻤﺎ ﻛﻠﻒ، ﻷﻥ ﺍﻟﻐﺮﺽ ﺑﺎﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﺍﺳﺘﺤﻘﺎﻕ ﺍﻟﻤﺪﺡ ﻭﺍﻟﺜﻮﺍﺏ، ﻭﺍﻻﻟﺠﺎﺀ ﻻ ﻳﺜﺒﺖ ﻣﻌﻪ ﺍﺳﺘﺤﻘﺎﻕ ﻣﺪﺡ.
ﺃﻻ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻻ ﻳﻤﺪﺡ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻘﺘﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺃﻭﻻﺩﻩ ﻭﻻ ﻳﺤﺮﻕ ﻣﺎﻟﻪ ﻭﺩﺍﺭﻩ، ﻷﻧﻪ ﻣﻠﺠﺄ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻔﻌﻠﻪ ﻣﻊ ﺯﻭﺍﻝ ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ ﻭﺍﻟﻠﺒﺲ، ﻷﻥ ﻣﻊ ﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻔﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ ﺍﻟﻬﻨﺪ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻭﺇﺣﺮﺍﻗﻬﺎ ﻟﻤﺎ ﺍﻋﺘﻘﺪﻭﺍ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﻧﻪ ﻗﺮﺑﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ. ﻭﺍﻻﻟﺠﺎﺀ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺸﻴﺌﻴﻦ: ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﺑﺄﻥ ﻳﺨﻠﻖ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻱ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﺘﻰ ﺭﺍﻡ ﻓﻌﻼ ﻣﻨﻊ ﻣﻨﻪ، ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺃﻧﻪ ﻣﺘﻰ ﻓﻌﻞ ﺗﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺿﺮﺭ ﻋﻈﻴﻢ ﺃﻭ ﻳﻨﺎﻝ ﻣﻨﺎﻓﻌﺎ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﻛﻤﻦ ﻳﻌﺪﻭ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺒﻊ ﻭﺍﻟﻨﺎﺭ ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ. ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﺮﻁ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﺃﻥ ﻳﻌﻠﻢ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ ﺃﻥ ﻣﻜﻠﻔﺎ ﻛﻠﻔﻪ ﺇﺫﺍ ﻋﻠﻢ ﻭﺟﻮﺏ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻗﺒﺢ ﺍﻟﻘﺒﻴﺢ ﻣﻨﻪ ﻭﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺃﺩﺍﺋﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﻜﻠﻔﻪ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺍﺷﺘﺮﺍﻙ ﺍﻟﻌﻘﻼﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﻮﺟﻮﺏ ﺭﺩ ﺍﻟﻮﺩﻳﻌﺔ ﻭﺍﻻﻣﺘﻨﺎﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺇﻥ ﺍﺧﺘﻠﻔﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ. ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺷﺮﻁ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ ﺃﻥ ﻳﻌﻠﻢ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺃﻧﻪ ﻣﻜﻠﻒ ﻟﻠﻔﻌﻞ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ ﻭﺃﻧﻪ ﺃﻭﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﻄﻌﺎ، ﻷﻧﻪ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻘﻄﻊ ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎﺋﻪ ﺇﻟﻰ ﻭﻗﺖ ﺍﻟﻔﻌﻞ، ﻭﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺇﻏﺮﺍﺀ ﺑﺎﻟﻘﺒﻴﺢ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ. ﻭﺃﻳﻀﺎ ﻓﻼ ﻣﻜﻠﻒ ﺇﻻ ﻭﻫﻮ ﻳﺠﻮﺯ ﺍﺣﺘﺮﺍﻣﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻗﺎﻃﻌﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎﺋﻪ. ﻭﻻ ﻳﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﻌﺼﻮﻣﻮﻥ ﻣﻐﺮﻳﻦ ﺑﺎﻟﻘﺒﺎﺋﺢ ﺇﺫﺍ ﻗﻄﻌﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎﺋﻬﻢ ﺯﻣﺎﻧﺎ ﻃﻮﻳﻼ، ﻷﻥ ﺍﻹﻏﺮﺍﺀ ﻻ ﻳﺼﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺼﻮﻡ ﺍﻟﻤﻮﺛﻖ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﻔﻌﻞ ﻗﺒﻴﺤﺎ ﻭﻻ ﻳﺨﻞ ﺑﻮﺍﺟﺐ، ﻓﻌﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﻻ ﻳﻘﻄﻊ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ ﻣﻜﻠﻒ ﻟﻠﺼﻼﺓ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻳﻔﻌﻞ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﻗﺒﻞ ﺫﻟﻚ ﺑﺘﺠﻮﻳﺰ ﺍﻻﺣﺘﺮﺍﻡ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻏﻴﺮ ﻣﻜﻠﻒ ﻟﻬﺎ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻪ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻚ ﺍﻟﺘﺸﺎﻏﻞ ﺑﺎﻟﺼﻼﺓ ﻣﻊ ﺿﻴﻖ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻷﻧﻚ ﻻ ﺗﺄﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﺒﻘﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺃﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﺈﺫﺍ ﺧﺮﺝ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺗﺒﻴﻦ ﺃﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻭﺍﺟﺒﺔ ﻋﻠﻴﻚ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﺍﻟﺘﺤﺮﺯ ﺑﻔﻌﻞ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻓﻠﺬﻟﻚ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻌﻠﻬﺎ. ﻭﺗﻜﻠﻴﻒ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻧﻪ ﻳﻜﻮﻥ، ﻣﻤﻜﻦ ﺣﺴﻦ ﺻﺤﻴﺢ، ﻭﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﻏﻴﺮ ﻣﻤﻜﻦ ﻷﻥ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻫﻮ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﻭﻣﺎ ﻋﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻻ ﻳﺼﺢ ﺃﻥ ﻳﺮﺍﺩ.
ﻓﻘﻮﻟﻪ ﺑﺎﻃﻞ، ﻷﻥ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﺎ ﻳﺼﺢ ﺣﺪﻭﺛﻪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺳﻮﺍﺀ ﻋﻠﻢ ﻳﺤﺪﺙ ﺃﻭ ﻻ ﻳﺤﺪﺙ. ﺃﻻ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻳﺼﺢ ﺃﻥ ﻳﺮﻳﺪ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺇﻥ ﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻌﻬﻢ ﻻ ﻳﺆﻣﻦ. ﻭﺃﻳﻀﺎ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﻳﺪ ﻣﻦ ﺃﺑﻲ ﻟﻬﺐ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻋﻠﻤﻪ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺆﻣﻦ. ﻭﺃﻳﻀﺎ ﻓﻘﺪ ﻳﺮﻳﺪ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻴﺮ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﻃﻌﺎﻣﻪ ﻭﺇﻥ ﻏﻠﺐ ﻓﻲ ﻇﻨﻪ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺘﻨﺎﻭﻟﻪ. ﻭﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﻈﻦ ﻋﻠﻰ ﺣﺪ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﻈﻦ، ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﻠﻢ. ﻓﺄﻣﺎ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﻣﻤﻜﻦ ﻏﻴﺮ ﺇﻧﻪ ﻻ ﻳﺤﺴﻦ، ﻓﺎﻟﺬﻱ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺑﻄﻼﻥ ﻗﻮﻟﻪ ﻣﺎ ﻗﺪﻣﻨﺎﻩ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﺗﻌﺮﻳﺾ ﻟﻨﻔﻊ ﻻ ﻳﻨﺎﻝ ﺇﻻ ﺑﻪ، ﻭﺍﻟﺘﻌﺮﻳﺾ ﻟﻠﺸﺊ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺇﻳﺼﺎﻟﻪ ﻭﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺣﺴﻦ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺣﺴﻦ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻩ ﺗﻌﺮﻳﻀﻪ ﻟﻪ ﺇﺫﺍ ﺍﻧﺘﻔﺖ ﻋﻨﻪ ﻭﺟﻮﻩ ﺍﻟﻘﺒﺢ، ﻭﻋﻜﺴﻪ ﻛﻞ ﺷﺊ ﻳﻘﺒﺢ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﺘﻌﺮﺽ ﻟﻪ ﻳﻘﺒﺢ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻧﺎ ﺗﻌﺮﻳﻀﻨﺎ ﻟﻪ ﺃﻳﻀﺎ، ﻭﻧﺤﻦ ﻧﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻳﺤﺴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﺍﻟﺘﻌﺮﺽ ﻟﻠﺜﻮﺍﺏ ﻭﺍﻟﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺑﻪ ﺫﻟﻚ، ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺤﺴﻦ ﻣﻨﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺗﻌﺮﻳﻀﻪ ﻟﻪ. ﻓﺈﺫﺍ ﺣﺴﻦ ﻣﻨﺎ ﺃﻥ ﻳﺘﻌﺮﺽ ﻟﻤﻨﺎﻓﻊ ﻣﻨﻘﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﺃﺭﺑﺎﺡ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺍﺕ ﺑﺘﻜﻠﻴﻒ ﺍﻟﻤﺸﺎﻕ ﻭﺍﻷﺳﻔﺎﺭ ﻭﺣﺴﻦ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻧﺎ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﺿﻨﺎ ﻟﻬﺎ ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺤﺴﻦ ﺍﻟﺘﻌﺮﺽ ﻟﻠﻤﻨﺎﻓﻊ ﺍﻟﺪﺍﺋﻤﺔ ﻭﺍﻟﺘﻌﺮﻳﺾ ﻟﻬﺎ. ﻭﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﺇﻧﻤﺎ ﺍﺳﺘﻀﺮ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺑﻔﻌﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺳﻮﺀ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﻩ، ﻷﻧﻪ ﺃﻗﺪﻡ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺑﻪ ﺍﻟﻌﻘﺎﺏ ﻭﻗﺪ ﻧﻬﺎﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺣﺬﺭﻩ ﻭﺗﻮﻋﺪﻩ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺭﻏﺒﻪ ﻓﻲ ﺧﻼﻓﻪ، ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺿﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻠﻔﻪ، ﺑﻞ ﻣﻜﻠﻔﻪ ﻧﻔﻌﻪ ﺑﻐﺎﻳﺔ ﺍﻟﻨﻔﻊ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻋﺮﺿﻪ
ﻟﻤﻨﺎﻓﻊ ﻻ ﺗﻨﺎﻝ ﺇﻻ ﺑﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻛﻠﻔﻪ ﻭﺣﺜﻪ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ. ﻭﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﻦ ﺫﻟﻚ ﺃﻳﻀﺎ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﺣﺴﻦ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻧﻪ ﻳﺆﻣﻦ، ﻭﻗﺪ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺎﻟﻜﺎﻓﺮ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﺑﺎﻟﻤﺆﻣﻦ ﻣﻦ ﺃﻗﺪﺍﺭﻩ ﻭﺧﻠﻖ ﺍﻟﺸﻬﻮﺓ ﻓﻴﻪ ﻭﺍﻟﻨﻔﺎﺭ ﻭﻧﺼﺐ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﻭﺧﻠﻖ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺘﻤﻜﻴﻦ ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﺍﺋﻂ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪﻡ ﺫﻛﺮﻫﺎ، ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺗﻜﻠﻴﻔﻬﻤﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺣﺴﻨﺎ ﺃﻭ ﻗﺒﻴﺤﺎ. ﻓﺈﺫﺍ ﺣﻜﻤﻨﺎ ﺑﺤﺴﻦ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻧﻪ ﻳﺆﻣﻦ ﻭﺟﺐ ﻣﺜﻞ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻳﻜﻔﺮ، ﻭﺃﻣﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﻊ ﻣﻦ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﺃﺻﻼ ﻓﻼ ﺗﻜﻠﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺑﻞ ﺗﻜﻠﻢ ﺑﻤﺎ ﺗﻘﺪﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﻲ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ. ﻭﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻔﻴﻦ ﻻ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻟﻺﻳﻤﺎﻥ ﻓﻴﺤﺼﻞ ﻧﻔﻌﻪ، ﻭﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻓﺎﺳﺘﻀﺮ ﺑﻪ، ﻓﺄﺗﻰ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻧﻔﺴﻪ.
