أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014
2015
التاريخ: 10-10-2014
1803
التاريخ: 2-06-2015
3199
التاريخ: 2023-02-12
1399
|
يقول تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 80 - 82]
خلاصة التفسير
كان اليهود ـ وبسبب غرورهم، وتكبرهم، وروح العنصرية، وحس التعالي لديهم ـ يحسبون أنهم يتمتعون بقرب خاص. كان هؤلاء يرددون تعابير تعكس هذه الروح: نحن لن تصيبنا النار إلا بصورة المس، وهو أولاً: لن يستمر إلا لأيام معدودة، لا تتجاوز السبعة أو الأربعين يوماً، وثانياً: لن يكون إلا بحق عبدة العجل من اليهود، وإلا فإنه لن يكون ثمة دخول أو إحراق في القضية.
إن ادعاء التماس المؤقت والمساس المحدود والمعدود لنار القيامة والنجاة بعده لم يقدموا عليه أي بينة أو برهان عقلي أو نقلي، وهو أمارة على الاستخفاف بما يرتكبونه من المعاصي واللامبالاة بشأنها.
إن حسن الظن عند الإسرائيليين وتوهمهم الباطل في اعتبارهم أن الأصل هو عتقهم من النار باستثناء أيام معدودة مصدره مرض مشترك اليهود، ألا لدى جميع وهو الانغماس في الأماني الأمر الذي يعد رأسمال الحمقاء.
إن الاستخفاف بأكثر الذنوب بشاعة، ألا وهو التحريف، والتشريع، والبدعة وتحديد العذاب الخالد بأيام معدودة لابد أن يكون على خلفية عهد خاص وهو ما لا مؤشر عليه قط؛ وبعبارة أخرى فإن ادعاء اليهود هذا إما أن يكون حقاً مبنياً على وعد من جانب الله تعالى، أو باطلاً يستند إلى افتراء على الله عن جهل، ولما كان الله سبحانه وتعالى ـ الذي تقتضي ألوهيته الوفاء بالعهد وعدم التخلف عنه وهو الذي ما من أحد أوفى منه بما يقطعه على نفسه من عهد ـ لم يعد اليهود ابتداء، ولم يعاهدهم من جانب واحد، ولم يبرم معهم معاهدة من هذا القبيل، ولم يتلقوا هم من الله أي عهد أو وعد؛ فإن ادعاءهم هذا لا يعدو كونه افتراء. وكما أن معيار الخلود في جهنم هو إحاطة الخطيئة بالإنسان، فإن ميزان النجاة ومعيار الكون من أصحاب الجنة والخلود فيها هو الحسن الفاعلي والفعلي، أي الإيمان والإتيان بكل أفعال الخير والأعمال الصالحة، وليس الأماني والآمال الساذجة والادعاءات الخاوية والباطلة؛ وبناء على ذلك فكل من آمن وعمل صالحاً فهو مصنف أهل الجنة وهو خالد فيها، وكل من أذنب عن علم وإرادة انطلاقاً من توهم أن الخطيئة تنفعه وأن تركها يضره حتى أحاط العصيان بكل جوانحه وجوارحه جراء التورط بالشرك، والكفر، والارتداد، وتكذيب آيات الله، وغيرها من الذنوب المفضية إلى هذا النمط من المعاصي فهو يستحق الخلود في جهنم والانغماس في النار وملازمتها دوماً؛ وإن لم يكن قاصداً لتلك الحالة التي تستحوذ على كل وجود الإنسان الآثم ونفسه الملوثة.
التفسير
«لن تمسنا»: «المس» في جملة: (لن تمسنا النار) الإصابة عن طريق اللمس والمسح، وإن اختلافه الأخير يشترط الإحساس وأن يكون بظاهر البدن [1]، في حين أنه يصدق «المس» بمجرد ملاقاة الماس للممسوس؛ سواء كانت هناك إرادة وإحساس أو لم يكونا، وسواء كان مادياً أو معنوياً [2]"، ولعل في استخدام عبارة: (لن تمسنا) عوضاً عن «لن ندخل النار» أو «لن تحرقنا النار» إشارة إلى أنه لن يكون لهم مع النار إلا مساس وملاقاة ولبضعة أيام فقط دون دخول أو إحراق، ولا ريب أن تعبيراً كهذا يعكس، بشكل أوضح، آمالهم الطموحة ونزوعهم نحو الترفع. هذا وإن استعملت كلمة «المس» في آيات أخرى بما يناسب معنى الدخول في جهنم والاحتراق فيها؛ مثل الآية 73 من سورة «المائدة»، والآية 49 من سورة «الأنعام»، والآية 48 من سورة «هود».
