أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-6-2017
3895
التاريخ: 22-11-2015
3428
التاريخ:
4234
التاريخ: 1-6-2017
3081
|
1 . جعل رواة السيرة الحكومية دار الأرقم بن أبي الأرقم مرحلة في سيرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقالوا : أسلم فلان قبل دخول النبي ( صلى الله عليه وآله ) دار الأرقم ، وفلان في دار الأرقم ، وفلان بعد دارالأرقم ! وقالوا إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يستخفي مع أصحابه في شعاب مكة ثلاث سنين ، يصلون ويعبدون ربهم ، ثم اكتشفت قريش أمرهم فاشتبك معهم سعد بن أبي وقاص وجرح شخصاً منهم ، لم يذكروا اسمه !
فاستَخْفَوْا بعدها في دار الأرقم المخزومي سنين ، حتى أسلم عمر ، فعزوا به بعد ذلهم ، وخرجوا وأعلنوا إسلامهم ! لكن قصة دارالأرقم مفتعلة بأصلها وفصلها !
2 . تقع دار الأرقم خلف الصفا بينها وبين شعب أبي طالب ، فهي على يمين الخارج من المسجد نحو شعب أبي طالب ، أو بيت خديجة « عليهما السلام » ، وهي قريبة من مكان مولد النبي ( صلى الله عليه وآله ) الذي صار بعدها مكتبة مكة . وقد رأيتها قبل أن يهدموها وكانت مكتبة ، ثم أزالوها مع الجبل المتصل بالصفا ، فهي من ناحية أمنية لا تصلح للإختفاء من قريش ولا للتحصن ، لأنها على مرأى الواقف في المسجد أو الذاهب اليه ! فكيف تكون مقراً بعيداً عن عيون قريش ؟ !
3 . الأرقم من بني مخزوم ، فهو أحد رعايا الوليد بن المغيرة رئيس مخزوم الذي هلك مع بقية المستهزئين في أواخر السنة الثالثة للبعثة ، فصار الأرقم رعية أبي جهل الذي صار بعد الوليد رئيس مخزوم ، والذي قتل سمية وياسراً ، وعذب عماراً رضوان الله عليهم ، فكيف يسكت على إسلام الأرقم ، ويجهل جعل داره قرب المسجد قاعدة لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) ومن آمن به ؟ !
4 . ثم إن الدار ليست للأرقم ، بل لأبيه أبي الأرقم ، ورووا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان في دار الأرقم فدعا الله أن يسلم أبو جهل أو عمر : « فكانت الدعوة يوم الأربعاء فأسلم عمر يوم الخميس ، وكبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأهل البيت تكبيرة فسمعت بأعلى مكة وخرج أبو الأرقم وهوأعمى كافر وهو يقول : اللهم اغفر لبنيَّ غير الأرقم فإنه كفر ! فقام عمر فقال : يا رسول الله على مَ نخفي ديننا ونحن على الحق ويظهروا دينهم وهم على الباطل ؟ قال : يا عمر إنا قليل ، قد رأيت ما لقينا ! فقال عمر بن الخطاب : فوالذي بعثك بالحق لا يبقى مجلس جلستُ فيه بالكفر إلا أظهرتُ فيه الإيمان ! ثم خرج فطاف بالبيت ثم مر بقريش وهي تنتظره فقال أبو جهل بن هشام : يزعم فلان أنك صبوت ؟ فقال عمر : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، فوثب المشركون إليه ووثب عتبة وبرك عليه فجعل يضربه وأدخل إصبعيه في عينيه ، فجعل عتبة يصيح ! فتنحى الناس فقام عمر وجعل لايدنو منه أحد إلا أخذ بشريف ممن دنا منه حتى أعجز الناس !
واتَّبع المجالس التي كان يجالس فيها فيظهر الإيمان ، ثم انصرف إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو ظاهر عليهم . . فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وخرج عمر أمامه وحمزة بن عبد المطلب ، حتى طاف بالبيت فصلى الظهر معلناً ، ثم انصرف إلى دار الأرقم ومعه عمر . ثم انصرف عمر وحده » . تاريخ دمشق : 30 / 50 والنهاية : 3 / 42 .
وفي السيرة الحلبية : 2 / 21 ، عن عمر أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) سماه الفاروق يومئذ ، لأنه فرق بين الحق والباطل ! ثم ذكر : 1 / 456 أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يستخفي في شعاب مكة ثلاث سنين فرآهم المشركون : « فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم فضرب سعد بن أبي وقاص رجلاً منهم بلحى بعير فشجه . . ثم دخل ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه مستخفين في دار الأرقم أي بعد هذه الواقعة . . فكان وأصحابه يقيمون الصلاة بدار الأرقم . . إلى أن أمره الله تعالى بإظهار الدين . . في السنة الرابعة وقيل مدة استخفائه أربع سنين وأعلن في الخامسة ، وقيل أقاموا في تلك الدار شهراً ، وهم تسعة وثلاثون » !
