المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17757 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24

البنفسج العطري Viola odorata L
21-2-2021
اصناف الشعير
13-3-2016
المساوئ الاجتماعيّة في حديث النبي "ص"
2024-09-01
هل قام الإمام علي عليه ‌السلام بإرجاع فدك إلى الحسن والحسين بعد تولّيه الخلافة؟ ولماذا؟
2024-10-29
Hugh MacColl
12-12-2016
تقييم فعالية مواقع الويب
1-3-2022


قصة النبي نوح  
  
7374   06:21 مساءاً   التاريخ: 10-10-2014
المؤلف : محمد حسين الطباطبائي
الكتاب أو المصدر : تفسير الميزان
الجزء والصفحة : ج10 ، ص194-214 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / قصص الأنبياء / قصة النبي نوح وقومه /

1 - الإشارة إلى قصته :

ذكر اسمه (عليه السلام) في القرآن في بضع وأربعين موضعا يشار فيها إلى شيء من قصته إجمالا أو تفصيلا ، ولم تستوف قصته (عليه السلام) في شيء منها استيفاء على نهج الاقتصاص التاريخي بذكر نسبه وبيته ومولده ومسكنه ونشوئه وشغله وعمره ووفاته ومدفنه وسائر ما يتعلق بحياته الشخصية لما أن القرآن لم ينزل كتاب تاريخ يقتص تواريخ الناس من بر أو فاجر.

وإنما هو كتاب هداية يصف للناس ما فيه سعادتهم ، ويبين لهم الحق الصريح ليأخذوا به فيفوزوا في حياتهم الدنيا والآخرة ، وربما أشار إلى طرف من قصص الأنبياء والأمم لتظهر به سنة الله في عباده ، ويعتبر به من شملته العناية ووفق للكرامة ، وتتم به الحجة على الباقين.

وقد فصلت قصة نوح (عليه السلام) في ست من السور القرآنية وهي سورة الأعراف وسورة هود ، وسورة المؤمنون ، وسورة الشعراء ، وسورة القمر ، وسورة نوح وأكثرها تفصيلا سورة هود التي ذكرت قصته (عليه السلام) فيها في خمس وعشرين آية 25 - 49.

2 - قصته (عليه السلام) في القرآن :

بعثه وإرساله :

كان الناس بعد آدم (عليه السلام) يعيشون أمة واحدة على بساطة وسذاجة ، وهم على الفطرة الإنسانية حتى فشا فيهم روح الاستكبار وآل إلى استعلاء البعض على البعض تدريجيا واتخاذ بعضهم بعضا أربابا وهذه هي النواة الأصلية التي لو نشأت واخضرت وأينعت لم تثمر إلا دين الوثنية والاختلاف الشديد بين الطبقات الاجتماعية باستخدام القوي للضعيف ، واسترقاق العزيز واستدراره للذليل ، وحدوث المنازعات والمشاجرات بين الناس.

فشاع في زمن نوح (عليه السلام) الفساد في الأرض ، وأعرض الناس عن دين التوحيد وعن سنة العدل الاجتماعي وأقبلوا على عبادة الأصنام ، وقد سمى الله سبحانه منها ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا سورة نوح.

وتباعدت الطبقات فصار الأقوياء بالأموال والأولاد يضيعون حقوق الضعفاء والجبابرة يستضعفون من دونهم ويحكمون عليهم بما تهواه أنفسهم الأعراف هود - نوح.

فبعث الله نوحا (عليه السلام) وأرسله إليهم بالكتاب والشريعة يدعوهم إلى توحيد الله سبحانه وخلع الأنداد والمساواة فيما بينهم البقرة آية 213 بالتبشير والإنذار.

دينه وشريعته (عليه السلام) : كان (عليه السلام) يدعوهم إلى توحيد الله سبحانه ورفض الشركاء كما يظهر من جميع قصصه القرآنية والإسلام لله كما يظهر من سورتي نوح ويونس وسورة آل عمران آية 19 والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يظهر من سورة هود آية 27 والصلاة كما يظهر من آية 103 من سورة النساء وآية 8 من سورة الشورى والمساواة والعدالة وأن لا يقربوا الفواحش والمنكرات وصدق الحديث والوفاء بالعهد سورة الأنعام آية 151 - 152 وهو (عليه السلام) أول من حكي عنه في القرآن التسمية باسم الله في الأمور الهامة سورة هود آية 41.

اجتهاده (عليه السلام) في دعوته :

وكان (عليه السلام) يدعو قومه إلى الإيمان بالله وآياته ، ويبذل في ذلك غاية وسعه فيندبهم إلى الحق ليلا ونهارا وإعلانا وإسرارا فلا يجيبونه إلا بالعناد والاستكبار وكلما زاد في دعائهم زادوا في عتوهم وكفرهم ، ولم يؤمن به غير أهله وعدة قليلة من غيرهم حتى أيس من إيمانهم وشكا ذلك إلى ربه وطلب منه النصر سورة نوح والقمر والمؤمنون.

لبثه في قومه :

لبث (عليه السلام) في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله سبحانه فلم يجيبوه إلا بالهزء والسخرية ورميه بالجنون وأنه يقصد به أن يتفضل عليهم حتى استنصر ربه سورة العنكبوت فأوحى إليه ربه أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن وعزاه فيهم سورة هود فدعا عليهم بالتبار والهلاك ، وأن يطهر الله الأرض منهم عن آخرهم سورة نوح فأوحى الله إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا سورة هود.

صنعه (عليه السلام) الفلك :

أمره الله تعالى أن يصنع الفلك بتأييده سبحانه وتسديده فأخذ في صنعها وكان القوم يمرون عليه طائفة بعد طائفة فيسخرون منه وهو يصنعها على بسيط الأرض من غير ماء ، ويقول (عليه السلام) : إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم سورة هود وقد نصب الله لنزول العذاب علما وهو أن يفور الماء من التنور سورتا هود والمؤمنون.

نزول العذاب ومجيء الطوفان :

حتى إذا تمت صنعة الفلك وجاء أمر الله وفار التنور أوحى الله تعالى إليه أن يحمل في السفينة من كل من الحيوان زوجين اثنين وأن يحمل أهله إلا من سبق عليه القول الإلهي بالغرق وهو امرأته الخائنة وابنه الذي تخلف عن ركوب السفينة ، وأن يحمل الذين آمنوا سورتا هود والمؤمنون فلما حملهم وركبوا جميعا فتح الله أبواب السماء بماء منهمر وفجر الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر سورة القمر وعلا الماء وارتفعت السفينة عليه وهي تسير في موج كالجبال سورة هود فأخذ الناس الطوفان وهم ظالمون وقد أمره الله تعالى إذا استوى هو ومن معه على الفلك أن يحمد الله على ما نجاه من القوم الظالمين وأن يسأله البركة في نزوله فيقول : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون : 28] ، ويقول : {رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} [المؤمنون : 29].

