المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

استقلالية الروح
14-12-2015
حكم من يقطع طوافه بدخول البيت أو بالسعي.
27-4-2016
بداية نزول الوحي مقرون ببداية حركة علمية
25-11-2014
ملوك سلالة اور الثالثة
2-11-2016
شجرة السرسوب Annoma muricata
12-11-2017
الحوافز
2023-04-27


المقدمة السادسة للشيخ فتح الله الاصفهاني في علم القراءات  
  
234   01:44 صباحاً   التاريخ: 2024-08-29
المؤلف : الشيخ محمد عزت الكرباسي
الكتاب أو المصدر : الموسوعة العلمية التفسير وعلوم القران
الجزء والصفحة : ص 97-120
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / القراء والقراءات / رأي المفسرين في القراءات /

المقدمة السادسة للشيخ فتح الله الاصفهاني في علم القراءات


اعلم أنّ القرّاء الذين يُدْعى تواتر قراءتهم ويحُكى إِجماع المسلمين على جواز القراءة بها سبعة يأتي ذكرهم فيما بعد إِنْ شاء الله تعالى .

وقد ادّعى العلّامة والشهيد : أَنَّ تواتر الثلاثة الباقية المكمَّلة للعشرة والكلام في صحة هذه الدعوى ، وأَنّ السبعة متواترة عن النبي  ( صلى الله عليه واله وسلم )  أو عن القرّاء أولا هذا ولا ذاك مبسوط مفصّل في محلّه ، وقد أتينا بما عندنا في ذلك في أبحاثنا الأصولية لا نطيل المقام بذكرها والقراءة المتداولة المكتوبة فعلًا بالسواد إِنمّا هي قراءة عاصم من طريق حفص فإِنّ عاصما له رواة أَحدهما أبو بكر بن عياش ، والآخر حفص بن سليمان بن المغيرة البزاز ، وكان يعرف بحُفَيص وهو آبن آمرأة عاصم ، وكانت أحب القراءات إلى العلّامة ( رحمه الله ) في المنتهى : وإِنْ ذكر أَنْ أحبَّ القراءات قراءة عاصم من طريق أبي بكر كما سيأتي إلا أَنّ الكتابة الأصلية التي هي بالسواد فعلا مطابقة لقراءة عاصم من طريق حفص ، ويظهر من تتبُّع كتب تفاسير الخاصة والعامة أنهُ لم يكن في أعصارهم كذلك حيث أَنهّم يبنون الأصل الذي هو القرآن على غير قراءة حفص ويذكرون معناه وأعرابه وما يتعلّق به ، ثم يذكرون أَنّ قراءة حفص كذا ، ويذكرون غير ما فسّروه وهذا ظاهر لمن راجعَ مجمع البيان ، والكشاف ، والبيضاوي وغيرها في مظانّه ، وربمّا يتضح لك في هذه العجالة أيضا وقد تفحّصت كثيراً عن سبب آختيار قراءتهِ ووقت أختيارها وأَنهُ من الذي آختارها فلم يتبيّن لي شيء وكثيراً ما يتفق في قراءات الباقين ما هو راجح على قراءتهِ ، أما الآتفاق فكل القراء وجميع رواتهم عداه عليه أو شهرته أو كونه قراءة أهل الحجاز ، أو مطابقته لما روى في الأحاديث المعتبرة أَنّ التنزيل كان كذا ، أو لما رَوى أَنهُ كان قراءة أَحد الأئمة المعصومين ، أو مساعدة المعنى والمقام عليه ، أو كونه الشايع الفاشي في اللّغة على سبيل منع الخلو ، والظاهر أن سبب آختيار قراءة عاصم هو ما ذكره جماعة من العامّة : من أَنّ قراءة عاصم ونافع أَصحُّ القراءات سنداً بضميمة أَنّ قراءة عاصم خالية من الأدغام والأصالة وزيادة المدّ كما ستعرف في كلام العلّامة .

وأما سبب آختيار حفص على عديله وهو أبو بكر فهو ما يحكى من يحيى بن معين وأبي هشام الرفاعي من تفضيل حفص عليه في ضبط قراءة عاصم وإتقانها كما إشارة إليه الشاطبية وشرحها للفارسي لكنه مضافا إلى ما فيه مما تعرفه بعد أَنهُ لا يصلح لترجيح قراءة عاصم المختلف في نقلها عنه على القراءة المتفّق عليها بين القُرّاء أو المشهور بينهم أو المتداول عليها بين الروايات المعتبرة ، فغاية المساعدة في المقام أَنْ لا يؤخذ بما دلّت عليه الروايات الصحيحة في مقابلة قراءة القُرّاء جميعاً .

وأمّا في تعيين بعضها أو ترجيحه في القراءة على غيره فمما لا يحتمل وجه صحيح لعدم الأخذ بها سوى جمود القريحة وخمود الفطنة مع آعتراف كلّ من الخاصّة والعامّة بأَنّ القراءات السبعة كلها مشهورة متداولة يقرأ بها الناس ما عدا الشواذّ التي تعرف ضابطتها فيما سيأتي .

ولنذكر أمثله للمقام يتضح بها مرجوحية قراءة حفص في جملة من المقامات وتبين بها دستور لمن أراد آختيار القراءات الراجحة فمنها :

قراءة آبن كثير : جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ بزيادة من في آخر براءة فإِنْ ثبوتها في المصحف المكيّ في هذا الموضع ، وثبوتها في نظائرها التي يتعسّر إِحصائها دليل على سقوطها من قلم الكاتب بناء على أُصولنا المقتضية لنزول القرآن على وجه واحد .

ومنها قوله تعالى : وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ فإِنّ القُرّاء آقتسموا هذه الآية نصفين حقيقتين بحسب قراءتيْ النصب والجرّ فثلاثة منهم : وهم نافع وآبن عامر والكسائي قرؤا بنصب الرجل ، وثلاثة منهم وهم : حمزة وآبن كثير وأبو عمرو بن العلا قرؤا بجرّها وأبو بكر عن عاصم كالآخرين ، وحفص عن عاصم كالأولين .

وروى الشيخ في التهذيب « 1 » : بإِسناده عن غالب بن الهديل قال : سئلت أبا جعفر  ( عليه السلام )  عن قول الله تعالى : وآمسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ، على الخفض هي أم على النصب ؟ قال : بل هي على الخفض .

وروى العياشي « 2 » : عن غالب بن الهذيل مثله في دعائم الإِسلام أَنّ أرجلكم إلى الكعبين ، بالكسر قراءة أهل البيت .

وروى كثير من العامّة : عن آبن عباس أَنّهُ قال : أَنّ في كتاب الله المسح ويأبى الناس الّا الغسل .

وعن أمير المؤمنين  ( عليه السلام )  أَنهُ قال : ما نزل إلّا بالمسح « 3 » .

وفي الدّر المنثور للسيوطي « 4 » : أخرج عبد الرزاق وآبن أبي شيبة وآبن ماجة : عن آبن عباس قال : أبى الناس إلا الغسل ، ولا أجد في كتاب الله إلّا المسح وأخرج آبن جرير عن أنس قال : نزل القرآن بالمسح والسنة بالغسل ، وأخرج عبد بن حميد : عن الأعمش والنحاس ، عن عن الشعبي قال : نزل القرآن بالمسح وجرت السنة بالغسل .

