أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-29
1193
التاريخ: 25-8-2020
2589
التاريخ: 2024-08-06
343
التاريخ: 22-6-2017
2047
|
اهتمام الإسلام بالجار
لقد أولى الإسلام مسألة الجار والجوار أهمية كبرى حيث أوجب له حقوقاً وواجبات قد يعجب الإنسان من كثرتها وتحتاج منه إلى عناية حتّى يتمرّس عليها، وما ذلك إلا حرصاً من الشريعة على إحياء روح الترابط بين أفراد المجتمع الإسلامي الواحد وتأكيداً منه على توثيق عرى التواصل بين أفراده.
فقد ذكر إمامنا السجّاد (عليه السلام) في رسالة الحقوق، حقّاً مستقلّاً للجار، وقد وردت الكثير من الروايات التي تحثّ على أداء حقوقه، وقد ذكر الله الجار في كتابه العزيز حيث قال: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ﴾[1].
وقد روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "حرمة الجار على الجار كحرمة أمّه"[2].
ولشدّة ما كانت الوصيّة بالجار تتنزّل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "ما زال جبرائيل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه"[3].
وسنعرض فيما يلي حقيقة الجار وحدّ الجوار وأنواع الجيران وبعض حقوق الجيران الّتي وردت في أحاديث الرسول والأئمة عليهم صلوات الله.
حدّ الجار
عدّ الدِّين الإسلامي الجار بمن يقرب من منزل الإنسان بأربعين داراً من كلّ الجهات.
فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): "كلّ أربعين داراً جيران.."[4].
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "حريم المسجد أربعون ذراعاً والجوار أربعون داراً من أربعة جوانبها"[5].
أي الشرق والغرب والشمال والجنوب، فكلّ أربعين داراً من هذه الجهات تكون دوراً لجيران المسلم، ويتوجّب على المسلم أداء حقّ الجار إليها.
أهمّية اختيار الجار
من الأهمّية بمكان وقبل أن يسكن المرء في منطقة معيّنة أن يستطلع أحوال الجيران الذين سيجاورهم حتّى لا يُبتلى بجاء السوء. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار"[6].
وكثيراً ما يندم الإنسان على اختياره المكان السيّء لسكناه فعليه أن يتحرّى عن الجيران وتديّنهم وأخلاقهم، فقد قال لقمان الحكيم في وصيّته لولده: "يا بنيّ حملت الحجارة والحديد فلم أر شيئاً أثقل من جار السوء"[7].
أنواع الجيران
قسّم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الجيران إلى ثلاثة أقسام بحسب حقوقهم.
"الجيران ثلاثة، جار له ثلاث حقوق: حقّ الجوار، وحقّ القرابة، وحقّ الإسلام. وجار له حقّان: حقّ الجوار، وحقّ الإسلام. وجار له حقّ الجوار: المشرك من أهل الكتاب"[8].
وهذا تنبيه من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لنا كي لا نتهاون حتّى في مسألة الجار الكافر، فإنّ التعامل مع الجار الكافر بأخلاق الإسلام مقرِّب له من الإسلام. وقصّة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) مع جاره اليهودي الّذي كان يرمي القمامة أمام منزله، فافتقده الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً، فسأل عنه فأُخبر أنّه مريض، فزاره رغم أذيّة اليهودي له (صلى الله عليه وآله وسلم)، فما كان من اليهودي إلا أن أسلم لمّا رأى من أخلاق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحسن مجاورته له. هذه القصة عبرة لمن أراد السلوك الحكيم.
حقّ الجار
نستنتج من خلال مراجعتنا لأحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) أنّ للجار حقوقاً كثيرة، نذكر بعضاً منها:
1ـ حفظه غائباً:
ينبغي للمسلم أن يحفظ جاره خصوصاً في غيابه، فيحفظه من ألسن الناس ويدافع عنه أمام من يغتابه أو ينمّ عليه.
