أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-1-2023
1218
التاريخ: 23/10/2022
1415
التاريخ: 14-8-2016
1622
التاريخ: 2023-08-27
830
|
صدق الخبر وكذبه(1)
الخبر ـ بأيِّ معنىً اعتُبر ـ منحصرٌ في الصِّدقِ والكذب، على وجه منع الجمع والخلو، في الأصح من الأقوال.
وإنَّما قلنا: إنَّه منحصرٌ فيهما؛ لأنَّه ـ كما قد عرفتَ ـ يقتضي نسبةً في اللفظ، ونسبةً في الواقع.
ثُمَّ إنْ طابق الواقعُ المحكيَّ باللفظ، فالأوّلُ؛ وهو الصِّدقُ، وإلاّ يطابقه، فالثاني؛ وهو الكذب، وبذلك ظهر وجه الحصر.
ولا يرد على الأوَّل مِثلُ قول مَن قال: محمد(2) ومُسيلمة(3) صادقان ؛ فإنَّه صادقٌ من إحدى الجهتين ، وكاذب من أُخرى ؛ لأنَّا إنْ جعلناه خبراً واحداً ، فهو كاذبُ ، وإنْ جعلناه خبرين ، كما هو الظاهر ، فهو صادقٌ في أحدهما كاذبٌ في الآخر.
[ونبَّهَ] بقوله: في الأصحِّ، على خلاف الجاحظ(4) حيث أثبت فيه واسطةً بينهما. وشَرَط في صدق الخبر، مع مطابقته للواقع ، اعتقادَ المُخبر أنَّه مطابقٌ ؛ وفي كذبه ، مع عدم مطابقته له ، اعتقادَ أنَّه غير مطابق ؛ وما خَرَجَ عنهما فليس بصدقٍ ولا كِذب(5).
وتحريرُ كلامِهِ: أنَّ الخبر إمَّا مطابقٌ للواقع أو لا ، وكُل منهما إمَّا مع اعتقاد أنَّه مُطابقٌ ، أو اعتقادِ أنّه غير مطابقٍ ، أو بدونِ الاعتقاد ؛ فهذه ستَّةُ أقسام: واحدٌ منها صادقٌ ؛ وهو المُطابق للواقع مع اعتقاد أنَّه مطابق ؛ وواحدٌ كاذبٌ ؛ وهو غيرُ المُطابق مع اعتقاد أنَّه غير مطابق . والأربعةُ الباقيةُ ، وهي: المطابقةُ مع اعتقاد أن لا مُطابقة أو بدون الاعتقاد ، وعدم المطابقة مع اعتقادها أو بدونِ الاعتقاد ؛ ليستْ بصدقٍ ولا كِذب . فكُلٌّ مِن الصِّدق والكذب بتفسيره، أخصُّ منه بتفسيرِ الجمهور.
واستند الجاحِظُ ـ في قوله ـ إلى قوله تعالى: (أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ)؟(6) حيثُ حَصَرَ الكُفّار إخبارَ النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) في الافتراء والإخبار حال الجنّة ؛ على سبيل منع الخُلُو(7) . ولا شُبْهَةَ في أنَّ المرادَ بالثاني غيرُ الكذب ؛ لأنَّهم جعلوه قسيمه ؛ وهو يقتضي أن يكون غيره ، وغير الصدق أيضاً ؛ لأنَّهم لا يعتقدون صِدقه(ص).(8)
ولمَّا كانوا من أهلِ اللِّسان، عارِفين باللُّغة، وقد أثبتوا الواسطةَ، لَزِمَ أنْ يكونَ من الخبَر ما ليسَ بصادقٍ ولا كاذبٍ؛ ليكونَ هذا
منه ، بزعمِهم(9) ، وإنْ كانَ صادقاً في نفسِ الأمر.
وأُجيب: بأنَّ الواسطةَ التي أثبتوها إنَّما هي بين افتراء الكذِبِ والصِّدقِ؛ وهو غيرُ الكذب؛ لأنَّه تعمُّدُ الكذب. وحيثُ لا عَمْدَ للمجنون، كانَ خبرُه قَسيماً للافتراء، الذي هو أخصُّ من الكذب، وإنْ لم يكن قسيماً للأعمِّ؛ ومرجعه إلى حصر الخبرِ الكاذب في نوعيه، وهما: الكذبُ عَنْ عمدٍ، والكذبُ لا عن عمد(10).