ومن المعلوم أَنهُ لو كانَ منزلًا بالنصب لم يكن فظا ولا ظاهرا في المسح وإِنْ فُرِضَ إِمكان حمله عليه فلم يبقَ إلا أن يكون الغرض من هذه الروايات أَنّ المنزل هو الخفض لا غير ، وأخرج عبد بن حميد : عن الأعمش قال : كانوا يقرؤنها برؤوسكم وأرجلكم ، بالخفض وكانوا يغسلون ، بل صرَّح الشيخ في التهذيب بأَنّ القراءة غير جائزة قال ما لفظه « 5 » : فأين أَنتم عن القراءة بنصب الأرجل ، وعليها أكثر القرّاء وهي موجبة للغسل ولا يتحمل سواه قلنا ما في ذلك أَنّ القراءة بالجرّ مجمع عليها بل القراءة بالنصب مختلف فيها لأناّ نقول القراءة بالنصب غير جائزة ، وإنمّا القراءة المنزلة هي القراءة بالجر ، ثم آستدل بخبر غالب بن الهذيل والقوم كلمات طويلة عريضة في الباب يحتاج التعرض لها إلى إِفراد كتاب ، ومنها قراءة حفص في قوله تعالى : {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء: 64] بكسر الجيم حيث أن جميع القراء السبعة ومنهم عاصم برواية أبي بكر قرؤا بسكون الجيم من رجلك والمفسرون أيضا من الخاصّة والعامة يبنون الأصل المكتوب بالسواد على السكون ويقولون عقيب ذكر الله أنه جمع راجل كصحب جمع صاحب وركب جمع راكب ، ثم يذكرون أخيرا أَنّ حفصاً قرأ بكسر الجيم فيدل على أَنّ المتداول سابقاً كان هو السكون ، ثم ملاحظة ما ذكروه في وجه قراءة حفص وملاحظة مساعدة اللغة والمقام مما يوجب مرجوحيتها جدّاً فراجع لكن صار في زماننا بحيث أَنّ العالم البصير لو ترك القراءة النادرة في صلواته وقرأ بالسكون المتفق عليه لأنكر عليه من لم يسمع ولم يقرأ في جميع عمره إلا بالكسر وخطّأهُ الهمج الرعاع المتبّعون لكل ناعق ، ومنها قراءة في سورة التوحيد كُفُواً أَحَدٌ بضم الفاء بعده الواو وهذا أيضاً من متفرداته والباقون كلّا قرؤهُ مهموزاً أمّا بضمّ الفاء أو بسكونها وهو المطابق للأفشى الأشيع الأقيس في اللغة حيث أَنّهُ من الكفاءة المهموزة ، بل يظهر من الزّجاج وهو من أئمة القرّاء واللغة والنحو والأدب آنكار هذه القراءة أعني قراءة الضمّ والواو رأْساً وما ذلك إلا لعدم ثبوتها عن حفص أو عدم الآعتناء بقراءته بَالمرّة حيث عدَّ القراءات الثلاثة كلها مهموزة بضمّ الكاف فالسكون أو بالضمّ فيهما ، ونفى أَنْ يكون لها رابع ، والقراءة الشائعة الآن في الأَلسنة هي هذه القراءة النادرة المهجورة أَعني ضمّ الكاف والفاء بعده الواو .

ومنها قوله تعالى في سورة المجادلة : {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ} [المجادلة: 11] بالجمع حيث أَنّ القرّاء كلهم متفقون عدى عاصم على الإِفراد والمصاحف العثمانية التي كتبها وبعثها إلى الآفاق كلها بأفراد المجلس من غير الألف ، ولذا آجتمع الكلُّ على الأفراد حيث أَنّ رعاية مطابقة القراءة لتلك المصاحف لازمة عندهم لكنَّ عاصماً يعدُّ لزوم المطابقة أيضا ، آدعّى من غير شاهد أَنّ المراد والمقصود وهو الجمع ، لكنّهُ أَسقط ألف الخطَّ أختصاراً كما وقع ذلك في مواضع آخرَ : كالمساجد والمساكن والمساكين والشيطان والسلطان وغيرها .

وأَنت خبير بأنّهُ تعويل على مجرّد الاحتمال ومجازفة في الدعوى ، إذ لم نعترف بالإِسقاط والحذف في النظائر إلّا بعد ما ثبت لزوم اشتمالها على الألف ، وعدم صحّتها وأستقامتها إلّا معه ، وأَمّا بعد الصّحة والاستقامة وقراءة تسعة من القراء العشرة كما في المقام فلا سيمّا مساعدة ما روى بطرق الفريقين في شأن النزول على الأفراد وأئمة التفسير أيضا كالطبرسي ، وصاحب الكشاّف ، والبيضاوي ، وغيرهم بنواْ الأصل الذي فسرّوه بالأفراد ونقلوا أَنَّ المراد به مجلس النبي  ( صلى الله عليه واله وسلم )  قال الطبرسي بعد نقل الآية « 6 » : أي آتسعوا فيه وهو مجلس النبي  ( صلى الله عليه واله وسلم )  ، عن قتادة ومجاهد ، وفي تفسير البيضاوي ضبط الأمير بالأفراد وقال في معناه « 7 » : توسّعوا فيه وليفسحْ بعضكم عن بعض ، قال : والمراد بالمجلس الجنس ، ويدلّ عليه قراءة عاصم بالجمع أو مجلس رسول الله  ( صلى الله عليه واله وسلم )  فأنهم كانوا يتضامّون فيه تنافسًا على القرب منه ، وحرصا على آستماع كلامه ، وقال : علي بن إبراهيم في تفسيره « 8 » : كان رسول الله  ( صلى الله عليه واله وسلم )  إذا دخل المسجد يقوم الناس فنهاهم الله أَنْ يقوموا ، فقال : تفسّحوا أي وسَّعوا في المجلس .

وفي الدّرّ المنثور « 9 » : أخرج عبد بن حميد وآبن المنذر عن مجاهد في الآية أَنّهُ قال : مجلس النبي  ( صلى الله عليه واله وسلم )  خاصّة ، وأخرج عبد بن حميد ، عن سعيد بن جبير قال : كان الناس يتناجوْنَ في المجلس عند النبي  ( صلى الله عليه واله وسلم )  فنزلت الآية ، وأخرج آبن أبي حاتم ، عن مقاتل بن حيان قال : نزلت هذه الآية يوم الجمعة وجلس رسول الله  ( صلى الله عليه واله وسلم )  يومئذٍ في الصُّفّة ، وفي الكتاب وفي المكان ضيق ، وكان يكرم أهل بدر ومن المهاجرين والأنصار فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجلس فقاموا حيالَ رسول الله  ( صلى الله عليه واله وسلم )  فقالوا : السلام عليك أَيها النبيُّ ورحمة الله وبركاته ، فردَّ النبي  ( صلى الله عليه واله وسلم )  ، ثمَّ سلَّموا على القوم بعد ذلك فردّوا عليهم ، فقاموا على أرجلهم ينتظرون أنْ يُوسَّع لهم فعرف النبيُّ ما يحملهم على القيام فلم يفسح لهم فشقَّ ذلك عليه فقال : لمن حوله من المهاجرين والأنصار من غير أهل بدر قُمْ يا فلان وأَنت يا فلان فلم يزل يقيمهم بعدّة النّفَرَ الذين همْ قيام من أهل بدر فشقّ ذلك على من أُقيم من أهل مجلسه فنزلت الآية .

