أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-3-2022
1315
التاريخ: 12-10-2019
7138
التاريخ: 20-3-2022
1116
التاريخ: 20-3-2020
2340
|
يمكننا أن نتصور إن الإنسان منذ أن وجد على هذه الأرض كان قد اهتم بالظواهر الجوية المحيطة به لما لها من تأثير مباشرعلى حياته. فلجوء الإنسان إلى ارتداء الملابس والبحث عن مسكن له هي من أولى المحاولات البشرية للتكييف مع مناخ المنطقة التي يسكنها . ثم تطورت العملية إلى مراقبة الظواهر الجوية Weather Phenomena Watch وما تسببه له من لحظات راحة أو انزعاج. فالأمطار واعتدال الحرارة والرياح الهابة على شكل نسيم كانت تسعده، بينما الأعاصير والفيضانات وارتفاع وانخفاض الحرارة الشديدان كانت تزعجه. ولأن الإنسان الأول كان عاجزاً عن تفسيرها فقد عمل على عبادتها اعتقاداً منه أن ذلك يجنبه أضرارها. لذلك ظهرت العديد من الآلهة المناخية، فقد عبد الإغريق بوريس (Boreas) إله الرياح وعبد المصريون (Ra) إله الشمس واعتبر جوبتر Jupiter إله المطر عند الرومان، واعتبر (ثورThor) إله الرعد عند الاسكندينافيين. في حين قامت شعوب أخرى بتسجيل تكرار هذه الظواهر في محاولة أولية لفهمها ومن ثم التنبؤ بها. فالصينيون هم أول من سجل مواسم الفيضان منذ 2000 ق.م، وكان المزارعون الصينيين يراقبون حالة الجو ويحاولون فهم تأثيرها على مزروعاتهم. وبذلك تعتبر التسجيلات الصينية من أقدم التسجيلات المناخية على الإطلاق.
إن النظر إلى المناخ بشكل علمي ومنظم جاء على يد الإغريق فقد قسم بارميندس (Parminides) في 500 ق.م العالم إلى ثلاثة أقاليم حرارية وهي: ا - المنطقة المحرقة Torrid وهي المنطقة الاستوائية ب- المنطقة المعتدلة Temperate وهي منطقة حوض البحر المتوسط، ج - المنطقة الشديدة البرودة Frigid وهي مناطق شمال أوربا والقطب وكان بارميندس يعتقد أن المنطقة المحرقة خالية من السكان وان المنطقة الشديدة البرودة سكانها متوحشين.
أول كتاب مناخي منهجي كان لأبقراط Hippocrates تحت عنوان (الهواء والماء والأماكن Air Water, and Places) وذلك عام 400 ق .م. ثم تلاه مؤلف أرسطو Aristoteless الموسم الميترولوجيا Meteorologica عام 350 ق.م والذي اعتبر أول مؤلف في علم الأنواء الجوية. ثم توالت الفعاليات المختلفة لدراسة المناخ والأنواء الجوية حتى قام كير هيستس Kyrhestes عام 100 ق.م بتصميم برج الرياح Tower of the Wind والذي يعد أول مرصد أنوائي في العالم. في حين لم يشهد علم المناخ في الفترة الرومانية أي تطور أو إضافات واستمر الحال إلى بزوغ فجر الدولة العربية الإسلامية.
تعتبر إسهامات العرب المسلمين في علم المناخ إسهامات هامة فالعرب المسلمون توفرت لهم فرصة التنقل بين أجزاء الدولة الإسلامية المترامية الإطراف والتي كانت تمتد من الصين إلى أسبانيا، ومن تركيا ووسط آسيا إلى جنوب السودان. هذه الأصقاع المترامية تحتوي على مناخات مختلفة. أما الفرصة الأخرى فهي إطلاعهم على التراث اليوناني الذي سبقهم وبذلك لم يبدعوا من الصفر. وكعادتهم فان العلماء العرب زادوا ونقحوا وصححوا ما جاءهم من الإغريق ولسنا هنا بصدد جرد شامل للتراث العربي الإسلامي في مجال المناخ ولكن سنتوقف عند أهم المحطات التي أسهمت في تطور هذا العلم.
أطلق العرب على المناخ لفظة نوء وجمعها أنواء، والنوء هو المطر. وبالرغم من أن معالجات موضوع المناخ كانت تأتي ضمنا أي ضمن المواضيع العامة لكن لا يخلو التراث العربي الإسلامي من كتب مختصة مثل كتاب الأنواء للنضر بن شميل وبعض رسائل إخوان الصفا . جاءت المعالجات المناخية العربية متميزة، فقد استطاع العرب اكتشاف الرياح الموسمية واستخدموها لأغراض التجارة ولفترة طويلة من الزمن قبل أن يعرفها الآخرون. حتى أن كلمة (Monsoon) باللغة الإنكليزية هي تحريف كلمة موسمية. كما أن اسم الأعاصير المدارية في المحيط الهادي وعلى ساحل الصين (Typhoon) مأخوذة من كلمة (الطوفان) العربية.
