أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-9-2019
4169
التاريخ: 25-06-2015
4563
التاريخ: 28-06-2015
2425
التاريخ: 21-06-2015
20529
|
هو أبو إسحق إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد اللّه بن خفاجة، ولد سنة 45٠ للهجرة بجزيرة شقر بين شاطبة و بلنسية، و ماء نهرها يحيط بها من جميع جهاتها، و لذلك سميت جزيرة و في المغرب: أنها «عروس الأندلس المقلدة من نهرها بسلك، المتلفعة من جناتها بسندس، روض بسام، و نهر كالحسام، و بلبل و حمام» . و في هذه الجنة الفيحاء نشأ ابن خفاجة في أسرة علم و أدب و غير قليل من الثراء، و أقبل على الدرس و التزود بالآداب العربية، و تفتحت موهبته الشعرية، و غذاها غذاء شعريا رفيعا بأشعار عبد المحسن الصوري و الشريف الرضي و مهيار و المتنبي كما يقول في مقدمة ديوانه، و يضرب لتأثره بهم أمثلة تدل على أنه تأثر بالصوري في مزج الغزل بالطبيعة و بالشريف الرضي و مهيار في ذكر الظعائن و العيس و الأماكن الحجازية و النجدية و الطيف و الخيال و نسيم الصبا و أنفاس الخزامى، أما المتنبي فيقول إنه تأثر به في لفّ الغزل بالحماسة.
و يقول أيضا في مقدمة ديوانه إنه ظل في شبابه يتمثل هؤلاء الأربعة في شعره، متغنيا فيه بحب وجداني و بمتاعه من الخمر و الطبيعة الجميلة التي نشأ في حجرها. و لم يحاول حينئذ أن يفد على أمراء الطوائف مادحا، كما كان يصنع الشعراء من حوله لأنه كان مكفول الرزق بضيعة ورثها عن آبائه، و في الديوان مقطوعة سينية نظمها في زيارة للمعتصم بن صمادح دعت إليها مناسبة طارئة فنظمها، و ليس في الديوان وراءها مدحة لا في ابن صمادح و لا في غيره من أمراء الطوائف. و يذكر أن فترة الشباب و ما له فيها من منظومات في الغزل و الطبيعة و الخمر أعقبتها فترة انقطع فيها عن نظم الشعر، و يقول إنها كانت فترة طويلة، و أكبر الظن أنها كانت سنوات معدودة انتهت بانتهاء عصر أمراء الطوائف، و كأن هذا العصر كان عبئا غليظا على نفسه، كما كان عبئا غليظا على نفوس كثيرين من أهل الأندلس لانغماس أمرائه في الترف و المجون، حتى ضاعت طليطلة سنة 4٧٨. و نظن ظنا أن هذا الحادث الخطير هو الذي جعله يتوقف عن الشعر فترة، و أخذ يعود إليه الأمل في إنقاذ الأندلس حين دخلها المرابطون و انتصروا في الزلاقة انتصارهم الحاسم، و لعل إعجابه بهم هو الذي جعله يزور المغرب و مراكش و يعود منهما سنة 4٨٣ كما جاء في ديوانه، و لا يلبث يوسف بن تاشفين أن يجمع الأندلس تحت لوائه في نفس السنة فينتعش الأمل في نفس ابن خفاجة و يعود إلى نظم الشعر، و تلك هي الفترة الثالثة في حياته، و فيها ظل يدبج المدائح في أمراء المرابطين و قوادهم و رجالاتهم مستهلا ذلك-كما يقول في مقدمة ديوانه-بمديح إبراهيم بن يوسف بن تاشفين أول ولاة المرابطين على شرقي الأندلس. و توالت بعد ذلك مدائحه فيه و في أخيه تميم والى غرناطة ثم مرسية بشرقي الأندلس لفترة قليلة و زوجته السيدة الحرة مريم و في علي بن يوسف بن تاشفين سلطان المرابطين و في أبي بكر بن تيفلويت ممدوح ابن باجة. و في كل هذه المدائح و غيرها في تلك الفترة الثالثة من حياته لم يكن طالب نوال أو عطاء، و إنما كان-كما قال في مقدمة ديوانه «مصطنعا، لا منتجعا، و مستميلا، لا مستنيلا اكتفاء بما في يده من عطايا منّان و عوارف جواد وهّاب» . و نظن ظنا أنه عاش فترة في حياته الطويلة بأخرة، إذ امتدت إلى أكثر من ثمانين عاما، مفكرا في مصيره و في متاع الحياة الزائل و ما ينتظر الإنسان من العقاب و الثواب، و في هذه الفترة نظم طائفة من شعره في العظة و الاعتبار و التوبة و الابتهال و الاستغفار، و فيها جمع ديوانه، و عني كما يقول في مقدمته بتنقيحه و إصلاح بعض أشعاره «إما لاستفادة معنى، و إما لاستجادة مبنى» و عني بجانب ذلك بكتابة بعض كتب الحديث و السنن-كما ذكر في بعض شعره-تقربا للّه و رسوله. و كان في هذه الفترة الرابعة من حياته يخرج من جزيرته و يسير بين الوديان و الجبال و ينادي بأعلى صوته:
يا إبراهيم تموت، فيجيبه الصدى و يخرّ مغشيا عليه. و توفي سنة 5٣٣ عن اثنين و ثمانين عاما.
