أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-19
1125
التاريخ: 2023-09-19
1086
التاريخ: 2023-09-19
1004
التاريخ: 22-11-2016
811
|
السكان:
من الأمثال المضروبة في أوروبة، أنَّ جبال البُرْت (البُرْتات) أو كما يطلق عليها قسم من العرب: جبال البرانس (1) ( Pyrenees) ، هي الحدّ الفاصل بين أوروبة وإفريقيّة. ويقولون: إذا تجاوزت معابر جبال البُرْت، فاعلم أنّك قد دخلت إفريقيّة (2).
والواقع أن هناك اختلافاً في الجغرافية الطبيعية بين الأندلس من جهة، وأوروبة من جهة ثانية، أما من ناحية السكان، قبل الفتح الإسلامي، فلا شكّ في أن أهل الأندلس أوربيون من ناحية سلالتهم، ولكن اختلاطهم بالبربر والأمم السامية الأخرى، قروناً طويلة، جعل منهم أمّة وسطاً بين الشرق والغرب، إذ يذهب كثير من المؤرخين الأجانب، إلى أنّ الإيبيريين الذين هم سكان إسبانيا الأولون، هم والبربر من أصل واحد. ويستدلّون على ذلك بالتشابه بين عادات الأمتين، من ذلك ما رواه سترابون من أنّ المرأة كان لها المقام الأول عندهم إلى زمن الرومانيين، وهذه العادة معروفة الآن عند الطوارق مِن البربر في صحراء إفريقيّة، كما أنّ السليتين جاءوا من أوروبة الوسطى فاختلطوا بالإيبيريين، كما أن قرطاجنّة أرسلت إلى إسبانيا مهاجرين كثيرين من إفريقيّة، وقبل قرطاجنّة كان الفينيقيون قد عمروها، وهكذا كان سكان إسبانيا عناصر غربية تأتي من شمال جبال البُرْت، وعناصر شرقيّة تأتيها من جنوبي مضيق جبل طارق (3)، وتختلط هذه العناصر بالسكان الأصليين. ثم إنّه طرأ على إسبانيا جاليات يونانية -وبخاصة أيام الإسكندر المقدوني الذي كان له جهود في فتح مضيق الزقاق أو بحر المجاز أو مضيق جبل طارق (4) -، وقد نزلت الجاليات اليونانية في أقسام إسبانيا الشرقيّة (5). وتلاها جاليات رومانية غلبت على جميعها، وفي أثناء ذلك دخلها عدد كبير من يهود.
وبعد أن دخلها السليتيون واللاّتينيون واليونان واختلطوا بسكّانها الإيبيريين، وجاء القرطاجيون والفينيقيون ويهود من السلالات الآسيويّة، واختلطت هذه المجموعات البشرية ببعضها، جاءتها موجات بشرية أهمها الوندال والقوط الذين ملكوها وكانوا الطبقة السائدة فيها عندما فتحها المسلمون (6).
واسم الأندلس مأخوذ من قبائل الوندال ( Vandals) التي تعود إلى أصل جرماني، احتلت الأندلس حوالي القرن الثالث والرابع الميلاديين وحتى القرن الخامس الميلادي، فسميت باسمها: ( Vandalusia) أي: بلاد الوندال (7).
واحتل القوط الغربيون الأندلس في أوائل القرن الخامس الميلادي، وهؤلاء القوط الغربيون ( Visigoths) هم الذين طردوا الوندال ( Vandals) إحدى القبائل الجرمانية المتبربرة من الأندلس، فاستبدّ القوط بالحكم (8).
والقوط الغربيون، قسم من القوط ( Goths) ، وجماعة رئيسة من الجرمان، انفصلوا من القوط الشرقيين في أوائل القرن الرابع الميلادي، وقد توغلوا في شمالي إسبانيا، ثمّ وسّعوا ممتلكاتهم الإسبانية على حساب الوندال، وأخيراً أصبح تاريخ القوط الغربيين هو تاريخ إسبانيا، واعتنقوا الكاثوليكيّة واندمجوا بالإسبان، وكان آخر ملوكهم لُذَريق الذي هزمه طارق بن زياد (9).