قضاء الأمر ونزوله ومن معه إلى الأرض :

فلما عم الطوفان وأغرق الناس كما يظهر من سورة الصافات آية 77 أمر الله الأرض أن تبلع ماءها والسماء أن تقلع وغيض الماء واستوت السفينة على جبل الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين ، وأوحي إلى نوح (عليه السلام) أن اهبط إلى الأرض بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك فلا يأخذهم بعد هذا طوفان عام ، ومنهم أمم سيمتعهم الله بأمتعة الحياة ثم يمسهم عذاب أليم فخرج هو ومن معه ونزلوا الأرض يعبدون الله بالتوحيد والإسلام ، وتوارثت ذريته (عليهم السلام) الأرض وجعل الله ذريته هم الباقين سورتا هود والصافات.

قصة ابن نوح الغريق :

كان نوح (عليه السلام) عند ما ركب السفينة لم يركبها واحد من أبنائه ، وكان لا يصدق أباه في أن من تخلف عنها فهو غريق لا محالة فرآه أبوه وهو في معزل فناداه : يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين فرد على أبيه قائلا : سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال نوح (عليه السلام) : لا عاصم اليوم من الله إلا من رحم - يريد أهل السفينة - فلم يلتفت الابن إلى قوله وحال بينهما الموج فكان من المغرقين.

ولم يكن نوح (عليه السلام) يعلم منه إبطان الكفر كما كان يعلم ذلك من امرأته ولو كان علم ذلك لم يحزنه أمره وهو القائل في دعائه : {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح : 26 ، 27] وهو القائل : {فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [الشعراء : 118] وقد سمع قوله تعالى فيما أوحى إليه : {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ } [هود : 37].

فوجد نوح (عليه السلام) وحزن فنادى ربه من وجده قائلا : رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وعدتني بإنجاء أهلي وأنت أحكم الحاكمين لا تجور في حكمك ولا تجهل في قضائك ، فما الذي جرى على ابني؟ فأخذته العناية الإلهية وحالت بينه وبين أن يصرح بالسؤال في نجاة ابنه - وهو سؤال لما ليس له به علم - وأوحى الله إليه : يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فإياك أن تواجهني فيه بسؤال النجاة فيكون سؤالا فيما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين.

فانكشف الأمر لنوح (عليه السلام) والتجأ إلى ربه تعالى قائلا رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم أسألك أن تشملني بعنايتك وتستر علي بمغفرتك ، وتعطف علي برحمتك ، ولو لا ذلك لكنت من الخاسرين.

3 - خصائص نوح (عليه السلام)

: هو (عليه السلام) أول أولي العزم سادة الأنبياء أرسله الله إلى عامة البشر بكتاب وشريعة فكتابه أول الكتب السماوية المشتملة على شرائع الله ، وشريعته أول الشرائع الإلهية.

وهو (عليه السلام) الأب الثاني للنسل الحاضر من الإنسان إليه ينتهي أنسابهم والجميع ذريته لقوله تعالى : {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ } [الصافات : 77] وهو (عليه السلام) أبو الأنبياء المذكورين في القرآن ما عدا آدم وإدريس (عليهما السلام) قال تعالى : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} [الصافات : 78].

وهو (عليه السلام) أول من فتح باب التشريع وأتى بكتاب وشريعة وكلم الناس بمنطق العقل وطريق الاحتجاج مضافا إلى طريق الوحي فهو الأصل الذي ينتهي إليه دين التوحيد في العالم فله المنة على جميع الموحدين إلى يوم القيامة ، ولذلك خصه الله تعالى بسلام عام لم يشاركه فيه أحد غيره فقال عز من قائل : {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ } [الصافات : 79].

وقد اصطفاه الله على العالمين آل عمران آية 33 وعده من المحسنين الأنعام 84 الصافات 80 وسماه عبدا شكورا إسراء آية 3 وعده من عباده المؤمنين الصافات 81 وسماه عبدا صالحا التحريم 10.

وآخر ما نقل من دعائه قوله : {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} [نوح : 28].

4 - قصته (عليه السلام) في التوراة الحاضرة :

وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على الأرض وولد لهم بنات أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات.

فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا فقال الرب لا يدين روحي في الإنسان إلى الأبد.

لزيغانه هو بشر وتكون أيامه مائة وعشرين سنة. كان في الأرض طغاة في تلك الأيام.

وبعد ذلك أيضا إذ دخل بنو الله على بنات الناس وولدن لهم أولادا هؤلاء هم الجبابرة الذين منذ الدهر ذوو اسم.

ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض. وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم. فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض. وتأسف في قلبه. فقال الرب : أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته. الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء. لأني حزنت أني عملتهم. وأما نوح فوجد نعمة في عين الرب.

هذه مواليد نوح. كان نوح رجلا بارا كاملا في أجياله - وسار نوح مع الله. وولد نوح ثلاثة بنين ساما وحاما ويافث. وفسدت الأرض أمام الله وامتلأت الأرض ظلما. ورأى الله الأرض فإذا هي قد فسدت. إذ كان كل بشر قد أفسد طريقه على الأرض.

فقال الله لنوح نهاية كل بشر قد أتت أمامي. لأن الأرض امتلأت ظلما منهم.

فها أنا مهلكهم مع الأرض. اصنع لنفسك فلكا من خشب جفر ، تجعل الفلك مساكن. وتطليه من داخل ومن خارج بالقار. وهكذا تصنعه. ثلاث مائة ذراع يكون طول الفلك وخمسين ذراعا عرضه وثلاثين ذراعا ارتفاعه. وتصنع كواً للفلك وتكمله إلى حد ذراع من فوق. وتضع باب الفلك في جانبه. مساكن سفلية ومتوسطة وعلوية تجعله. فها أنا آت بطوفان الماء على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء. كل ما في الأرض يموت.

ولكن أقيم عهدي معك. فتدخل الفلك أنت وبنوك وامرأتك ونساء بنيك معك.

ومن كل حي من كل ذي جسد اثنين من كل تدخل إلى الفلك لاستبقائها معك.

تكون ذكرا وأنثى. من الطيور كأجناسها. ومن البهائم كأجناسها ومن كل دبابات الأرض كأجناسها. اثنين من كل تدخل إليك لاستبقائها. وأنت فخذ لنفسك من كل طعام يؤكل واجمعه عندك. فيكون لك ولها طعاما. ففعل نوح حسب كل ما أمره به الله. هكذا فعل.

وقال الرب لنوح : ادخل أنت وجميع بنيك إلى الفلك. لأني إياك رأيت بارا لدي في هذا الجيل.

من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكرا وأنثى. ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين ذكر وأنثى. ومن طيور السماء أيضا سبعة سبعة ذكرا وأنثى. لاستبقاء نسل على وجه كل الأرض. لأني بعد سبعة أيام أيضا أمطر على الأرض أربعين يوما وأربعين ليلة. وأمحو عن وجه الأرض كل قائم عملته. ففعل نوح حسب كل ما أمره به الرب. ولما كان نوح ابن ستمائة سنة صار طوفان الماء على الأرض.

فدخل نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه معه إلى الفلك من وجه مياه الطوفان. ومن البهائم الطاهرة والبهائم التي ليست بطاهرة ومن الطيور وكل ما يدب على الأرض. دخل اثنان اثنان إلى نوح إلى الفلك ذكر وأنثى.

كما أمر الله نوحا. وحدث بعد السبعة الأيام أن مياه الطوفان صارت على الأرض.

في سنة ستمائة من حياة نوح في الشهر الثاني في اليوم السابع عشر من الشهر في ذلك اليوم انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء. وكان المطر على الأرض أربعين يوما وأربعين ليلة.

في ذلك اليوم عينه دخل نوح وسام وحام ويافث بنو نوح وامرأة نوح وثلاث نساء بنيه معهم إلى الفلك. هم وكل الوحوش كأجناسها وكل الدبابات التي تدب على الأرض كأجناسها وكل الطيور كأجناسها كل عصفور ذي جناح.

ودخل إلى نوح إلى الفلك اثنين اثنين من كل جسد فيه روح حياة.

والداخلات دخلت ذكرا وأنثى من كل ذي جسد كما أمره الله.

وأغلق الرب عليه.

وكان الطوفان أربعين يوما على الأرض.

وتكاثرت المياه ورفعت الفلك فارتفع عن الأرض.

وتعاظمت المياه كثيرا جدا على الأرض فكان الفلك يسير على وجه المياه.

وتعاظمت المياه كثيرا جدا على الأرض فتغطت جميع الجبال الشامخة التي تحت كل السماء.

خمسة عشرة ذراعا في الارتفاع تعاظمت المياه فتغطت الجبال. فمات كل ذي جسد كان يدب على الأرض من الطيور والبهائم والوحوش وكل الزحافات التي كانت تزحف على الأرض وجميع الناس. كل ما في أنفه نسمة روح حياة من كل ما في اليابسة مات. فمحا الله كل قائم كان على وجه الأرض. الناس والبهائم والدبابات وطيور السماء فانمحت من الأرض. وتبقى نوح والذين معه في الفلك فقط. وتعاظمت المياه على الأرض مائة وخمسين يوما. ثم  ذكر الله نوحا وكل الوحوش وكل البهائم التي معه في الفلك وأجاز الله ريحا على الأرض فهدأت المياه. وانسدت ينابيع الغمر وطاقات السماء فامتنع المطر من السماء. ورجعت المياه عن الأرض رجوعا متواليا وبعد مائة وخمسين يوما نقصت المياه. واستقر الفلك في الشهر السابع في اليوم السابع عشر من الشهر على جبال أراراط.

وكانت المياه تنقص نقصا متواليا إلى الشهر العاشر وفي العاشر في أول الشهر ظهرت رءوس الجبال.

وحدث من بعد أربعين يوما أن نوحا فتح طاقة الفلك التي كان قد عملها. وأرسل الغراب فخرج مترددا حتى نشفت المياه عن الأرض. ثم أرسل الحمامة من عنده ليرى هل قلت المياه عن وجه الأرض.

فلم تجد الحمامة مقرا لرجلها فرجعت إليه إلى الفلك لأن مياها كانت على وجه كل الأرض فمد يده وأخذها وأدخلها عنده إلى الفلك. فلبث أيضا سبعة أيام أخر وعاد فأرسل الحمامة من الفلك. فأتت إليه الحمامة عند المساء وإذا ورقة زيتون خضراء في فمها فعلم نوح أن المياه قد قلت عن الأرض. فلبث أيضا سبعة أيام أخر فأرسل الحمامة فلم يعد يرجع إليه أيضا. وكان في السنة الواحدة والستمائة في الشهر الأول في أول الشهر أن المياه نشفت عن الأرض فكشف نوح الغطاء عن الفلك ونظر فإذا وجه الأرض قد نشف. وفي الشهر الثاني في اليوم السابع والعشرين من الشهر جفت الأرض.

وكلم الله نوحا قائلا : اخرج من الفلك أنت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك.

وكل الحيوانات التي معك من كل ذي جسد الطيور والبهائم وكل الدبابات التي تدب على الأرض أخرجها معك ولتتوالد في الأرض وتثمر وتكثر على الأرض.

فخرج نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه معه ، وكل الحيوانات وكل الدبابات وكل الطيور كل ما يدب على الأرض كأنواعها خرجت من الفلك. وبنى نوح مذبحا للرب.

وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح.

فتنسم الرب رائحة الرضا وقال الرب في قلبه : لا أعود ألعن الأرض أيضا من أجل الإنسان لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته ولا أعود أيضا أميت كل حي كما فعلت.

مدة كل أيام الأرض زرع وحصاد وبرد وحر وصيف وشتاء ونهار وليل لا يزال.

وبارك الله 1 نوحا وبنيه وقال لهم أثمروا وأكثروا واملئوا الأرض ولتكن خشيتكم ورهبتكم على كل حيوانات الأرض وكل طيور السماء مع كل ما يدب على الأرض وكل أسماك البحر قد دفعت إلى أيديكم.

كل دابة حية تكون لكم طعاما كالعشب الأخضر دفعت إليكم الجميع.

غير أن لحما بجنابة دمه لا تأكلوه.

وأطلب أنا دمكم لأنفسكم فقط من يد كل حيوان أطلبه ومن يد الإنسان أطلب نفس الإنسان من يد الإنسان أخيه.

سافك دم الإنسان بالإنسان يسفك دمه لأن الله على صورته عمل الإنسان.

فأثمروا أنتم وأكثروا وتوالدوا في الأرض وتكاثروا فيها.

وكلم الله نوحا وبنيه معه قائلا.

وها أنا مقيم ميثاقي معكم ومع نسلكم من بعدكم.

ومع كل ذوات الأنفس الحية التي معكم الطيور والبهائم وكل وحوش الأرض التي معكم من جميع الخارجين من الفلك حتى كل حيوان الأرض.

أقيم ميثاقي معكم فلا ينقرض كل ذي جسد أيضا بمياه الطوفان ولا يكون أيضا طوفان ليخرب الأرض.

وقال الله هذه علامة الميثاق الذي أنا واضعه بيني وبينكم وبين كل ذوات الأنفس الحية التي معكم إلى أجيال الدهر.

وضعت قوسي في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني وبين الأرض.

فيكون متى أنشر سحابا على الأرض وتظهر القوس في السحاب.

إني أذكر ميثاقي الذي بيني وبينكم وبين كل نفس حية في كل جسد فلا يكون أيضا المياه طوفانا لتهلك كل ذي جسد.

فمتى كانت القوس في السحاب أبصرها لأذكر ميثاقا أبديا بين الله وبين كل نفس حية في كل جسد على الأرض.

وقال الله لنوح : هذه علامة الميثاق الذي أنا أقمته بيني وبين كل ذي جسد على الأرض.

وكان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك ساما وحاما ويافث وحام هو أبو كنعان هؤلاء الثلاثة هم بنو نوح ومن هؤلاء تشعبت كل الأرض.

وابتدأ نوح يكون فلاحا وغرس كرما. وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خبائه. فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه وأخبر أخويه خارجا.

فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء وسترا عورة أبيهم وجهاهما إلى الوراء فلم يبصرا عورة أبيهما.

فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير. فقال : ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته. وقال : مبارك الرب إله سام وليكن كنعان عبدا لهم ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام وليكن كنعان عبدا لهم. وعاش نوح بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة. فكانت كل أيام نوح تسع مائة وخمسين سنة ومات. انتهى ما قصدنا إيراده.

وهو - كما ترى - يخالف ما جاء في القرآن الكريم من وجوه : منها : أنه لم يذكر فيه حديث استثناء امرأة نوح بل صرح بدخولها الفلك ونجاتها مع بعلها ، وقد اعتذر عنه بعض : أن من الجائز أن يكون لنوح زوجان أغرقت إحداهما ونجت الأخرى. ومنها : أنه لم يذكر فيه ابن نوح الغريق وقد قصه القرآن.

ومنها : أنه لم يذكر فيه المؤمنون غير نوح وأهله بل اقتصر عليه وعلى بنيه وامرأته ونساء بنيه. ومنها : أنه ذكر فيه جملة عمر نوح تسع مائة وخمسين سنة ، وظاهر الكتاب العزيز أنها المدة التي لبث فيها بين قومه يدعوهم إلى الله قبل الطوفان.

قال تعالى : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [العنكبوت : 14] .

ومنها : ما ذكر فيه من حديث قوس قزح وقصة إرسال الغراب والحمامة للاستخبار وخصوصيات السفينة من عرضها وطولها وارتفاعها وطبقاتها الثلاث ومدة الطوفان وارتفاع الماء وغير ذلك فهي خصوصيات لم تذكر في القرآن الكريم وبعضها بعيد مستبعد كالميثاق بالقوس ، وقد كثر الاقتصاص بمثل هذه المعاني في قصة نوح (عليه السلام) في لسان الصحابة والتابعين ، وأكثرها بالإسرائيليات أشبه.

5 - ما جاء في أمر الطوفان في أخبار الأمم وأساطيرهم :

قال صاحب المنار في تفسيره ، : قد ورد في تواريخ الأمم القديمة ذكر للطوفان منها الموافق لخبر سفر التكوين إلا قليلا ومنها المخالف له إلا قليلا.

وأقرب الروايات إليه رواية الكلدانيين ، وهم الذين وقع الطوفان في بلادهم فقد نقل عنهم "برهوشع" و"يوسيفوس" أن "زيزستروس" رأى في الحلم بعد موت والده "أوتيرت" أن المياه ستطغى وتغرق جميع البشر ، وأمره ببناء سفينة يعتصم فيها هو وأهل بيته وخاصة أصدقائه ففعل.

 

وهو يوافق سفر التكوين في أنه كان في الأرض جيل من الجبارين طغوا فيها وأكثروا الفساد فعاقبهم الله بالطوفان.

وقد عثر بعض الإنجليز على ألواح من الأجر نقشت فيها هذه الرواية بالحروف المسمارية في عصر آشور بانيبال من نحو ستمائة وستين سنة قبل ميلاد المسيح ، وأنها منقولة من كتابة قديمة من القرن السابع عشر قبل المسيح أو قبله فهي أقدم من سفر التكوين.

وروى اليونان خبرا عن الطوفان أورده أفلاطون وهو أن كهنة المصريين قالوا لسولون - الحكيم اليوناني - إن السماء أرسلت طوفانا غير وجه الأرض فهلك البشر مرارا بطرق مختلفة فلم يبق للجيل الجديد شيء من آثار من قبله ومعارفهم.

وأورد "مانيتون" خبر طوفان حدث بعد هرمس الأول الذي كان بعد ميناس الأول ، وهذا أقدم من تاريخ التوراة أيضا ، وروي عن قدماء اليونان خبر طوفان عم الأرض كلها إلا "دوكاليون" وامرأته "بيرا" فقد نجوا منه.

وروي عن قدماء الفرس طوفان أغرق الله به الأرض بما انتشر فيها من الفساد والشرور بفعل أهريمان إله الشر ، وقالوا : إن هذا الطوفان فار أولا من تنور العجوز زول كوفه إذ كانت تخبز خبزها فيه ، ولكن المجوس أنكروا عموم الطوفان وقالوا : إنه كان خاصا بإقليم العراق وانتهى إلى حدود كردستان.

وكذا قدماء الهنود يثبتون وقوع الطوفان سبع مرات في شكل خرافي آخرها أن ملكهم نجا هو وامرأته في سفينة عظيمة أمره بصنعها إلهه فشنو وسدها بالدسر حتى استوت على جبل جيمافات - هملايا - ولكن البراهمة كالمجوس ينكرون وقوع طوفان عام أغرق الهند كلها ، وروي تعدد الطوفان عن اليابان والصين وعن البرازيل والمكسيك وغيرهما ، وكل هذه الروايات تتفق في أن سبب ذلك عقاب الله للبشر بظلمهم وشرورهم.

انتهى.

وقد وقع في "أوستا" وهو كتاب المجوس المقدس أن "أهورامزدا" أوحى إلى "إيما" وتعتقد المجوس أنه جمشيد الملك أنه سيقع طوفان يغرق الأرض ، وأمره أن يبني حائطا مرتفعا غايته يحفظ من في داخله من الغرق ، وأن يجمع في داخله جماعة من الرجال والنساء صالحة للنسل ، ويدخل فيه من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين اثنين ، ويبني في داخل السور بيوتا وقبابا في طبقات مختلفة يسكنها الناس المجتمعون هناك ويأوي إليها الدواب والطيور ، وأن يغرس في داخله ما ينفع في حياة الناس من الأشجار المثمرة ، ويحرث ما يرتزق به الناس من الحبوب الكريمة فيحتفظ بذلك ما به حياة الدنيا وعمارتها.

وفي تاريخ الأدب الهندي في قصة الطوفان : أنه بينما كان "مانو" هو ابن الإله عند الوثنيين يغسل يديه إذ جاءت في يده سمكة ، ومما اندهش به أن السمكة كلمته وطلبت إنقاذها من الهلاك ووعدته جزاء عليه أنها ستنقذ "مانو" في المستقبل من خطر عظيم ، والخطر العظيم المحدق الذي أنبأت به السمكة كان طوفانا سيجرف جميع المخلوقات وعلى ذلك حفظ "مانو" السمكة في المرتبان.

فلما كبرت أخبرت "مانو" عن السنة التي سيأتي فيها الطوفان ثم أشارت على مانو أن يصنع سفينة كبيرة ويدخل فيها عند طوفان الماء قائلة : أنا أنقذك من الطوفان ، فمانو صنع السفينة والسمكة كبرت أكثر من سعة المرتبان لذلك ألقاها في البحر.

ثم جاء الطوفان كما أنبأت السمكة ، وحين دخل "مانو" السفينة عامت السمكة إليه فربط السفينة بقرن على رأسها فجرتها إلى الجبال الشمالية ، وهنا ربط مانو السفينة بشجرة ، وعند ما تراجع الماء وجف بقي مانو وحده.

انتهى.

6 - هل كانت نبوته ع عامة للبشر؟

مسألة اختلفت فيها آراء العلماء. فالمعروف عند الشيعة عموم رسالته ، وقد ورد من طرق أهل البيت (عليهم السلام) ما يدل عليه ، وعلى أن أولي العزم من الأنبياء وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا مبعوثين إلى الناس كافة.

وأما أهل السنة فمنهم من قال بعموم رسالته مستندا إلى ظاهر الآيات الناطقة بشمول الطوفان لأهل الأرض كلهم كقوله : {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } [نوح : 26] وقوله : {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ } [هود : 43] ، وقوله : {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات : 77] ، وما ورد في الصحيح من حديث الشفاعة أن نوحا أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض ولازمه كونه مبعوثا إليهم كافة.

ومنهم من أنكر ذلك مستندا إلى ما ورد في الصحيح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "و كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة" وأجابوا عن الآيات أنها قابلة للتأويل فمن الجائز أن يكون المراد بالأرض هي التي كانوا يسكنونها وهي وطنهم كقول فرعون لموسى وهارون : {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ} [يونس : 78].

فمعنى الآية الأولى : لا تذر على هذه الأرض من كافري قومي ديارا ، وكذا المراد بالثانية : لا عاصم اليوم لقومي من أمر الله ، والمراد بالثالثة : وجعلنا ذريته هم الباقين من قومه.

والحق أن البحث لم يستوف حقه في كلامهم ، والذي ينبغي أن يقال : إن النبوة إنما ظهرت في المجتمع الإنساني عن حاجة واقعية إليها ورابطة حقيقية بين الناس وبين ربهم وهي تعتمد على حقيقة تكوينية لا اعتبارية جزافية فإن من القوانين الحقيقية الحاكمة في نظام الكون ناموس تكميل الأنواع وهدايتها إلى غاياتها الوجودية ، وقد قال تعالى : {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى : 2 ، 3] ، وقال : {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه : 50].

فكل نوع من أنواع الكون متوجه منذ أول تكونه إلى كمال وجوده وغاية خلقه الذي فيه خيره وسعادته ، والنوع الإنساني أحد هذه الأنواع غير مستثنى من بينها فله كمال وسعادة يسير إليها ويتوجه نحوها أفراده فرادى ومجتمعين ومن الضروري عندنا أن هذا الكمال لا يتم للإنسان وحده لوفور حوائجه الحيوية وكثرة الأعمال التي يجب أن يقوم بها لأجل رفعها فالعقل العملي الذي يبعثه إلى الاستفادة من كل ما يمكنه الاستفادة منه واستخدام الجماد وأصناف النبات والحيوان في سبيل منافعه يبعثه إلى الانتفاع بأعمال غيره من بني نوعه.

غير أن الأفراد أمثال وفي كل واحد منهم من العقل العملي والشعور الخاص الإنساني ما في الآخر ويبعثه من الانتفاع إلى مثل ما يبعث إليه الآخر ما عنده من العقل العملي ، واضطرهم ذلك إلى الاجتماع التعاوني بأن يعمل الكل للكل وينتفع من عمل الغير بمثل ما ينتفع الغير من عمله فيتسخر كل لغيره بمقدار ما يسخره كما قال تعال : "نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا : " الزخرف : - 32.

وهذا الذي ذكرناه من بناء الإنسان على الاجتماع التعاوني اضطراري له ألزمه عليه حاجة الحياة وقوة الرقباء فهو في الحقيقة مدني تعاوني بالطبع الثاني وإلا فطبعه الأولي أن ينتفع بكل ما يتيسر له الانتفاع حتى أعمال أبناء نوعه ، ولذلك مهما قوي الإنسان واستغنى واستضعف غيره عدا عليه وأخذ يسترق الناس ويستثمرهم من غير عوض قال تعالى : { إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم : 34] وقال : { إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق : 6 - 8].

ومن الضروري أن الاجتماع التعاوني بين الأفراد لا يتم إلا بقوانين يحكم فيها وحفاظ تقوم بها ، وهذا مما استمرت سيرة النوع عليه فما من مجتمع من المجتمعات الإنسانية كاملا كان أو ناقصا ، راقيا كان أو منحطا إلا ويجري فيه رسوم وسنن جريانا كليا أو أكثريا ، والتاريخ والتجربة والمشاهدة أعدل شاهد في تصديقه وهذه الرسوم والسنن وإن شئت فسمها القوانين هي مواد وقضايا فكرية تطبق عليها أعمال الناس تطبيقا كليا أو أكثريا في المجتمع فينتج سعادتهم حقيقة أو ظنا فهي أمور متخللة بين كمال الإنسان ونقصه ، وأشياء متوسطة بين الإنسان وهو في أول نشأته وبينه وهو مستكمل في حياته عائش في مجتمعه تهدي الإنسان إلى غاية وجوده فافهم ذلك.

وقد علم أن من الواجب في عناية الله أن يهدي الإنسان إلى سعادة حياته وكمال وجوده على حد ما يهدي سائر الأنواع إليه فكما هداه بواجب عنايته من طريق الخلقة والفطرة إلى ما فيه خيره وسعادته وهو الذي يبعثها إليه نظام الكون والجهازات التي جهز بها إلى أن يشعر بما فيه نفعه ويميز خيره من شره وسعادته من شقائه كما قال تعالى : {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس : 7 - 10].

يهديه بواجب عنايته إلى أصول وقوانين اعتقادية وعملية يتم له بتطبيق شئون حياته عليها كماله وسعادته فإن العناية الإلهية بتكميل الأنواع بما يناسب نوع وجودها توجب هذا النوع من الهداية كما توجب الهداية التكوينية المحضة.

ولا يكفي في ذلك ما جهز به الإنسان من العقل - وهو هاهنا العملي منه - فإن العقل كما سمعت يبعث نحو الاستخدام ويدعو إلى الاختلاف ، ومن المحال أن يفعل شيء من القوى الفعالة فعلين متقابلين ويفيد أثرين متناقضين ، على أن المتخلفين من هذه القوانين والمجرمين بأنواع الجرائم المفسدة للمجتمع كلهم عقلاء ممتعون بمتاع العقل مجهزون به.

فظهر أن هناك طريقا آخر لتعليم الإنسان شريعة الحق ومنهج الكمال والسعادة غير طريق التفكر والتعقل وهو طريق الوحي ، وهو نوع تكليم إلهي يعلم الإنسان ما يفوز بالعمل به والاعتقاد له في حياته الدنيوية والأخروية.

فإن قلت : الأمر سواء فإن شرع النبوة لم يأت بأزيد مما لو كان العقل لأتى به فإن العالم الإنساني لم يخضع لشرائع الأنبياء كما لم يصغ إلى نداء العقل ، ولم يقدر الوحي أن يدير المجتمع الإنساني ويركبه صراط الحق فما هي الحاجة إليه؟ قلت : لهذا البحث جهتان : جهة أن العناية الإلهية من واجبها أن تهدي المجتمع الإنساني إلى تعاليم تسعده وتكمله لو عمل بها وهي الهداية بالوحي ولا يكفي فيها العقل ، وجهة أن الواقع في الخارج والمتحقق بالفعل ما هو؟ وإنما نبحث في المقام من الجهة الأولى دون الثانية ، ولا يضر بها أن هذه الطريقة لم تجر بين الناس إلى هذه الغاية إلا قليلا.

وذلك كما أن العناية الإلهية تهدي أنواع النبات والحيوان إلى كمال خلقها وغاية وجودها ومع ذلك يسقط أكثر أفراد كل نوع دون الوصول إلى غايته النوعية ويفسد ويموت قبل البلوغ إلى عمره الطبيعي.

وبالجملة فطريق النبوة مما لا مناص منه في تربية النوع بالنظر إلى العناية الإلهية وإلا لم تتم الحجة بمجرد العقل لأن له شغلا غير الشغل وهو دعوة الإنسان إلى ما فيه صلاح نفسه ، ولو دعاه إلى شيء من صلاح النوع فإنما يدعوه إليه بما فيه صلاح نفسه فافهم ذلك وأحسن التدبر في قوله تعالى : {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء : 163 - 165].

فمن الواجب في العناية أن ينزل الله على المجتمع الإنساني دينا يدينون به وشريعة يأخذون بها في حياتهم الاجتماعية دون أن يخص بها قوما ويترك الآخرين سدى لا عناية بهم ، ولازمه الضروري أن يكون أول شريعة نزلت عليهم شريعة عامة.

وقد أخبر الله سبحانه عن هذه الشريعة بقوله عز من قائل : { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة : 213] ، فبين أن الناس كانوا أول ما نشئوا وتكاثروا على فطرة ساذجة لا يظهر فيهم أثر الاختلافات والمنازعات الحيوية ثم ظهر فيهم الاختلافات فبعث الله الأنبياء بشريعة وكتاب يحكم بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه ، ويحسم مادة الخصومة والنزاع.

ثم قال تعالى فيما امتن به على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) : {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} [الشورى : 13].

ومقام الامتنان يقضي بأن الشرائع الإلهية المنزلة على البشر هي هذه التي ذكرت لا غير ، وأول ما ذكر من الشريعة هي شريعة نوح ، ولو لم يكن عامة للبشر كلهم وخاصة في زمنه (عليه السلام) لكان هناك إما نبي آخر ذو شريعة أخرى لغير قوم نوح ولم يذكر في الآية ولا في موضع آخر من كلامه تعالى ، وإما إهمال سائر الناس غير قومه (عليه السلام) في زمنه وبعده إلى حين.

فقد بان أن نبوة نوح (عليه السلام) كانت عامة ، وأن له كتابا وهو المشتمل على شريعته الرافعة للاختلاف ، وأن كتابه أول الكتب السماوية المشتملة على الشريعة ، وأن قوله تعالى في الآية السابقة " وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ " هو كتابه أو كتابه وكتاب غيره من أولي العزم : إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

وظهر أيضا أن ما يدل من الروايات على عدم عموم دعوته (عليه السلام) مخالف للكتاب وفي حديث الرضا (عليه السلام) : أن أولي العزم من الأنبياء خمسة لكل منهم شريعة وكتاب ونبوتهم عامة لجميع من سواهم نبيا أو غير نبي ، وقد تقدم الحديث في ذيل قوله تعالى : " كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً : " البقرة - 213 ، في الجزء الثاني من الكتاب.

7 - هل الطوفان كانت عامة لجميع الأرض؟

تبين الجواب عن هذا السؤال في الفصل السابق فإن عموم دعوته (عليه السلام) يقضي بعموم العذاب ، وهو نعم القرينة على أن المراد بسائر الآيات الدالة بظاهرها على العموم ذلك كقوله تعالى حكاية عن نوح (عليه السلام) : {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } [نوح : 26] ، وقوله حكاية عنه : {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ } [هود : 43] ، وقوله : {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات : 77].

ومن الشواهد من كلامه تعالى على عموم الطوفان ما ذكر في موضعين من كلامه تعالى أنه أمر نوحا أن يحمل من كل زوجين اثنين فمن الواضح أنه لو كان الطوفان خاصا بصقع من أصقاع الأرض وناحية من نواحيها كالعراق - كما قيل - لم يكن أي حاجة إلى أن يحمل في السفينة من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين اثنين.

وهو ظاهر.

واختار بعضهم كون الطوفان خاصا بأرض قوم نوح (عليه السلام) قال صاحب المنار في تفسيره ، : أما قوله في نوح (عليه السلام) بعد ذكر تنجيته وأهله : " وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ " فالحصر فيهم يجوز أن يكون إضافيا أي الباقين دون غيرهم من قومه ، وأما قوله : {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } [نوح : 26] فليس نصا في أن المراد بالأرض هذه الكرة كلها فإن المعروف من كلام الأنبياء والأقوام وفي أخبارهم أن تذكر الأرض ويراد بها أرضهم ووطنهم كقوله تعالى حكاية عن خطاب فرعون لموسى وهارون : {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ } [يونس : 78] يعني أرض مصر ، وقوله : {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا} [الإسراء : 76] فالمراد بها مكة ، وقوله : {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ } [الإسراء : 4] والمراد بها الأرض التي كانت وطنهم ، والشواهد عليه كثيرة.

ولكن ظواهر الآيات تدل بمعونة القرائن والتقاليد الموروثة عن أهل الكتاب على أنه لم يكن في الأرض كلها في زمن نوح إلا قومه وأنهم هلكوا كلهم بالطوفان ولم يبق بعده فيها غير ذريته ، وهذا يقتضي أن يكون الطوفان في البقعة التي كانوا فيها من الأرض سهلها وجبلها لا في الأرض كلها إلا إذا كانت اليابسة منها في ذلك الزمن صغيرة لقرب العهد بالتكوين وبوجود البشر عليها فإن علماء التكوين وطبقات الأرض - الجيولوجية - يقولون إن الأرض كانت عند انفصالها من الشمس كرة نارية ملتهبة ثم صارت كرة مائية ثم ظهرت فيها اليابسة بالتدريج.

ثم أشار إلى ما استدل به بعض أهل النظر على عموم الطوفان لجميع الأرض من أنا نجد بعض الأصداف والأسماك المتحجرة في أعالي الجبال وهذه الأشياء مما لا تتكون إلا في البحر فظهورها في رءوس الجبال دليل على أن الماء قد صعد إليها مرة من المرات ، ولن يكون ذلك حتى يكون قد عم الأرض هذا.

ورد عليه بأن وجود الأصداف والحيوانات البحرية في قلل الجبال لا يدل على أنه من أثر ذلك الطوفان بل الأقرب أنه من أثر تكون الجبال وغيرها من اليابسة في الماء كما قلنا آنفا فإن صعود الماء إلى الجبال أياما معدودة لا يكفي لحدوث ما ذكر فيها.

ثم قال ما ملخصه : أن هذه المسائل التاريخية ليست من مقاصد القرآن ولذلك لم يبينها بنص قطعي فنحن نقول بما تقدم أنه ظاهر النصوص ولا نتخذه عقيدة دينية قطعية فإن أثبت علم الجيولوجية خلافه لا يضرنا لأنه لا ينقض نصا قطعيا عندنا.

