إن الضغط الجوى وما يطرأ عليه من تغيرات فصلية أو شهرية أو خلال فترات أطول من ذلك أو أقصر هو في الواقع العامل الأساسي الذي يتحكم في الدورات الهوائية وما يصاحبها من مظاهر جوية مختلفة . ولهذا فلابد لنا تحديد أهم مناطق الضغط الجوى التي لها أدوار مهمة في مناخ العالم العربى وما يطرأ عليها من تغير على مدار السنة ، تبعا لتغير الأحوال الحرارية التي تترتب على حركة الشمس الظاهرية من جهة وعلى توزيع الماء واليابس من جهة أخرى .

ففى فصل الصيف يوليو تكون أهم الضغوط المؤثرة في مناخ العالم العربي كما يأتي :

ا - الضغط المنخفض الاستوائى ، الذي يتزحزح نحو الشمال ليغطى كل شمالى إفريقيا وغربى آسيا وجنوبها ، ويكون له مركزان رئيسيان أحدهما على شمالي السودان ويعرف باسم ( منخفض السودان الموسمى ) والثانى - على باكستان وشمال غربي الهند ، ويعرف باسم ( منخفض الهند الموسمى ) . ويلعب هذان المركزان أدوارا هامة فى الأحوال الجوية والمناخية في كل البلاد العربية تقريبا ، وخصوصا في المشرق العربى وحوض النيل والصومال .

ويلاحظ أن تزحزح الضغط المنخفض الاستوائي ( وغيره من نطاقات الضغط العامة ) نحو الشمال في هذا الفصل يترتب عليه انتقال الجبهة بين المدارية ) أو الاستوائية  ITCZ في نفس الاتجاه حتى أنها تكون في منتصف الفصل تقريبا ممتدة مع دائرة العرض 15 شمالا تقريبا ، ويتبع ذلك حدوث تعديلات جوهرية في الدورة الهوائية العامة ، حيث تندفع الرياح التجارية من جنوبي خط الاستواء نحو الشمال وتتحول إلى جنوبية غربية على شمالى المحيط الهندى والبحر العربى والقرن الأفريقى ونطاق السودان ، بل إن بعضها قد يواصل اندفاعه شمالا إلى جنوبى شبه الجزيرة العربية وجنوبي الصحراء الكبرى.

2ـ الضغط المنخفض الموسمى الذى يتكون على أواسط آسيا بسبب ارتفاع درجة الحرارة . وهو يلتقى بالضغط المنخفض الاستوائي الذي سبق ذكره ويتكون منهما أعظم نطاق للضغط المنخفض على سطح الكرة الأرضية وهو الذي يتحكم في مناخ كل النصف الشمالي من العالم القديم في هذا الفصل ، وتتكون فى نطاقه سلسلة من الجبهات القطبية والمدارية التي تندفع نحوها الرياح من الاتجاهات المختلفة.

3ـ الضغط المرتفع وراء مدارالسرطان الأزورى الذي يتزحزح في هذا الفصل نحو الشمال ، ويختفى من فوق آسيا وجنوبى أوروبا وشمالي إفريقيا ، بينما يبقى متمركزاً على المحيط الأطلسي حول جزر أزورس . ويمتد منه على الرغم من ذلك ذراع طويل فوق البحر المتوسط والأطراف الشمالية من إفريقية والأطراف الغربية من آسيا .

ويحدث التحول من الضغط المنخفض الشتوى على البحر المتوسط إلى الضعط المرتفع الصيفى فوقه تدريجيا ، ففى أواسط أبريل يكون قد تكون لسان من الضغط الجوى المرتفع على أراضى البحر المتوسط الإفريقية ، بينما يظل الضغط منخفضا على البحر نفسه حتى أواسط شهر مايو ، ثم يأخذ في الاختفاء خلال الأيام العشرة الأخيرة منه ليحل محله ضغط مرتفع ممتد من الضغط المرتفع الذي سبق تكونه على شمالى إفريقيا، إلا أن الضغط المرتفع الأزورى لا يتمكن من السيطرة تماما على كل حوض البحر المتوسط إلا بعد 25 يونيو . وقد كان لهذا - التأخر آثار مناخية مهمه ، حيث أن شهر يونيو يكون في معدل حرارته أقرب إلى أشهر الربيع منه إلى أشهر الصيف وأن الجفاف الصيفي الحقيقي لا يبدأ في هذا الشهر بل يتأخر حتى أوائل شهر يوليو.

4 ـ الضغط المرتفع وراء مدار الجدى ، وهو يتزحزح شمالا في هذا الفضل بحيث يمتد بين خطی عرض 25 و 30 جنوبا على الماء واليابس ، ويلاحظ أن هذا الفصل يكون شتاء في الجنوب ، ولكن نظرا لصغر مساحة اليابس بالنسبة للماء فإن نطاق الضغط المرتفع يمتد عليهما بشكل نطاق متصل ولكنه يكون أعلى نسبيا على استراليا وجنوبى إفريقيا حيث تكون البرودة أشد منها على المحيطات.

ومن هذا النطاق تهب الرياح التجارية الجنوبية الشرقية التي تعبر خط الاستواء لتتحول إلى جنوبية غربية ، وتصل في هبوبها إلى شمالى السودان والصومال وجنوبى شبه الجزيرة العربية وخصوصا اليمن وتكون رطبة أو جافة على حسب طبيعة المناطق التي تجيء منها أو تمر عليها ،وفى فصل الشتاء ( يناير) تظل الضغوط الصيفية موجودة ، ولكنها تتعرض لتغيرات أساسية كما يأتي :

1 – يتزحزج نطاق الضغط المنخفض الاستوائى نحو الجنوب فيقع أغلبه إلى الجنوب من خط الاستواء . وعلى الرغم من أنه يمتد بدون انقطاع على الماء واليابس إلا أن أعمق مراكزه تكون على استراليا وجنوبى إفريقيا بسبب شدة حرارتهما في هذا الفصل ( وهو الصيف الجنوبى )  وفى إفريقيا بالذات نلاحظ أن هذا النطاق لا ينتقل بأكمله إلى الجنوب من خط الاستواء ، بل يظل قسم منه واقعا إلى الشمال منه . ويرجع ذلك إلى اتساع القسم الشمالي من القارة وبقاء درجة حرارته مرتفعة إلى حد ما . وتكون الجبهة الاستوائية ITCZ ممتدة عندئذ حوالى خط عرض 5 جنوبا .

2ـ الضغط المرتفع وراء مدار السرطان ، وهو يتزحزح قليلا نحو الجنوب ، ويتكون منه نطاق متصل على المحيط الأطلسي وكتلة أوراسيا وشمالي الصحراء الكبرى . وتساعد برودة آسيا في هذا الفصل على تكون مرتفع جوى موسمى فوقها ، وبالتقاء هذا الضغط بالضغط المرتفع وراء مدار السرطان يتكون منهما معا أعظم نطاق من الضغط المرتفع في العالم ، وهذا النطاق هو الذي يسيطر على مناخ كل أوراسيا ومعظم إفريقيا.

3ـ الضغط المنخفض الذى يتكون على البحر المتوسط بسبب دفته بالنسبة لليابس المحيط به ، ويكون الامتداد العام لهذا الضغط بين الشمال الغربي والجنوب الشرق ، فيفصل في هذه الحالة بين الضغط المرتفع الآسيوى والضغط المرتفع الأزورى. ويعتبر البحر المتوسط عندئذ ممرا رئيسيا للمنخفضات الجوية.

4ـ الضغط المرتفع وراء مدار الجدى ، وهو يتزحزح جربا في هذا الفصل حتى يقع فى جملته بين خطي عرض 30 و 35 جنوبا ، وليس لهذا الضغط تأثير كبير على مناخ العالم العربى فى هذا الفصل ، ، إلا أن بعض التيارات الهوائية قد تندفع منه نحو جنوبى الصومال وجنوبي السودان حيث تصلهما بشكل رياح جنوبية غربية ، بعد أن كانت جنوبية شرقية قبل عبورها الخط الاستواء .

5- المنخفضات الجوية ، ويقصد بها المنخفضات التي تتكون في العروض المعتدلة في نصف السنة الشتوى ، وهى المسئولة عن معظم التقلبات الجوية في معظم البلاد العربية في نصف السنة الشتوى . وعلى الرغم من أن هذه المنخفضات تتحرك عادة من الغرب إلى الشرق ، وأن خطوط سيرها توجد غالبا على جنوبى أوروبا وحوض البحر المتوسط فإن تأثير بعضها قد يمتد نحو الجنوب حتى شمال السودان وجنوب شبه الجزيرة العربية ويعتبر البحر المتوسط نفسه منطقة رئيسية من مناطق نشأة هذه المنخفضات ، وإن كان بعضها قد ينشأ على الأراضي المجاورة له أو يغزوه من ناحية الغرب.

وقد دل إحصاء المنخفضات الجوية خلال عشر سنوات من 1929 حتى 1939 على أن مجموع ماظهر منها في الأشهر المبتدئة بأكتوبر والمنتهية بمايو من هذه السنوات بلغ 442 منخفضا وأن 74 منها نشأ في المنطقة الواقعة بين تونس وإيطاليا بينما نشأ 30 منها جنوب جبال أطلس ، وقد لوحظ أن المنخفضات التي تنشأ إلى الجنوب من جبال أطلس تنشأ غالبا في الربيع بل و ينشأ بعضها في فصل الصيف .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Trewartha, The Earth Problem Climates. Methuen, London,

1966. P. 224. 

اختصار عبارة  Inter Tropical Convergence Zone

Trewartha Ibid, P. 224