و يشيد به ابن بسام و غير ابن بسام إشادة رائعة، و أهم موضوع استنفد أكثر شعره و اشتهر به وصف الطبيعة حتى سماه الأندلسيون الجنّان نسبة إلى جنان الأندلس و تصويره لها تصاوير بديعة، و علّل هو نفسه لهذه النزعة في ص ٢٩٠ بديوانه قائلا:
«إكثاره في شعره من وصف زهرة و نعت شجرة و جرية ماء ورنة طائر ما هو إلا [إما] لأنه كان جانحا إلى هذه الموصوفات لطبيعة فطر عليها و جبلّة، و إما لأن الجزيرة كانت داره و منشأه و قراره، و حسبك من ماء سائح، و طير صادح، و بطاح عريضة و أرض أريضة، (1)فلم يعدم هنالك من ذلك ما يبعث مع الساعات أنسه، و يحرّك إلى القول نفسه، حتى غلب عليه حب ذلك الأمر، فصار قوله فيه عن كلف (2)لا تكلف، مع اقتناع، قام مقام اتساع، فأغناه عن تبذل و انتجاع» . و من قوله في وصف روض صباحا:
و كمامة حدر الصباح قناعها عن صفحة تندى من الأزهار (3)
في أبطح رضعت ثغور أقاحه أخلاف كلّ غمامة مدرار (4)
و حللت حيث الماء صفحة ضاحك و الطّلّ ينضح أوجه الأشجار
متقسّم الألحاظ بين محاسن من ردف رابية و خصر قرار (5)
و الصور تتراكم في القطعة، فالصباح يكشف قناع الظلام عن الأكمام فتبدو أزهارها النّديّة و ثغور الأقاح ترضع من أخلاف الغمام الدارّ و الماء يضحك و الطل يرش أوجه الأشجار، و ألحاظه موزعة بين النظر إلى ردف جميل بأزهاره لرابية و خصر بديع برياحينه لقرار. و يقول في وصف عشية:
و عشىّ أنس أضجعتني نشوة فيه يمهّد مضجعي و يدمّث (6)
خلعت علىّ به الأراكة ظلّها و الغصن يصغى و الحمام يحدّث
و الشمس تجنح للغروب مريضة و البرق يرقى و الغمامة تنفث )7)
و هو يقول إنها عشية جميلة انتشى فيها بمنظرها، إذ كان يستظل بأراكة في مقعد ممهد لطيف، و الحمام يحدّث و الغصن يرهف السمع إليه، و الشمس تجنح للوداع و قد اصفرّ وجهها و شحب لفراق هذا المنظر، و شعل البرق كأنها رقى تريد أن ترقيها و الغمامة تنفث كما ينفث الراقي في العقد. و من قوله في إحدى خمرياته:
و أراكة ضربت سماء فوقنا تندى و أفلاك الكؤوس تدار
حفّت بدوحتها مجرّة جدول نثرت عليه نجومها الأزهار
و كأنّها و كأنّ جدول مائها حسناء شدّ بخصرها زنّار (8)
زفّ الزجاج بها عروس مدامة تجلى و نوّار الغصون نثار (9)
و قد جعل ابن خفاجة الأراكة التي جلس مع ندمائه تحتها سماء، و مضى يستتم الصورة، فالكؤوس تدار و كأنها النجوم تدار في الأفلاك، و الجدول و ما حوله من الأزهار كأنه المجرة بما حولها من النجوم، و كأن الأراكة و ما بجانبها من الجدول حسناء شدت حزاما إلى خصرها. و هذا زجاج الكؤوس يزفّ المدامة إلى الشاربين و يجلوها عليهم، و ما النوار و الأزهار إلا نثار الدراهم و الدنانير يلقى به المحبون في هذا العرس الكبير.
و واضح ما يتميز به شعر الطبيعة عند ابن خفاجة من بث العواطف و المشاعر في عناصر الطبيعة، بحيث يصبح لكل عنصر أحاسيسه التي يشترك بها مع غيره من العناصر.
