أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-10
244
التاريخ: 2024-02-06
999
التاريخ: 2024-04-18
604
التاريخ: 3-10-2016
1237
|
ولا غرابة في أن نجد صناعة الكتابة من أعلى الصناعات وأحبها إلى المصري في ذلك العهد من التاريخ، ولقد كانت الأحوال تستدعي التمسك بها والمحافظة على تعلمها؛ ففضلًا عن أنها كانت تقف المرء على الحياة الاجتماعية والعادات والتقاليد كما هي وظيفتها اليوم، فقد كانت — إذا ما قيست بغيرها من الصناعات والمهن — أشرفها وأعلاها، وإذا صدَّقنا ولو بعض الشيء الصورة التي كان يصورها لنا الكاتب عن الصناعات الأخرى وبخاصة حرفة الفلاحة وقفنا منها على ما كان يعانيه الفلاح المصري من بؤس وشقاء من ذلك الخطاب النموذجي الذي صُور بصورة تذكرنا بما كان يجري في عهد المماليك عندما أخذوا يعيثون في الأرض فسادًا، ويظلمون الفلاحين، ويستنزفون دماءهم قبل تولية محمد علي. فاستمع لما جاء في هذا الخطاب الذي كتبه والد لابنه عندما سمع أنه ترك تعلم الكتابة لانخراطه في سلك فلاحة الأرض وتثميرها:
لقد نُبئت أنك قد أقلعت عن صناعة الكتابة، وانغمست في اللهو واللعب، ووليت وجهك نحو العمل في الحقول، فهلا تذكر حالة الفلاح وهو يواجه بتسجيل ضرائب المحصول عندما تكون الحية قد قضت على نصف الغلة، والتهم جاموس البحر البقية الباقية؟ والفئران تنتشر في الحقول، ويحط عليها الجراد والماشية فيلتهم محصولها، والطيور تأتي بالمصائب على المزارع، وكل ما يبقى بعد ذلك على رقعة «الجرن» يؤتى عليه؛ إذ يقع غنيمة باردة في يد اللصوص، ويغرم الفلاح بعد ذلك أجرة الماشية التي استأجرها (للحرث والدرس).
وزوج الثيران ينفق وهو يدرس الأرض ويحرثها.
والآن يرسو الكاتب عند شاطئ النهر، ويسجل ضريبة المحصول، وعندئذ يُشاهد البوابون حاملين عصيهم، والنوبيون وبأيديهم جريد النخل قائلين: «سلم الغلة.» في حين أنه لم يبقَ منها شيء. فيضرب الزارع في كل مكان من جسمه، ويشد وثاقه ويلقي به في البئر رأسًا على عقب. أما زوجه فتوثق كذلك أمامه، ويغل أولاده، وإذ ذاك يهجرهم جيرانهم ويولون الأدبار. وهكذا تطير غلتهم.
أما الكاتب فهو فوق كل شيء، فإن من يتخذ الكتابة صناعة له لا تفرض عليه ضريبة ولا يدفع جزية ما، فالتفت إلى ذلك جيدًا.
وهذا الخطاب على الرغم مما فيه من مبالغة يشعرنا بأن الضرائب كانت تُجبى بفظاظة وقسوة، وقد كانت هذه الحال هي السائدة — على ما يظهر — في مصر حتى القرن التاسع عشر الميلادي.
ولدينا خطاب آخر من هذا النوع يصور لنا نفس الحالة مع بعض تفاصيل أخرى:
كن كاتبًا، ضع هذه المهنة في قلبك، ولا تُعرضن عنها، وإلا أجبرتك على أن تكون مزارعًا تُلزم بدفع ثلاثمائة حقيبة غلال، وتُكلف القيام على عدة حقول ثلثاها مملوءان بالأعشاب الضارة، وهذا القدر أكثر من الغلة نفسها، وبذلك يدب اليأس في قلبك، فلا تبذر البذر (في الأرض) فتتركها تسقط على الأرض، وتهز رأسك مستسلمًا قائلًا: سأفعلها (أي سأبذرها)، ثم يأتيك زمن الحصاد فترى ما قمت به، وحينئذ تجد أنها حمراء وعالقة بالأرض، أو قد أُلصقت بالحجر، وكذلك تجد أن زوج الثيران الذي أحضرته للحرث قد سقط في الوحل — يقصد الثورين اللذين قد استأجرهما للحرث — وعندئذ يأتي الراعي ليأخذهما ثانية فتقف مبهوتًا، ثم يأتي المشرف على الماشية في جولته التفتيشية، وعند ذلك يضطرك الموقف للإجابة (بأنهما ليسا هنا)، وعلى ذلك تغرم البقرتين، ويُنتزع منك عجلاهما. افهم ذلك جيدًا.
وهكذا نشاهد أن الفلاح المصري منذ خمسة آلاف سنة لا يزال هو هو بعينه الآن يحمل أعباء الحياة التي يتمتع بها غيره ممن يحترفون المهن الأخرى وبخاصة رجال الدواوين والمصالح الحكومية وأصحاب رءوس الأموال الذين أسعدهم الحظ بتعلم القراءة والكتابة، غير أن بوادر الأحوال وما حدث في العالم من تطور يشعر بقرب تغير هذه الحالة المرذولة إلى ما هو أحسن.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|