العز عام في الخلق وخاص في القراء
المؤلف:
الحارث بن أسد المحاسبي
المصدر:
آداب النفوس
الجزء والصفحة:
ص 106 ـ 107
2025-05-21
508
والعزّ فِي الْخلق عَام فِي العبيد والإماء والفقراء والأغنياء والضعفاء والأقوياء والقرّاء وَالْعُلَمَاء وكلّ وَاحِد مِنْهُم يظْهر مِنْهُ على قدر مَا يُمكنهُ إظهاره.
وَمن لم يمكنهُ الإظهار عَامل النَّاس بِهِ سرًّا فِي نَفسه؛ لأنّه مَا دَامَ فِي الانسان لَا يتْرك حَظّه مِنْهُ سرًّا وَلَا عَلَانيَة.
أما ترَاهُ كَيفَ يتغيّظ فِي نَفسه على غَيره وَكَيف يحسده ويدور حوله يطْلب عوراته وَكَيف يحكم فِيهِ بِحكم الْهوى؟!
وَلَو ملك من ذَلِك فِي الظَّاهِر مَا ملك فِي الْبَاطِن لأظهر مثل الَّذِي أضمر من ذَلِك فِي الْبَاطِن.
وأقبح أمْرَهْ وأفسده لَهُ وأشدّه فضيحة إذا كَانَ فِي القارئ؛ لأنَّه لَا يكَاد يتعزّز على غَيره بِسَبَب من الأسباب إلا بِأَسْبَاب الدّين وإلّا رَأَيْت فِيهِ أثر ذَلِك.
فسبحان الله! مَاذَا يلقى الْقُرَّاء خَاصَّة من الْعِزّ وَمن أعوانه.
يدلّك على ذَلِك سرعَة حقدهم وَكَثْرَة غضبهم لأنفسهم من طَرِيق الإعزاز لَهَا وَمَا يَجدونَ على النَّاس فِيهِ مِمَّا لَا خطر لَهُ وَذَلِكَ كُلّه من دَاء الْعِزّ وحركته أمْر لم يجز لأهل الْجنَّة وَلَا للْمَلَائكَة وَلَا لِلنَّبِيِّينَ، يُرِيد القارئ أن يجوّزه لنَفسِهِ وأن يَجعله فَوق رَأسه.
وإنّما كَانَ يَنْبَغِي للصادق فِي قِرَاءَته الْعَمَل فِي إطفاء الْعِزّ من قلبه من أوّل أمْرَهْ وأن يَجعله تَحت قَدَمَيْهِ وَلَو أنَّ رجلاً صلَّى الْغَدَاة ثمَّ أقبل على نَفسه وأصلح خصْلَة من خِصَال الْعِزّ لَيْسَ الْعِزّ كُلّه وَآخر تصدّق بِوَزْن نَفسه ذَهَبًا على أكباد جائعة من وَجه طيّب لَكَانَ الأوّل أغبط وَكَانَت النِّعْمَة عَلَيْهِ أكبر وَالشُّكْر عَلَيْهِ أكثر عِنْدَ أهلِ الْمعرفَةِ وَالْعِلمِ.
فَكيف إذا أصبح وَهُوَ لم تكن لَهُ همّة إلّا الْعِنَايَة بالعزّ لنَفسِهِ لتجربته لَهُ ومعرفته لَهُ!!
وَآخر أصبح وَلم تكن همّته وَلَا محبّته إلّا الْعِنَايَة بِنَفْي الْعِزّ من قلبه وَلُزُوم التَّوَاضُع وذلّ النَّفس لتجربته لنُور التَّوَاضُع ومعرفته بفوائده.
فهنيئا لمن شغله مثل شُغله.. مَا أنفعه من شغل وأرضاه عِنْد مليكه وأروحه للقلب!!
فَاعْتبر برجلَيْن أُمِرَا بالعبوديّة وأحدهما أحبّ أن يَجْعَل نَفسه عبدًا كَمَا أمر وأحبّ الآخَر أن يَجْعَل نَفسه ملكًا أَي هذَيْن أولى بالجائزة من الْمولى وأيّهما يستأهل الْعقُوبَة الموجعة.
الاكثر قراءة في العجب والتكبر والغرور
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة