قوله تعالى : {ولٰا تَقُولَنَّ لِشَيْ‌ءٍ إِنِّي فٰاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلّٰا أَنْ يَشٰاءَ اللّٰهُ} [الكهف : 23 ، 24] . ليس فيه أن أفعالنا متعلقة بمشيته لأنه لم يقل : حتى تقول : إن شاء الله .

أو لم يقل : إلا أن تقول وادعاء الحذف عدولٌ عن الظاهر .

قال الفراء (1) : تجعل حرف الشرط الذي هو (إن) متعلقاً بما قبلهُ وبما هو متعلق به في الظاهر من تقدير محذوف ويكون التقدير : {ولٰا تَقُولَنَّ لِشَيْ‌ءٍ إِنِّي فٰاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً}  إلا أن تقول : إن شاء الله . لأن من عادتهم إضمار القول في مثل هذا الموضع والموجود منه دلالة على المفقود . وهذا تأديب من الله لعباده حتى يخرجوا من حد القطع .

ولا شبهة أن ذلك مختص بالطاعات دون المقبحات ولا يستجيز مسلم أن يقول : إني أزني غداً إن شاء اللهُ .

وقال أبو علي (2) : عنى بذلك أن من لا يأمن أن يبقى إلى غد فلا يقول إني سأفعل غدا كذا وكذا .

فإنَّه رُبَّما مات أو عجز أو منع فلا يأمن أن يكون خبره كذبا في معلوم الله فلا يسلم خبره هذا من الكذب إلا بالاستثناء .

النَّاشئُ (3) :‌

قد قلت ربي يشاء شيئاً ويسخطه                   وإنه قد قضى ما ليس راضية

وإنه قد يكون العبد متبعا                   لما يشاء يقضي وهو عاصية

وإنه جائز في العدل خالقنا                 تكليف عبد ضعيف لا قوى فيه

وإنه أرسل الداعي ليدعونا                وصد أكثرنا عن أمر داعيه

وقال من لم يجب داعي مستبقا            فسوف أدخله نارا وأصليه

كفعل ذي حنق قاس وذي عنت            يعيب جور القضا منا ويأتيه

يقدر الكفر فينا ثم يسخطه                  يقول أ لم كان ما أقضي وأنشيه

_________________

1- معاني القرآن 2 : 138 .

2- هو أبو علي الطبرسي : مجمع البيان 3 : 461 .

3- هو الناشئُ الأصغر المتوفى سنة 336هـ والأبيات في ديوانه المخطوط بخط الشيخ محمد السماوي : 15 المودع في مكتبة آية الله الحكيم العامّة في النجف الأشرف .