«أياماً معدودة»: صفة لفظة أيام تأتي تارة «بالألف والتاء» باعتبار الأصل؛ مثل: «أياماً معدودات» [3] وطوراً «بالتاء» باعتبار الفرع؛ نحو: أياماً معدودة .
«بلی»: تأتي كلمة «بلى» غالباً، كما في قوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172]، بعد النفي فتنفيه وتثبت نقيضه [4]، وهي في محل الكلام ناظرة إلى النفي في الآية السابقة لها، أي جملة: (لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة) ورد على زعمهم وخيالهم الباطل وهي تعني: أن القضية ليست كما يتصورون، بل ليعلموا أن كل من ارتكب في هذه الدنيا خطيئة وأحاطت به فسیدخل جهنم وسيبقى فيها إلى الأبد وليس لبضعة أيام.
يقول الطبري في هذا الخصوص: إن «بلی» مركبة من «بل» و «ی»، حيث «بل» هي لنفي الماضي و«ى» للإقرار بالفعل الذي يذكر بعد الجحد [5].
«کسب»: الكسب والاكتساب في اللغة هو بمعنى جلب المنفعة ولعل التعبير بالكسب في جملة: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81] هو من باب أن الحديث في الآية يدور حول الشخص الذي يتجه نحو الذنب عن علم منه وإرادة ويظن ـ في حال ممارسته للذنب ـ أنه ينفعه وأن تركه يضره؛ كما هو حال الكاسب الذي يمارس عمل التجارة بهذا النحو.
«سيئة»: مجيء النكرة في سياق الإثبات يفيد ـ أحياناً، وبواسطة قرينة السياق ـ العموم كما هو حال النكرة في سياق النفي؛ نظير: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير: 14] التي تعني: «علمت كل نفس ما أحضرت»، ومن هذا القبيل أيضاً النكرة التي في جملة: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر: 40] وأما النكرة في جملة: (بلى من كسب سيئة)، أي كلمة «سيئة» فهي ـ بقرينة كلمة «الإحاطة» في الجملة التالية لها: (وأحاطت به خطيئته) ـ لا تفيد العموم ولا الإطلاق، وهي في هذه تعني: كل ذنب يحيط بالإنسان ويستحوذ عليه يكون سبباً لدخوله النار وخلوده فيها، أما الخطيئة التي لا تحيط بصاحبها فهي، وإن أدت إلى دخوله جهنم، لكنها لن تتسبب في خلود عذابه واستمراره. يتضح من البيان الفائت أن جملة: «وأحاطت به خطيئته»، أي فعل «أحاط»، هو قيد الحالة احترازي لكلمة: «سيئة».
«خطيئته»: المراد من الخطيئة هو الحالة التي تنتاب نفس المذنب وتحيط بها نتيجة ارتكابه للسيئة [6]. والوجه في تسمية هذه الحالة بـ«الخطيئة» (التي تعطي معنى الخطأ وعدم إصابة المقصود) هو ان ما يكون مقصود المذنب بالأصالة ذات الذنب واللذة الحاصلة منه وأن ما ينشأ عن المعصية ويحيط بنفس المذنب ليس هو متعلق قصده؛ وهذا يشبه ما لو أصاب سهم الصياد عابر سبيل بدل الصيد، ويشبه أيضاً ما إذا اقترف شارب المسكر جناية. فإصابة السهم لعابر السبيل، واقتراف الجناية بسبب الإسكار تدعى خطيئة؛ لأنها لم تكن مقصودة من قبل العامل [7].