[ونبَّه] بقوله: سواءٌ وافق اعتقادَ المُخبر، أم لا؛ على خلافِ النِّظام(11)؛ حيثُ جعلَ صِدقَ الخبر مطابقته لاعتقاد المُخبر مُطلقاً، وكذبه عدم المطابقة كذلك. فجعل قول القائل: السماءُ تحتَنا، معتقداً
ذلك ؛ صدقاً . وقوله: السماء فوقنا، غير معتقد ذلك؛ كذباً(12). مُحتجّاً بقوله تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ)؛ إلى قوله: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) (13) ؛ حيثُ شهِدَ اللهُ تعالى عليهم بأنَّهم كاذبون في قولهم: (إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ)(14) ، مع أنَّه مطابق للواقع ، حيثُ لم يكن موافقاً لاعتقادهم فيه ذلك(15) . فلو كانَ الصِّدقُ عبارةً عن مُطابقةِ الواقع مُطلقاً ، لَمَا صحَّ ذلك.
وأُجيب: بأنَّ المعنى: لكاذبون في الشَّهادة وادِّعائهم فيها مواطأة قلوبهم لألسنتهم . فالتكذيبُ راجعٌ إلى قولهم: نشهدُ ؛ باعتبار تضمُّنه خبراً كاذباً ؛ وهو أنَّ شهادتهم صادرةٌ عن صميم القلبِ وخلوصٍ الاعتقاد ؛ بشاهدٍ تأكيدهم الجملةَ بـ: إنَّ ، و(اللاّم) ، والجملة الاسميَّة(16) . أوْ أنَّ المعنى: لكاذبون في تسمية هذا الإخبار: شهادةً ، أو في المشهود به ؛ أعني قولهم: إنَّك لرسول الله ـ في زعمهم ـ ؛ لأنَهم يعتقدون أنَّه غيرُ مطابق للواقع ، فيكون كذباً عندهم ، وإنْ كانَ صِدقاً في نفس الأمر ؛ لوجود مطابقته فيه(17) . أو في حَلْفِهم: أنَّهم لم يقولوا: (... لَا تُنْفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنْفَضُّوا ۗ...)(18) إلخ ؛ لِمَا رُويَ عن زيد بن أرقم(19) أنَّه سمع عبدَ الله بن أُبي(20) يقول ذلك ، فأخبر النبي(صلَّى الله عليه وآله) به ، فحلَفَ عبدُ الله أنَّه ما قال ؛ فنزلت(21).
[ونبَّهَ] بقوله: وسواء قُصِد الخبر أم لا ؛ على خلاف: المُرتضى(2) ، حيثُ ذهب إلى أنَّ الخبر لا يتحقَّق إلاّ مع قصد المُخبر ؛ استناداً إلى وجوده من: السَّاهي ، والحاكي ، والنائم ؛ ومثل ذلك لا يُسمَّى خبراً.
[وأُجيب:] والمحقِّقون على عدم اشتراطه؛ لأنَّه لفظٌ وُضِعَ للخبريَّة ، فلا يتوقّف على الإرادة كغيره من الألفاظ(23).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الذي في النسخة الخطِّـيَّة (ورقة 4، لوحة 1، سطر 13): (ثم الخبر بأيِّ معنى) فقط، بدون: (الحقل الرابع: في صِدقِ الخبرِ وكِذبه).
(2) هو رسولُنا رسولُ السلام ؛ محمدُ بن عبدالله بن عبد المطَّلب ، الصادقُ الأمين . وُلِدَ صباحَ الجمعة في مكَّة المكرَّمة ، عامَ الفيل ، 17 ربيع الأوَّل . بُعِثَ للنبوَّة وعمرُهُ الشريف أربعون عاماً . هاجر إلى المدينة يوم الاثنين ، 12ربيع الأوَّل ، على رأس سنة 54 من ولادته. كانت آخر حجَّة له سنة 10 من الهجرة ؛ وتُسمَّى بحجَّة الوَداع . بعد إتمام حجِّهِ قَفَلَ راجِعاً إلى المدينة ، وفي غدير خُم ـ أثناء الطريق ـ عقد بأمرٍ من الله تعالى لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) بالخلافة من بعده ، وبايعه على ذلك عموم الحاضرين ؛ من شيوخ المهاجرين والأنصار . مَرض في أوَّل صفر سنة 11 هـ ، وتوفِّي يوم الاثنين 28 منه . ودُفن في حجرته بعد أن غسَّله عليِّ(عليه السلام). كان على جانبٍ عظيمٍ من الخُلُق الإنسانيّ الرفيع كما مدحه القرآن بذلك بقوله: (وإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ). من أحاديثه الشريفة: (كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤولٌ عن رعيَّته) ، و(كلّكم من آدمَ وآدمُ من تراب) و(أطلب العلمَ مِن المهدِ إلى اللّحد))؛ ينظر: لمحاتٌ من تاريخ أهل البيت: ص11 ـ 15.