وزاد في مجمع البيان « 10 » : أنَهُ قال المنافقون للمسلمين ألستم تزعمون أَنّ صاحبكم يعدل بين الناس فوالله ما عدل على هؤلاء أَنّ قوماً أخذوا مجالسهم وأَحبّو القرب من نبيهم فأقامهم وأجلس من أبطأ عنهم مقامهم فنزلت الآية .

وبعد هذا كلّهِ فلا أظنُّ بالجامد المقلَّد إلا الأخذ بقراءة الجمع وترجيحها على القراءة الشائعة المشهورة التي قرأَ بها تسعة من العشرة وعليها قُرّاء الحجاز ومساعدتة النقول والروايات ، وكان قبل ذلك هو المتداول المكتوب في المصاحف بالسواد كما يعرف من تفاسير الخاصّة والعامّة ، ومنها أي من المواضع التي ينبغي ترجيح القراءة الغير مكتوبة عليها قوله تعالى في سورة الزمر : {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} [الزمر: 29] ، فقد قرأَ آبن كثير وهو قارئ مكة ، وأبو عمرو بن العلا وهما من السبعة ، ويعقوب وهو أحد الثلاثة المكمّلة للعشرة ، سالما بزيادة الألف وفي روايات معتبرة متعددة أَنهُ قراءة أهل البيت ، ففي الموثّق كما الصحيح عن حرّان قال : سمعت أبا جعفر  ( عليه السلام )  يقول : في قول الله ( عزّ وجلّ ) : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً هو علي  ( عليه السلام )  لرجل هو النبي  ( صلى الله عليه واله وسلم ) .

وعن محمد بن الحنفية عن أبيه  ( عليه السلام )  في قول الله ( عزَّ وجلَّ ) : وَرَجُلًا سَلَماً أَناْ ذلك الرجل السالم لرسول الله  ( صلى الله عليه واله وسلم )  « 11 ».

وعن أبي خالد الكالبي عن أبي جعفر  ( عليه السلام )  قال : سئلته عن قول الله ( عزّ وجلّ ) : وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ قال : الرجل السالم علي  ( عليه السلام )  وشيعته « 12 ».

وعن الحسن بن زيد عن أبائه : وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هذا مثلنا أهل البيت « 13 » .

وفي الدرَّ المنثور للسيوطي : أخرج آبن جرير ، وآبن أبي حاتم ، عن آبن عباس في قوله تعالى : وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ قال : ليس لأحد فيه شيء .

وأخرج عبد بن حميد وآبن جرير عن مجاهد : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ قال : مثل آلهة الباطل وآله الحقّ ، واخرج آبن أبي حاتم عن مبشّر بن عبيد القرشي قال : قراءة عبد الله بن عمر وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ « 14 » .

ومنها في سورة الفرقان قوله تعالى : {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ} [الفرقان: 17، 18] ، فإِنّ القراءة المشهورة بين القرّاء المكتوبة بالسواد نتخذ بفتح النون وكسر الخاء من المعلوم وهو بحسب الظاهر غير مناسب فإنَّ المخاطبين الذين يقال لهم ويسألون هم المعبودون وهم لم يتخذوا أولياء من دون الله ، بل الناس اتخذوهم أولياء من دونه فجوابهم بأَنهُ اتخاذ الأولياء بحسب المقام ومساعدة المعنى يحتاج إلى تكليف سيمّا بعد ملاحظة آستدراكهم بقولهم ، ولكن متعّتهم وفي قراءة أبي جعفر ويعقوب نتخذ بضمّ النون وفتح الخاء من المجهول فيكون منطبقاً على السؤال بلا تكلفُّ .

وفي مجمع البيان « 15 » : أَنهُ قراءة زيد بن ثابت ، وأَبي الدرداء ، ورُوى عن جعفر بن محمد  ( عليه السلام )  وزيد بن علي .

وقال الحافظ آبن حجر العسقلاني في فتح الباري « 16 » : أَنّهُ قرأَ به أبو الدرداء وزيد بن ثابت والباقر  ( عليه السلام )  وأخوه زيد وجعفر الصادق  ( عليه السلام )  ونصر بن علقمة ومكحول وشيبة وحفص بن حميد وأبو جعفر القارئ وأبو حاتم السجستاني والزعفراني ، وروى عن مجاهد وأبو رجاء والحسن .

وفي الدرّ المنثور « 17 » : أَخرج عبد بن حميد ، عن سعيد بن جبير أَنهُ يقرأها ما كان ينبغي لنا أَنْ نتّخذ من دونك برفع النون ونصب الخاء .

وفي التفسير الكبير للرازي : نسبة هذه القراءة إلى آبن عامر أيضا وبالبيت أهل السنة إذا كانوا لا يُبالون بقراءة الباقر والصادق ( عليهما السلام ) فلا أقلَّ من أَنْ يعتنوا بقراءة زيد بن ثابت الذي جمع المصحف وولّاه عثمان لهذا الأمر حيث أَنهُ بزعمهم كان أمين رسول الله  ( صلى الله عليه واله وسلم )  على كتابة الوحي ، وكان في غاية المعرفة فكيف إذا أنضمَّ إليه هؤلاء .

ومنها قوله تعالى في سورة المائدة : {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} [المائدة: 112] ، فإنّ القراءة المعروفة في ليستطيع بالياء المثناة من تحت وهو بحسب الظاهر غير مناسب لحال الحواريين المؤمنين الذين قيل في حقّهم أَنّهمْ أنبياء ، وأخبر الله تعالى متّصلًا بهذه إليه بقوله : {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } [المائدة: 111] فإِنّهُ ظاهر في شكّهم في آستطاعة الله وقدرته في أمر يسير وعدم إِيمانهم بنزول المائدة على قوم موسى ، وفي قراءة الكسائي من السبعة تستطيع بالتاء المثناة من فوق ورّبك بالنصب ، أي هل تستطيع أَنْ تسأل ربك .

وروى العياشي « 18 » : عن أبي عبد الله  ( عليه السلام )  قال : قراءتُها هل يستطيع ربُّك بمعنى هل تستطيع أَنْ تدعوَ ربَّك .

وفي التفسير الكبير : أَنّ هذه القراءةَ مروية عن علي  ( عليه السلام )  ، وآبن عباس ، وعن عائشة : أنها قالت كانوا أعلم بالله من أَنْ يقولوا هل يستطيع وأنما قالوا هل تستطيع أَنْ تسأل ربك ، وعن معاذ بن جبل أقرأني رسول الله  ( صلى الله عليه واله وسلم )  تستطيع بالتاء ورَّبك بالنصب ، وفي تفسير أبي السعود : أَنها قراءة عائشة وآبن عباس ومعاذ بن جبل في آخرين « 19 » .

