أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-8-2019
1961
التاريخ: 9-3-2017
1946
التاريخ: 1-8-2017
18098
التاريخ: 2024-08-25
311
|
يعد التعويض النقدي(1). الأسلوب الأكثر شيوعاً لجبر الضرر فالنقود إضافة إلى كونها وسيلة للتبادل تعتبر وسيلة ناجحة للتقويم(2). وقد عمدت أغلب التشريعات المدنية إلى جعل التعويض النقدي هو الأصل في جبر الضرر(3). بعده الأيسر في التطبيق وليس لأنه الأقرب إلى العدل(4). والتعويض النقدي قد يتخذ صورة المبلغ الإجمالي أو صورة التعويض المقسط أوالإيراد المرتب لمدة معينة أو لمدى حياة المضرور، فالتعويض الإجمالي هو أن يكون مقداره محدد بمبلغ معين ويدفع للمضرور دفعة واحدة ، أما التعويض المقسط فيتحدد مقداره على شكل أقساط تحدد مدتها ويعين عددها ولا يعرف ذلك المقدار إلا بعد دفع آخر قسط منها وهو غير التعويض بصورة إيراد مرتب لمدى حياة المضرور الذي يدفع على شكل أقساط ولكن لا يعرف عددها مقدماً لأن الإيراد يدفع ما دام المتضرر على قيد الحياة ولا ينقطع إلا بموته(5). وفي ضوء ما تقدم وللتعرف على مدى صلاحية التعويض النقدي لجبر الضرر المتغير ينبغي التعرف وبشيء من التفصيل على الصورة التي أتى بها هذا التعويض هل هو بصورة مبلغ إجمالي أم بصورة ايراد مرتب أم كان مقسطاً وسنجعل لكل منهما فقرة مستقلة.
أولاً: التعويض بصورة مبلغ إجمالي ومدى صلاحيته لجبر الضرر المتغير:
إن التعويض بصورة مبلغ إجمالي يدفع دفعة واحدة للمتضرر ورغم ما فيه من إيجابيات(6). إلا أنه ترد عليه جملة ملاحظات أهمها فيما يتعلق بالضرر المتغير، إذ يكون مبلغ التعويض وقت الحكم معادلاً لقيمة الضرر إلا إنه قد يصبح غير معادل له وقت سداد قيمة التعويض سواء كان ذلك سببه تغير قيمة العملة أو موقف الأطراف أنفسهم فقد يتراخى محدث الضرر في تنفيذ الحكم القاضي بالتعويض وتزامن ذلك مع انخفاض القيمة الشرائية للعملة لحظة الوفاء عنها في لحظة صدور الحكم النهائي فهل يستطيع المضرور المطالبة بتعويض إضافي يوازي قيمة الإنخفاض في العملة حتى لحظة الوفاء الفعلية ؟ وكذلك لو ارتفعت قيمة العملة إذ لا يجوز تخفيض مبلغ التعويض، فالعدالة تأبى أن يستفيد محدث الضرر من تأخره في سداد التعويض من جهة وإن تخفيض مقدار التعويض يتعارض مع حجية الشيء المقضي فيه من جهة أخرى(7). فضلا عما تقدم فقد تثار مسألة أخرى تتعلق بمدى إمكان تخفيض التعويض نظرًا للمزايا التي يقدمها التعويض بصورة مبلغ إجمالي حيث يكون التخفيض بنسبة معينة كالربع أو الخمس وذلك من دواعي العدالة لمصلحة المسؤول خاصة إذا توفى المضرور بعد حصوله على مبلغ التعويض بفترة قصيرة حيث يكون المسؤول قد دفع مبلغًا أكثر مما لو كان قد دفعه على شكل أقساط ، ولا محذور في ذلك إذا وجد اتفاق بين المتضرر والمسؤول حول هذه المسألة فيكون الاتفاق صحيحا(8)، وفي حالة عدم وجود مثل هذا الاتفاق فقد ثار النقاش بين الفقهاء وكذلك القضاء خاصة