وكان البَشْكُنْس ( Basques) وهم أمّة عظيمة (10)، سكّان بلاد نافار ( Navarra) التي كانت بَنْبُلُوْنَة ( Pamplona) عاصمة لها. وتقع نافار شرقي مملكة ليون محاذية لجبال البُرْت التي تفصل بين إسبانيا وفرنسة. وهم أمّة مستقلّة بنفسها، وأصل اسم هذه الأمة هو الباسقو نغادوس ( Vascongados) ، ومنه اشتق اسمها الحالي: الباسك ( Les Basques) ، ومنهم من يتكلم الإسبانية أو الفرنسية، ولكن أكثرهم لا يتكلّمون بغير لغة البَشْكُنْس، وهم من أشدّ أمم الأرض استمساكاً بقوميتهم واحتفاظاً بخصوصيّتهم، يزعمون أنّهم أقدم أمّة في أوروبة، ولا نزاع في أنّهم بقايا الشعب الإيبيري القديم، والثمالة الخالصة المحضة التي لم تدخل عليها شائبة من ذلك الشعب الإيبيري القديم. وهم أشداء جبليون، موثقو الخَلْق، تغلب عليهم السُّمرة، إلاّ مَن كان منهم في أعالي الجبال، فَيَغلب عليهم الّلون الأشقر، شمُّ الأنوف، محدّدو الأذقان، شعورهم مائلة إلى السّواد، لهم زي خاص بهم لا يعرفون سواه، بقيت منه حتى اليوم طاقية من الصوف يقال لها البوانا ( Laboina) لا يزالون يلبسونها على رءوسهم. وأما عاداتهم القديمة، فمنهم مَن تركها، ومنهم مَن لا يزال يعضّ عليها بالنواجذ حتى اليوم، فتجدهم يستعملون محاريثهم القديمة، وعجلات تجرّها البقر، وعليها نير مزخرف مغطى بجلد ضان، وعندهم نوع من الرقص في أعيادهم ومواسمهم يسمّونه أوريسكو (11)، يجرونه على صوت مزمار صغير يسمى: دولسينية (12)، مع قرع الطبول.
والبشكنس من أشدّ أمم الأرض حباً بالحريّة وأنفة من قبول الضّيم، وكما كانوا يردّون غارات المسلمين من الجنوب، كانوا يردّون غارات الفرنج من الشمال، وكانت مواقع بلادهم الجبلية، تساعدهم على ردّ غارات تلك الأمم، فإنّ مساكنهم أكثرها في الجبال، تحيط بها الأوعار، والأرض كما يقال: تقاتل مع أهلها (13). وهم الذين أوقعوا بجيش شارلمان عند سَرَقُسْطَة بعد أن عجز عن أخذها. ولم يخضع البشكنس لملوك ليون وملوك نَبَارة وملوك قشتالة، إلاّ على شرط احترام هذه الدول لعاداتهم وتقاليدهم. وكانت لهم امتيازات يقال لها: فُيُورس ( Fueros) ، ولم تزل امتيازاتهم هذه محفوظة (14).
وعلى وجه الإجمال، فإنّ السلالة الآريّة هي الغالبة في القسم الشمالي الغربيّ من إسبانيا، لذلك فإنّ أجسامهم أقوى وعضلاتهم أصلب من سكّان وسط الأندلس وجنوبيها. ومن السلالة الآرية القشتاليون، الذين يعتبرون أنفسهم من سكّان البلاد الأصليين. ومثل القشتاليين في الحميّة أهل أراغون وأهل مقاطعة مُرْسِيَة. أما سكّان المقاطعات الجنوبية من الأندلس، فيغلب على أهلها الذكاء والجمال والسرور وحبّ الترف، لأنّهم مزيج من شعوب شتى (15).
إنّ موقع إسبانيا الجغرافيّ، وخصوبة أرضها، وغزارة مياهها، وطيب جوّها، جعلها مطمح كثير من الأقوام جماعات وأفراداً، وملتقى كثير من الشّعوب الغزاة تارة والمهاجرين تارة أخرى، مما هيّا لها أسباب امتزاج تلك الشعوب، وجعلها شعباً واحداً، يعيش في منطقة جغرافيّة واحدة، إذا اختلفت في جذورها، فهي لا تختلف في بنيتها الراهنة بعد امتزاجها وانصهارها في شعب واحد، هو الشعب الإسباني، في بلاده إسبانيا.
______________
(1) تسمى هذه الجبال أحياناً: البرانس، والظاهر أنّها تسمية خاطئة، لأنّ جبال البرانس تقع شمالي قرطبة، وتعرف أيضاً بجبال المعدن ( Sierra de Almaden) ، أنظر جغرافية الأندلس وأوروبا (85) و (129) والروض المعطار (142) ونفح الطيب (1/ 143) ودولة الإسلام فى الأندلس (1/ 53 و 82) وتاريخ الجغرافية والجغرافيين في الأندلس (261) والتاريخ الأندلسي (35).
(2) الحلل السندسية (1/ 24).
(3) نفح الطيب (1/ 133).
(4) نفح الطيب (1/ 145 - 146) و (1/ 135).
(5) الحلل السندسية (1/ 25).
(6) الحلل السندسية (1/ 26).
(7) التاريخ الأندلسي (37).
(8) فجر الإسلام (2) ودولة الإسلام في الأندلس (1/ 27 - 29) وأوروبا والعصور الوسطى - عاشور- (1/ 88).
(9) الموسوعة العربية الميسرة (1407 - 1408) وأنظر نفح الطيب (1/ 137 - 140).
(10) جغرافية الأندلس وأوروبا (79).
(11) أوريسكو: Aurrescu.
(12) دولسينية: Dulsinya.
(13) تساعد المدافع على الدفاع، وتعرقل هجوم المهاجم.
(14) الحلل السندسية (1/ 321 - 322).
(15) عن جوسه - جغرافية إسبانيا والبرتغال، نقلاً من الحلل السندسيهّ (1/ 25 - 26).
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|