وفي مجمع البيان : المراد هل تستطيع سؤال ربَّك ، وذكروا الآستطاعة في سؤالهم لا لأَنهم شَكّوا في آستطاعته ولكنّهم كأنهم ذكروه على وجه الاحتجاج عليه منهم كأَنّهم قالوا : إِنكَ مستطيع فما يمنعك فمثل ذلك قولك لصاحبك أتستطيع أَنْ تذهب عني فإنّي مشغول أي أذهب لأنّك غير عاجز ، ثم قال : وروى عن أبي عبد الله  ( عليه السلام )  ما يقارب هذا التقدير قال  ( صلى الله عليه واله وسلم )  : هل تستطيع أَنْ تدعوَ ربك ؟ « 20 »

وفي الدر المنثور « 21 » : أخرج آبن أبي شيبة وآبن جرير وآبن المنذر وآبن أبي حاتم وأبو الشيخ وآبن مردويه ، عن عائشة قالت : كان الحواريون أَعلم بالله من أَنْ يقولوا : هل يستطيع ربُّك ؟ إِنما قالوا هل تستطيع أَنْ تدعوه ، وأخرج الحاكم وصحّحهُ والطبراني وآبن مردويه عن عبد الرحمن بن غنم قال سئلت معاذ بن جبل عن قول الحواريين هل يستطيع ربّك ؟ أوتستطيع ربّك ؟ قال : أقرأني رسول الله  ( صلى الله عليه واله وسلم )  هل تستطيع ربك ؟ بالتاء ، واخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وآبن المنذر ، وأبو الشيخ عن آبن عباس أنهُ قرأها : هل تستطيع ربَّك ؟ بالتاء ونصب

( ربَّك ، ) وأخرج أبو عبيد وآبن جرير ، عن سعيد بن جبير أَنهُ قرأها : هل تستطيع ربك ؟ وقال : هل تستطيع أَنْ تسأل ربك ؟

ومنها : قراءة مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ فقد آجتمعت في قراءة مالك بإسقاط الألف أنواع من المرجّحات قُلّما آتُفِقَ في موضع واحد ، ولكنّهُ آشتهرت قراءة مالك بالألف مع ندرتها بين القُرّاء ومرجوحيتها لآختيار حفص لها ، وستعرف الكلام فيها مفصّلًا ... ، فإنها هي الموضوعة للبحث عنها في هذه الرسالة ، وأمثال ما ذكرنا كثيرة يظفر بها المتتبع في القراءات والروايات والتفاسير هذا كله إذا آلتزمنا بعدم وقوع التحريف حتى بالنسبة بكلمة ، أو حرف والتزمنا بمتابعة المصحف العثماني وآلتزمنا بعدم الخروج والتعدي عن القراءات السبعة أو العشرة ، وأَمّا إذا لم نلتزم بشيء من ذلك لقيام الدليل على الوقوع بالنسبة إلى الأول من الأخبار المتواترة ، وعدم الدليل على الأخيرين فالمواضع التي يمكن تحصيل الاطمئنان أو دعوى قيام الحجّة على أَنّ القراءة المنزلة غير ما هي المكتوبة فعلًا بالسواد فكثيرة ولا أعني بذلك مجرّد ورود بعض الروايات الدالّة على أَنّ المنزل كذا ، بل الموارد التي تكثرت فيها الشواهد من مناسبة المقام وسياق الآية وصدورها وذيلها ، أو آستفاضت فيه الروايات من طرف الخاصة والعامة ، بحيث أحوج جواز المكتوب بالسواد إلى قيام دليل تعبّدي قاهر من أجماع أو غيره ، ولنذكر شطرا منها فمنها ما في سور ة يوسف : {أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} [يوسف: 31] فإِنّ القراءة المشهورة بتشديد التاء وفتحها من الإِتكاء ولا يخفى عدم المناسبة بين المتّكأ والسكين كما لا يخفى أَنهما بمجردهما لا يقتضي قطع اليد إلا أَنْ يكون شيئاً يتعارف قطعه بالسكين ، ولذا التجأ إلى جعل المتكأ كناية عن الطعام بدعوى أَنَّ العادة كانت على الإِتكاء حال الطعام ، ثم لمّا لم يتمَّ العرض بهذه الدعوى وجعلوه كنايةً عن خصوص الطعام الذي يُقطع بالسكين ، أو

آدّعوا أَنّ المتعارف عندهم قطع كل الطعام بالسكين ، ومن الواضح أَنها آحتمالات ودعاء بلا بيّنة نشأت من ضيق الخناق والظاهر أَنّهُ بالتحقيق وسكون التاء فإِنّ المتكئ هو الأترج ، والمعروف في أصل القضية يساعده كما هو المشهور نظماً ونثراً .

وفي تفسير علي بن إبراهيم « 22 » : لم يحتمل غيره بل كرّره مرتين قال : فجمعتهن في منزلها وهيأت لهن مجلسا ودفعت إلى كل آمرأة أترجة وسكّيناً فقالت : آقطعن ، ثم قالت ليوسف : أُخرج عليهن ، وكان في بيت فخرج يوسف عليهنَّ فلما نظرن إليه أقبلن يقطعْنَ أَيديهن ، وقلن كما حكى الله ( عزَّ وجلَّ ) فلما سمعت مكرهن أرسلت إليهن واعتدت متكأ ، أي أترجة .

وفي مجمع البيان : أَنه روى عن آبن عباس ، وعن مجاهد ، وفي التفسير الكبير : نسبه إلى وهب ، وفي لسان العرب قرأ أبو رجاء العطاردي : وأعتدت لهن متكأ على فعل ما رواه الأعمش عنه ، وقال القرّاء : واحدة المتكئ متكئة مثل : بسر وبسرة

وهو الأترج ، وكذا روى عن آبن عباس ، ثم نقل عن آبن سيدة أيضاً أَنّ المتكئ هو الأترج وعن غيره أَنّ المتكئ والبتك القطع وسُمّيت الاترُجة متكأً لأنها تقطع « 23 ».

وفي تاج العروس : وهي قراءة آبن عباس ، وآبن جبير ، ومجاهد ، وآبن يعمر ، والجحدري ، والكلبي ، ونصر بن عاصم كذا في العباب ، وفي كتاب الشواذّ لآبن جني : هي قراءة آبن عباس ، وآبن عمرو الجحدري وقتادة والضحاك والكلبي وأبان بن تغلب ، ورويت عن الأعمش ، وفي الدّرّ المنثور : أَخرج آبن جرير وآبن مردويه ، عن آبن عباس ، وأَعتدت لهن متكأ قال أعطتهن أترنجا ، وأخرج مسدوء آبن جرير وآبن المنذر وآبن أبي حاتم وأبو الشيخ وآبن مردويه ، عن آبن عباس قال : المتكأ الأترج وكان يقرأها خفيفة ، وأخرج آبن أبي شيبة وآبن جرير وآبن المنذر من وجه أخر عن مجاهد في قوله تعالى الأترج متكأ ، قال : هو الأترُنج وأخرج آبن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سلمة بن تمام أبي عبد الله القسري قال : متكأ

بكلام الحبش يسمون الأرتج متكأً ، وأخرج أبو الشيخ عن أَبان بن تغلب : أَنهُ كان يقرأها وأعتدت لهن متْكَأً مخففة قال : الأترُج ومن العجب ما ذكره الفخر الرازي في القراءة المشهورة وتوجيهها بعد تفسيرها بالطعام المحتاج إلى القطع بالسكين من أَنّ الطعام متى كان كذلك آحتاج الإِنسان إلى أن يتكأ عليه عند القطع « 23 » ، ولم يُعلم وجه الآحتياج أصلًا .

