أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-9-2016
2180
التاريخ: 30-9-2016
2027
التاريخ: 27-4-2020
2332
التاريخ: 25-2-2022
1916
|
منهم من اقتصر من العلم على علم الكلام و المجادلة و معرفة آداب المناظرة ليتفاخر في اندية الرجال و يتفوق على الاقران و الأمثال ، من غير ان يكون له في العقائد قدم راسخ او مذهب واحد ، بل يختار تارة ذاك و تارة هذا ، و تكون عقيدته كخيط مرسل في الهواء تفيئه الريح مرة هكذا و مرة هكذا ، و مع ذلك يظن بغروره أنه اعرف الناس و اعلمهم باللّه و بصفاته.
و(منهم) من أقتصر من العلم على علم النحو و اللغة ، او الشعر او المنطق ، و اغتر به و افنى عمره فيها ، و زعم ان علم الشريعة و الحكمة موقوف عليها ، و لم يعلم أن ما ليس مطلوبا لذاته و يكون وسيلة إلى ما هو مقصود لذاته يجب ان يقتصر عليه بقدر الضرورة ، و التعمق فيه إلى درجات لا تتناهى فضول مستغنى عنها ، و موجب للحرمان عما هو مقصود لذاته.
و(منهم) من اقتصر على فن المعاملات من الفقه ، المتضمن لكيفية الحكم و القضاء بين الناس واشتغل باجراء الاحكام ، وأعرض عن علم العقائد و الأخلاق ، بل عن فمن العبادات من الفقه وأهمل تفقد قلبه ليتخلى عن رذائل الأخلاق و يتحلى بفضائل الملكات و تفقد جوارحه و حفظها عن المعاصي و الزامها الطاعات.
و(منهم) من حصل فن العبادات أيضا ، بل احكم العلوم الشرعية بأسرها و تعمق فيها و اشتغل ولكن ترك العلم الإلهي و علم الأخلاق و لم يحفظ الباطن و الظاهر عن المعاصي ولم يعمرها بالطاعات.
و(منهم) من أحكم جميع العلوم من العقلية و الشرعية و تعمق فيها و اشتغل بها إلا أنه أهمل العمل رأسا ، أو واظب على الطاعات الظاهرة : وأهمل صفات القلب ، و ربما تفقد صفات القلب و أخلاق النفس أيضا و جاهد نفسه في التبرّى عنها ، و قلع من قلبه منابتها الجلية القوية ولكن بقيت في زوايا قلبه خفايا من مكائد الشيطان و خبايا و تلبيات النفس ما دق و غمض مدركه فلا يتفطن بها.
وجميع هؤلاء غافلون مغرورون ، اذا كان اعتقادهم انهم على خير و سعادة ، و إن كان بينهم تفاوت من حيث الضعف و الشدة ، إذ سعادة النفس و خلاصها عن العذاب لا تحصل إلا بمعرفة اللّه - تعالى- و معرفة صفاته وافعاله وأحوال النشأة الآخرة ، والعلم برذائل الأخلاق و شرائفها ثم تهذيب الباطن بفضائل الأخلاق و عمارة الظاهر بصوالح الطاعات و الاعمال ، فكل من يعلم بعض العلوم و ترك ما هو المهم من العلم - أعنى معرفة سلوك الطريق و قطع عقبات النفس التي هي الصفات المذمومة المانعة عن الوصول إلى اللّه - و ظن انه على خير كان مغرورا ، و إذا مات ملوثا بتلك الصفات كان محجوبا على اللّه ، فمن ترك العلم المهم و اشتغل بغيره ، فهو كمن له مرض خاص مهلك فاحتاج إلى تعلم الدواء و استعماله ، فاشتغل بتعلم مرض آخر يضاد مرضه في المعالجة ، كما ان من احكم العلوم بأسرها و ترك العمل ، مثل المريض الذي تعلم دواء مرضه و كتبه ، و هو يقرأه و يعلمه المرضى و لا يستعمله قط لنفسه ، فانه لا ريب في ان مجرد تعلم الدواء لا يشفيه ، بل لو كتبت منه الف نسخة و علمه الف مريض حتى شفى جميعهم و كرره كل ليلة الف مرة لم ينفعه ذلك من مرضه شيئا ، حتى يشترى هذا الدواء و يشربه كما تعلم في وقته ، و مع شربه و استعاله يكون على خطر من شفائه ، فكيف إذا لم يشربه أصلا ، فلو ظن أن مجرد تعلم الدواء يكفيه و يشفيه فهو مغرور، فكذلك من احكم علم الطاعات و لم يعملها ، و احكم علم المعاصي و لم يجتنبها ، و احكم علم الأخلاق و لم يزك نفسه عن رذائلها و لم يتصف بفضائلها ، فهو في غاية الغرور.