(3) مُسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفيّ الوائلي ، من المعمّرين ؛ وُلِدَ ونشأ باليمامة ، نعتَهُ النبيُّ محمد(صلَّى الله عليه وآله) بالكذّاب.
قُتِلَ سنة 12هـ في خلافة أبي بكر ، على يدِ خالدِ بن الوليد.
ينظر: الأعلام للزركلي ، 8/ 125 ـ 126.
والمشهور: أنَّ الذي قتله وحشي، نفس قاتلِ حمزةَ عمِّ النبيِّ(عليه السلام)؛ حيثُ نُقِل عن وحشي شعرٌ مضمونُه: قتلتُ خيرَ البشر ، وقتلتُ شرَّ البَشر.
(4) عمرو بن بحر بن محبوب ، الكِناني بالولاء ، الليثي ، أبو عثمان ، الشَّهير بالجاحظ ، كبيرُ أئمَّة الأدب ، ورئيسُ الفرقة الجاحظيّة من
المعتزلة . مولده ووفاته في البصرة ، 163 ـ 255هـ . فُلِجَ في آخر عمره ، وكان مُشوَّه الخلقة . ومات والكتابُ على صدره؛ قتلتهُ مُجَلَّداتٌ من الكُتُب وقعت عليه. له تصانيفُ كثيرةٌ ؛ منها: الحيوان ، والبيان والتبيين... يُنظر: الأعلام للزركلي: 5/ 239.
(5) يُنظر: شرح المختصر ، ص18.
(6) سورة سبأ، الآية 8.
(7) يُنظر: شرح المختصر ، ص18 ـ 19.
(8) يُنظر: المصدر نفسه، ص19.
(9) يُنظر: شرح المختصر ، ص19.
(10) يُنظر: المصدر نفسه.
(11) الحسن بن محمَّد بن الحُسين القُمِّي النيسابوري ، نظام الدين ، مفسِّر ، له اشتغالٌ بالحكمة والرَّياضيات . أصله من بلدة (قُم) ، ومنشأه وسكنه في نيسابور . له كُتبٌ ، منها: غرائبُ القرآن ورغائبُ الفرقان ـ ط في ثلاث مجلَّدات ـ يُعرف بتفسير النيسابوري ، ألَّفه سنة 828هـ ، وأوقاف القرآن ـ ط ، ولُبُّ التأويل ـ ط ، و شرح الشافية في الصَّرف ، يُعرَف بشرح النظام ـ ط ، توفِّي بعد 850هـ . يُنظر: الأعلام للزركلي: 2/ 234.
(12) يُنظر: شرح المختصر ، ص17.
(13) سورة المنافقون، آية 1.
(14) سورة المنافقون، آية 1.
(15) المصدر نفسه.
(16) أي قول: (إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ) . خطِّـيَّة الدكتور محفوظ ، ص 5 . ويرى المددي أنَّ التعليقة المناسبة هنا هي: أي لاعتقادهم في النبيّ (ص) الرسالةَ الإلهيَّة.
(17) يُنظر: شرح المختصر ، ص18.
(18) يُنظر: المصدر نفسه. والمقصودُ بلفظةٍ (فيه) أي: في نفسِ الأمر، كما في خطِّـيَّة الدكتور محفوظ، ص5.
(19) سورة المنافقون، آية 7.
(19) زيدُ بنُ أرقم الخزرجيِّ الأنصاري ، صحابي ، غزا مع النبي(ص) سبع عشرة غزوة ، وشهد صِفِّين مع علي ، ومات بالكوفة. روى له البُخاري ومُسلم 70 حديثاً ، توفِّي سنة 68هـ . يُنظر: الأعلام للزركلي: 4/ 188.