انتهى.

أقول : أما ما ذكره من تأويل الآيات فهو من تقييد الكلام من غير دليل ، وأما قوله في رد قولهم بوجود الأصداف والأسماك في قلل الجبال : إن صعود الماء إليها في أيام معدودة لا يكفي في حدوثها! ففيه أن من الجائز أن تحملها أمواج الطوفان العظيمة إليها ثم تبقى عليها بعد النشف فإن ذلك من طوفان يغمر الجبال الشامخة في أيام معدودة غير عزيز.

وبعد ذلك كله قد فاته ما ينص عليه الآيات أنه (عليه السلام) أمر أن يحمل من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين اثنين فإن ذلك كالنص في أن الطوفان عم البقاع اليابسة من الأرض جميعا أو معظمها الذي هو بمنزلة الجميع.

فالحق أن ظاهر القرآن الكريم - ظهورا لا ينكر - أن الطوفان كان عاما للأرض ، وأن من كان عليها من البشر أغرقوا جميعا ولم يقم لهذا الحين حجة قطعية تصرفها عن هذا الظهور.

وقد كنت سألت صديقي الفاضل الدكتور سحابي المحترم أستاذ الجيولوجيا بكلية طهران أن يفيدني بما يرشد إليه الأبحاث الجيولوجية في أمر هذا الطوفان العام إن كان فيها ما يؤيد ذلك على وجه كلي فأجابني بإيفاد مقال محصله ما يأتي مفصلا في فصول :

1 - الأراضي الرسوبية :

تطلق الأراضي الرسوبية في الجيولوجيا على الطبقات الأرضية التي كونتها رسوبات المياه الجارية على سطح الأرض كالبطائح والمسيلات التي غطتها الرمال ودقاق الحصى.

نعرف الأراضي الرسوبية بما تراكم فيها من الرمال ودقاق الحصى الكروية المدورة فإنها كانت في الأصل قطعات من الحجارة حادة الأطراف والزوايا حولتها إلى هذه الحالة الاصطكاكات الواقعة بينها في المياه الجارية والسيول العظيمة ثم إن الماء حملها وبسطها على الأرض في غايات قريبة أو بعيدة بالرسوب.

وليست تنحصر الأراضي الرسوبية في البطائح فغالب الأراضي الترابية من هذا القبيل تخالطها أو تكونها رمال بالغة في الدقة ، وقد حملها لدقتها وخفتها إليها جريان المياه والسيول.

نجد الأراضي الرسوبية وقد غطتها طبقات مختلفة من الرمل والتراب بعضها فوق بعض من غير ترتيب ونظم ،  وذلك - أولا - أمارة أن تلك الطبقات لم تتكون في زمان واحد بعينه و- ثانيا - أن مسير المياه والسيول أو شدة جريانها قد تغير بحسب اختلاف الأزمنة.

ويتضح بذلك أن الأراضي الرسوبية كانت مجاري ومسائل في الأزمنة السابقة لمياه وسيول هامة وإن كانت اليوم في معزل من ذلك.

وهذه الأراضي التي تحكي عن جريان مياه كثيرة جدا وسيلان سيول هائلة عظيمة توجد في أغلب مناطق الأرض منها أغلب نقاط إيران كأراضي طهران وقزوين وسمنان وسبزوار ويزد وتبريز وكرمان وشيراز وغيرها ، ومنها مركز بين النهرين وجنوبه ، وما وراء النهر ، وصحراء الشام ، والهند ، وجنوب فرنسا ، وشرقي الصين ، ومصر ، وأكثر قطعات أمريكا ، وتبلغ صخامة الطبقة الرسوبية في بعض الأماكن إلى مئات الأمتار كما أنها في أرض طهران تجاوز أربعمائة مترا.

وينتج مما مر أولا : أن سطح الأرض في عهد ليس بذاك البعيد على ما سيأتي توضيحه كان مجرى سيول هائلة عظيمة ربما غطت معظم بقاعها.

وثانيا : أن الطغيان والطوفان - بالنظر إلى صخامة القشر الرسوبي في بعض الأماكن - لم يحدث مرة واحدة ولا في سنة أو سنين معدودة بل دام أو تكرر في مئات من السنين كلما حدث مرة كون طبقة رسوبية ثم إذا انقطع غطتها طبقة ترابية ثم إذا عاد كون أخرى وهكذا وكذلك اختلاف الطبقات الرسوبية في دقة رمالها وعدمها يدل على اختلاف السيلان بالشدة والضعف.

2 - الطبقات الرسوبية أحدث القشور والطبقات الجيولوجية :

ترسب الطبقات الرسوبية عادة رسوبا أفقيا ولكن ربما وقعت أجزاؤها المتراكمة تحت ضغطات جانبية قوية شديدة على ما بها من الدفع من فوق ومن تحت فتخرج بذلك تدريجا عن الأفقية إلى التدوير والالتواء ، وهذا غير ظاهر الأثر في الأزمنة القصيرة المحدودة لكن إذا تمادى الزمان بطوله كمرور الملايين من السنين ظهر الأثر وتكونت بذلك الجبال بسلاسلها الملتوية بعض تلالها في بعض وترتفع بقللها من سطوح البحار.

ويستنتج من ذلك أن الطبقات الرسوبية والقشور الأفقية الباقية على حالها من أحدث الطبقات المتكونة على البسيط ، والدلائل الفنية الموجودة تدل على أن عمرها لا يجاوز عشرة آلاف إلى خمس عشرة ألف سنة من زماننا هذا 1.

3 - انبساط البحار واتساعها بانحدار المياه إليها :

كأن تكون القشور الرسوبية الجديدة عاملا في انبساط أكثر بحار الكرة واتساعها بأطرافها فارتفعت مياهها وغطت أكثر سواحلها وعملت جزائر في السواحل أحاطت بها من معظم جوانبها.

فمن ذلك جزيرة بريطانية انقطعت في هذا الحين من فرنسا وانفصلت من أوربا بالكلية ، وكانت أوربا من ناحية جنوبها وإفريقا من ناحية شمالها مرتبطتين برابط بري إلى هذا الحين فانفصلتا باتساع البحر المتوسط مديترانة وتكون بذلك شبه جزيرة إيطاليا وشبه جزيرة تونس من شمالها الشرقي وجزائر صقلية وسردينيا وغيرها وكانت جزائر أندونيسيا من ناحية جاوا وسوماترا إلى جنوبي جزيرة اليابان متصلة بآسيا من جهة الجنوب الشرقي إلى هذا الحين فانفصلت وتحولت إلى صورتها الفعلية ، وكذا انقطاع أمريكا الشمالية من جهة شمالها عن شمال أوربا أحد الآثار الباقية من هذا العهد عهد الطوفان.

وللحركات والتحولات الأرضية الداخلية آثار في سير هذه المياه واستقرارها في البقاع الخافضة المنحدرة ولذلك كان ينكشف الماء عن بعض البقاع الساحلية المغمورة بماء البحار في حين كان الطوفان مستوليا على أكثر البسيط يكون بحيرات ويوسع بحارا ، ومن هذا الباب سواحل خوزستان الجنوبية انكشف عنها ماء الخليج.

4 - العوامل المؤثرة في ازدياد المياه وغزارة عملها في عهد الطوفان :

الشواهد الجيولوجية التي أشرنا إلى بعضها تؤيد أن النزولات الجوية كانت غير عادية في أوائل الدور الحاضر من أدوار الحياة الإنسانية وهو عهد الطوفان ، وقد كان ذلك عن تغيرات جوية هامة خارقة للعادة قطعا.

فكان الهواء حارا في هذه الدورة نسبة لكن كان ذلك مسبوقا ببرد شديد وقد غطى معظم النصف الشمالي من الكرة الثلج والجمد والجليد فمن المحتمل قويا أن المتراكم من جمد الدورة السابقة عليه كان باقيا لم يذب بعد في النجود في أكثر بقاع المنطقة المعتدلة الشمالية.

فعمل الحرارة في سطح الأرض في دورتين متواليتين على ما به من متراكم الجمد والجليد يوجب تغيرا شديدا في الجو وانقلابا عظيما مؤثرا في ارتفاع بخار الماء إليه وتراكمه فيه تراكما هائلا غير عادي وتعقبه نزولات شديدة وأمطار غزيرة غير معهودة.

نزول هذه الأمطار الغزيرة الهاطلة ثم استدامتها النزول على الارتفاعات والنجود وخاصة على سلاسل الجبال الجديدة الحدوث في جنوب آسيا ومغربها وجنوب أوربا وشمال إفريقا كجبال ألبرز وهيماليا وآلب وفي مغرب أمريكا عقب جريان سيول عظيمة هائلة عليها تنحت الصخور وتحفر الأرض وتقلع أحجارا وتحملها إلى الأراضي والبقاع المنحدرة وتحدث أودية جديدة وتعمق أخرى قديمة وتوسعها ثم تبسط ما تحمله من الحجارة والحصى والرمل تجاهها قشورا رسوبية جديدة.

ومما كان يمد الطوفان السماوي في شدة عمله ويزيد حجم السيول الجارية أن حفر الأودية الجديدة كان يكشف عن ذخائر مائية في بطن الأرض هي منابع الآبار والعيون الجارية فيزيل القشور الحافظة لها المانعة من سيلانها فيفجر العيون ويجريها مع السيول المطرية ، ويزيد في قوة تخريبها ويعينها في إغراق ما على الأرض من سهل وجبل وغمره.

غير أن الذخائر الأرضية متناهية محدودة تنفد بالسيلان وبنفادها وإمساك السماء عن الإمطار ينقضي الطوفان وتنحدر المياه إلى البحار والأراضي المنخفضة وإلى بعض الخلاء والسرب الموجود في داخل الأرض الذي أفرغته السيول بالتفجير والمص.

5 - نتيجة البحث :

وعلى ما قدمناه من البحث الكلي يمكن أن ينطبق ما قصه الله تعالى من خصوصيات الطوفان الواقع في زمن نوح (عليه السلام) كقوله تعالى : {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر : 11 ، 12] ، وقوله : {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود : 40] ، وقوله : {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} [هود : 44].

انتهى.

ومما يناسب هذا المقام ما نشره بعض جرائد  طهران في هذه الأيام وملخصه : أن جماعة من رجال العلم من أمريكا بهداية من بعض رجال الجند التركي عثروا في بعض قلل جبل آراراط في شرقي تركيا في مرتفع 1400 قدم على قطعات أخشاب يعطي القياس أنها قطعات متلاشية من سفينة قديمة وقعت هناك تبلغ بعض هذه القطعات من القدمة 2500 قبل الميلاد.

والقياس يعطي أنها قطعات من سفينة يعادل حجمه ثلثي حجم مركب "كوئين ماري" الإنجليزية التي طولها 1019 قدما وعرضها 118 قدما ، وقد حملت الأخشاب إلى سانفرانسيسكو لتحقيق أمرها وأنها هل تقبل الانطباق على ما تعتقده أرباب النحل من سفينة نوح؟ (عليه السلام).

8 - عمره (عليه السلام) الطويل :  

القرآن الكريم يدل على أنه (عليه السلام) عمر طويلا ، وأنه دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله سبحانه ، وقد استبعده بعض الباحثين لما أن الأعمار الإنسانية لا تتجاوز في الأغلب المائة أو المائة والعشرين سنة حتى ذكر بعضهم أن القدماء كانوا يعدون كل شهر من الشهور سنة فالألف سنة إلا خمسين عاما يعدل ثمانين سنة إلا عشرة شهور.

وهو بعيد غايته.

وذكر بعضهم أن طول عمره (عليه السلام) كان كرامة له خارقة للعادة ، قال الثعلبي في قصص الأنبياء في خصائصه (عليه السلام) : وكان أطول الأنبياء عمرا وقيل له أكبر الأنبياء وشيخ المرسلين ، وجعل معجزته في نفسه لأنه عمر ألف سنة ولم ينقص له سن ولم تنقص له قوة.

انتهى.

والحق أنه لم يقم حتى الآن دليل على امتناع أن يعمر الإنسان مثل هذه الأعمار بل الأقرب في الاعتبار أن يعمر البشر الأولي بأزيد من الأعمار الطبيعية اليوم بكثير لما كان لهم من بساطة العيش وقلة الهموم وقلة الأمراض المسلطة علينا اليوم وغير ذلك من الأسباب الهادمة للحياة ، ونحن كلما وجدنا معمرا عمر مائة وعشرين إلى مائة وستين وجدناه بسيط العيش قليل الهم ساذج الفهم فليس من البعيد أن يرتقي بعض الأعمار في السابقين إلى مئات من السنين.

على أن الاعتراض على كتاب الله في مثل عمر نوح (عليه السلام) وهو يذكر من معجزات الأنبياء الخارقة للعادة شيئا كثيرا لعجيب.

وقد تقدم كلام في المعجزة في الجزء الأول من الكتاب.

9 - أين هو جبل الجودي :

ذكروا أنه بديار بكر من موصل في جبال تتصل بجبال أرمينية ، وقد سماه في التوراة آراراط.

قال في القاموس : والجودي جبل بالجزيرة استوت عليه سفينة نوح (عليه السلام) ، ويسمى في التوراة "آراراط" انتهى ، وقال في مراصد الاطلاع ، : الجودي مشددة جبل مطل على جزيرة ابن عمر في شرقي دجلة من أعمال الموصل استوت عليه سفينة نوح لما نضب الماء.

10 - ربما قيل : هب أنه أغرق قوم نوح بذنبهم فما هو ذنب سائر الحيوان الذي على الأرض حيث هلكت بطاغية المياه؟ وهذا من أسقط الاعتراض فما كل هلاك ولو كان عاما عقوبة وانتقاما ، والحوادث العامة التي تهلك الألوف ثم الألوف مثل الزلازل والطوفانات والوباء والطاعون كثير الوقوع في الدهر ، ولله فيما يقضي حكم.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .