أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-19
1042
التاريخ: 22-11-2016
835
التاريخ: 22-11-2016
778
التاريخ: 24-5-2017
1135
|
كان فتح الإسلام لإسبانيا فاتحة عصر جديد، وبدأ تطور عظيم في حياتها العامة وفي نظمها الاجتماعية.
وقد كانت لعهد الفتح كما رأينا ترزح في غمر مرهقة من الجور والعسف، وكانت أقلية باغية من الأمراء والنبلاء تسود شعباً بأسره وتستغله أشنع استغلال، وتفرض عليه رسوم الرق والعبودية، وتستبيح منه كل الحريات والحرم.
فجاء الإسلام ليقضى على ذلك كله، وليحمل نعم العدل والحرية والمساواة إلى الناس جميعاً، وليعطي كل ذي حق حقه، وليقمع البغي والظلم.
وبالرغم من أن العرب شغلوا حيناً بتوطيد الفتح الجديد وتوسيعه، فإنهم استطاعوا في أعوام قلائل أن يقمعوا عناصر الشر والفوضى، وأن ينظموا إدارة البلاد المفتوحة، وأن يبثوا في الجزيرة روحا جديدا من العزم والأمل، فنشطت الزراعة والصناعة والتجارة بعد ركودها، وهبت ريح من الرخاء والدعة، على مجتمع أضناه العسف والفاقة مدى عصور.
قضى الفتح على سلطان الطبقات الممتازة، فتنفس الشعب الصعداء، وخف عن كاهله ما كان ينوء به من الأعباء والمغارم. وفرض المسلمون الضرائب بالمساواة والاعتدال والعدل، بعد أن كان يفرضها حكم الهوى والجشع، وأمن الناس على حياتهم وحرياتهم وأموالهم.
وترك الفاتحون لرعاياهم الجدد حق اتباع قوانينهم وتقاليدهم، والخضوع لقضائهم وقضاتهم، واختاروا في معظم الأحوال لهم حكاما من أبناء جنسهم، يعهد إليهم بسن الضرائب المطلوبة، والإشراف على النظام والسكينة.
أما في شأن الدين وحرية العقائد والضمائر، فقد كانت السياسة الإسلامية مثلا أعلى التسامح, فلم يظلم أحد أو يرهق بسبب الدين أو الاعتقاد، وكان أداء الجزية هو كل ما يفرض على الذميين من النصارى أو اليهود، لقاء الاحتفاظ بدينهم وحرية عقائدهم وشعائرهم, ومن دخل الإسلام منهم سقطت عنه الجزية، وأصبح كالمسلم سواء بسواء في جميع الحقوق والواجبات.
ونرى في هذا الموطن أن نقدم طائفة من الأقوال والآراء التي يعلق بها المؤرخون والنقدة الغربيون، على سياسة الفتح الإسلامي وآثاره في اسبانيا.
يقول العلامة المستشرق رينهارت دوزى:
" لم تكن حال النصارى في ظل الحكم الإسلامي مما يدعو إلى كثير من الشكوى بالنسبة لما كانت عليه من قبل. أضف إلى ذلك أن العرب كانوا يتحلون بكثير من التسامح, فلم يرهقوا أحداً في شؤون الدين. ولم تكن الحكومة - إذا لم تكن مغرقة في الدين - لتشجع إسلام النصارى، إذ كانت خزانة الدولة تخسر بإسلامهم كثيرا.
ولم يغمط النصارى للعرب هذا الفضل، بل حمدوا للفاتحين تسامحهم وعدلهم، وآثروا حكمهم على حكم الجرمان والفرنج وانقضى القرن الثامن كله في سكينة، وقلما نشبت فيه ثورة.
كذلك لم يبد رجال الدين في العصور الأولى كثيراً من التذمر، وإن كانت لديهم أكثر البواعث لذلك.
وهذا ما تؤيده روح الرواية اللاتينية التي كتبت سنة 754 في قرطبة، والتي تنسب لإيزيدور الباجى، فإن كاتبها رغم كونه من رجال الدين، يبدي نحو المسلمين من العطف، ما لم يبده أي كاتب إسباني آخر قبل القرن الرابع عشر ".
ويواصل دوزى عن آثار الفتح الإجتماعية:
" كان الفتح العربى من بعض الوجوه نعمة لإسبانيا, فقد أحدث فيها ثورة اجتماعية هامة، وقضى على كثير من الأدواء التي كانت تعانيها البلاد منذ قرون .. وحطمت سلطة الأشراف والطبقات الممتازة أو كادت تمحى، ووزعت الأراضي توزيعاً كبيرا، فكان ذلك حسنة سابغة، وعاملا في ازدهار الزراعة إبان الحكم العربي. ثم كان الفتح عاملا في تحسين أحوال الطبقات المستعبدة، إذ كان الإسلام أكثر تعضيداً لتحرير الرقيق من النصرانية، كما فهمها أحبار المملكة القوطية.