تناسب الآيات
بعد ما بين في ما سلف من الآيات ـ من أجل دفع طمع المؤمنين بإيمان اليهود وتقديم شرح لفئات اليهود الأربع وأن بعضهم قد انغمسوا في «الأماني» والآمال الفارغة ـ تأتي الإشارة في الآية الأولى من الآيات محط البحث إلى غرورهم وكبرهم؛ فبنو إسرائيل الذين ارتكبوا أبشع أنواع الذنوب (من تحريف، وتشريع، وبدعة) كانوا يحسبون أنفسهم ذوي قرب خاص من الله عز وجل، وأنهم ـ على فرض تعذيبهم ـ فسوف ينجون من العذاب بعد بضعة أيام ويخلدون في الجنة [8]. من هنا يمكن الحدس بأن مرض الانغماس في الأماني قد اشتركت به كل الفئات الأربع؛ بمعنى أنه من الممكن أن يكون لهذه الآية الكريمة ارتباط بالآية: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75] فتكون جملة: (وقالو لن تمسنا النار...) جملة حالية معطوفة على جملة: (وقد كان فريق منهم) وكأنه عز وجل يريد القول: كيف تتوقعون الإيمان من هؤلاء والحال أن جماعة منهم هم أهل تحريف لكتاب الله من ناحية: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75] وأصحاب نفاق من ناحية أخرى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 76] وهم، في ذات الوقت الذي يرتكبون فيه أبشع المعاصي، تدور في خلدهم ادعاءات باطلة وأماني ساذجة من: أننا لن نبقى في النار أكثر من بضعة أيام.
كما ومن الممكن أن تكون جملة: (وقالوا لن تمسنا) .... بمثابة اعتراض وجواب لهم على الوعيد الذي بين في الآية السابقة من خلال التعبير: (فويل) وتكراره؛ أي عندما سمع هؤلاء الوعيد بالعذاب قالوا: إننا لن نبقى في جهنم إلا بضعة أيام.
روى البعض في شأن نزول الآية المبحوثة:
إن النبي(صلى الله عليه واله وسلم) قال لليهود: «من أهل النار؟». قالوا: نحن، ثم تخلفونا أنتم. فقال: «كذبتم، لقد علمتم أنا لا نخلفكم». فنزلت هذه الآية [9].
ثم تواصل الآية فتذكر جواب الباري عزت آلاؤه على تصورهم الباطل هذا فيأمر رسوله (صلى الله عليه واله وسلم) بأن يحتج عليهم ويقول: لابد لإثبات أي ادعاء من أن يختتم إما ببرهان عقلي أو بدليل نقلي معتبر؛ فإذا انعدم الدليل العقلي على هذا الادعاء فلا يمكن أن يكون الدليل النقلي عليه غير وعد الله وتعهده لكم. فيا ترى هل تعهد الله تعالى لكم في التوراة أو الإنجيل بمثل هذا التعهد؟ فإن كان الأمر كذلك فإن الله يفي بوعده لا محالة، وإما أنكم تنسبون هذا الأمر إلى الله جهلاً وظلماً.
الآيتان الثانية والثالثة تطرحان ـ من خلال الجواب على ادعائهم - أصلاً جامعاً مفاده: أن كل من يكسب سيئة ثم تحيط به تلك السيئة فهو يستحق الخلود في جهنم وتلك الإحاطة تحكي خلوده في جهنم، وإن كل من آمن وأتى بالعمل الصالح فهو من أهل الجنة وهو خالد فيها وهذا الأصل قد سبقت الإشارة إليه أيضاً في الآية: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62]؛ فارق أن مضمون تلك الآية أن العناوين والألقاب (من قبيل المسلم، واليهودي، والنصراني، والصابئي) ليست هي معيار السعادة، وأن مفاد الآية مدار البحث هو أن الأماني والادعاءات الفارغة التي لا أساس لها لا تكون ميزاناً للنجاة.
[1] راجع التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج10، ص235، «لمس».
[2] التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج 11، ص106 ـ 107، «مس».
[3] سورة البقرة، الاية 184، وسورة آل عمران، الاية 24.
[4] خلافاً لكلمة «نعم» التي تقرر وتثبت ما قبلها. فلو أن ذرية آدم قالوا في موطن أخذ الميثاق: «نعم» عوضاً عن «بلى» لقررت النفي الموجود في قوله: «ألست بربکم» ولاستلزم ذلك نفي ربوبية الله تعالى وسلب عبوديتهم.
[5] راجع جامع البیان، مج 1، ج1، ص506.
[6] راجع الميزان، ج 1، ص 215.
[7] راجع تفسير أبي السعود، ج 1، ص 147؛ وروح المعانی، ج 1، ص 482.
[8] عند غياب القرينة يكون المراد من «النار» في جملة: «لن تمسنا النار هو نفس نار القيامة، أي نار جهنم.
[9] الجامع لأحكام القرآن، مج 1، ج 2، ص11؛ وراجع جامع البیان، مج 1، ج 1، ص503.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|