ثم زعم الحلبي أنه بذلك يفسر كلام ابن إسحاق ، مع أن ابن إسحاق لم يذكر دار الأرقم أبداً ! وإنما ذكر أن عبد الله بن الأرقم أسلم مع عثمان بن مظعون . 2 / 124 .
وفي الطبقات : 3 / 269 : « أسلم عمر بن الخطاب بعد أن دخل رسول الله دار الأرقم وبعد أربعين أو نيف وأربعين بين رجال ونساء قد أسلموا قبله ، وقد كان رسول الله قال بالأمس : اللهم أيد الإسلام بأحب الرجلين إليك : عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام » أبي جهل « فلما أسلم عمر نزل جبريل فقال : يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر » !
والنتيجة : أن دار الأرقم غير معقولة ، لا في موقعها ، ولا في أحداثها المروية ، ولا في شخصية الأرقم صاحب البيت ! وكان له أخ هو عبد الله لم يسلم ولم يهاجر معه ، وبقي مع جده حتى كان من الطلقاء في فتح مكة ! سيرة ابن كثير : 4 / 687 .
5 . يظهر أن القصة نشأت من أن بيت أبي الأرقم قرب الصفا ، وهو في طريق النبي ( صلى الله عليه وآله ) من بيته إلى المسجد ، فلفقوا حوله القصص وجعلوه مقراً سرياً للنبي ( صلى الله عليه وآله ) أو مسجداً يجتمع فيه المسلمون حتى بلغوا أربعين شخصاً بعمر فأعلنوا إسلامهم ! وغرضهم مدح عمر بن الخطاب وأنه أسلم قبل إسلامه ، فعز به الإسلام بعد ذله ودخل مرحلة العلنية بعد مرحلته السرية . وكل ذلك لم يكن !
وقد رد الصالحي في سبل الهدى : 2 / 319 ، قصة دار الأرقم ، قال : 2 / 230 : « وذكر إسلام عمر هنا غريب . والصحيح أنه أسلم بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة » .
6 . ورووا أن عائشة قالت إن البطولة في دار الأرقم كانت لأبيها لا لعمر بن الخطاب ! فقد روى في سبل الهدى : 2 / 319 عن سليمان بن خيثمة ، عن عائشة قصة طويلة تشهد على نفسها بالكذب ، خلاصتها : أن المسلمين كانوا ثمانية عشر : « فألحَّ أبو بكر على رسول الله في الظهور . . . فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله » .
وقام أبو بكر خطيباً « فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين فضربوهم في نواحي المسجد ضرباً شديداً ، ووُطئ أبو بكر وضُرب ضرباً شديداً ، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفين ويحرقهما لوجهه من على بطن أبي بكر ، حتى ما يعرف وجهه من أنفه ! وجاءت بنو تيم يتعادون « ولم تذكر اسم واحد منهم » فأجلت المشركين عن أبي بكر ، وحملت بنو تيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله ولايشكون في موته ، ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد وقالوا : والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة ، فرجعوا إلى أبي بكر ، فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب ، فتكلم في آخر النهار فقال : ما فعل رسول الله » !
لكن نقول لعائشة : إن نوفل بن العدوية الأسدي وكان من شياطين قريش ، ربط أبا بكر وطلحة بحبل وكان يعذبهما لأنهما أسلما ، فلم يجرؤ بنو تيم على فك حبلهما !
7 . مشكلة هؤلاء الرواة أنهم يريدون إثبات بطولات لشخصيات السلطة ، فيقعون في التناقض ويخالفون منطق الأمور وثوابت السيرة القطعية ! فمن الثابت كما تقدم أن الدعوة العامة لم تكن ممكنة قبل إهلاك المستهزئين الخمسة ونزول قوله تعالى : فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئينَ . وعندما صدع النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالدعوة العامة في السنة الثالثة وقفت قبائل قريش ضده ومنعت أبناءها وعبيدها من الإسلام ، وكان أشدهم بنومخزوم بقيادة أبي جهل ، حتى قتل ياسراً وزوجته سمية رضي الله عنهما .
ومن الثابت أن الهجرة إلى الحبشة كانت في السنة الخامسة ، وحصار قريش للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وبني هاشم كان في أواخر السادسة وأوائل السابعة ، وأن إسلام عمر كان بعد الهجرة إلى الحبشة . فمتى كانت مرحلة دار الأرقم المزعومة ؟ وكيف اكتشفت قريش تجمع المسلمين في شعاب مكة ولم ترهم في دار الأرقم الملاصقة للمسجد ؟ وكيف سكتت على البطولات المزعومة لابن وقاص وابن الخطاب ؟ !
ولماذا لا نجد اسم الذي ضربه ابن وقاص فشجه ، ولا اسم أحد من بني تيم الذين أنقذوا أبا بكر ، وهددوا بني عبد شمس بقتل زعيمهم ؟ ! إلى آخر المناقشات التي توهن أصل القصة ؟ ! راجع : روضة الواعظين / 52 ، ابن هشام : 1 / 166 و 230 ، تاريخ دمشق : 44 / 41 والصحيح من السيرة : 2 / 433 و 7 / 286 .