(ﺩﻟﻴﻞ ﺁﺧﺮ) ﻭﻳﺪﻝ ﺃﻳﻀﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﻦ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻧﻪ ﻳﻜﻔﺮ ﻭﻳﻤﻮﺕ ﻋﻠﻰ ﻛﻔﺮﻩ ﺃﻧﻪ ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﺤﺴﻦ ﺫﻟﻚ ﻟﻮﺟﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻠﻤﻜﻠﻒ ﻃﺮﻳﻖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﻘﺒﺢ ﺫﻟﻚ، ﻭﻟﻮ ﻋﻠﻢ ﻗﺒﺤﻪ ﻟﻮﺟﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺎﻃﻌﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺇﻻ ﻭﻫﻮ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ، ﻭﻻ ﻳﺘﻢ ﺫﻟﻚ ﺇﻻ ﺑﺄﻣﺮﻳﻦ:
ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﺃﻥ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻣﺘﻰ ﺭﺍﻡ ﺍﻟﻘﺒﻴﺢ ﻣﻨﻊ ﻣﻨﻪ ﻭﺫﻟﻚ ﺇﻟﺠﺎﺅﻧﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ، ﺃﻭ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﺳﻴﺘﻮﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻭﺫﻟﻚ ﻭﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﻏﺮﺍﺀ ﻭﻛﻼﻫﻤﺎ ﻓﺎﺳﺪﺍﻥ، ﻓﺈﺫﺍ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻤﻦ ﻳﺠﻮﺯ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻫﻮ ﻣﺴﺘﺤﻖ ﻟﻠﻌﻘﺎﺏ ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺃﺭﺩﻧﺎﻩ. ﻭﻣﺘﻰ ﺍﺩﻋﻲ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻭﺟﻪ ﻗﺒﺢ ﻓﺎﻟﻜﻼﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺪ ﺍﺳﺘﻮﻓﻴﻨﺎﻩ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﺍﻟﺠﻤﻞ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﺇﻧﺸﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ.
ﻭﻣﻤﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﻦ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻧﻪ ﻳﻜﻔﺮ ﺃﻧﻪ ﺛﺒﺖ ﺃﻧﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻛﻠﻒ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺻﻮﺭﺗﻪ، ﻷﻧﺎ ﻧﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﻼﺀ ﺍﻟﻤﻜﻠﻔﻴﻦ ﻳﻤﻮﺗﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻛﻔﺮﻫﻢ، ﻭﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺇﻻ ﻣﺎ ﻋﻠﻤﻨﺎﻩ ﻣﻦ ﺣﺎﻝ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﻭﻫﺎﻣﺎﻥ ﻭﺃﺑﻲ ﺟﻬﻞ ﻭﺃﺑﻲ ﻟﻬﺐ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ ﻟﻜﻔﻰ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﻗﺒﻴﺤﺎ ﻟﻤﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻷﻧﺎ ﻗﺪ ﺩﻟﻠﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻻ ﻳﻔﻌﻞ ﺍﻟﻘﺒﻴﺢ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻝ.
ﻭﻻ ﻳﻠﺰﻡ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺑﻌﺜﺔ ﻧﺒﻲ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺆﺩﻱ ﻣﺎ ﺣﻤﻠﻪ، ﻷﻥ ﺑﻌﺜﺔ ﻧﺒﻲ ﻻ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻣﺎﻟﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻳﻤﻨﻊ ﻣﻦ ﺇﺯﺍﺣﺔ ﻋﻠﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻭﻳﻮﺟﺐ ﻣﻨﻊ ﺍﻟﻠﻄﻒ ﻭﺍﻟﺘﻤﻜﻴﻦ، ﻓﻠﻬﺬﺍ ﻟﻢ ﻳﺠﺰ، ﻻ ﻷﻧﻪ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻧﻪ ﻳﻜﻔﺮ. ﻭﻟﺴﻨﺎ ﻧﻨﻜﺮ ﺃﻳﻀﺎ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﺽ ﻓﻲ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻧﻪ [ﻳﻜﻔﺮ ﻭﺟﻪ ﻗﺒﺢ ﻳﻘﺒﺢ ﺗﻜﻠﻴﻔﻪ، ﺑﻞ ﻻ ﻳﻨﻜﺮ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻧﻪ] ﻳﺆﻣﻦ، ﻷﻧﻪ ﻟﻮ ﻋﺮﺽ ﻓﻴﻪ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻤﻔﺴﺪﺓ ﻟﻘﺒﺢ ﺗﻜﻠﻴﻔﻪ ﻭﺇﻥ ﺁﻣﻦ.