و تتراكم هذه الأحاسيس في شعره و تتراكم معها تصاوير الطبيعة، مما جعل بعض الأندلسيين من موطنه يعيب عليه كثرة معانيه و ازدحامها في البيت الواحد، و هي ليست كثرة معان إنما هي كثرة تصاوير، و هي ليست عيبا بل هي حسنته و فضيلته، إذ أحس بعناصر الطبيعة إحساسا عميقا، و هو إحساس تفرّد به لا بين شعراء الأندلس وحدهم بل بين شعراء العربية جميعا، بحيث يعد أكبر شعراء الطبيعة عند العرب في مختلف عصورهم، و جعله إحساسه بها ينقل أوصافها إلى المديح فيقول في أبي بكر بن تيفلويت والي سرقسطة:
و جلا الإمارة في رفيف نضارة جلت الدّجى في حلّة الأنوار
متقسّم ما بين شمس دجنّة طلعت و بين غمامة مدرار
أرج النّدىّ بذكره فكأنه متنفّس عن روضة معطار
فهو قد جلا الإمارة فيما يشبه رفيف البساتين من الري و النضارة، حتى لكأنما أسبغت على الليل الداجي حلة من الأنوار، و ما أروع طلعته كأنها طلعة شمس من دجنّة مظلمة تضيء للأبصار، و كأنما يداه غمامة ما تزال تهمى بالنوال على العفاة و الزوار، و إن ذكره في النّدىّ ليملؤه بأريجه العطر، حتى لكأنه يتنفس عن روض فائح العطر. و كما يمزج الطبيعة بالمديح يمزجها بمراثيه كقوله في رثاء صديق عزيز:
في كلّ ناد منك روض ثناء و بكل خدّ فيك جدول ماء
و لكل شخص هزّة الغصن النّدى تحت البكاء و رنّة المكّاء
و هو يقول-مخاطبا صديقه-إن كل ناد تحول إلى روض ثناء عليك و كل خد هطلت عليه الدموع الكثيرة حتى استحال كل شخص بأنينه و انهمار دموعه إلى ما يشبه هزة الغصن الندىّ و رنة طائر المكاء الصغير يبكي أليفته.
و لم نتمثل حتى الآن بشيء من شعر الطبيعة الذي نظمه في الفترة الأخيرة من حياته، فترة التأمل في مصيره و ما ينتظره، مثل أقرانه الذين رثاهم مرارا، من الموت و العدم، و لعل خير قصيدة تصور هذه الفترة قصيدته البائية المعنونة في الديوان بأنه قالها في الاعتبار، و هو يفتتحها بوصف سّراه في الليل و كيف أن وجوه الموت كانت تتجلى له دائما، و كأنما يصف رحلته الطويلة في الحياة، و يلتقى في سراه بجبل ضخم شاهق شامخ و يقيم معه حوارا ينطقه فيه بما يدور في نفسه، إذ يقول له: كم آوى إلىّ و استوطنني من فتّاك و نسّاك و كم مرّ بي من غادين و رائحين و راكبين و راجلين، و كلهم عصف بهم الموت، يقول:
و ما كان إلا أن طوتهم يد الرّدى و طارت بهم ريح النّوى و النّوائب
و ما خفق أيكى غير رجفة أضلع و لا نوح ورقى غير صرخة نادب
فحتى متى أبقى و يظعن صاحب أودّع منه راحلا غير آيب
فسلّى بما أبكى و سرّى بما شجى و كان على ليل السّرى خير صاحب
فالجبل مثله محزون لما يرى من مصير الناس جميعا صالحين و طالحين إلى الموت و الفناء و فقدان الحياة. و كل شيء يشترك مع الجبل و مع ابن خفاجة في الإحساس بهول هذا المصير حتى ليرتجف الأيك و الشجر و ينوح الورق أو الحمام فزعا لهذا المصير المفجع لكل الناس. و يستطيل الجبل و ابن خفاجة بقاءهما بعد رحيل كل الصحاب. و يقول إن الجبل سرّى عن نفسه لأنه وجد عنده نفس الحزن و نفس الشجا إزاء ما يشعر به من تلاحق الفواجع بالناس و أن كل من على الأرض كركب واقفين ينتظر كل منهم دوره للرحيل إلى الدار الباقية.
ــــــــــــــــــــــــــ
١) أريضة: كثيرة النبات.
2) كلف: هيام.
٣) كمامة: أكمام و هي جمع كم بكسر الكاف: برعوم الزهرة.
4) أخلاف جمع خلف بكسر الخاء: حلمة
5) الردف: العجز بضم الجيم. خصر الإنسان: وسطه. قرار: منخفض من الأرض.
6) يدمث: يمهد و يوطأ بتشديد الطاء.
٧) تنفث: تنفح.
8) زنار: حزام يشد في الوسط.
9) النثار: ما ينثر على العروس في الزفاف من الدراهم و الدنانير.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|