الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
الفتح
المؤلف:
أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر:
نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
الجزء والصفحة:
ص: 29-33
2025-07-02
29
ترجمة الفتح عن الإحاطة
رجع إلى ابن باجّة -وقد ذكر لسان الدين في الإحاطة سبب العداوة بينه وبين الفتح في ترجمة الفتح ولنذكرها بنصّه فنقول (1) : قال رحمه الله تعالى: الفتح بن محمد بن عبيد الله، الكاتب، من قرية تعرف بقلعة الواد (2) من قرى يحصب، يكنى أبا نصر، ويعرف بابن خاقان.
حاله - كان آية من آيات البلاغة لا يشق غباره، ولا يدرك شأوه، عذب الألفاظ ناصعها، أصيل المعاني وثيقها، لعوباً بأطراف الكلام، معجزاً في باب الحلي والصفات، إلا أنّه كان محارفاً مقدوراً عليه، لا يمل من المعاقرة والقصف، حتى هان قدره، وابتذلت نفسه وساء ذكره، ولم يدع بلداً من بلاد الأندلس إلا ودخله مسترفداً أميره واغلاً في عليته، قال الأستاذ في الصلة: وكان معاصراً للكاتب أبي عبد الله ابن أبي الخصال، إلاّ أن بطالته أخلدت به عن مرتبته. وقال ابن عبد الملك (3) : قصد يوماً إلى مجلس قضاء أبي الفضل عياض مخمراً، فتنسم بعض حاضري المجلس رائحة الخمر، فأعلم القاضي بذلك، فاستثبت (4) وحدّه حدّاً تامّاً، وبعث إليه بعد أن أقام عليه الحد بثمانية دنانير وعمامة، فقال الفتح حينئذ لبعض من أصحابه: عزمت على إسقاط القاضي أبي الفضل من كتابي الموسوم ب " قلائد العقيان "، قال: فقلت: لا تفعل، وهي نصيحة، فقال: وكيف ذلك فقلت له: قصتك معه من الجائز أن تُنسى، وأنت تريد أن تتركها مؤرخة، إذ كل من ينظر في كتابك يجدك قد ذكرت فيه من هو مثله ودونه في العلم والصيت، فيسأل عن ذلك، فيقال له، فيتوارث العلم عن الأكابر الأصاغر، قال: فتبين ذلك، وعلم صحته وأقر اسمه.
وحدثني بعض الشيوخ أن سبب حقده على ابن باجة أبي بكر آخر فلاسفة الإسلام بجزيرة الأندلس ما كان من إزرائه به وتكذيبه إيّاه في مجلس إقرائه، إذ جعل يكثر ذكر ما وصله به أمراء الأندلس ووصف حلياً، وكان يبدو من أنفه فضله خضراء اللون - زعموا - فقال له: فمن تلك الجواهر إذن الزمردة التي على شاربك فثلبه في كتابه بما هو معروف، وعلى ذلك فأبو نصر نسيج وحده، غفر الله تعالى له.
مشيخته - روي عن أبوي بكر: ابن سليمان بن القصيرة وابن عيسى ابن اللبانة، وأبي جعفر ابن سعدون الكاتب، وأبي الحسن ابن سراج، وأبي خالد ابن بشتغير، وأبي الطيب ابن زرقون، وأبي عبد الله ابن خلصة الكاتب، وأبي عبد الرحمن ابن طاهر، وأبي عامر ابن سرور، وأبي محمد ابن عبدون، وأبي الوليد ابن حجاج، وابن دريد الكاتب.
تواليفه - ومصنفاته شهيرة: منها قلائد العقيان ومطمح الأنفس والمطمح أيضاً، وترسيله مدوّن، وشعره وسط، وكتابته فائقة.
شعره - من شعره قوله، وثبت في قلائده، يخاطب أبا يحيى ابن الحاج (5) :
أكعبة علياء وهضبة سؤدد ... وروضة مجد بالمفاخر تمطر
هنيئاً لملك زار أفقك نوره ... وفي صفحتيه من مضائك أسطر
وإنّي لخفّاق الجناحين كلّما ... سرى لك ذكر أو نسيم معطّر
وقد كان واش هاجنا لتهاجرٍ ... فبتُّ وأحشائي جوىً تتفطّر
فهل لك في ودٍّ ذوى لك ظاهراً ... وباطنه يندى صفاء ويقطر
ولست بعلقٍ بيع بخساً وإنّني ... لأرفع أعلاق الزمان وأخطر فروجع عنه بما ثبت أيضاً في قلائده ممّا أوّله:
ثنيت أبا نصر عناني، وربما ... ثنت عزمة السهم المصمم أسطر نثره - ونثره شهير، ونثبت له من غير المتعارف من السلطانيات ظهيراً كتبه عن بعض الأمراء لصاحب الشُّرَط، ولا خفاء بإدلاله وبراعته: كتاب تأكيد اعتناء، وتقليد ذي منة وغناء، أمر بإنفاذه فلان، أيّده الله تعالى، لفلان ابنفلان، صانه الله تعالى، ليتقدم لولاية المدينة الفلانية وجهاتها، ويضرح (6) ما تكاثف من العدوان في جنباتها، تنويهاً أحظاه بعلائه، وكساه رائق ملائه، لما علمه من سنائه، وتوسّمه من غنائه، ورجاه من حسن منابه، وتحققه من طهارة ساحته وجنابه، وتيقن -أيده الله تعالى- أنّه مستحق لما ولاه، مستقل (7) بما تولاه، لا يعتريه الكسل (8) ، ولا تثنيه عن المضاء الصوارم والأسل، ولم يكل الأمر منه إلى وكل، ولا ناطه بمناط عجز ولا فشل، وأمره أن يراقب الله تعالى في أوامره ونواهيه، وليعلم أنّه زاجره عن الجور وناهيه، وسائله عمّا حكم به وقضاه، وأنفذه وأمضاه {يوم لا تملك نفسٌ لنفسٍ شيئاً والأمر يومئذ لله} (الإنفطار: 19) فليتقدم إلى ذلك بحزم لا يخمد توقّده، وعزم لا ينفد تفقّده، ونفس مع الخير ذاهبة، وعلى متن البر والتقوى راكبة، ويقدّم للاحتراس من عرف اجتهاده، وعلم أرقه في البحث وسهاده، وحمدت أعماله، وأمن تفريطه وإهماله، ويضم إليهم من يحذو حذوهم، ويقفو شأوهم، ممّن لا يستراب بمناحيه، ولا يصاب خلل في ناحية من نواحيه، وأن يذكي العيون على الجناة، وينفي عنها لذيذ السّنات، ويفحص عن مكامنهم، حتى يغص بالريق (9) نفس آمنهم، فلا يستقر بهم موضع، ولا يفر منهم خب ولا موضع، فإذا ظفر منهم بمن ظفر بحث عن باطنه، وبث السؤال في مواضع تصرفه ومواطنه، فإن لاحت شبهة أبداها الكشف والاستبراء، وتعدّاها البغي والافتراء، نكّله بالعقوبة أشدّ نكال، وأوضح له منها ما كان ذا إشكال، بعد أن يبلغ إناه، ويقف في طرفه مداه، وحدّ له أن لا يكشف بشرة إلا في حد يتعين، وإن جاءه فاسق أن يتبين، وأن لا يطمع في صاحب مال موفور، وأن لا يسمع من مكشوف في مستور، وأن يسلك السّنن المحمود، وينزه عقوبته من الإفراط وعفوه من تعطيل الحدود، وإذا انتهت إليه قصّة مشكلة أخّرها إلى غده، فهو على العقاب أقدر منه على رده، فقد يتبين في وقت ما لا يتبين في وقت، والمعاجلة (10) بالعقوبة من المقت، وأن يتغمد هفوات، ذوي (11) الهيئات، وأن يستشعر الإشفاق، ويخلع التكبر فإنّه ملابس أهل النفاق، وليحسن لعباد الله تعالى اعتقاده، ولا يرفض زمام العدل ولا مقاده، وأن يعاقب المجرم قدر زلته، ولا يعتز عند ذلّته، وليعلم أن الشيطان أغواه، وزيّن له مثواه، فليشفق من عثاره، وسوء آثاره، وليشكر الله تعالى على ما وهبه من العافية، وألبسه من ملابسها الضافية، ويذكره جلّ وعلا في جميع أحواله، ويفكر في الحشر وأهواله، وتذكر وعداً ينجز فيه ووعيداً " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً " آل عمران: 30 والأمير أيده الله تعالى ولي له ما عدل وأقسط، وبريء منه إن جاء وقسط، فمن قرأه فليقف عند حدّه ورسمه، وليعرف له حق قطع الشرّ وحسمه، ومن وافقه من شريف أو مشروف، وخالفه في نهي عن منكر أو أمر بمعروف، فقد تعرض من العقاب لما يذيقه وبال خبله، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، وكتب في كذا.
وفاته - بمراكش ليلة الأحد لثمان بقين من محرم من عام تسعة (12) وعشرين وخمسمائة، ألفي قتيلاً ببيت من بيوت فندق أحد فنادقها، وقد ذُبح وعُبث به، وما شُعر به إلا بعد ثلاث ليال من قتله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإحاطة، الورقة: 353.
(2) الإحاطة: بصخرة الولد، وبهامش إحدى نسخ الذيل والتكملة: من قرية شرقي قلعة يحصب تعرف بشجرة الولد. ق: بقرية الواد.
(3) قلت انظر الذيل والتكملة 5: 530.
(4) الذيل: فاستثبت في استنكاهه؛ وفي الإحاطة: فاستتابه.
(5) انظر أيضاً القلائد: 180 والمطرب: 189.
(6) يضرح: يزيل ويغسل؛ وفي ق: ويصوح.
(7) مستقل: حامل للعبء؛ وفي الإحاطة: مشتغل.
(8) الإحاطة: الكلل.
(9) الإحاطة: ينهض بالروع.
(10) الإحاطة: والعجل.
(11) الإحاطة: أولي.
(12) الإحاطة: سبعة.
الاكثر قراءة في تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