ﻓﺈﺫﺍ ﺛﺒﺖ ﺣﺴﻦ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﺑﻤﻦ ﻋﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻳﺆﻣﻦ ﻭﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻳﻜﻔﺮ ﻭﺟﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻨﻘﻄﻌﺎ، ﻷﻥ ﺍﻟﻐﺮﺽ ﺑﺎﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﻓﻠﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻣﻨﻘﻄﻌﺎ ﻻﻧﺘﻘﺾ ﺍﻟﻐﺮﺽ ﺑﺎﻟﺘﻜﻠﻴﻒ، ﻷﻥ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺑﺎﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻘﺘﺮﻓﺎ، ﻷﻥ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺧﺎﻟﺼﺎ ﺻﺎﻓﻴﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻮﺏ ﻭﺍﻟﺘﻜﺪﻳﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﺴﻦ ﺇﻟﺰﺍﻡ ﺍﻟﻤﺸﺎﻕ. ﻭﺫﻟﻚ ﻻ ﻳﺼﺢ ﻣﻊ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ، ﻷﻥ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻻ ﻳﻌﺮﻯ ﻣﻦ ﻣﺸﻘﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺣﺼﻮﻝ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﻋﻠﻰ ﺧﻼﻑ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﻖ ﻭﻳﺼﺮﻑ ﺑﻪ ﺍﻟﻐﻤﻮﻡ ﻭﺍﻟﻤﻀﺎﺭ. ﻭﺃﻳﻀﺎ ﻟﻮ ﺍﻗﺘﺮﻥ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺑﺎﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻷﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ ﻣﻠﺠﺄ، ﻷﻥ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻊ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺗﻠﺠﺊ ﺇﻟﻰ ﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﺿﻤﻨﺖ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻗﻠﻨﺎ ﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻴﻦ ﺯﻣﺎﻥ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻭﺑﻴﻦ ﺣﺎﻝ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺯﻣﺎﻥ ﻣﺘﺮﺍﺥ ﻳﺨﺮﺝ ﺍﻟﻤﻜﻠﻒ ﻣﻦ ﺣﺪ ﺍﻻﻟﺠﺎﺀ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻊ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺍﻟﻌﺎﺟﻠﺔ ﻣﻠﺠﺌﺔ ﻷﻧﻪ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺃﻥ ﻳﻔﻌﻞ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ ﻷﺟﻠﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ، ﻭﺫﻟﻚ ﻳﺨﺮﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺃﺻﻼ، ﻭﺫﻟﻚ ﻳﻨﻘﺾ ﺍﻟﻐﺮﺽ. ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻴﻦ ﺯﻣﺎﻥ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﻓﻠﻴﺲ ﺑﻤﺤﺼﻮﺭ ﻋﻘﻼ ﺑﻞ ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺎ ﻳﻌﻠﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻌﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺃﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﺮﺍﺥ ﻭﻣﻬﻠﺔ.
