أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-10-2018
2372
التاريخ: 9-5-2017
3820
التاريخ: 2023-05-25
1148
التاريخ: 7-5-2019
2841
|
تعد عقيدة القضاء والقدر من أصول العقائد في الإسلام، وكان منها قوة المسلمين لأول أمرهم، علمتهم الجرأة والإقدام، وبعثتهم (1)على اقتحام الممالك ففتحوها: «هذا الاعتقاد يطبع الأنفس على الثبات واحتمال المكاره ومقارعة الأهوال، ويحليها بحلى الجود والسخاء، ويدعوها إلى الخروج من كل ما يعز عليها، بل يحملها على بذل الأرواح والتخلي عن نضرة الحياة»، و«الذي يعتقد بأن الأجل محدود، والرزق مكفول والأشياء بيد الله يصرفها، كيف يرهب الموت في الدفاع عن حقه وإعلاء كلمة أمته أو ملته، والقيام بما فرض الله عليه من ذلك، وكيف يخشى الفقر مما ينفق من ماله في تعزيز الحق وتشيد المجد»، «هذا الاعتقاد هو الذي ثبتت به أقدام الأعداد القليلة منهم (أي العرب) أمام جيوش يغص بها الفضاء، ويضيق بها بسيط الغبراء، فكشفوهم عن مواقفهم، وردوهم على أعقابهم بهذا الاعتقاد لمعت سيوفهم بالمشرق وانقضت شهبها على الحيارى في هبوات(2) الحروب من أهل المغرب»، «وهو الذي حملهم على بذل أموالهم وجميع ما يملكون من رزق في سبيل إعلاء كلمتهم لا يخشون فقرًا ولا يخافون فاقة، هذا الاعتقاد هو الذي سهل عليهم حمل أولادهم ونسائهم ومن يكون في حجورهم إلى ساحات القتال في أقصى العالم، يتولون سقاية جيوشهم وخدمتها فيما تحتاج إليه، لا يفترق النساء والأولاد عن الرجال والكهول إلا بحمل السلاح»، وليس في الطوائف المسلمة من يعتقد مذهب الجبر المحض القائل بأن الإنسان مجبور محض في جميع أفعاله، مسلوب الاختيار عن نفسه بالمرة، وكلهم يعتقدون بأن لهم جزءًا اختياريًا في أعمالهم ويُسمى بالكسب، وهو مناط الثواب والعقاب عند جميعهم، وأنهم محاسبون بما وهبهم الله من هذا الجزء الاختياري، ومطالبون بامتثال جميع الأوامر الإلهية. وطائفة الجبرية التي انقرضت أواخر القرن الرابع من الهجرة كانت تذهب إلى أن الإنسان مضطر في جميع اضطرارًا لا يشوبه اختيار، ولا يقول به أحد من أهل الإسلام اليوم، ويزعم الإفرنج أن هذه العقيدة ما تمكنت من نفوس قوم إلا سلبتهم الهمة والقوة، وحكمت فيهم الضعف والضعة، وأن المسلمين بسبب هذه العقيدة التي كان بها تجلدهم وإقدامهم لن يبرحوا عرضة للفاقة والفقر، والتأخر في القوى الحربية والسياسية، وقد فشا فيهم فساد الأخلاق فكثر الكذب والنفاق والخيانة والتحاقد والتباغض ، وقنعوا بحياة يأكلون فيها ويشربون وينامون، ثم لا ينافسون غيرهم في فضيلة.» هذا غاية ما يُقال في حقيقة هذا الاعتقاد، ولطالما حمل شعوبية الغرب على الإسلام بسببه، وهو اعتقاد كان من دواعي فلاح أهله في القرون الأولى وما فسدوا إلا يوم: «ابتلوا بمن فسد (3) من المتصوفة من عدة قرون، فبثوا فيهم أوهاما لا نسبة بينها وبين أصول دينهم، فلصقت بأذهانهم لا على أنها عقائد ولكنها وساوس قد تملك الجاهل وتربك العاقل، فنشأ الكسل بين المسلمين وعاونهم على الاسترسال فيه ملوكهم، وهذا الضرب من المتصوفة جاءهم من الآريين أي من الفرس والهنود.» وإنا لنرى الاعتقاد بالقضاء والقدر في مذاهب الغربيين أشد ظهورًا في كتابهم منه في الإسلام، وآيات القدر في الكتاب المقدس تربو على ما ورد في القرآن الكريم من نوعها، وما نجح أهل النصرانية والإسلام في الحقيقة إلا يوم اعتدلوا في اعتقاد ما اعتقدوه، وأخذوا مختارين بالأسباب والمسببات. ومن الإنصاف أن لا نحكم على الغربيين بما نشاهد من سخافات عامتهم، وما انغمسوا فيه من اعتقاد الخرافات ومقاومة البديهة في كل ما يرده العقل السليم، ومن حسن الذوق أن لا يحمل الغربيون علينا بعمل العوام منا وما كان العامة يومًا المعيار الذي يُحكم به على أمة، ذلك أن الخاصة كانوا في كل عصر لا إلى إفراط ولا تفريط في هذه المسائل؛ لأنهم حكَّموا العقل وأولوا النصوص، وساروا في مسائل الدين والدنيا بروح عصورهم، ولم يخرجوا عن حدود المعقول في المنقول وأنت ترى أن هذه العقيدة التي كانت من محسنات الإسلام أصبحت للجهل الطارئ من مضعفاته؛ ذلك لأن أهل المجتمع الإسلامي لم يعملوا بهذه العقيدة قلبا وقالبا كما كان أجدادهم في الدهر الخالي ولا نبذوها من أصلها فاتكلوا على عملهم فقط، والضعف يعرض لأرقى المجتمعات فيفسد الصالح، والعوارض تهجم على الأمم، ولا تزال تتوالى عليهم ما توالى الليل والنهار. هذا، ومن تدبر الآيات الكثيرة الواردة في الكتاب العزيز في الحث على العمل، ومن ألم إلمامة خفيفة بسيرة الرسول والصحابة، يعرف أن عقيدة القضاء والقدر ما منعت المسلم يومًا من تعاطي الأسباب، فقد قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾، ﴿وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ، وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ، وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ، وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَترَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ ، (4) ﴿وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا) ، (5) ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾، ﴿وَإِنَّ كُلَّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ، وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾، ﴿أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم﴾، ﴿فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ، لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ ، ﴿وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا، وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ، فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا، وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا، وَلِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضَّعْفِ بِمَا عَمِلُوا، وَلِكُلِّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ ، ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾، ﴿سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، ﴿وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ ، ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ، (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- من مقالات محمد عبده في مجلة العروة الوثقى.
2- يُقال: سطعت الهبوة والهبوات وصار هباء، ً وهو دقاق التراب الساطع في الجو كالدخان وما ينبث في ضوء الشمس.
3- الإسلام والنصرانية، وكتاب الرد على هانوتو، وكلاهما لمحمد عبده.
4- يتركم: ينقصكم.
5- لا يلتكم: أي ينقصكم، من لاته يليته، أو ولته يلته.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|