إذ قال اللّه تعالى : {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } [الشمس : 9] , و لم يقل : قد أفلح من علم طريق تزكيتها.
ثم من هذه الطائفة فرقة متصفة برذائل الأخلاق و الغرور، أدى بهم الى حيث ظنوا أنهم منفكون عنها ، و أنهم ارفع عند اللّه من أن يبتليهم بها ، و إنما يبتلى بها العوام دون من بلغ مبلغهم في العلم.
ثم إذا ظهرت عليه مخايل الكبر و الرئاسة و طلب العلو و الشرف قال : ما هذا تكبرا ، و طنما هو طلب اعزاز الدين ، و إظهار شرف العلم ، و ارغام انف المخالفين , و مهما ظهرت منه آثار الحسد ، و أطلق لسانه بالغيبة في أقرانه و من رد عليه شيئا من كلامه ، لم يظن بنفسه أن ذلك حسد ، بل يقول : إن هذا غضب للحق ورد على المبطل في عداوته و ظلمه ، مع أنه لو طعن في غيره من أهل العلم ، ورد عليه قوله ، و منع من منصبه ، لم يكن غضبه مثل غضبه الآن ، بل ربما يفرح به ، و لو كان غضبه للحق لا للحد على اقرانه و خبث باطنه ، لاستوى غضبه في الحالين.
وإذا خطر له خاطر الرياء قال : غرضي من إظهار العلم و العمل اقتداء الخلق بي ، ليهتدوا إلى دين اللّه و يتخلصوا من عقاب اللّه.
ولا يتأمل المغرور انه ليس يفرح باقتداء الناس بغيره كما يفرح باقتدائهم به ، و لو كان غرضه صلاح الخلق لفرح بصلاحهم على يد من كان ، و ربما يتذكر هذا و مع ذلك لا يخليه الشيطان بل يقول : إنما ذلك لأنهم إذا اهتدوا بي كان الأجر و الثواب لي ، ففرحي إنما هو بثواب اللّه لا بقبول الخلق ، هذا ما يظن بنفسه ، واللّه مطلع على سريرته ، إذ ربما كان باطنه في الخباثة بحيث لو علم قطعا بأن ثوابه في الخمول و إخفاء العلم و العمل أكثر من ثوابه في الإظهار لاحتمال مع ذلك في إظهار رئاسة ، من تدريس أو وعظ أو امامة أو غير ذلك.
وإذا كان بحيث يدخل على السلاطين و الأمراء الظلمة و يثني عليهم و يتواضع لهم ، و خطر له أن مدحهم و التواضع لهم حرام ، قال له الشيطان : ان ذلك عند الطمع في مالهم ، و غرضك من الدخول عليهم دفع الضرر عن المسلمين دون الطمع ، و اللّه يعلم من باطنه أنه لو ظهر لبعض اقرانه قبول عند ذلك السلطان ، و كان بحيث يقبل شفاعته في كل أحد ، و هو لا يزال يستشفع و يدفع الضرر عن المسلمين ، يثقل ذلك عليه ، بحيث لو قدر أن يقبح حاله عند السلطان لفعل.