ومنها ما في هذه السورة من قوله تعالى : هَيْتَ لَكَ فإِنّ القراءة المشهورة بفتح الهاء وسكون الياء وفتح التاء ، وفي قراءة نافع وآبن عامر بكسر الهاء وفتح التاء ، وفي قراءة آبن كثير بفتح الهاء وضمّ التاء ، وعلى كل حال فالكلمة مفسّرة متى وقعت في نظم أو نثر بأسرع وتعالَ وهلُمَّ .

وفي لسان العرب « 24 » : أَنّ الفرّاء فسّر قول الشاعر :

إِنّ العراق وأهلَه * سلْمٌ عليك فهيتَ هيتا

أي هلم هلمّ ، وعن آبن جنّي تفسيره : بأسرع الا أَنّ صلة قوله لك كما في الآية ، وربما ينافر هذا المعنى الا ترى التنافر في قولك تعالَ لك وأسرعْ لك ، ولذا التجأ بعضهم إلى جعل المجموع كلمة واحدة ففي التفسير الكبير : قال أبو الفضل المنذري أفادني آبن التبريزي عن آبن زيد قال : هيت لك ، بالعبرانية هيالح ، أي تعالَ عربه القران .

وقال الفرّاء « 25 » : أَنها لغة لأهل حوران سقطت إلى مكّة فتكلّموا بها ، قال آبن الأنباري : هذا وفاق بين لغة قريش وأهل حوران كما آتفقت لغة العرب والروم في القسطاس ، ولغة العرب والفرس في السّجّل ، ولغة العرب والترك في الغساق ، ولغة العرب والحبشة في ناشئة الليل .

وفي لسان العرب « 26 » : روى الأزهريُّ عن أبي زيد قال : هيت لك بالعبرانية هيتالج ، أي تعالَ أعربه القرآن .

لكنْ روي عن أمير المؤمنين وأبي عبد الله الصادق ( عليهماالسلام ) : هِئْتُ لك ، بكسر الهاء وسكون الهمز وضمّ التاء ، مثل : جئت من هاء يهئ ، أي تهيّأت لك « 27 » .

ففي لسان العرب « 28 » : تقول : هئت للأمر ، أي أهيئ هيئة وتهيّئات تهيؤا بمعنى وقرُأ ، ( وقالت هئت لك ) بالكسر والهمز مثل : هعت بمعنى تهيئات لك .

وفي تاج العروس مثله « 29 » : وفي مجمع البيان « 30 » : روى عن علي  ( عليه السلام )  وأبي رجاء وأبي وائل ويحيى بن وثاب هئت لك ، بالهمز وضم التاء .

وروى السياري : باسناده عن أبي يعقوب عن أبي عبد الله  ( عليه السلام )  في قوله : هيت لك ، قال  ( عليه السلام )  : أنما هي هئت لك .

وفي التفسير الكبير « 31 » : قرأ هشام بن عمار عن أبي عامر : هئت لك ، مثل جئت من تهيئت لك .

وفي الدر الممنثور : أخرج أبو عبيد وآبن المنذر وأبو الشيخ ، عن يحيى بن وثاب أَنهُ قرأها : هئت لك ، يعني تهيأت لك ، وأخرج أبو عبيد وآبن جرير وآبن حاتم ، عن آبن عباس أَنّهُ قرأ : هِئتُ لك ، مكسورة الهاء مضمومة التاء مهموزة قال : تهيات لك ، واخرج الطستي « 32 » : عن آبن عباس أَنّ نافع بن الأزرق قال له أَخبرني عن قوله ( عزَّ وجلَّ ) هيت لك قال تهيأت لك ، قُمْ فاقض حاجتك ، وأخرج آبن جرير وآبن المنذر عن أبي وائل أنه كان يقرأ هئت لك ، أي تهيأت لك ثم أَنّ هذه الآية كسابقتها ليست القراءة المنسوبة إلى أهل البيت فيهما لرسم المصحف العثماني ، بل هي مطابقة له ولبعض مشاهير أئمة القراءة من غير السبعة ممن آعترفوا بأَنّهم فوقهم أو مثلهم وإِن كنّا في غنيّةٍ عن أمثالهِ .

ومنها قوله تعالى في سورة التوبة : {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} [التوبة: 118] ، ذكروا نزول الآية في غزوة تبوك ، وأَنّ الثلاثة من الصحابة تخلّفوا ولم يخرجوا إلاعن نفاق ، فلما قدم النبي  ( صلى الله عليه واله وسلم )  المدينة جائوا إليه فلم يكلّمهم النبيَّ  ( صلى الله عليه واله وسلم )  ، وتقدّم إلى المسلمين أَنْ لا يكلّمهم أحد فهجرهمْ الناس حتى الصبيان فضاقت عليهم المدينة فخرجوا إلى رؤوس الجبال ، وكان أَهاليهم يجيئون لهم بالطعام ولا يكلّمونهم فقال : بعضهم لبعض قد هجرنا الناس ولا يكلّمنا أحد فهلّا نتهاجر نحن أَيضا فتفرقوا ، ولم يجتمع منهم آثنان وبقوا على ذلك خمسين يوما يتضرعون إلى الله تعالى ، فقبل الله توبتهم وأَنزل فيهم الآية ، وأَنت خبير بأَنّ عدم خروجهم إلى الجهاد بتخلّف أَحداهم وورد في أَحاديث متعدّدة : أَنّهم لو كانوا خُلفوا لما توجّه عليهم العتب .

وفي مجمع البيان : قرأ علي بن الحسين زين العابدين ، وأبو جعفر محمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق ، وأبو عبد الرحمن السلمي خالفوا ، وروى العياشي « 33 » : عن فيض بن المختار قال : قال أبو عبد الله  ( عليه السلام )  كيف تقرأ هذه الآية في التوبة ، وعلى الثلاثة الذين خُلّفوا قال : قلت : خُلّفوا لكانوا في حال طاعة ، وزاد الحسين بن المختار عنه لو كانوا خلفوا ما كان عليهم من سبيل ، ولكنهم خالفوا .

وفي تفسير علي بن إبراهيم « 34 » : قال : قال العالم  ( عليه السلام )  : إِنّما نزل وعلى الثلاثة الذين خالفوا ولو خُلّفوا لم يكن لهم عيب.

وفي الكافي « 35 » : بإِسناده عن فيض بن المختار مثل ما مرَّ عن العياشي ، وفي تفسير السيّاري أيضا مثله ، وزاد عليه رواية صحيحة أخرى عن أحمد بن محمد عن أبي بصير عن ثعلبة عن عمرو بن يزيد قال : سمعت أبا عبد الله  ( عليه السلام )  يقول : وعلى الثلاثة الذين خالفوا ، ثم قال : والله لو كانوا خُلَّفوا ما كان عليهم من سبيل .