وكذا حسنت أحوال أرقاء الضياع، إذ غدوا من الزراع تقريبا، وتمتعوا بشيء من الاستقلال والحرية " (1).
ويقول الأستاذ لاين بول:
" أنشأ العرب حكومة قرطبة التي كانت أعجوبة العصور الوسطى، بينما كانت أوربا تتخبط في ظلمات الجهل، فلم يكن سوى المسلمين من أقام بها منائر العلم والمدنية ".
" ما كان المسلمون كالبرابرة من القوط أو الوندال، يتركون وراءهم الخراب والموت, حاشا، فإن الأندلس لم تشهد قط أعدل وأصلح من حكمهم. ومن الصعب أن نقول أنى اكتسب العرب تلك الخبرة الفائقة بالشئون الإدارية، فقد خرجوا من الصحراء إلى الغزو، ولم يفسح لهم تيار الفتح مجالا يدرسون فيه إدارة الأمم المفتوحة " (2).
ويقول المستشرق الإسباني جاينجوس:
" لقد سطعت في اسبانيا (الأندلس) أول أشعة لهذه المدنية، التي نثرت ضوءها فيما بعد على جميع الأمم النصرانية. وفى مدارس قرطبة وطليطلة العربية، جمعت الجذوات الأخيرة للعلوم اليونانية بعد أن أشرفت على الانطفاء، وحفظت بعناية. وإلى حكمة العرب، وذكائهم، ونشاطهم، يرجع الفضل في كثير من أهم المخترعات الحديثة وأنفعها " (3).
وقال المؤرخ الأمريكي سكوت:
" في أقل من أربعة عشر شهراً، قضى على مملكة القوط قضاء تاما، وفي عامين فقط وطدت سلطة المسلمين فيما بين البحر الأبيض المتوسط وجبال البرنيه. ولا يقدم لنا التاريخ مثلا آخر اجتمعت فيه السرعة والكمال والرسوخ بمثل ما اجتمعت في هذا الفتح... وقد كان المظنون في البداية أن الغزو إنما هو أمر مؤقت فقط.
ولم يتوقع أحد أن يكون احتلال البلاد دائما, فلما استقرت الجماعات المستعمرة، وفتحت الثغور لتجارة المشرق، وأقيمت المساجد، أدرك القوط فداحة الخطب الذى نزل بهم.
ولكن اعتدال حكامهم الجدد خفف من ألم الهزيمة. وكان دفع الجزية يضمن الحماية لأقل الناس. وكان يسمح للورع المتعصب أن يزاول شعائره دون تدخل، كما يسمح للملحد أن يجاهر بآرائه دون خشية المطاردة، والأحبار يزاولون شؤونهم في سلام.
أما أقوال الكتاب النصارى التي ينسبون فيها للعرب أفظع المثالب، فهي محض مبالغة أو افتراء " (4).
أجل، لم يك ثمة ما يدعو لأن يعتبر الفتح الإسلامي لإسبانيا كارثة قومية يفزع لها الشعب ويأسوا، بل كان كل ما هنالك بالعكس يدعو إلى اعتباره نذير الخلاص والأمل.
ألم يكن شعار الفاتحين التسامح والعدل والمساواة؟ لقد كان تسامح الإسلام نبراساً يشع بضوئه المنقذ في هاتيك المجتمعات التي أضناها الإرهاق الديني، ولم ير الإسلام بأساً من أن يستقبل النصارى واليهود إلى جانب المسلمين في مجتمع واحد، يسوى فيه بينهم في جميع الحقوق والواجبات، ولم ير بأساً من أن تقوم الكنائس والبيع إلى جانب المساجد، ألم يكن ذلك أبدع وأروع ما فى سياسة الفتح الإسلامى؟ لقد كانت حرية الضمائر والعقائد والفكر، وما زالت منذ أقدم العصور لا أثمن ما تحرص عليه الشعوب الكريمة وتذود عنه.
فإذا ذكرنا أن هذا التسامح الذى أبداه الإسلام نحو الأمم المغلوبة، وهذا الاحترام لضمائر الناس وعقائدهم، وهذه الحرية التي تركها لهم في إقامة شعائرهم، إنما جاءت بعد عصور طويلة من الاضطهاد الديني، اتخذت فيها مطاردة الضمائر والعقائد أشنع الأساليب والصور، استطعنا أن نقدر ما كان لذلك الانقلاب , وينوه باحث أمريكي حديث آخر هو الدكتور لي Lea بتسامح العرب والمسلمين خلال العصور الوسطى، وترفعهم عن الخصومات الدينية، وبغض الأجناس أو التفرقة بينها أثر عميق في نفسية الشعوب المغلوبة وعواطفها، وما كانت تحبو به حكم الإسلام من التأييد والرضى.
