أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-01
298
التاريخ: 26-10-2014
1932
التاريخ: 20-11-2020
3121
التاريخ: 10-10-2014
1826
|
يقول تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60]
في أثناء المسير في بلاد التيه وصحراء سيناء أمر بنو إسرائيل بالاستقرار في قرية أو مكان خاص واختياره للإقامة لفترة من الزمن.
وحيث إنه لم تكن مصادر المياه المحدودة لضيعة كافية لتأمين الاحتياجات المختلفة لعدد ضخم من الناس، فقد ابتلي بنو إسرائيل بشحة المياه وشكوا ذلك لموسى إن طلب الإرواء قدم أولاً من قبل بني إسرائيل إلى موسى ومن ثم عرضه موسى على الرب سبحانه، ولما كان استسقاؤه ينطوي على طابع عبادي وكان مشفوعاً بالكرامة فقد أسنده الله عز وجل إلى نفسه فقط فكانت استجابة دعاء موسى الكليم بنزول الوحي الإلهي.
أما الشاهد على أن استسقاء بني إسرائيل وتفجر الصخرة ماءً بواسطة الضرب بالعصا قد حدث في الصحراء وقبل الدخول إلى القرية المعهودة فهو أولاً: إن تلك القرية كانت معمورة وكان ماء الشرب فيها متوفّراً، وثانياً: إن الأمر كلوا الذي أتى تتمّةً للآية جنباً إلى جنب مع الأمر: واشربوا إنما هو ناظر إلى "المن والسلوى" الذي أصبح من بني إسرائيل في الصحراء.
وبسبب النزعة الحسية التي لبني إسرائيل وانسداد جميع سبل الذرائع بوجههم وإتمام الحجّة عليهم فقد اختير من بين الطرق المعنوية للحصول على الماء - طريقة المعجزة، أي ضرب الحجر بالعصا، إذ يفوق تأثيرها تأثير العلل والعوامل الأخرى.
إن انفلاق الحجر بوسيلة كالضرب بالعصا وإخراج اثنتي عشرة عيناً منه كان أمراً عظيماً ومذهلاً ومن أعظم المؤشرات على القدرة الإلهية وصدق دعوى نبوة موسى ومن أنعم الله على بني إسرائيل.
لم يكن ذلك الحجر صغيراً أو مما يُحمل بل كانت صخرة معينة ومنصوبة في مكان خاص وكانت تتسع لجريان اثنتي عشرة عيناً مستقلة منها. هذه الصخرة كانت قد انفلقت وتفجر منها الماء بنفس تلك العصا المعروفة التي كانت تتحول إلى أفعى والتي شق بها موسى الكليم البحر. فكانت النتيجة أن تفجرت من الحجر اثنتا عشرة عيناً مستقلة الماء وكانت كل واحدة منها في جهة خاصة ولها علامة تميزها بحيث إن كل واحد من الأسباط الاثني عشر كان يعرف موضعه الخاص وكان كل مشرب يتسع بالمقدار الذي يكفي لإرواء العدد الكبير للقبائل ستمائة ألف نسمة) بيسر وسهولة.
لقد كان بنو إسرائيل في تلك الحالة يتنعمون بالمن والسلوى وقد نالوا استقراراً نسبياً أيضاً. وبانفجار العيون الاثنتي عشرة كانت قد حلت مشكلة الجفاف أو شحة المياه عندهم وبتقسيم العيون بعدد الأسباط كانت قد سلبت منهم ذريعة التنازع والاختلاف أيضاً؛ من هنا فقد جاء الخطاب الإلهي: كلوا واشربوا من رزق الله؛ أي المن والسلوى وماء العيون ولا تنازعوا ولا تفسدوا في الأرض ولا تكونن نعمة الله سبباً لطغيانكم. هذا الخطاب فيه تصوير للعيش المرفه لقوم يهود وتجسيد لتحول خاص كان قد حصل لهم بعد النعمة.
لقد حذر الله سبحانه وتعالى اليهود - الذين نالوا منتهى الرحمة والنعمة وسعة العيش - من أي شكل من أشكال الفساد الذي يُعد من أبرز مصاديقه الاختلاف والتنازع الفردي أو القومي والقبلي، ونهاهم عن تبديل شكر النعمة إلى الكفران بها. فشكر هذه النعمة العظيمة هو أن لا تفسدوا أبداً ولا تشيعوا الفساد في الأرض بخلق أنموذج للفساد يقتدي به الآخرون.