فقد روي عن الإمام السجاد (عليه السلام): "ولا تخرج أن تكون سلماً له ترد عنه لسان الشتيمة"[9].
وقد أوصى (عليه السلام) في رسالة الحقوق، بأن يحفظ الإنسان جاره غائباً فقال: "وأمّا حقّ جارك فحفظه غائباً"[10].
2ـ إكرامه حاضراً:
فمن حقّ جارك حال وجوده بجوارك أن تعامله برحابة الصدر وبشر الوجه، وأن لا تكون عليه ثقيلاً وتكرمه وترفع من مقامه وشأنه، كما هو ديدن المسلم في التعاطي مع الآخرين.
ففي رسالة الحقوق: "وإكرامه شاهداً"[11].
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن".
قيل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): "الّذي لا يأمن جاره بوائقه"[12].
والبوائق بمعنى الظلم والتعدّي.
3ـ نصرته مظلوماً:
إنّ نصرة المظلوم هي من صفات المؤمن الملتزم فمن حقّ جارك عليك أن تنصره في حال الاعتداء عليه وظلمه من قِبَل الآخرين ولا سيّما إذا كان من المؤمنين، فتغيثه ممّا ألمّ به من نائبات الدهر ومظالم أهل البطش والسطوة.
قال إمامنا السجاد (عليه السلام): "ونصرته إذا كان مظلوماً"[13].
4ـ نصحه فيما يهمّه:
فإنّ النصيحة من المؤمن لأخيه تُشعره بالاهتمام به وبالرعاية الخاصّة به، ولكنّ النصيحة لا بدّ وأن تكون بشروطها الأخلاقية فلا ينبغي للمؤمن أن ينصح أخاه أمام الآخرين أو بلغة استعلائية.
وروي عن إمامنا السجّاد (عليه السلام) قوله: "وإن علمت أنّه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه"[14].
وقد ورد التأكيد في الروايات على أن يكون الوعظ والنصيحة في السرّ.
فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "من وعظ أخاه سرّاً فقد زانه ومن وعظه علانية فقد شانه"[15].
5ـ مواساته:
تعتبر المواساة من ركائز المجتمع الإسلامي الّتي توثّق عرى العلاقات بين أفراده، ولذا أكّدت الروايات على أهمّية المواساة ولا سيّما بين الجيران. فمن حقّ الجار أن تفرح لفرحه إذا زوّج ولداً أو أقام وليمة أو رُزق بطفل، وكذا لا بدّ أن تحزن لحزنه إذا فقد عزيزاً أو حبيباً. ومن حقّه أن تزوره إذا مرض لتخفّف عنه الهمّ والألم. ففي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "وإذا مرض عدته، وإذا أصابه خير هنّيته، وإذا أصابته مصيبة عزّيته، وإذا مات اتبعت جنازته"[16].
6ـ الصفح عنه:
ومن حقّ الجار عليك أن تصفح عنه وتقيل عثرته إذا جاءك معتذراً، فإنّ ردّ العذر من لؤم النفس، ويدلّ على تكبّر فاعله، وقد ورد في رسالة الحقوق، في حقّ الجار: "وتقيل عثرته وتغفر ذنبه"[17].
7ـ إقراضه إذا طلب:
إنّ مسألة استحباب الإقراض من أهمّ المسائل التي تضمن التكافل بين المؤمنين، فبالقرض يخفّ العبء الاقتصادي عن الفقراء، ولذا جُعل استحباب أن يقرض الإنسان جاره إذا جاءه مقترضاً.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقوق الجار: "إن استغاثك أغثته، وإن استقرضك قرضته، وإن افتقر عدت عليه"[18].
8ـ عدم الاطلاع على سرّه:
من مكارم الأخلاق أن يرعى الإنسان خصوصيّة أخيه وجاره المسلم، فلا يُرسل بصره يميناً وشمالاً بحثاً عن أموره الشخصية والخاصّة به، ولا يختلس النظر والسمع إلى داره، بل يكون مصداقاً لقول الشاعر:
أعمى إذا ما جارتي برزت حتّى يواري جارتي الخدر
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلّا بإذنه"[19].
فإنّ في ذلك مضايقة له وحدّاً من حرّيته وانتهاكاً لخصوصيّته.
وعن الإمام السجّاد (عليه السلام): "ولا تتبع له عورة فإن علمت عليه سوءاً سترته عليه"[20].
وأسوأ أنواع التتبّع والمراقبة ما كان منه بقصد هتكه ونشر عيوبه أمام الناس.
9ـ عدم أذيّته:
وحرمة أذيّة الجار من الكبائر بل من أكبر الكبائر، ويكفي في ذمّها ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "من آذى جاره فقد آذاني ومن حاربه فقد حاربني"[21].
10ـ عدم البخل بالطعام:
ومن حقّ الجار إذا طبخت وكانت رائحة الطعام تصله أن ترسل له من الطعام.
وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلاً لأبي ذرّ: "إذا طبخت فأكثر من المرق وقسّموا على الجيران ومن آذى جاره فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"[22].
وقد قال الشاعر ذاكراً مكارم الجوار:
ناري ونار الجار واحدة وإليه قبلي ينزل القدر
وقد أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن نهدي الجار الفاكهة إذا أتينا بها إلى المنزل، وإن لم نستطع أن نهديه منها فلا بدّ أن نُدخلها سرّاً حتّى لا يرانا ويكون غير قادر على شرائها ونحترس من أن يرى أولاده أولادنا يأكلون منها.
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "وإن اشتريت فاكهة فاهد له فإن لم تفعل فأدخلها سرّاً ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده"[23].
آثار حسن الجوار
قد عرفنا حقوق الجار ونسأل الله أن يعيننا على أدائها، وبقي علينا أن نعلم آثار حسن الجوار في الدنيا والآخرة.
1ـ زيادة العمر:
فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "حسن الجوار زيادة في الأعمار"[24].
2ـ زيادة الرزق:
وعنه (عليه السلام): "حسن الجوار يزيد في الرزق"[25].
3 ـ عمران الديار:
وعمران الديار زيادة البركة فيها والتوفيق لساكنيها وحصول الخير لديهم.
فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "حسن الجوار يعمر الديار ويزيد في الأعمار"[26].
[1] سورة النساء, الآية: 36.
[2] الكافي, م.س, ج2, ص 666.
[3] شرح رسالة الحقوق, ج2, ص 172.
[4] موسوعة أحاديث الشيعة، الشيخ هادي النجفي، ج2, ص 336.
[5] بحار الأنوار، م.س, ج71, ص 151.
[6] م.ن, ج 71, ص 74.
[7] شرح نهج البلاغة، ابن أبي حديد، ج17, ص 8.
[8] التبيان، الشيخ الطوسي، ج3, ص 194.
[9] بحار الأنوار، م.س، ج 71, ص 17.
[10] م.ن، ج 71, ص 7.
[11] م.ن
[12] كنز العمال، المتقي الهندي، ج9, ص 56.
[13] . بحار الأنوار، م.س، ج 71, ص 7.
[14] م.ن.
[15] ميزان الحكمة، م.س، ج1, ص 48.
[16] كنز العمال, م.س, ج9, ص185.
[17] بحار الأنوار, م.س, ج71, ص 7.
[18] ميزان الحكمة, م.س, ج1, ص 488.
[19] م.ن.
[20] م.ن.
[21] مستدرك الوسائل, م.س, ج8, ص 425.
[22] م.ن, ج8, ص 426.
[23] كنز العمال, م.س, ج9, ص 59.
[24] مستدرك الوسائل, م.س, ج8, ص 427.
[25] بحار الأنوار, م.س, ج 71, ص 153.
[26] الكافي, م.س, ج2, ص 667.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|