أقرأ أيضاً
التاريخ: 26/9/2022
1535
التاريخ: 7-8-2016
1394
التاريخ: 2024-03-17
791
التاريخ: 16-2-2021
2532
|
الشكر خلق من أخلاق الربوبيّة، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} [التغابن: 17]. وهو مفتاح السعادة وسبب الزيادة {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] وبه يتحقّق الإيمان وبتركه الكفران الموجب للنيران {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]، ولغاية فضله قرنه بالذكر {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152] ولعلوّ رتبته طعن الشيطان في نوع الانسان {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 17] وصدّقه الرحمن {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13].
وعن عائشة أنّ النبي صلى الله عليه وآله قام ليلة فبكى حتّى سالت دموعه على صدره ثم ركع فبكى، ثم سجد فبكى ثم رفع رأسه فبكى، فلم يزل كذلك حتّى أذّن بلال، فقلت: وما يبكيك يا رسول الله، فقد غفر الله من ذنبك ما تقدّم وما تأخّر؟ قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً؟» (1).
وإذا علمت أنّ من الشكر البكاء تبيّن أنّ اللائق بحالك إدامته.
وفي الخبر: أنّ نبيّاً من الأنبياء مرّ بحجر صغير يخرج منه ماء كثير، فتعجّب فأنطقه الله وقال: مذ سمعت قوله تعالى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة: 24] أبكي خوفاً، فسأله أن يجيره من النار فأجاره، ثم رآه بعد مدّة يخرج مثله، فسأله عن ذلك، فقال: كان ذلك بكاء الخوف، وهذا بكاء الشكر والسرور (2).
وقلب العبد أشدّ قسوة من الحجارة، ولا تزول إلا بالبكاء.
وأوحى الله تعالى إلى داود: «أنّي رضيت بالشكر مكافاة لأوليائي» (3).
ولما نزل في ادّخار الأموال ما نزل قالوا للنبي صلى الله عليه وآله: فماذا نتّخذ؟ فقال: «ليتّخذ أحدكم لساناً ذاكراً وقلباً شاكراً» (4).
وعن ابن مسعود: الشكر نصف الايمان (5).
ثم الشكر حالة مستفادة من علم مثمرة لعمل.
أمّا العلم فهو العلم بحقيقة النعمة ووصفها في حقّه، وذات المنعم وصفاته التي بها يتمّ الإنعام، وهذا في حقّ الغير.
وأمّا في حقّه تعالى فبالتوحيد الفعلي المشار إليه، فإنّ من أنعم عليه الملك بشيء فإن رأى لوزيره مثلاً دخلاً في تيسيره وإيصاله كان إشراكاً له في نعمته فلم يرها منه من كلّ وجه ويتوزّع فرحه عليهما، وإن رآها بتوقيعه المكتوب بالقلم والكاغذ مع العلم بأنّ ليس لهما مدخل فيه فلا يفرح منهما لعلمه بأنّهما مسخّران تحت حكمه مضطرّان إلى قدرته فيرى الوزير والخازن كالكاغذ والقلم في ذلك فلم يورث ذلك شركاً في توحيده في إضافة النعمة إليه، فكذا لو علمت أنّ جميع الأفعال صادرة عن الله وأنّ كلّ شيء مسخّر بيد قدرته حتى من له اختيار من العباد وأنّ من يحسن إليك فإنّما يحسن بأسباب مخلوقة من الله فيه كالإرادة وتهييج المحبّة والإلقاء في قلبه أنّه خير له في دنياه أو آخرته، فقد أعطاك وأحسن إليك لغرض نفسه، ولو لم ير فيه نفعاً لنفسه لما نفعك فليس منعماً عليك، بل المنعم مسخّر القلوب ومحبّبك إليها، تيسّر (6) لك حينئذٍ شكره، بل كانت هذه المعرفة بنفسها شكراً منك له كما في الخبر المشهور عن موسى عليهالسلام (7).