"الحجر": ذهب بعض المفسرين إلى أن الألف واللام في الحجر هي للعهد وذهب آخرون إلى أنها للجنس. اختار الشيخ الطوسي(1) وتبعه الطبرسي(2) الخيار الأول وهو قول ابن عباس والذي يطابق روايتين عن الإمام الباقر حيث قال: نزلت ثلاثة أحجار من الجنّة؛ حجر مقام إبراهيم، وحجر بني إسرائيل، والحجر الأسود"(3)، "إن القائم إذا قام بمكة وأراد أن يتوجه إلى الكوفة نادى مناديه: ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً، ويحمل حجر موسى بن عمران وهو وقر فلا ينزل منزلاً إلا بعير انبعث عين منه فمن كان جائعاً شبع ومن كان ظامئاً روي فهو زادهم حتى ينزلوا النجف من ظهر الكوفة"(4)، لأن هاتين الروايتين تبينان أن الحجر المذكور كان حجراً خاصاً ومعهوداً.
لكن هاتين الروايتين تتنافيان مع ما يُستظهر من سياق الآية مورد البحث؛ لأن ظاهر سياق الآية يوحي بأن تفجر الماء كان يحدث من صخرة معينة منصوبة في مكان خاص تتسع لجريان اثني عشر مشرباً مستقلاً.
ومن الممكن التأمل في ظهور الآية في العهد الذي يكون بمعنى الجنة. إن كون الشيء معهوداً يُساق حيناً في تعبير مشابه لتعبير: هذه القرية ويساق حيناً آخر بين المتكلم والمخاطب المشتركين في الحوار السابق، وما شاكل ذلك. الحجر الذي انبثقت منه العيون كان حجراً معيناً خارجياً صار معهوداً فيما بعد وإن مجيئه في الروايات المرتبطة بعصر ظهور القائم يدل على معهوديته بعد الوقوع وليس قبله.
في حالة القبول بمعهوديّة الحجر، فإن إثبات باقي الخصوصيات المنقولة له يحتاج إلى دليل معتبر بعض هذه الخصوصيات هي كما يلي:
1. كان حجراً مربع الشكل بحجم رأس الإنسان(5).
2. كان موسى يضع ملابسه عليه عندما يغتسل.
3. إن نبي الله موسى رآه في الطريق فخاطبه الحجر قائلا: احملني فإني مفيد جداً لك ولأصحابك(6).
"انفجرت": لقد عبّر عن فوران عين الماء في الآية مورد البحث بكلمة انفجرت وفي سورة الأعراف" بالكلمة: أنبجست". وقد بين لذلك الفرق بين الانفجار والانبجاس كما يلي:
1. الانبجاس هو الجريان الخفيف والمعتدل للماء والانفجار هو الجريان الشديد له لذلك فإن الانبجاس ناظر إلى المرحلة الابتدائية لتدفق . عين الماء بعد الضرب بالعصا عندما يكون المجرى ضيقاً . وجريان الماء قليلاً والانفجار ناظر إلى المرحلة النهائية منه حين يكون المجرى واسعاً وتدفق الماء قوياً؛ حيث يكون الجريان الطبيعي في ينابيع الماء هكذا؟(7)
هذا الكلام - أولاً يتنافى مع قول بعض كتب اللغة مثل صحاح اللغة، الذي يرى أن للانفجار والانبجاس معنى واحداً ولم يشر إلى تغاير بين الإثنين(8).
ثانياً: إنه ينافي ظاهر الآية مورد البحث؛ لأن تعبير الآية هو: {اضرب بعصاك الحجر فانفجرت ...}؛ أي إن ما حصل مباشرة في إثر ضرب العصا هو الانفجار. وإن لأبي السعود في هذا المورد كلاماً لطيفاً يقول فيه:
"فانفجرت" عطف على مقدر ينسحب عليه الكلام قد حذف للدلالة على كمال سرعة تحقق الانفجار كأنه حصل عقيب الأمر بالضرب؛ أي: ... فضرب فانفجرت..."(9).
2. الانفجار هو عبارة عن الانشقاق سواء كان المجرى أو المنفذ ضيقاً أم واسعاً، والانبجاس هو لخصوص الانشقاق الضيق؛ يعني: إن الانفجار عام والانبجاس خاص والجمع بين الإثنين ممكن.
3. الانبجاس هو في وقت الحاجة القليلة والانفجار هو عند ازدياد الحاجة؛ أي إنّه كلّما اشتدت حاجتهم إلى الماء كما في حال العطش أو الحاجة إلى الغسل كان فوران الماء يحصل بصورة الانفجار، وكلّما قلت الحاجة كان تدفق الماء يحصل على هيئة الانبجاس وبكمية قليلة وهكذا.(10)
"لا تعثوا": هناك احتمالان لمعنى "العثي":
1. هو بمعنى مطلق تعدي الحد وهو ما يتلاءم مع الفساد الصلاح على حد سواء، كما في قتل الغلام وإعابة السفينة في قصة الخضر الذي كان نوعاً من التعدي المشوب بالمصلحة. في هذه الحالة لا تكون كلمة: مفسدين تكراراً أو تأكيداً حتى يُشكل بأنه لا يأتي الحال التأكيدي بعد الجملة الفعلية، بل هو قيد احترازي يُخرج التعدي المشوب بالمصلحة، ونتيجة لذلك فإن جملة لا تعشوا في الأرض مفسدين تعادل: "لا تطغوا في الأرض مفسدين"(11) أو: "لا تسعوا في الأرض فساداً"(12)، أو "لا تعتدوا في الأرض مفسدين".