ﻓﺈﺫﺍ ﺛﺒﺖ ﻭﺟﻮﺏ ﺍﻧﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻓﻠﻴﺲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻭﻗﺖ ﺍﻧﻘﻄﺎﻋﻪ ﺑﺰﻣﺎﻥ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﺑﻞ ﻧﻮﺟﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ. ﻭﻻ ﻳﻤﺘﻨﻊ ﺃﻥ ﻳﺤﺴﻦ ﺍﻟﺸﺊ ﺃﻭ ﻳﻘﺒﺢ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ. ﻭﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻋﻘﻼ ﺍﻧﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻋﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻜﻠﻔﻴﻦ ﺑﻞ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻌﻠﻢ ﺫﻟﻚ ﺳﻤﻌﺎ ﻭﺍﻻﺟﻤﺎﻉ ﺣﺎﺻﻞ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ. ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺠﻮﺯ ﻋﻘﻼ ﺍﻧﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻋﻦ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻭﺑﻘﺎﺅﻩ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ، ﻟﻜﻦ ﺍﻹﺟﻤﺎﻉ ﻣﺎﻧﻊ ﻣﻨﻪ. ﻭﻣﺘﻰ ﺣﺼﻞ ﺍﻧﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﺑﻔﻌﻞ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻘﺪ ﺣﺼﻞ ﺍﻟﻐﺮﺽ، ﻭﻣﺘﻰ ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ ﻓﺈﻧﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﺰﻳﻠﻪ. ﻭﻳﺠﻮﺯ ﺍﻧﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﺑﺈﺯﺍﻟﺔ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺃﻭ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ، ﻭﺃﻣﺎ ﻓﻨﺎﺀ ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻣﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺟﻮﺍﺯﻩ ﻭﻻ ﻋﻠﻰ ﺇﺣﺎﻟﺘﻪ، ﻭﺍﻟﻤﺮﺟﻊ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﻊ، ﻓﺈﺫﺍ ﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﺴﻤﻊ ﺃﻧﻪ ﺗﻔﻨﻰ ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﺛﻢ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻻ ﻳﻨﺘﻔﻲ ﺇﻻ ﺑﻀﺪ ﻳﻄﺮﺃ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ (ﻣﻐﻨﻲ ﻳﻐﻨﻰ)؟ ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ. ﻭﻣﺎ ﻳﺴﺄﻝ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﻓﻘﺪ ﺑﻴﻨﺎ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﺍﻟﺠﻤﻞ. ﻭﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﻓﻨﺎﺀ ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﻫﻮ ﺍﻟﺴﻤﻊ، ﻭﻗﺪ ﺃﺟﻤﻌﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻔﻨﻲ ﺍﻷﺟﺴﺎﻡ ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﻭﻳﻌﻴﺪﻫﺎ، ﻓﻼ ﻧﻌﺘﺪ ﺑﺨﻼﻑ ﻣﻦ ﺧﺎﻟﻒ ﻓﻴﻪ. ﻭﻳﺪﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻳﻀﺎ ﻗﻮﻟﻪ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} [الحديد: 3] ﻓﻜﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﺃﻭﻻ ﻭﻻ ﺷﺊ ﻣﻌﻪ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻓﻜﺬﻟﻚ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺁﺧﺮﺍ ﻭﻻ ﺷﺊ ﻣﻌﻪ ﻣﻮﺟﻮﺩ. ﻭﻗﺪ ﺍﺳﺘﺪﻝ ﺑﻐﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎﻩ. ﻭﺇﺫﺍ ﺛﺒﺖ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﺗﻔﻨﻰ ﻓﺎﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻌﻴﺪﻫﺎ ﺇﺟﻤﺎﻋﺎ. ﻭﺃﻳﻀﺎ ﻓﻠﻮ ﻟﻢ ﻳﻌﺪﻫﺎ ﻟﻤﺎ ﺃﻣﻜﻦ ﺇﻳﺼﺎﻝ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﻖ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ، ﻭﻗﺪ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﻭﺟﻮﺏ ﺫﻟﻚ، ﻓﺈﺫﺍ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺇﻋﺎﺩﺗﻬﺎ.