وممّا ذكرنا يظهر أنّ هذا أزيد من التوحيد؛ لأنَّ معرفة كونه منعماً خاصّة بجميع النعم وأنّ كل منعم مسخّر تحت حكمه شيء وراء التقديس، فينطوي فيها مضافاً إليه كمال القدرة والانفراد بالفعل والعناية بالعباد.
ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله: «من قال: سبحان الله فله عشر حسنات، ومن قال: لا إله إلا الله فله عشرون، ومن قال: الحمد الله فله ثلاثون» (8).
ولا تظن أنّها بإزاء تحريك اللسان من غير انكشاف لمعانيها وشهود لحقائقها، بل هي بإزاء المعارف التي هي من أبواب الإيمان واليقين.
وأمّا الحالة المستفادة منه وهي الفرح بالمنعم مع هيئة الخضوع وهي الشكر حقيقة، وإن كانت أصل المعرفة أيضاً كذلك إلا أنّها متوقّفة على شرط هو كون الفرح بالمنعم دون النعمة والانعام، فمن يفرح بأصل النعمة من حيث إنّها لذيذة حاصلة له وموافقة لغرضه بعيد عن معنى الشكر لقصور نظره عليها وفرحه بها دون المنعم، فلا يكون شاكراً للمنعم بل للنعمة.
ومن يفرح بها من حيث أنّها عطيّة من المنعم دالة على عنايته به والتفاته إليه واستدلاله (9) منه على الإنعام في المستقبل فهو شاكر للمنعم إلا أنّه ليس شكراً له لذاته، بل لعطائه ورجاء زيادة نعمائه وهو شكر الصلحاء الذين يعبدون الله طمعاً في ثوابه أو خوفاً من عقابه.
ومن يفرح بها للوصول بها إلى قرب المنعم وكونها وسيلة له إليه ووصلة للنزول في جواره والنظر إلى وجهه فهو الشاكر للمنعم حقيقة، وهذه الرتبة العليا، وعلامتها ألا يفرح من الدنيا إلا بما هو مزرعة للآخرة، ويحزن عن كلّ نعمة ملهية له عن ذكر الله وصادّة له عن سبيله، ولا يدرك هذه المرتبة من انحصرت لديه اللذّات في الحسيّات وخلا قلبه عن اللذّات العقليّة، فكم من فرق بين من يريد المنعم للنعمة وعكسه.
وأمّا الثمرة المترتّبة عليها من العمل فهي إما بالقلب بإضمار الخير للمسلمين أو باللسان بالإظهار بالألفاظ الدالّة عليه أو بالجوارح باستعمال نعم الله تعالى في طاعته والتوقّي من الاستعانة على معصيته، فشكر العينين ستر كلّ عيب يراه من مسلم، والسمع ستر كلّ عيب مسموع، واللسان إظهار الرضا من الله وهكذا، فالمراد من خلق الدنيا وأسبابها الاستعانة على الوصول إلى الله ولا وصول إلا بالمحبّة له والأنس به وبغض الدنيا والتجافي عن لذّاتها وعلائقها، ولا انس الا بدوام الذكر، ولا محبّة الا بالمعرفة الحاصلة من دوام الفكر، ولا يمكن الذكر والفكر الا بواسطة البدن ولا بقاء له الا بالأرض والماء والهواء والنار، ولا يتمّ ذلك الا بخلق السماء والأرض وما بينهما وكلّ ذلك للبدن وهو مطيّة للنفس المطمئنّة الراجعة إلى الله فكلّ من استعمل شيئاً في غير طاعة الله فقد كفر بنعمة الله في جميع الأسباب التي لابدّ منها لإقدامه على تلك المعصية.
بحث وتحقيق:
فإن قيل: كيف يتمّ الشكر على النعمة مع أنّه إنّما يتمّ في حقّ منعم ذي حظّ من الشكر وهو محال في حقّه تعالى؛ لتنزّهه من الحظوظ والأغراض، ولأنّ جميع ما نتعاطاه باختيارنا نعمة أخرى مضافة إلى نعمه، إذ جوارحنا وقدرتنا واختيارنا وسائر أسباب حركاتنا من الله تعالى فكيف نشكر نعمته بنعمته؟
قلت: قد خطر هذا الخاطر لموسى وداود عليهالسلام وناجيا به ربّهما فأوحى إليهما: «إذا عرفت هذا المعنى فقد شكرتني» (10).