2. هو بمعنى شدة الفساد؛ وهذا ما اختاره البعض كالقرطبي(13). وفي هذه الحالة تكون كلمة: مفسدين حالاً مؤكداً ولابد هنا من الإجابة على السؤال المذكور، الذي هو مطابق لمذهب الجمهور حسب قول الآلوسي(14).
تنويه: لدى توضيح كلمة "العثي" أشير في كلام الكثير من المفسرين إلى مفردة "العيث" أيضاً وقيل: "عثا" و"عاث" لهما نفس المعنى، مع فارق وهو أن "العيث" يُستخدم أكثر في الأمور المحسوسة بينما "العشي" مطلق؛ فمثلاً يقول الشيخ الطوسي:
[عنا] يعثو عنواً ... واللغة الأولى لغة أهل الحجاز. وقال بنو تميم: عاث يعيث عيناً وعيوناً وعيثاناً".(15)
كما ويقول الراغب أيضاً:
العَيْتُ والعثي يتقاربان، نحو: جَذَبَ وجَبَدَ، إِلا أَن العَيْتَ أكثر ما يُقال في الفساد الذي يُدرك حساً، والعشي فيما يُدرك حكماً(16).
وقد ذكر بعض المفسرين أن الحشرة المعروفة المسماة بالأرضة والتي تتسبب في فساد اللباس والكتب بأكلها لها يُقال لها: عوث(17)، كما أنه يقال للشخص المفسد والمجرم طبقاً للغة: عيوث وعيّات. ولما كان العيش الرغيد يمهد الأرضية للانحراف والجريمة فقد قرن الله تبارك وتعالى العيش المرفّه لبني إسرائيل بنهيهم عن الانحراف والفساد.
تذكر هذه الآية بنعمة أخرى مما من الله به على بني إسرائيل (النعمة الحادية عشرة وتنبه يهود عصر النبي إليها ؛ تلك النعمة التي كانت من أكبر آيات قدرة الله وعظمته ومن علامات صدق دعوى نبوة وذلك لأن شق الصخرة وبوسيلة كالقرع بالعصا وإخراج اثنتي عشرة عيناً منها لأمر عظيم ومثير للدهشة. يقول الله عزّ وجل: واذكروا حينما طلب موسى لقومه الماء. فقلنا: اضرب بعصاك ذلك الحجر. فانبثقت منه اثنتا عشرة عيناً بحيث أن كل قبيلة من بني إسرائيل كانت تعرف مشربها. ثم قلنا لهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تفسدوا في الأرض ولا تطغوا فيها؛ أي لا تكونَن نعمة الله مدعاة لطغيانكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. التبيان، ج 1، ص 270.
2. مجمع البيان، ج1-2، ص250.
3. تفسير العياشي، ج 1، ص 78؛ وراجع تفسير الصافي، ج 1، ص 121.
4. الكافي، ج 1، ص 231؛ وراجع تفسير الصافي، ج 1، ص 122.
5. مجمع البيان، ج 1 - 2، ص 250.
6. يجدر القول هنا إن تفسير منهج الصادقين (بالفارسية) ينسب الخصوصيّتين الأخيرتين إلى روايتين (ج 1، ص (280) حيث من الممكن الاستنتاج من هذا النقل أنه كانت في متناول الكاشاني (مؤلف هذا التفسير القيم مصادر روائية أخرى لم تصل إلى أيدينا؛ لأن هاتين الروايتين لم تردا في الجوامع الروائية التفسيرية المتداولة.
7. راجع التبيان، ج 1، ص 269؛ والتفسير الكبير، مج2، ج 3، ص 103.
8. تفسير أبي السعود، ج 1، ص 129
9. راجع التفسير الكبير، مج 2، ج 3، ص 103
10. آلاء الرحمن، ص 194.
11. مجمع البيان، ج1-2، ص 251.
12. الجامع لأحكام القرآن، مج 1، ج 1، ص 394.
13 روح المعاني، ج 1، ص 431 ... والحال مؤكدة، وفيه أن مجيء الحال المؤكدة بعد الفعلية خلاف مذهب الجمهور).
14. ما ورد في صحاح اللغة (ص 287، و ص 2418)؛ والمفردات في غريب القرآن (ص546)؛ ومجمع البيان (ج1 – 2، ص 249): "عثا يعنو" على وزن: نصر ينصر، و"عشي يعنى على وزن علم يعلم، وليس "عنا يعثاً" على وزن: منع يمنع.
15. التبيان، ج 1، ص 271.
16. المفردات في غريب القرآن، ص 546، ع ث ي".
17. راجع رحمة من الرحمن، ج 1، ص139.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تقيم دورة الإسعافات الأولية لملاكات المزارات الشيعية في بابل
|
|
|