في فرنسا حول جواز قيام المحاكم بهذا الاستقطاع أو التخفيض ،فعلى صعيد الفقه ، نجد جانبا من الفقه الفرنسي أجاز الاستقطاع لأن قواعد القانون والعدالة تبرره فالمتضرر الذي يحصل على التعويض دفعة واحدة ويموت بعد مدة قصيرة من قيضه المبلغ بسبب ما كمرضه المفاجيء أو حادث آخر فإن المسؤول يتعرض إلى خسارة كبيرة على العكس فيما لو كان التعويض يدفع على شكل إيراد مرتب إذ سيتوقف الإيراد بمجرد موت المتضرر(9) .بينما عارض اتجاه آخر ذلك على أساس إن الخطأ موجود حتى بالنسبة للمتضرر فمن المحتمل أن تمتد حياته إلى أكثر مما قدر لها بحسب جداول الوفيات ففي هذه الحالة يكون المتضرر الذي قبض التعويض دفعة واحدة قد حصل على مبلغ أقل من مجموع الإيراد الذي كان سيحصل عليه خلال مدة حياته(10). أما في الفقه العربي فيكاد يكون الإجماع منعقداً على عدم جواز إجراء أي تخفيض في مقدار التعويض مقابل المزايا التي يحصل عليها المضرور المضرور بسبب المبلغ الإجمالي الذي يحكم له به وقد قال في هذا الصدد أستاذنا الدكتور سعدون العامري: (( نرى بأن استقطاع أية نسبة من المبلغ المقدر جملة واحدة ليس له ما يبرره لا في نصوص القانون ولا في المنطق أو العدالة ))(11). ونحن برأينا المتواضع نرى أن الاتجاه الذي لا يجيز إجراء أي تخفيض في مقدار التعويض كمقابل للمزايا التي يحصل عليها المضرور بسبب تعويضه بمبلغ نقدي إجمالي هو الأقرب لقواعد القانون والعدالة والمنطق ، ذلك أن التعويض يهدف إلى جبر الضرر وتمكين المتضرر من الحصول على المزايا التي حرم منها بسبب الفعل الضار ، فالضرر وخاصة في الإصابة الجسدية ، لا يتمثل في مجرد فقدان المال أو الراتب وإنما في المساس بالرأسمال البشري وإمكانية ممارسة نشاطات جديدة كان بإمكان المضرور مباشرتها قبل الاصابة ، لذلك لا يوجد مبرر لإجراء خصم تلقائي بنسبة ثابتة لمجرد إن التعويض جاء في صورة مبلغ مجمع وليس في صورة مرتب وهذا ما أقرته محكمة النقض الفرنسية إذ قررت أن هذا الاتجاه لا يوجد له أساس في القانون أو اللوائح وأن القاضي لا يجوز له أن يقوم بخصم جزافي لأنه يمثل خروجاً على قاعدة جبر الضرر بصورة كاملة(12). ففي جميع الأحوال يتعين أن يكون المبلغ الذي يقدره القاضي موازياً لقيمة الضرر بغض النظر عن طريقة أدائه فلا يجوز له عند ما كون التعويض بصورة مبلغ إجمالي أن يقرر خفضه بحجة أن المضرور سوف يحصل على ميزة وذلك بتمكينه من استثمار هذا المبالغ في الحال. وتطبيقاً لما تقدم ، قضت الدائرة المدنية الثانية لمحكمة النقض الفرنسية بإلغاء حكم صرح بتخفيض قيمة التعويض اعتداداً بالفائدة ، التي تعود على المضرور بحصوله على مبلغ التعويض دفعة واحدة بما يمكنه من استثماره في الحال(13)، كما قضت الدائرة ذاتها بإلغاء حكم قضى بالتعويض في صورة أيراد مرتب مقرراً زيادته بمعدل الربع مراعاة للفائدة التي يحققها المسؤول من تقسيط التعويض على آجال معينة ومدى حياة المضرور(14).