وروى أيضا عن آبن جمهور ، عن بعض أصحابه مثله ، وليعلم أَنّ هذه القراءة ليست أيضا مخالفة لمصحف عثمان فإِنهُ وانْ كان المكتوب فيه من غير ألف لكن بعد وقوع الحذف منه في موارد كثيرة يمكن الحكم بمطابقتها له سيّما على المطابقة التقديرية المشهورة عند القُرّاء ، ثمّ أَنَّ أبا عبد الرحمن السلمي الذي نقل عنه القراءة هو إِسناد عاصم وشيخه الذي أَخذ عنه القراءة على ما ذكروا والسلمي عن أمير المؤمنين  ( عليه السلام )  وآبن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعثمان بن عفان ونقلوا أَنّ حمزة أحد السبعة أَخذَ القراءة عن جماعة وهم : عبد الرحمن السلمي وعن الكسائي أَنهُ أَخذ عن حمزة وأبي بكر بن عياش وغيرهما .

وقال السمرقندي : أَنّ أَصل قراءة الكسائي وآعتماده على حمزة ، وعلى هذا فقراءة ثلاثة من القُراّء السبعة ينتهي إلى السلمي ولم يعلم وجه مخالفتهم في هذا المقام لشيخهم الذي أَخذ قراءته عن خمسة من أصحابه وفيهم مثل أَمير المؤمنين  ( عليه السلام )  وآبن مسعود وأُبي بن كعب ، نعم بتأيد القراءة المشهورة بقوله تعالى : {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ} [التوبة: 81] خلاف رسول الله  ( صلى الله عليه واله وسلم )  ، وقوله تعالى : {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ} [الفتح: 11] ، وقوله تعالى : {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ} [الفتح: 16] فكما يقال في تلك المواضع أَنهُ خلّفهم الكسل والتواني أو الشيطان أو الخذلان أو النفاق أو الخوف فذلك في المقام فلم يَبْقَ إلا الأخذ بالروايات وفيها الصحيح وغيره وموافقة بعض أئمة القراء كافٍ في مقام الترجيح .

ومنها في سورة يس : {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } [يس: 38] ، ففي مجمع البيان : روي عن علي بن الحسين زين العابدين ، وأبي جعفر الباقر وجعفر الصادق وآبن عباس وآبن مسعود وعكرمة وعطاء بن أبي رباح : « لا مستقرَّ لها ».

وفي الدرّ المنثور : أَخرج أبو عبيد في فضائله ، وآبن الأنباري في المصاحف ، وأحمد عن آبن عباس أَنه كان يقرأ : وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ، ومن وقف على آختلاف المفسرين وتوجيهاتهم للام عرف رجحان هذه القراءة فربما جعلوا اللّام بمعنى الوقت ، أي وقت آستقرارها لأنّ اللام للتعليل ووقت الشيء يشبه سببه ، والمراد أَنها كُلّما آستقرت زماناً أُمرت بالجري ، وآحتملوا كون اللام بمعنى إلى متأيّداً بقراءة من قرأ إلى لِمُسْتَقَرٍّ لَها ، وذلك المستقرّ أَمّا يوم القيامة أو السنة أو الليل أو غاية آرتفاعها في اللّيل الصيف ، أو غاية آنخفاضها في الشتاء وهو المختار عند بعض محققيهم أو الدائرة التي عليها حركتها لا تميل عن منطقة البروج على مرور الشمس .

ثم أن هذه القراءة لم يعلم مخالفتها لمصحف عثمان لما مرَّ.

ومنها في سورة سبأ في قصة سليمان : {فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ: 14] وهو مشكل بظاهرة جدل فإنّ كلّ أحد يعلم من نفسه أنه لا الغيب ولا يحتاج إلى إِعمال علامة والجنُّ كانوا عالمين بأَنّهم لا يعلمون الغيب ، كما رواه سعد بن عبد الله القمي قال « 36 » : وقرأ رجل على أبي عبد الله  ( عليه السلام )  هذه الآية فقال : أبو عبد الله  ( عليه السلام )  الجن كانوا يعلمون أنهم لا يعلمون الغيب ، فقال الرجل : فكيف هي ؟ فقال : إنمّا

أَنزل الله فلما خرّ تبينت الأنس أَنّ الجنّ لو كانوا لا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين .

وروى الصدوق في العيون « 37 » : بأسناده عن الحسين بن خالد عن الرضا عن أبيه ، عن أبي عبد الله في حديث طويل في آخره قال الصادق  ( عليه السلام )  : والله ما نزلت هذه الآية هكذا ، وإِنما نزلت فلما خرَّ تبينّت الإِنس أَنّ الجنّ .

وروى السياري : بإِسناده عن أمين عن أبي عبد الله وأبي جعفر ( عليهماالسلام ) في قوله ( عزّ وجلّ ) : « فلما خرَّتبيّنت الإنس ».

وفي تفسير علي بن إبراهيم : أيضا كذلك ، وفي مجمع البيان ، وفي الشواذّ : قرأ آبن عباس والضحاك « تبينت الإنس » وهي قراءة علي بن الحسين وأبي عبد الله ( عليهماالسلام ) .

وفي الدّرّ المنثور « 38 » : أَخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد وآبن المنذر وأَبي حاتم عن آبن عباس : أَنهُ كان يقرأ « فلما خرَّ تبينّت الأنس » ، وروى عن قيس بن سعد أنها قراءة أُبي بن كعب ، وروي عن عكرمة لقد كانت الجنُّ تعلم أَنها لا تعلم الغيب ، ولكنْ في القراءة الأولى تبينّت الإنس .

ومنها : في سورة الواقعة : {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} [الواقعة: 29] ، فقد روى سعد بن عبد الله القمي قال : قرأ رجل عليه أي على الصادق  ( عليه السلام )  وطلح منضود ، فقال : لا وطلع منضود ، وروى السيّاري « 39 » : بإِسناده عن يعقوب بن شعيب قال : قلت لأبي عبد الله  ( عليه السلام )  : وطلح منضود ، قال : لا بل طلع منضود ، وفي مجمع البيان : روت العاّمة « 40 » عن علي  ( عليه السلام )  أَنهُ قرأ عنده رجل وطلح منضود ،

فقال : وما شأن الطلح إنما هو وطلع منضود كقوله تعالى : ونخل طلعها هضيم ، فقيل له : الا تغيره ؟ فقال : إِن القرآن لا يهاج اليوم ولا يحرك .

ورواه عنه ابنه الحسن  ( عليه السلام )  وقيس بن سعد ورواه أصحآبنا عن يعقوب بن شعيب قال : قلت لأبي عبد الله  ( عليه السلام )  وطلح منضود ، فقال : وطلع منضود « 41 » .

وفي الدّر المنثور للسيوطي « 42 » : أخرج آبن جرير وآبن الأنباري في المصاحف عن قيس بن عباد قال : قرأتُ على علي  ( عليه السلام )  فقال : وطلح منضود ، فقال علي  ( عليه السلام )  : وما بال الطلح أما تقرأ وطلع ، ثمّ قال : وطلع نضيد ، فقيل له يا أمير المؤمنين  ( عليه السلام )  أنحكُّها من المصاحف فقال : لا يهاج القرآن اليوم .

ومنها في هذه السورة : {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } [الواقعة: 82] ، والآية في تلو أوصاف القرآن العزيز : {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 79 - 82] وهو بحسب الظاهر غير مناسب ، ولذا تكلف أئمة التفسير بتقدير لفظ الشكر وقالوا : المراد بالرزق هو القرين وقد وبّخهم في أَنهم جعلوا شكر القرآن التكذيب به ، وقد ورد في روايات الخاصّة والعامّة مستفيضاً أَنّ الآية كانت هكذا « وتجعلون شكركم أَنكّم تكذّبون » روى علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبد الرحمن أن عليا  ( عليه السلام )  قرأ بهم الواقعة « وتجعلون شكركم » فلما  انصرف  قال : إِني قد عرفت أنه سيقول قائل لمَ قرأ هكذا إِني سمعت رسول الله  ( صلى الله عليه واله وسلم )  يقرأها كذلك « 43 ».

وبإِسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله  ( عليه السلام )  في قوله تعالى : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ قال : بل هي وتجعلون شكركم « 44 ».

وروى سعد بن عبد الله قال : قرأ الصادق  ( عليه السلام )  « وتجعلون شكركم » ، وروى السياري : عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : قرأ بنا علي  ( عليه السلام )  في صلاة الفجر فقال : « وتجعلون شكركم أَنكم تكذَّبون » فلما  انصرف  قال : إِني عرفت أَنهُ سيقول قائل لم قرأتها هكذا ؟ إِني سمعت رسول الله  ( صلى الله عليه واله وسلم )  يقرأها كذلك .

وأخرج عبد بن حميد وآبن جرير عن أبي عبد الرحمن قال : كان علي  ( عليه السلام )  : يقرأ « وتجعلون شكركم » ، وأخرج أبو عبيد في فضائله « 45 » وسعيد بن من صور وعبد بن حميد وآبن جرير وآبن المنذر وآبن مردويه عن آبن عباس كان يقرأ : « وتجعلون شكركم أَنكّم تكذَّبون » ، ويعجبني في المقام نقل ما ذكره آبن خلكان في ترجمة محمد بن أحمد المعروف بآبن شنبوذ قال : إِنهُ تفرّد بقراءات من الشواذّ كان يقرأ بها في المحراب فأنكرت عليه وبلغ ذلك الوزير أبا علي محمد بن مقلة الكاتب المشهور فأستحضره في أول شهر ربيع الأخر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وأعتقله في داره أياماً فلما كان يوم الأحد لسبع خلون من الشهر المذكور وآستحضر الوزير المذكور القاضي أبا الحسن بن عمر بن محمد وأبا بكر أحمد بن موسى بن العباس آبن المجاهد المقري وجماعة من أهل الكتاب وآستحضر آبن شنبوذ المذكور ونوظر بحضرة الوزير فأغلظ في الخطاب للوزير وأبي بكر بن مجاهد ونسبهم إلى قلّة المعرفة وغيرهم بأَنّهم ما سافروا في طلب العلم كما سافر ، وآستصبى القاضي أبا الحسن المذكور فأمر الوزير أبو علي بضربه فأُقيم وضرب سبع دُرَر فدعا وهو يُضرب ، على الوزير آبن مقلة بأنْ يقطع الله يده ، وأَنْ يشتت شمله فكان الأمر كذلك كما سيأتي في خبر آبن مقلة ثم أوقفوه على الحروف التي قيل أَنه يقرأ بها فأنكر ما كان شنيعاً ،

وقال فيما سواه أَنهُ قرأ به قوم فأستتأبوه فتاب وقال إِنهُ قد رجع عما يقرأهُ وأَنهُ لا يقرأ إلا بمصحف عثمان بن عفان وبالقراءة المتعارفة التي يقرأ بها الناس فكتب عليه الوزير محضراً بما قالوه وأمره أَنْ يكتب خطّه في آخره فكتب ما يدلُّ على توبته ونسخة المحضر ، سئل محمد بن أحمد المعروف بآبن شنبوذ عما حكى أَنهُ يقرأ وهو إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ فاعترف به وعن « وتجعلون شكركم أَنكم تكذَّبون » فآعترف به ، وعن وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً فآعترف به ، وعن « فلما خر تبينت الأنس أَنّ الجنَّ لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولًا في العذاب المهين » فآعترف به في آيات أخرى لم نذكرها آختصاراً ، وقد تبيّن مما سبق حالا آثنين من هذه الأربعة التي ذكروا .

وتفرّد هذا المسكين بها ومطابقتها لما روى عن جماعة آعترف المسلمون من الخاصّة والعامّة بجلالتهم وكمال معرفتهم بالقرآن المنزل ، وأَمّا آية الجمعة ففي مجمع البيان « 46 » : قرأ عبد الله بن مسعود « فأمضوا إلى ذكر » الله وروى ذلك عن علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب وأبي كعب وآبن عباس وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله ( عليهما السلام ) .

وروى السيّاري السندي : عن أبي بصير عن أبي عبد الله  ( عليه السلام )  فآمضوا إلى ذكر الله ، وفي البحار وتفسير البرهان « 47 » : عن المفيد في الآختصاص « 48 » : عن جابر الجعفي قال : كنت ليلة من بعض الليالي عند أبي جعفر  ( عليه السلام )  فقرأتُ هذه الآية : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الآية فقال : كيف قرأتَ ؟ قلت : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الخ ، قال : هذا تحريف يا جابر قلت : كيف أقرأ جعلني الله فداك ؟ فقال : فآمضوا إلى ذكر الله ، هكذا نزلت .

وفي الدرّ المنثور « 49 » : أخرج أبو عبيد في فضائل وسعيد بن منصور وآبن أبي شيبة وآبن المنذر وآبن الأنباري في المصاحف عن خوشة بن الحرّ قال : رأى معي عمر بن الخطاب لوحاً مكتوباً فيه : إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ، فقال : من أَملى عليك هذا ؟ فقلت أُبي بن كعب ، فقال : إِن أُبيّاً أقرأنا للمنسوخ إِقرأهما : « فامضوا إلى ذكر الله » ، أخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال : قيل لعمرإنّ أُبيّاً يقرأ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ قال عمر : أبيٌّ أعلمنا بالمنسوخ ، وكان يقرأها : « فآمضوا إلى ذكر الله » ، وأَخرج الشافعي في الأُمّ ، وعبد الرزاق والفريأبي وسعيد بن منصور وآبن أبي شيبة وعبد بن حميد وآبن أبي جرير ، وآبن المنذر ، وآبن أبي حاتم ، وآبن الأنباري في المصاحف والبيهقي في سننه عن أن عمر قال : ما سمعت عمر يقرأها إلّا : « فامضوا إلى ذكر الله » ، وأخرج عبد الرزاق والفريأبي ، وأبو عبيد وسعيد بن منصور وآبن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وآبن جرير ، وآبن المنذر ، وآبن الأنباري ، والطبراني من طُرُقٍ ، عن آبن مسعود أَنهُ يقرأ : « فآمضوا إلى ذكر الله » ، قال : ولو كانت فاسعواْ لسعيت حتى يسقط ردائي ، وأَخرج عبد الرزاق والطبراني عن قتادة قال في حرف آبن مسعود : « فآمضوا إلى ذكر الله » ، وأخرج عبد بن حميد من طريق أَبي العالية ، عن أبي بن كعب ، وآبن مسعود أَنهما كانا يقرآن : « فامضوا إلى ذكر الله » ، وأخرج آبن المنذر ، عن عبد الله بن الزبير كان يقرأها : « فآمضوا إلى ذكر الله » ، وأخرج عبد بن حميد عن آبن عباس في قوله تعالى : فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ، قال : « فآمضوا ».