[ﻭﻛﻞ ﻣﻦ ﻣﺎﺕ ﻭﻟﻪ ﺣﻖ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻮﻓﻪ ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺠﺐ ﺇﻋﺎﺩﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ، ﻷﻥ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺩﺍﺋﻢ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻮﻓﻴﺮﻩ ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ]. ﻭﺃﻣﺎ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﻌﻮﺽ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻮﻓﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻻ ﻳﺠﺐ ﺇﻋﺎﺩﺗﻪ، ﻷﻥ ﺍﻟﻐﺮﺽ ﻣﻨﻘﻄﻊ. ﻭﺃﻣﺎ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﻌﻘﺎﺏ ﻓﻼ ﻳﺠﺐ ﺇﻋﺎﺩﺗﻪ، ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻘﺎﺏ ﻳﺤﺴﻦ ﺇﺳﻘﺎﻃﻪ ﻋﻘﻼ ﻓﺈﺫﺍ ﺳﻘﻂ ﻟﻢ ﻳﺤﺴﻦ ﺍﺳﺘﻴﻔﺎﺅﻩ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺐ ﺇﻋﺎﺩﺗﻪ. ﻓﺈﺫﺍ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﺃﻧﻪ ﻳﻌﺎﻗﺐ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﺃﻧﻪ ﻳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﻖ ﻟﻠﻌﻘﺎﺏ، ﻭﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻋﻘﺎﺑﻪ ﻣﻨﻘﻄﻌﺎ ﻓﻼ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﺬﻟﻚ ﺇﻻ ﻭﻫﻮ ﻣﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﺑﻄﺎﻋﺎﺗﻪ، ﻭﺇﺫﺍ ﺃﻋﻴﺪ ﺭﺑﻤﺎ ﺍﺳﺘﻮﻓﻰ ﻋﻘﺎﺑﻪ ﺛﻢ ﻧﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻋﻔﻲ ﻋﻦ ﻋﻘﺎﺑﻪ ﻭﻓﻌﻞ ﺑﻪ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ، ﻓﺈﻋﺎﺩﺗﻪ ﻭﺍﺟﺒﺔ ﻋﻘﻼ ﻟﻤﺎ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﺤﻘﺎﻕ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻌﻘﺎﺏ. ﻭﻗﺪ ﺃﺟﻤﻌﺖ ﺍﻷﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻌﻴﺪ ﺃﻃﻔﺎﻝ ﺍﻟﻤﻜﻠﻔﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺠﺎﻧﻴﻦ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﻏﻴﺮ ﻭﺍﺟﺐ ﻋﻘﻼ، ﻭﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺐ ﺇﻋﺎﺩﺗﻪ ﻫﻮ ﺑﻨﻴﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺘﻰ ﺍﻧﺘﻘﺼﺖ ﺧﺮﺝ ﺍﻟﺤﻲ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻪ ﺣﻴﺎ. ﻭﻻ ﻣﻌﺘﺒﺮ ﺑﺎﻷﻃﺮﺍﻑ ﻭﺃﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﺴﻤﻦ ﻷﻥ ﺍﻟﺤﻲ ﻻ ﻳﺨﺮﺝ ﺑﻤﻔﺎﺭﻗﺘﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻪ ﺣﻴﺎ. ﺃﻻ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺃﺣﺪﻧﺎ ﻗﺪ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﻤﺪﺡ ﻭﺍﻟﺬﻡ ﺛﻢ ﻳﺴﻤﻦ ﻓﻼ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﺣﺎﻟﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺴﺘﺤﻘﻪ ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻳﻬﺰﻝ ﻭﺍﺳﺘﺤﻘﺎﻗﻪ ﻟﻠﻤﺪﺡ ﺃﻭ ﺍﻟﺬﻡ ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ، ﻓﻌﻠﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﺃﻧﻪ ﻻ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻷﺟﺰﺍﺀ. ﻭﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﻳﺠﺐ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﻓﻘﻮﻟﻪ ﺑﺎﻃﻞ، ﻷﻥ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﻖ ﻟﻠﺜﻮﺍﺏ ﻭﺍﻟﻌﻘﺎﺏ ﻫﻲ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﻛﺒﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﻭﻛﻴﻒ ﻳﺠﻮﺯ ﺍﻟﺘﺒﺪﻝ ﺑﻬﺎ ﻓﻴﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺇﻳﺼﺎﻝ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﻭﺍﻟﻌﻘﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﻖ، ﻭﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﻗﻠﻨﺎﻩ ﺃﻭﻻ.
______________
(1) ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻌﻠﻤﺎ ﻟﻪ.
(2) ﻛﺬﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺴﺨﺘﻴﻦ ﻳﺮﻳﺪ " ﺍﺑﻦ ﺍﻷﺧﺸﻴﺬ " ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻀﻰ ﺫﻛﺮﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻔﺤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، ﻭﻫﻮ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺑﻴﻐﺠﻮﺭ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺍﺑﻦ ﺍﻻﺧﺸﻴﺬ ﺍﻟﻤﻌﺘﺰﻟﻲ ﺍﻟﻤﺘﻮﻓﻰ ﺳﻨﺔ 326.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|