ويبدى كثير من العلماء الإسبان أنفسهم مثل هذا التقدير، والإشادة باعتدال السياسية الإسلامية وآثار مسلكها المستنير. ذلك أن العرب تركوا الشعب المغلوب دون مضايقة، يحيا حياته الخاصة في نظمه وتقاليده.
وهذا ما يسلم به المستشرق سيمونيت، بالرغم من كونه من أشد العلماء الإسبان تحاملا، فهو يقول لنا
" إنه فيما يتعلق بالقوانين المدنية والسياسية، فإن النصارى الإسبان احتفظوا في ظل حكم الإسلامى بنوع من الحكومة الخاصة، واحتفظ الناس بأحوالهم القديمة دون تغيير كبير، وفيما يتعلق بالتشريع، فإنهم قد احتفظوا في باب النظم الكهنوتية بقوانين الكنيسة الإسبانية القديمة، واحتفظوا في الناحية المدنية بالقوانين القوطية أو قانون التقاضي " Fuero Juzgo "، يخضعون لها في كل ما له علاقة بحكومتهم. وهى حكومة بلدية محلية، وما لم يكن يتعارض مع القوانين والسياسة الإسلامية " (5).
وفيما يتعلق بالناحية النظامية يقول العلامة ألتاميرا:
"إن أغلبية الشعب الإسباني الرومانى والقوطي بقيت في ظل حكم المسلمين محتفظة برؤسائها (وهم الأقماط أو الكونتات Condes) وقضائها وأساقفتها وكنائسها، وبالجملة بقيت محتفظة بما يشبه استقلالها المدني الكامل.
وقنع الولاة بأن يفرضوا في النصارى المحكومين الضرائب الشرعية " (6).
ويقول المستشرق كارديناس:
" إن الفضل يرجع إلى تسامح الولاة والأمراء الأوائل، في أنه خلال العصور الأولى من الحكم الإسلامى، كان الشعبان المسلمون والمستعربون (النصارى) - يعيشان جنباً إلى جنب عيشة حرة ".
" واستطاع المستعربون في ظل الحكم الإسلامى أن يحتفظوا باستقلالهم، ولغتهم وعاداتهم وقوانينهم، وأحياناً بأساقفتهم وكونتاتهم، وأن يسهروا على صيانة الفنون القوطية التي كان العرب أنفسهم يقتبسون من أساليبها " (7).
ونكتفى بما تقدم من أقوال المؤرخين والمفكرين الغربيين في الإشادة باعتدال السياسة الإسلامية وتسامحها. وفى أقوالهم أبلغ رد على ما ينسبه بعض الأحبار والعلماء المتعصبين لحكم المسلمين، من ضروب التعصب والطغيان المدني والديني.
غير أن هذا الدولة الجديدة التي أنشأها الإسلام في اسبانيا، كانت تحمل منذ البداية جرثومة الخلاف الخطر. وكان هذا المجتمع الجديد الذى جمع الإسلام شمله ومزج بين عناصره، يجيش بمختلف الأهواء والنزعات، وتمزقه فوارق الجنس والعصبية.
_______________
(1) I, p277 - 278. Dozy: Histoire, V .
ويذكر دوزى من جهة أخرى أن الفتح أعقبته فترة من الفوضى نهب فيها المسلمون عدة أماكن، وأحرقوا عدة مدن وشنقوا بعض الأشراف، وقتلوا الأطفال بالخناجر، ولكن الحكومة العربية قمعت في الحال هذه الفظائع (ج 2 ص 275).
ويندد من جهة أخرى بقضاء العرب على حرية الكنيسة، واستئثارهم بتكوين المجالس الدينية، وتعيين الأساقفة وعزلهم. ثم يقول إن العرب بعد أن توطد سلطانهم، كانوا أقل احتراما للمعاهدات المعقودة
(ج 2 ص 281).
ونقول نحن إن دوزى لم يعتمد في سرد هذه الفظائع إلا على الرواية النصرانية وهى متحاملة مغرضة تحمل طابع المبالغة، خصوصا فيما يتعلق بقتل الأطفال.
أما تنديده بقضاء العرب على سلطة الكنيسة فليس مما يمكن تبريره، لأن سياسة الفتح المستنيرة، وبواعث توطيد دعائم الدولة الجديدة، تقضى بأن يأخذ الغالب بزمام كل السلطات ق البلد المفتوح.
(2) Lane - Poole: The Moors in Spain, Ch.
(3) I.p VII & VIII .P. Gayangos: History of the Mohammedan Dynasties in Spain V
(4) 260 & 264.P. I. Scott: ibid, V.
(5) (Madrid 1897) 106.P. I. V. Simonet: Historia de los Mozarabes de Espana.D Francisco J
(6) 217.P. I Espanola "Barcelona 1900" T.R.
(7) Almagro y Cardenas: La Cultura Arabigo - Sevillana "Sevilla 1894" O.
P10.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|