وأَمّا آية الكهف ففي تفسير علي بن إبراهيم نقل الآية بزيادة صالحة ، وروى السياري : عن زرارة عن أبي جعفر  ( عليه السلام )  في قوله ( عزّ وجلّ ) : « يأخذ كلَّ سفينةٍ صالحة غصباً » ، هكذا في قراءة أمير المؤمنين  ( عليه السلام ) .

وفي مجمع البيان « 50 » : قال سعيد بن جبير كان آبن عباس يقرأ : « وكان أَمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا » ، إلى أَنْ قال : وروى أصحآبنا عن أبي عبد الله أَيضاً أَنهُ كان يقرأ : « كل سفينة صالحة غصبا » ، وروى ذلك عن أبي جعفر  ( عليه السلام )  قال : وهي قراءة أمير المؤمنين  ( عليه السلام )  ، وروى سعد بن عبد الله القمّي عن الصادق  ( عليه السلام )  : أنه قرأ « كل سفينة صالحة غصبا ».

وفي رجال الكشّي « 51 » : في ترجمة زرارة في حديث طويل رواه عبد الله بن زرارة في الاعتذار عما ورد في حقّ زرارة من الطعن وفيه : « وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا » هذا التنزيل من عند الله صالحة ، وفي الدر المنثور « 52 » : أخرج سعيد بن منصور وآبن جرير وآبن أبي حاتم والحاكم وصحّحه وآبن مردويه عن آبن عباس ان النبي  ( صلى الله عليه واله وسلم )  كان يقرأ : « وكان أمامهم ملك يأحذ كل سفينة صالحة غصبا » ، وأخرج آبن الأنباري عن أُبيّ بن كعب أنه قرأ : « يأخذ كل سفينة صالحة غصبا » وأخرج آبن أبي حاتم عن قتادة قال كانت تقرأ في الحرف الأول « كل سفينة صالحة غصبا » ، وأخرج أبو عبيد وآبن المنذر عن أبي الزاهرته قال كتب عثمان : « وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا » ، ومن جميع ما ذكرنا آتضح أَنّ ما وقع من آبن شنبوذ من تعبير الجماعة بقلة المعرفة ، وعدم السفر لطلب العلم ، وأنهُ سافر لطلبه وقع في محلّه من الوزير من إِهانته وضربه وهتكه فهو من العصبية الجاهلية الناشئة من الجمود والتقليد وقلّة الفطنة ، وقد مرَّ سابقا تصريح أكابر القوم ، وربما سيأتي من أَنّ القراءات السبعة ليست متعيّنة ، وأَنّ القرّاء من هو فوقهم والعجب أَنّ هذا الوزير الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر وهي القراءة بالشواذ المروج لما عليه سلفهم من مصحف عثمان كيف استحقّ العقوبة من الله ؟ وكيف استجيب دعاء آبن شنبوذ عليه بقطع اليد وتشتيت الشمل كما اعترف به قاضيهم آبن خلكان في هذه الترجمة وفي ترجمة آبن مقلة أيضا ؟ ، ولا يبعد أَنّ الجماعة تفرسوا في آبن شنبوذ والتشنيع والرفض فإِنّ أَغلب ما اعترف به منسوب إلى قراءة أهل بيت العصمة والطهارة فجازوه على نفس القراءات ظاهراً على آعتقاد من تنسب إليه القراءة باطنا .

 ______________

( 1 ) تهذيب الأحكام للطوسي : ج 1 ، ص 71 .

( 2 ) نقلناه من مصدره الأصلي : دعائم الاسلام : ج 1 ، ص 108 .

( 3 ) الدر المنثور : ج 2 ، ص 262 .

( 4 ) الدر المنثور للسيوطي : ج 2 ، ص 262 .

( 5 ) تهذيب الأحكام للطوسي : ج 1 ، ص 70 .

( 6 ) تفسير مجمع البيان : ج 9 ، ص 418 .

( 7 ) تفسير البيضاوي : ج 5 ، ص 312 .

( 8 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 356 .

( 9 ) الدر المنثور : ج 2 ، ص 93 .

( 10 ) تفسير مجمع البيان : ج 9 ، ص 417 .

( 11 ) تأويل الآيات : ج 2 ، 515 .

( 12 ) تأويل الآيات : ج 2 ، ص 151 .

( 13 ) مناقب آل أبي طالب : ج 2 ، ص 299 .

( 14 ) ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره : ج 10 ، ص 3250 .

( 15 ) تفسير مجمع البيان : ج 9 ، ص 417 .

( 16 ) فتح الباري لابن حجر : ج 9 ، ص 31 .

( 17) الدر المنثور : ج 5 ، ص 65 .

( 18 ) تفسير العياشي : ج 1 ، ص 350 .

( 19 ) تفسير الرازي : ج 12 ، ص 129 .

( 20 ) تفسير مجمع البيان : ج 3 ، ص 451 .

( 21 ) الدر المنثور : ج 2 ، ص 346 .

( 22 ) تفسير القمي : ج 1 ، ص 343.

( 23 ) لسان العرب : ج 10 ، ص 485.

( 23 ) تاج العروس : ج 13 ، ص 638 .

( 24 ) لسان العرب : ج 2 ، ص 106 .

( 25 ) راجع زاد المسير : ج 4 ، ص 156 .

( 26 ) لسان العرب : ج 10 ، ص 263 .

( 27 ) فتح الباري : ج 8 ، ص 274 .

( 28 ) لسان العرب : ج 1 ، ص 189 .

( 29 ) تاج العروس : ج 1 ، ص 29 .

( 30 ) تفسير مجمع البيان : ج 5 ، ص 382 .

( 31 ) تفسير الرازي : ج 18 ، ص 113 .

( 32 ) الدر المنثور : ج 4 ، ص 12 .

( 33 ) تفسير العياشي : ج 2 ، ص 115 .

( 34 ) تفسير القمي : ج 1 ، ص 298 .

( 35 ) الكافي : ج 8 ، ص 377 .

( 36 ) بحار الأنوار : ج 89 ، ص 61 .

( 37 ) علل الشرائع : ج 1 ، ص 74 .

( 38 ) الدر المنثور : ج 5 ، ص 230 .

( 39 ) راجع التفسير الصافي : ج 5 ، ص 122 .

( 40 ) نقلًا من مصادر العامة : القاري للعيني : ج 15 ، ص 150 .

( 41 ) بحار الأنوار : ج 8 ، ص 109 .

( 42 ) الدر المنثور : ج 6 ، ص 157 .

( 43 ) ذكره تفسير الثعلبي : ج 5 ، ص 372 .

( 44 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 349 .

( 45 ) الدر المنثور : ج 6 ، ص 163 وما بعدها.

( 46 ) مجمع البيان : ج 10 ، ص 13 ، التفسير الصافي : ج 5 ، ص 174.

( 47 ) البرهان للزركشي : ج 1 ، 215 .

( 48 ) الإختصاص للمفيد : ص 129 .

( 49 ) الدر المنثور : ج 6 ، ص 219 .

( 50 ) تفسير مجمع البيان : ج 6 ، ص 37 ، تفسير القرآن لابن كثير : ج 3 ، ص 93 .

( 51 ) احتيار معرفة الرجال : ج 1 ، ص 350 .

( 52 ) الدر المنثور : ج 2 ، ص 131 - 132 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .