المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



الكتابة في صدر الإسلام  
  
24466   02:20 مساءً   التاريخ: 8-10-2015
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : الفن ومذاهبه في النثر العربي
الجزء والصفحة : ص95-98
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / النثر /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-09-2015 12584
التاريخ: 4-7-2016 29027
التاريخ: 6-9-2016 8364
التاريخ: 25-12-2015 9584

     اتخذ الإسلام الكتابة دعامة من دعائمه، فقال جل شأنه في أول آية نزلت على رسوله صلى الله عليه و[آله]وسلم: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5] } ، وأقسم سبحانه وتعالى بالقلم فقال جل وعز: { {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1] } كما أقسم بالكتاب فقال: { {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} [الطور: 1 - 3] } . وجاءت في الذكر الحكيم كلمات اللوح والقرطاس والصحف من مثل: { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 21، 22] ، ومثل: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الأنعام: 7] ، ومثل: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: 18، 19].
وشجع الرسول عليه الصلاة و السلام على تعلم الكتابة بطرق مختلفة، فمن ذلك أنه جعل فداء بعض أسرى قريش في بدر ممن تعلموا الكتابة أن يعلموها عشرة من صبيان المدينة(1)، وبجانب ذلك نرى الرسول صلى الله عليه و [آله]وسلم يدعو بعض أصحابه إلى تعلم اللغات الأجنبية، ففي البخاري عن زيد بن ثابت: أتى بي النبي صلى الله عليه و[آله] وسلم حين مقدمه المدينة، فقيل: هذا من بني النجار، وقد قرأ سبع عشرة سورة "من القرآن الكريم"، فقرأت عليه، فأعجبه ذلك، فقال: تعلم كتاب يهود، فإني ما آمنهم على كتابي، فقلت، فما مضى لي نصف شهر حتى حدقته، فكنت أكتب له إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له"(2). وقد حض القرآن على اتخاذ الكتابة في المعاملات، يقول جل شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [البقرة: 282].
وكان للرسول صلى الله عليه و[آله]وسلم جماعة من الكتاب تخصصوا بكتابة الوحي، وكان على رأس هذه الجماعة عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب(عليه السلام)، وكانا إذا غابا كتب له أبي بن كعب وزيد بن ثابت، وكان يكتب له بين يديه في حوائجه خالد بن سعيد بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وكان المغيرة ابن شعبة والحصين بن نمير يكتبان ما بين الناس، وكان عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث، والعلاء بن عقبة الحضرمي يكتبان بين القوم في قبائلهم ومياههم، وكان حنظلة بن الربيع ابن أخي أكثم بن صيفي خليفة كل كاتب من كتاب الرسول إذا غاب عن عمله، فغلب عليه اسم الكاتب(3).
ونرى من ذلك أن الكتابة أخذت تستخدم استخداما واسعا لا في كتابة القرآن الكريم فحسب، بل في كتابة كثير من شئون المسلمين، وكان الرسول عليه السلام يكتب كثيرا من عهود الأمان ومن المعاهدات، كما كان يكاتب الأمراء، والملوك من العرب وغيرهم يدعوهم إلى الإسلام، وتزخر السيرة النبوية لابن هشام، وكتب الحديث والتاريخ بهذه الكتب، وقد جمعها محمد حميد الله الحيدر آبادي في كتابه النفيس "مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة"، وقدم لها بدراسة وقف فيها عند معيار الوضع والصحة، وما دخلها من الانتحال، وقد يكون من صحيحها الذي سلم على الزمن كتابه(4) صلى الله عليه و[آله]وسلم بين المهاجرين، والأنصار واليهود ممن كانوا بالمدينة حين نزوله فيها، وكذلك معاهدته التي كتبها بينه وبين قريش عام الحديبية، وهي تمضي على هذه الصورة(5):
"
هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو: اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس، ويكف بعضهم عن بعض. على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه، وأن بيننا عيبه مكفوفة (6)، وأنه لا إسلال ولا إغلال (7). وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخله، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش، وعهدهم دخل فيه".
وواضح أن الرسول عليه السلام لا يعني في هذه المعاهدة بتحبير فني، بل هو يؤدي غرضا سياسيا في صورة موجزة، وكذلك كان شأنه في كتبه التي كان يرسلها إلى أمراء العرب، ونسوق لذلك مثل كتابه الذي أرسله إلى وائل بن حجر الحضرمي، وقومه إذ يقول عليه السلام(8).
"
من محمد رسول الله إلى الأقيال العباهلة (9) من أهل حضرموت بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، في التيعة (10) شاة، والتيمة (11) لصاحبها، وفي السيوب (12) الخمس، لا خلاط (13)، ولا وراط (14)، ولا شناق (15)، ولا شغار (16)، فمن أجبى(17) فقد أربى(18)، وكل مسكر حرام".
والرسول صلى الله عليه و[آله]وسلم لا يعمد في هذا الكتاب إلى تزويق، إنما يعمد إلى فكرته، وتبليغ دعوة الإسلام في غير إسهاب، وفي غير صنعة أو تكلف، فكان كما قال جل شأنه: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] ، فكان يقصد إلى غرضه بالحروف القليلة والكلمات اليسيرة.
وتبعه الخلفاء الراشدون يهتدون بهديه في كتابتهم، وما يعقدون من معاهدات(19)، فهم لا يقصدون إلى تنميق، إنما يقصدون إلى الإبلاغ أفكارهم في عبارات واضحة الدلالة، وليس من ريب في أننا لا نصل إلى عصر عمر حتى تكثر المكاتبات السياسية، فهو يكاتب قواده وولاته، وهم يكاتبونه كلما جدت مشكلة، وكان يكتف إليهم أحيانا في سياستهم لمن يحكمونهم، وكتابه إلى أبي موسى الأشعري في القضاء ذائع مشهور(20).
ونظن ظنا أن عمر وغيره من الخلفاء الراشدين، وولاتهم، وقوادهم، لم يقصدوا في كتابتهم إلى أي ضرب من ضروب التزين والتنسيق، فقد كان حسبهم أن يؤدوا أغراضهم في لغة جزلة متينة، وإن كان لك لم يمنع بعض المؤرخين، والأدباء أن يدخلوا الزينة والتنميق على بعض ما رووه لهم، من ذلك الكتاب الذي ينسب إلى عمرو بن العاص أنه أرسله إلى عمر في وصف مصر، والذي يقول فيه: "مصر تربة غبراء، وشجرة خضراء، طولها شهر وعرضها عشر" إلى آخر ما في هذا الكتاب من عبارات أنيقة(21)، فإنه واضح الانتحال على ابن العاص.
وينبغي أن نعرف أن المكاتبات في صدر الإسلام لم تحفظ في سجلات خاصة، وكان ذلك سببا في أن تناولها غير مؤرخ وأديب بالتبديل والتحسين، ومن ثم كان الكتاب الواحد يروى روايات مختلفة باختلاف الكتب التي ترويه، وحسب ذوق الراوي وقدرته البيانية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- فجر الإسلام لأحمد أمين ص170.       

 2-فجر الإسلام ص171.
3- انظر في ذلك الوزراء، والكتاب للجهشياري "طبعة الحلبي" ص 12.
4-انظر مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي، والخلافة الراشدة "طبع لجنة التأليف، والترجمة والنشر" ص1.         

 5-نفس المصدر ص13 وراجع الطبري، القسم الأول ص1546.
6- العيبة: الحقيبة، والعيبة المكفوفة هنا يراد بها الذمة التي لا تنكث.
7- إسلال: سرقة، إغلال: خيانة.
8- انظر حميد الله ص128، والبيان والتبيين 2/ 27 والعقد 2/ 48.
9-الأقيال: ملوك الجنوب وأمراؤهم، العباهلة: العظام الثابت ملكهم.
10- التيعة: الأربعون من الغنم، وهو أقل ما يجب فيه الزكاة.
11- التيمة: الشاة الداجنة غير السائمة أو الراعية.
12-السيوب: جمع سيب، وهو المال المدفون أو المعدن.
13-الخلاط: أن تخلط الغنم، أو الإبل بغيرها لتمنع من الزكاة.
14-الواراط: أن توضع الغنم أو الإبل بعيدًا عن أعين من يجمعون الزكاة.
15- الشناق: الخلاط.
16-الشغار: زواج في الجاهلية أبطله الإسلام.  

17- أجبى: من الإجباء، وهو بيع الزرع قبل أن يبدو صلاحه.
18- أربى: من الربا.
19- انظر القسم الثاني من كتاب حميد الله.
20- البيان والتبيين 2/ 48، 293، وعيون الأخبار 1/ 66.
21- النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "طبعة دار الكتب" 1/ 32.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.