أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-06
843
التاريخ: 21-8-2020
1370
التاريخ: 24-1-2023
1356
التاريخ: 7-12-2019
1547
|
في الوقت الذي لاقت فيه النيازك التقدير والإجلال من بعض الأفراد والقبائل والشعوب، لاقت التحقير والازدراء من البعض الآخر؛ حيث صارت مرادفة للعنة والهلاك والانتقام من قبل السماء وساد الاعتقاد في أوروبا، خلال العصور الوسطى على وجه الخصوص، أن الأحجار الساقطة من السماء تمثل رسائل عقاب من الرب. ومما يدل على ارتباط النيازك بالشرور في أذهان بعض الناس تخيُّلهم سقوط النيازك على أنها ثعابين ضخمة تسقط من السحب. وتروي السجلات الروسية أنه في عام 1091م ذكر أحد القرويين أن ثعبانا ضخمًا سقط من السحب، رجّ الأرض وأصاب الناس بالذعر. 18 ومن بين الحالات الطريفة التي ورد ذكرها في الوثائق التاريخية، أن الناس كانوا يُشيرون خلال القرون الوسطى إلى نيزك «إليبجين»، في «بوهيما»، الحديدي الذي يزن حوالي 107 كجم، ويصفونه باسم غريب؛ هو «البارون المسخوط». وعلى حسب الرواية التي ظل الناس يتناقلونها فترةً طويلةً من الزمن عن هذا النيزك – الذي يرى بعض الباحثين أنه سقط خلال عام 1400م – أن الرب سخط البارون السيئ، ومسخه ليبدو على شكل هذه القطعة من الحديد. 19 ولا يدري أحد من الباحثين ما الذي دفع الناس لهذا الظن؟! وهل كان شكل النيزك الخارجي يشبه شكل الإنسان، وهل كان شكله يوحي بوجود شبه بينه وبين وجه ذلك البارون المكروه؟!
وفي أستراليا يتناقل السكان الأصليون ذكرى كارثة حلَّت بأسلافهم، عندما هَوَتْ مجموعة من الأحجار السماوية الضخمة على منطقة «ولف جريك»، فأحدثَتْ فجوات كبيرة غائرة في الأرض، تشبه فوهات البراكين. ويشيرون إلى إحدى قطع النيازك الضخمة الموجودة بالقرب من هذه الفوهة، على أنها صخرة الشيطان، ويرفضون الاقتراب منها؛ خشية أن تصيبهم الكوارث. 20
ويبدو أن «الإسكيمو» يحتقرون النيازك أيضًا؛ إذ يعتقدون أن روح الشر المدعوة «تينارسوك» قذفت من السماء بامرأة، ومعها كلبها وخيمتها، في إشارة إلى ثلاث قطع من نيزك حديدي، وجدت في أرضيهم، واستغلوها في الحصول على أدوات حديدية، كالسكاكين والحراب المدببة لفترة كبيرة من الزمن. وكانوا يطلقون على إحدى تلك القطع اسم «المرأة» (إذ بدَتْ لهم على أنها أشبه بامرأة تحيك الثياب)، والقطعة الثانية أطلقوا عليها اسم «الكلب»؛ نظرًا لشبهها بجسم كلب، أما الثالثة، وهي أكبر تلك القطع، فقد أطلقوا عليها اسم «الخيمة»؛ نظرًا لشكلها المخروطي الذي يشبه الخيمة. وتعود قصة معرفة الباحثين لهذا النيزك إلى عام 1818م، عندما كان الكابتن «جون روس» يقوم برحلته القطبية، ولاحظ أن «رجال الإسكيمو» يستعملون حرابًا مدببة ذات أطراف حديدية حادة وقاطعة وسكاكين حادة، تستعمل في اقتطاع الجليد وغير ذلك من المهام والأغراض المختلفة. وتوقَّع «روس» أن «الإسكيمو» يحصلون على حديد السكاكين والحراب تلك من نيزك حديدي. وباءت محاولاته التي بذلها لمعرفة موقع مصدر هذا الحديد بالفشل، حيث كان «الإسكيمو» يعتبرون ذلك من الأسرار الخطيرة في حياتهم، التي لا يمكن أن يُطلعوا عليها أحدًا من الغرباء (المستكشفين البريطانيين والدنماركيين)، الذين يحلون على أراضيهم، لكن الأميرال «روبرت أ. بيري» Robert A. Peary، الذي قام برحلات استكشاف لمنطقة القطب الشمالي، في الفترة من 1886 إلى 1909م، تقرب كثيرًا من أفراد قبيلة «الإسكيمو» وتودد إليهم، فقدم لهم الكثير من الهدايا؛ كالسكاكين، والبنادق، والإبر والحراب، وغير ذلك من الأدوات التي غيرت حياتهم بشكل ملحوظ، فأصبح بالنسبة إليهم صديقا حميما؛ ومن ثم وافق أفراد قبيلة «الإسكيمو» الصغيرة على إرشاده إلى الموقع، الذي كانوا يجلبون منه الحديد.
رسم يصور النيازك على أنها ثعابين تسقط من السماء (مكسيكو، 1529م).
ووصل بالفعل إلى شرق «كاب يورك» بـ «جرين لاند» في عام 1894م؛ حيث ترقد قطع النيزك الثلاث. وفي عام 1895م رفعت القطعتان «المرأة والكلب» على ظهر سفينة النجدة «كايت» Kite، في حين لم يتمكن الأميرال «روبرت أ. بيري» ورجاله من رفع قطعة النيزك الأخرى التي يطلق عليها «الخيمة» نظرًا لثقلها، لا في هذه المرة ولا في المرة التي تلتها خلال عام 1896م، لكنه تمكن هو ورجاله من ذلك في عام 1897م. واستقرت القطع الثلاث في قاعة «هايدن للكواكب السيارة بالمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في نيويورك؛ حيث يمر عليها آلاف الزوار كل عام. 21
وفي عام 1963م استطاع الباحث الدنماركي «فاجن بوشوالد» 22 العثور على قطعة أخرى كبيرة من نفس النيزك تزن حوالي 20 طنا، في نفس المنطقة التي عُثر فيها على القطع النيزكية الثلاث السالفة الذكر في «جرين لاند»، والتي لم يكن رجال «الإسكيمو» يعرفونها أو يذكرونها. وقد نجح «بوشوالد» – باستخدام وسائل بسيطة، وبدون اللجوء إلى استخدام معدات ثقيلة – في تحريك هذه القطعة النيزكية ودفعها على سطح الجليد، وتحميلها على ظهر السفينة، التي نقلتها إلى كوبنهاجن، حيث تستقر الآن ضمن عدد كبير من النيازك الأخرى.
___________________________________________
هوامش
(18) Krinov, E. L. (1960): Principles of meteorities
(19) Heide, F. and Wlotzka, F. (1995): Meteorites: Messengers from space (op. cit.).
(20) محمد يوسف حسن، الشهب والأحجار السماوية، دائرة معارف الشعب، 1959، رقم 46.
(21) روي تشليمان أندروز، في غياهب املجهول: قصة حياة ثلاثة من املستكشفني، ترجمة سعد الجبلاوي وعايدة أبادير، عيسى البابي الحلبي وشركاؤه.
(22) Buchwald, F. F. (1975): Handbook of Iron meteorites. Universities of California & Arizona State.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|