وتوضيح ذلك على الوجه الذي يسكن إليه النفس هو أنّ الملك إذا بعد عبد من عبيده عنه فأرسل إليه زاداً ومركوباً وعدّه لوصوله إليه واشتغاله بخدمة عيّنها له فلا يخلو إمّا أن يكون قصده من ذلك قيامه ببعض مهامّه، ويحصل له غنى بخدمته أو لا يكون له حظّ من ذلك، فلا يزيد حضوره في ملكه شيئاً كما لا ينقص غيابه عنه، بل قصده من ذلك الإنعام عليه واللطف بالنسبة إليه ليحظى بقربه وينال سعادة حضرته فيصل النفع إليه لا إلى نفسه، والأوّل محال بالنسبة إليه تعالى، وإنّما الثابت في حقّه الثانية وفي هذا القسم إنّما يتصوّر الشكر باستعمال العبد ما أنفذه إليه الملك فيما أحبّه له لأجل نفسه، والكفران إمّا بالتعطيل أو بالاستعمال فيما يزيد بعده عنه، فإذا ركب المركوب وصرف الزاد والعدّة في طريق الوصول إليه فقد شكره أي استعمل نعمته فيما أحبّه لأجله وإن ركبه واستدبر عن حضرته أخذ طريق البعد عنه فقد كفر النعمة، أي استعملها فيما كرهه له، وإن جلس ولم يركب ولم يبعد ولم يقرب فقد عطّل نعمته وهو أيضاً كفران وإن كان أدون ممّا قبله، فالخلق في بدو فطرتهم لمّا احتاجوا إلى استعمال الشهوات لتكميل أبدانهم بعدوا بذلك عن حضرته تعالى، ولمّا كان سعادتهم بالقرب أعد لهم ما قدروا بها على نيل درجة القرب كما قال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين: 4 - 6] والله تعالى لم يفعل لم يفعل ذلك إلا لطفاً بهم وإرادة لنفعهم وسعادتهم، فمن استعملها فيما أحبّه الله لهم فقد شكر لموافقة فعله لما أحبّه مولاه له، ومن لم يستعملها فيه فقد كفر بفعله مالم يرض تعالى له، فإنّ الله لا يرضى لعباده الكفر، فالطاعة والمعصية داخلان في المشيّة دون المحبّة والكراهة، فربّ مشية محبوبة وربّ مشيّة مكروهة، فقولك إنّه لا يصل إلى المشكور حظ اتّضح جوابه، وكذا كلامك الثاني فإنّ مرادنا من الشكر صرف نعمة الله في جهات محبّته، فإذا تحقّق ذلك حصل المراد وظهر سرّ الزيادة المترتّبة على الشكر أيضاً، إذ النعمة الحقيقية هي القرب فإذا صرف العبد الزاد والركوب في طريق الوصول إلى المولى فقد قرب، وبقطع كلّ منزل من المنازل يزداد القرب وهو واضح.
ثمّ إن كان صرف النعمة فيما أحبّه الله محمولاً على ظاهرة من استناد الأفعال إلى العباد، فنسبة الشكر إلى العبد واضحة، وإن نظر إلى خلق الآلات والأسباب من الله تعالى فتكون الأفعال كلّها من الله بناء على معنى التوحيد الفعلي المتقدّم إليه الإشارة كان معنى شاكريّة العبد كونه محلاً للشكر وقابلاً له كما هو معنى علمه وقدرته وسائر صفاته فافهم.
وممّا ذكر ظهر جواب آخر بناء على نظر التوحيد الفعلي، فإنّه الشكر حينئذ حقيقة كما أنّه المشكور، فإنّ من عرف أن ليس في الوجود غيره وأنّ {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] إذ الغير ما كان قوامه بنفسه وهو محال، إذ كلّ ما في الوجود سواه تعالى فهو موجود قائم بالغير ولو لم يعتبر الغير ولم يلتفت إليه بل إلى ذاته بذاته لم يكن له قوام ولا وجود بالمرّة، والموجود حقيقة ما لو فرض عدم غيره كان موجوداً بنفسه وهو القائم بنفسه، فإذا كان قوام كل شيء به أيضاً كان قيّوماً والقيّوم واحد لا تعدّد له {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] فهو مصدر كلّ الأشياء ومرجعها، فيكون (11) هو المحبّ والمحبوب والشاكر والمشكور.
روي أنّ النبي صلى الله عليه وآله لمّا قرأ: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30] قال: «واعجباه أعطى وأثنى» (12).
قيل: فيه إشارة إلى أنّ ثناءه على إعطائه ثناء على نفسه.
وقيل في قوله تعالى: {يحبّهم ويحبّونه} يحبّهم لأنّه لا يحبّ الا نفسه، فإن الصنع إذا أحب صنعه فقد أحب نفسه والوالد إذا أحب ولده فقد أحبّ نفسه، وكل ما سوى الله فهو صنيعه فإن أحبّه فما أحبّ الا نفسه، والتوحيد بهذا المعنى هو الذي يعبّر عنه بفناء النفس أي استغرق في جلال الله وصفات كبريائه فلا يرى في الكون الا وجوده وآثار وجوده من حيث إنّها آثار وجوده «يا كائناً قبل كلّ شيء ويا كائناً بعد كلّ شيء، ويا مكّون كلّ شيء» (13) وهذه المرتبة لا يدركها أكثر الناس، بل يخصّ بها الصدّيقون.
قيل: لمّا نزل قوله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] قال النبي صلى الله عليه وآله في سجوده: «أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» (14).
فأوّل مقاماته صلى الله عليه وآله آخر مقامات الكمّل وهو التوحيد الفعليّ أي مشاهدة الأفعال طرّاً من الله تعالى.
ثمّ ترقّى إلى التوحيد الوصفي أعني المعاني الكلّية للأفعال وهي الصفات، ثم رآه نقصاً بالنظر إلى التوحيد الذاتيّ وهو مشاهدة الذات من غير ملاحظة صفة أو فعل، ثم لاحظ كونه فارًّا منه إليه وهو مستلزم لإثبات نفسه وملاحظتها فوجده نقصاً لحقّه، ففنى عنها فقال: «أنت كما أثنيت على نفسك» فانظر إلى ما وصل إليه في درجات القرب، ولمّا كان كلّ درجة عنده نقصاً بالنظر إلى ما فوقه قال: «وإنّه ليغان على قلبي حتّى أستغفر الله في كلّ يوم سبعين مرّة» (15).
فإنّ مقامات أهل السلوك تصل إلى هذا المقدار بل تزيد في طرف البداية، فإنّ هذه مقامات النبي في حال نبوتّه وللوصول إليها مقامات غير محصورة، وقد عرفت أنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين والاستغفار منها لازم للعارف بكونها نقصاً وسيّئة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المحجّة البيضاء: 7 / 142 مع تلخيص.
(2) المحجّة البيضاء: 7 / 142.
(3) المحجّة البيضاء: 7 / 143، وفيه: «إلى أيّوب» و«من أوليائي».
(4) المحجّة البيضاء: 7 / 143.
(5) المحجّة البيضاء: 7 / 143.
(6) جواب «لو علمت أنَّ جميع الأفعال...».
(7) المحجة البيضاء: 7 / 146، 151 ـ 152.
(8) المحجة البيضاء: 7 / 145.
(9) كذا.
(10) المحجّة البيضاء: 7 / 151 ـ 152.
(11) هذا دالّ على خبر إنّ المذكورة آنفاً.
(12) المحجّة البيضاء: 7 / 153 ونسبة فيه إلى رجل مسمّى بحبيب بن أبي حبيب لا إلى النبي صلى الله عليه وآله. وكذا في الإحياء: 4 / 86.
(13) بحار الأنوار: 95 / 225، باب الأدعية والأحراز لدفع كيد الأعداء، ح 23.
(14) المحجّة البيضاء: 7 / 155.
(15) المحجّة البيضاء: 7 / 17، مع اختلاف.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|