(21) عبدالله بن أُبيّ بن مالك الخزرجي ، أبو الحُباب ، المشهور بابن سلول ؛ رأس المنافقين في الإسلام ؛ من أهل المدينة . كان سيِّدَ الخزرج في آخر جاهليَّتهم، وأظهر الإسلام بعد وقعة بدر تقيّةً . ولمَّا تهيَّأ النبيُّ(ص) لوقعة أُحد ، انعزل أبيُّ وكان معه ثلاثمائةُ رجلٍ ، فعادَ بهم إلى المدينة ، وفعل ذلك يوم التهيُّؤ لغزوة تبوك . وكان كُلَّما حلَّت بالمسلمين نازِلةٌ شَمُتَ بِهِم ، وكُلَّما سَمِعَ سيِّئةً نشرها ، وله في ذلك أخبار . ينظر: الأعلام للزركلي: 4/ 188.
(22) أخرجَ البُخاري وغيرهُ عن زيد بن أرقم ، قال: سمعتُ عبدَ الله بن أُبيّ يقول لأصحابه: (... لا تُنفقوا على مَنْ عندَ رسول الله حتّى ينفضّوا، فلئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزُّ منها الأذلّ) ، فذكرتُ ذلك لعمّي ؛ فذكر ذلك عمّي للنبيّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) ، فدعاني النبي(صلَّى الله عليه وسلَّم) فحدّثته ؛ فأرسل رسول الله(صلَّى الله عليه وسلَّم) إلى عبدِ الله بن أُبي وأصحابه ، فحلفوا ما قالوا ؛ فكذّبني وصدّقه ؛ فأصابني شيء لم يصبني قطّ مثله ، فجلستُ في البيت ؛ فقال عمّي: ما أردتَ إلا أن أكذبك رسولُ الله(صلَّى الله عليه وسلَّم) ومقتَكَ . فأنزلَ اللهُ: (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ) ، فبعث إليَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) فقرأها؛ ثم قال: (إنَّ الله قد صدَّقكَ) . له طرقٌ كثيرةٌ عن زيدٍ ؛ وفي بعضها: أنَّ ذلك في غزوة تبوك ، وأنّ نزولَ السورة ليلاً ؛ لُباب النقول في أسبابِ النّزول ، ص214 . ويُنظر: صحيح البخاري: 3/ 125 ـ 126 ، ط الميمُنيّة ، ورقم الحديث فيه: 2058 ، كما في فهارس صحيح مسلم: م5/ ص297 ، رقم الحديث: 2772 ، كما في صحيحه: م4/ ص2140 ؛ وينظر كذلك: مجمع البيان في تفسير القرآن: م5/ 293 ـ 294، والدرّ المنثور: 6/ 222 ـ 223 ، والبرهان: 4/ 337 ـ 338 ، وجامع البيان في تفسير القرآن: ج26/ ص82 ، ولباب النقول في أسباب النزول ، ص197 ـ 198.
(23) عليُّ بنُ الحُسين الموسويّ ، الملقَّب ذا المجدين علمَ الهدى ؛ ينتهي نسبُهُ من جهةِ أبيه بالإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) ؛ ومن جهة أمِّه بالإمام زين العابدين . كان أوحد أهل زمانه فضلاً وعلماً وكلاماً وحديثاً وشِعراً وخطابةً وجاهاً وكرماً . وُلِدَ في رجب سنة 355هـ ، له مُصنّفات كثيرةٌٌ ، وديوانٌ يزيدُ على عشرين ألف بيت . وكانتْ وفاتُه (قدّس الله روحه) لخمسٍ بقين من شهر ربيع الأوّل/ سنة 436هـ ، يُنظر: روضات الجنَّات/ 4/ 294 ـ 312.
(24) وعلَّق المددي هنا بقوله: أقول: لعلّ نظرَ المُرتضى (رحمه الله) في ذلك إلى أنَّ الدلالةَ التصديقيَّة تابعةٌ للإرادة ، كما نُسِبَ ذلك إلى الشيخ الرئيس أبي علي سينا ، والمحقِّق نصير الدين الطوسي، وجَمْع ممَّن تأخَّر عنهما.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|