وفند ابن حوقل النظرية اليونانية القائلة أن المناطق الاستوائية غير مسكونة نتيجة ارتفاع الحرارة فيها . فأثناء عبور ابن حوقل خط الاستواء شاهد عدد كبير من الناس يسكنون في هذه المناطق. أما البلخي فقد وضع أول أطلس مناخي في العالم سنة 921م وسماه (كتاب الأشكال). جمع البلخي مادته العلمية لمناخ البلدان من كتب الرحلات وعندما وضعها معاً تمكن من إعطاء صورة عامة عن مناخ العالم المعروف آنذاك واستعملها في أطلسه. أما المسعودي فقد عالج العوامل المؤثرة على مناخ الأقاليم، واستطاع أن يبين العلاقة بين منطقة الضغط وحركة الشمس. كما ربط بين منطقة الضغط والرياح وبذلك فسر أسباب هبوب الرياح الموسمية. وقد جاء تفسيره رائعا، حيث اعتبر الاختلاف في التسخين بين اليابس والماء هو المسئول عن هبوب الرياح الموسمية. كما استطاع أن يصف عملية التبخر من سطح الماء ثم تكاثفه في طبقات الجو العليا لتظهر الغيوم. قسم المقدسي العالم في سنة 985م إلى (14) إقليماً مناخياً، وبذلك أضاف إلى التصنيف اليوناني (11) إقليماً جديداً. فقد لاحظ المقدسي أن المناخ لا يتأثر فقط باختلاف دوائر العرض، بل كذلك بالنسبة إلى موقعه من شرق القارات أو غربها . فبالرغم من عدم معرفتهم بالتيارات البحرية آنذاك، إلا أنه لاحظ أن السواحل الشرقية للقارات أكثر مطراً وحرارة من السواحل الغربية . وبذلك أكد حقيقة أكدها هامبولت Humboldt بعد سنة. كما ذكر المقدسي أن النصف الجنوبي للأرض أكثر ماءاً وان النصف الشمالي أكثر يابسة. وقد وصف العرب مناخ البلدان وصفاً حياً مسهباً، وجاء هذا الوصف في العديد من كتب الرحالة.
ظهرت عند العرب معالجات لمناخات محلية Local Climates أو أساس نظري لبعض الظواهر المناخية. فقد عالج البيروني أثر جبال الهملايا في سقوط الأمطار الموسمية في الهند . وقد وضع أخوان الصفا الأسس النظرية للتكاثف وسقوط الأمطار. فقد ربط أخوان الصفا في رسالتهم الثامنة عشر بين ارتفاع الحرارة والتبخر، كما ناقشوا كيفية تكون السحب من بخار الماء، فذكروا أن بخار الماء عندما يرتفع إلى الأعلى يبرد فيتكاثف. كما استطاعوا أن يصنفوا التكاثف إلى نوعين، فقالوا أن البخار الذي لا يرتفع ويتكاثف قرب سطح الأرض يتكون منه الضباب أو الندى أو الصقيع. وان البخار المتصاعد يتكاثف في الأعلى مكوناً الغيوم. كما تطرقوا إلى كيفية سقوط المطر ذاكرين أن قطرات الماء في الغيوم قبل سقوطها تتكون من اتحاد عدد من الذرات المتكاثفة وأحدث نظريات سقوط المطر تؤكد هذا الرأي. كما استطاعوا أن يفرقوا بين سقوط المطر وسقوط الثلج. كما فسروا اختلاف درجة الحرارة باختلاف زاوية سقوط الإشعاع الشمسي. وقد حاولوا معرفة سمك الغلاف الغازي باستخدام معادلات رياضية تعتمد على فترة بقاء الشفق في السماء. وقد قسموا الغلاف الغازي إلى ثلاثة طبقات هي : الأثير، والزمهرير والنسيم وتوصلوا إلى أن الأرض لا تسخن من الإشعاع الشمسي المباشر بل من الإشعاع الأرضي. أما ابن بطوطة فقد ذكر أن الحرارة في خط الاستواء اخفض من الحرارة في المناطق المدارية وهو بذلك يعتبر رائدًا في هذا المجال. حيث أعطى برهاناً جديداً على خطأ نظرية اليونان عن خط الاستواء. أما ابن خلدون فقد ربط بين المناخ وعادات الشعوب وتصرفاتهم، وهو بذلك يعد من أوائل الحتميين الذين يؤمنون بان الإنسان انعكاس لبيئته.
يلاحظ من هذا الاستعراض الموجز أن العرب عالجوا المناخ بطريقتين : الأولى، وصفية وهو ما احتوته كتب الرحالة وكتب البلدان، وهو عبارة عن نقل حي لمشاهداتهم عن المناطق التي مروا بها. والثانية، التحليل العلمي المرتبط باستخدام بعض الحسابات الرياضية لتفسير الظاهرة. ويمكن القول أن ما كان يفصل العلماء العرب فعلا عن المناخ الحديث هو القياس الدقيق لعناصره الذي لم يتسنى ذلك للبشرية إلا بعد اكتشاف المحارير ومقاييس الضغط. وبذلك يمكن لأحفادهم الان استغلال الفرصة للاستمرار على خطى أسلافهم.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|