وربما انتهى الغرور في بعضهم إلى أن يأخذ من أموالهم المحرمة ، و إذا خطر له أنها حرام قال له الشيطان : هذا مال مجهول المالك يجب أن يتصدق به إمام المسلمين ، وأنت إمامهم و عالمهم ، و بك قوام دين اللّه ، فيحل لك أن تأخذ منها قدر حاجتك و تصرف الباقي على مصالح المسلمين ، فيغتر بهذا التلبيس و لا يزال يأخذها من غير أن يبذل شيئا منها في مصرف غيره. وربما انتهى الغرور في بعضهم إلى حيث إنه إذا حضرت مائدتهم و أكل طعامهم و قيل له : ان هذا لا يليق بمثلك ، قال : الأكل جائز بل واجب ، اذ هذا مال لا يعلم مالكه ، فيجب التصدق به على الفقراء ، و يجب على مثلي بقدر القوة و الاستطاعة أن يجتهد في استخلاصه من يد الظالم وايصاله إلى أهله - أعني الفقراء- و اكلى منها نوع قدرة على استخلاصه ، فآكل منه و أتصدق بقيمته على الفقراء ، و اللّه يعلم من باطنه أنه لا يتصدق بقيمته و لا يعتقد بحقيقة ما يقوله ، و انما هو تلبيس ألقاه الشيطان في روعه ، لئلا يضعف اعتقاد العامة في حقه ، و ربما كان بحيث لا يبالي من أخذ مالهم و أكل طعامهم خفية ، و لو علم انه يطلع عليه واحد من صويلح العامة المعتقدين به ، امتنع منه غاية الامتناع.
وربما كان بعضهم في الباطن مائلا إلى الدخول على السلاطين و الأمراء و تاركا له في الظاهر، و كان الباعث في ذلك طلب المنزلة في قلوب العامة , و مع ذلك يظن أن الاجتناب عنهم عين ورعه و تقواه , و ربما كان بعضهم إمام قوم يظن أنه على خير و باعث لترويج الدين واعلاء الكلمة و مقيم بشعار الإسلام ، و مع ذلك لو أم غيره ممن هو أعلم و اورع منه في مسجده ، أو يتخلف بعض من يقتدى به عن الاقتداء به ، قامت عليه القيامة ، و ربما لم يكن باعثه على الحركة إلى المسجد للامامة مجرد التقرب و الامتثال لأمر اللّه ، بل كان الباعث محض حب الجاه و الرياسة و اعتقاد العامة ، أو مركبا منه و من نية الثواب و ربما اتخذ بعضهم الإمامة شغلا و وسيلة لأمر المعاش ، و مع ذلك يظن انه مشتغل بامر الخير، و الظاهر في أمثال زماننا ندور الامام الذي كان قصده من الإمامة مجرد التقرب إلى اللّه.
من دون وجود شيء من حب طلب المنزلة في القلوب ، أو تحصيل المال ، أو دفع بعض الشرور عن نفسه في زوايا قلبه ، ولو وجد مثله فهو القدوة الذي يجب ان تشد الرحال من المواضع البعيدة اليه ليقتدى به ، ومثله كلما وجد في نفسه قصد التقرب و الثواب في الذهاب إلى المسجد للامامة ذهب ، ولو لم يجد ذلك من نفسه تخلف ، و صلى منفردا ، وهو الذي يستوي عنده اقتداء الناس به و عدمه ، و يستوي عنده كثرة المقتدين و قلتهم ، بل يكون حاله عند صلاته وهو إمام لجم غفير كحاله عند صلاته منفردا ، من دون أن يجد في نفسه تفاوتا في الحالين.
وبالجملة : اصناف غرور أهل العلم - (لا) سيما في هذه الاعصار- كثيرة ، والمتأمل يعلم أن الغرور أو التلبيس أو غيرهما من ذمائم الأفعال انتهى في بعضهم إلى أن وجودهم مضر بالإسلام و المسلمين و موتهم انفع للايمان و المؤمنين ، لأنهم دجالو الدين و قواموا مذهب الشياطين ، ومثلهم كما قال ابن مريم (عليه السّلام) : «العالم السوء كصخرة وقعت في فم الوادي ، فلا هي تشرب الماء و لا هي تترك الماء يتخلص إلى الزرع».
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|