أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-27
281
التاريخ: 10-10-2014
1613
التاريخ: 30-04-2015
1343
التاريخ: 18-11-2014
5285
|
ذكَر أئمَّة الفنّ لقبول القراءة شروطاً ثلاثة :
1 ـ صحَّة السنَد .
2 ـ موافقة الرسم .
3 ـ استقامة وجهها في العربية .
وإذا فُقد أحد هذه الشروط تصبح القراءة شاذَّة ، لا تصحّ القراءة بها ، لا في صلاة ولا في غيرها ، وتسقط عن اعتبارها قرآناً رأساً ، سواء كانت من السبعة أمْ من غيرهم .
قال مكّي بن أبي طالب : إذا اجتمع في القراءة ثلاثة أشياء : قوَّة وجه العربية ، وموافقة المصحف ، واجتماع العامَّة عليه ـ والعامَّة هم : أهل المدينة ، وأهل الكوفة ـ فذلك عندهم حجَّة قوية توجب الاختيار .
وربّما أُريد من العامَّة أهل الحرَمين : مكَّة ، والمدينة ، وربَّما جعلوا الاعتبار بما اتَّفق عليه نافع وعاصم ، فقراءتهما أُولى القراءات وأصحّها سنداً وأفصحها في
العربيَّة ، ويتلوها في الفصاحة خاصَّة قراءة أبي عمرو والكسائي (1) .
وقال أبو شامة : كلّ قراءة ساعدها خطّ المصحف مع صحَّة النقل فيها ومجيئها على الفصيح من لغة العرب ، فهي قراءة صحيحة معتبرة ، فإن اختلفت هذه الأركان الثلاثة أُطلق على تلك القراءة أنَّها شاذَّة وضعيفة ، أشار إلى ذلك كلام الأئمَّة المتقدّمين ، ونصَّ عليه الشيخ المقرئ أبو محمّد مكّي بن أبي طالب القيرواني في كتاب مفرد ـ هو كتاب ( الإبانة ) ـ .
وقد ذكره شيخنا أبو الحسن في كتابه ( جمال القرّاء ) (2) قال : ولا يُلتزم فيه تواتر ، بل تكفي الآحاد الصحيحة مع الاستفاضة (3) ، وتقدَّم قوله : وهنالك ـ أي دون إثبات تواتر كلِّ فرد فرد من القراءات إلى النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ـ تُسكب العبرات ، فإنَّها من ثمَّ لم تُنقل إلاّ أحاداً ، إلاّ اليسير منها (4) .
وقال الحافظ الضابط ، إمام القرّاء المتأخِّرين ، أبو الخير محمَّد بن محمَّد ابن الجزري : كلُّ قراءة وافقَت العربية ـ ولو بوجه ـ ووافَقت أحد المصاحف العثمانية ـ ولو احتمالاً ـ وصحّ سنَدها ، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردُّها ولا يحلّ إنكارها ، بل هي من الأحرف السبعة التي نزَل بها القرآن ، ووجب على الناس قبولها ، سواء أكانت عن الأئمَّة السبعة ، أمْ عن العشرة ، أمْ عن غيرهم من الأئمَّة المقبولين ، ومتى اختلّ ركن من هذه الأركان الثلاثة ، أُطلق عليها ضعيفة أو شاذَّة أو باطلة ، سواء أكانت عن السبعة ، أمْ عمَّن هو أكبر منهم .
قال : هذا هو الصحيح عند أئمَّة التحقيق من السلَف والخلَف ، صرَّح بذلك الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني ، ونصَّ عليه في غير موضع الإمام أبو محمَّد مكّي بن أبي طالب ، وكذلك الإمام أبو العبّاس أحمد بن عمّار المهدوي ، وحقَّقه الحافظ أبو القاسم عبد الرحمان بن إسماعيل ، المعروف بأبي شامة ، وهو مذهب السلَف الذي لا يُعرف عن أحد منهم خلافه (5) .
هذه شروط ثلاثة عبَّروا عنها بالأركان إذا توفَّرت في قراءة ، فهي صحيحة ومقبولة ، وإذا اختلّ أحدها ، فهي شاذَّة مردودة.
ورأيت التصريح بها في كلام أئمَّة الفنّ ممَّن يرجع إليهم في هذا الشأن ، ومع ذلك فإنَّ بعض المؤلّفين غير الاختصاصيّين أخذ اعتبار التواتر بدل شرط صحَّة السند .
هكذا جاء في كلام الشيخ أبي قاسم النويري ، قال : عدم اشتراط التواتر قول حادث ، مخالف لإجماع الفقهاء والمحدِّثين .
وقد ردَّ عليه الإمام شهاب الدين القسطلاني بأنَّ : التواتر إذا ثبت لا يحتاج إلى الركنَين الآخَرين ، من الرسم والعربية ؛ لأنَّ ما ثبت متواتراً قُطع بكونه قرآناً ، سواء وافق الرسم أمْ خالفه (6) .
قلت : ولعلّ مُشترط التواتر قد خلط عليه مسألة ( تواتر القرآن ) بمسألة ( تواتر القراءات ) ، وقد تقدَّم أنّهما حقيقتان متغايرتان (7) .
وهكذا جعل الأستاذ محمّد سالم محيسن ـ وهو مدرِّس بمعهد القراءات بالأزهر ـ شرط التواتر بدل صحَّة السند (8) ، مخالفاً في ذلك تصريحات الأئمَّة المحقّقين ، ويُعذر أمثال هؤلاء بعدم الاضطلاع بأصول الفنِّ ، ولم يدركوا أنَّ اشتراط التواتر في كلِّ فرد فرد من أحرف الخلاف يذهب بكثير من القراءات الثابتة عن السبعة وغيرهم . صرَّح بذلك الإمام القسطلاني (9) .
تحقيق الأركان الثلاثة :
قال ابن الجزري : وقولنا ـ في الضابط ـ ( ولو بوجه ) نريد وجهاً من وجوه النحْو ، سواء كان أفصح أمْ فصيحاً ، مُجمَعاً عليه أمْ مختلفاً فيه اختلافاً لا يضرّ مثله إذا كانت القراءة ممّا شاع وذاع ، وتلقّاه الأئمَّة بالإسناد الصحيح ، إذ هو الأصل الأعظم والركن الأقوم ، وهذا هو المختار عند المحقِّقين في ركن موافقة العربية .
فكم من قراءة أنكرها بعض أهل النحْو أو كثير منهم ولم يُعتبر إنكارهم ، بل أجمع الأئمّة المقتدى بهم من السلَف على قبولها ؟ كإسكان {بَارِئِكُمْ} [البقرة: 54] و( يَأْمُرُكُمْ ) (10) ، ونحو : ( سَبَإٍ )[ النمل : 22] و[ سبأ : 15] و { يَا بُنَيَّ } (11) و{ وَمَكْرَ السَّيِّئِ }[ فاطر : 43] و{ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ } في الأنبياء (12) ، والجمع بين الساكنين في تاءات البزّي ، وإدغام أبي عمرو (13) و( اسْطَاعُوا )[ الكهف : 97] لحمزة (14) ، وإسكان ( فَنِعِمَّا ) (15) و( يَهْدِي ) (16) ، وإشباع الياء في ( يرتعي )[ يوسف : 12] و( يتّقي ويصبر )[ يوسف : 90] و ( أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ ) (17) ، وضمّ ( لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ ) (18) ، ونصب ( كُنْ فَيَكُونُ ) (19) ، وخفْض ( وَالأَرْحَامَ ) (20) ، ونصب ( لِيَجْزِيَ قَوْماً ) (21) ، والفصل بين المضافَين في الأنعام (22) ، وهمز ( سأقيها ) (23) ، ووصل ( وَإِنَّ إِلْيَاسَ ) (24) ، وألف ( إِنْ هَذَانِ ) (25) وتخفيف ( وَلاَ تَتَّبِعَانِّ ) (26) ، وقراءة ( ليكة ) (27) في الشعراء وص ، وغير ذلك (28) .
قلت : انظر إلى هذا التناقض في كلام هذا الرجُل المحقِّق المضطلع بأصول الفنّ ، كيف يحابي بحقائق علميَّة هنا ، ويعترف بها في موضعٍ آخَر ؟ إذ كلّ ما ذكره هنا إنَّما هي قراءات شاذَّة ، لا يجوِّز هو ولا غيره من الأئمَّة قراءتها في الصلاة ، ومع ذلك فقد استشهد بها تدليلاً على تقديم ما صحَّ سنده عن القارئ ، على قواعد اللغة المقرَّرة ، وسنتعرَّض لذلك .
* * *
قال ابن الجزري : ونعني بموافقة أحد المصاحف : ما كان ثابتاً في بعضها دون بعض ، كقراءة ابن عامر : {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا } [البقرة : 116] بغير واو ، و { بِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ }[ آل عمران : 184] بزيادة الباء في الاسمين ، ونحو ذلك ، فإنَّ ذلك ثابت في المصحف الشامي (29) .
وكقراءة ابن كثير : {جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ} [التوبة : 100] بزيادة ( من ) ، فإنَّ ذلك ثابت في المصحف المكّي (30) .
وكذلك {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } [الحديد: 24] بحذف ( هو ) (31) .
وكذا { سَارِعُواْ }[ آل عمران : 133] بحذف الواو (32) .
وكذا { مِّنْهَا مُنقَلَباً }[ الكهف : 36] بتثنية الضمير (33) .
إلى غير ذلك من مواضع كثيرة في القرآن ، اختلفت المصاحف فيها ، فوردت القراءة عن أئمَّة تلك الأمصار على موافقة مصحفهم ، فلو لم يكن ذلك كذلك في شيء من المصاحف العثمانية ؛ لكانت القراءة بذلك شاذَّة ، لمخالفتها الرسم المجمع عليه .
قال : وقولنا بعد ذلك ( ولو احتمالاً ) نعني به ما يوافق الرسم ولو تقديراً ، إذ موافقة الرسم قد تكون تحقيقاً وهو الموافقة الصريحة ، وقد تكون تقديراً وهو الموافقة احتمالاً ، فإنَّه قد خولف صريح الرسم في مواضع إجماعاً ، نحو : ( السموات ) ، و( الصلحت ) (34) ، و( الَّيل ) (35) ، و( الصلوة ) ، و( الزكوة ) (36) ، و( الربوا ) (37) ، ونحو ( لنظر كيف تعملون ) (38) ، و( جايء ) (39) في الموضعين (40) .
وقد توافِق بعض القراءات الرسم تحقيقاً ، ويوافقه بعضها تقديراً ، نحو : ( مَلك يوم الدين ) فإنَّه كُتب بغير ألف في جميع المصاحف ، فقراءة الحذف تحتمله تحقيقاً ، كما كُتب ( مَلك الناس ) وقراءة الألف محتملة تقديراً ، كما كُتب ( مالك الملك ) فتكون الألف حُذفت اختصاراً .
وكذلك ( النشأة ) (41) حيث كُتبت بالألف وافَقت قراءة المدّ تحقيقاً ، ووافقَت قراءة القصْر تقديراً ، إذ يحتمل أن تكون الألف صورة الهمز على غير القياس ، كما كتب ( مَوْئِلاً ) (42) .
وقد توافِق اختلافات القراءات الرسم تحقيقاً ، نحو : ( أَنصَارَ اللَّهِ ) (43) ، و( فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ ) (44) ، و( وَيَغْفِرْ لَكُمْ ) (45) ، و( يَعْمَلُونَ ) (46) ، و( هَيْتَ لَكَ ) (47) ، ونحو ذلك (48) .
* * *
قال : وقولنا : ( وصحَّ سنَدها ) ، فإنّا نعني به أن يروي تلك القراءة العدل الضابط عن مثله ، وهكذا حتّى تنتهي ، وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمَّة هذا الشأن الضابطين له ، غير معدودة عندهم من الغلط ، أو ممّا شذَّ بها بعضهم .
قال : وقد شرط بعض المتأخّرين ( التواتر ) ، وأنّ ما جاء مجيء الآحاد لا يثبت به قرآن ، وهذا ممّا لا يخفى ما فيه ، فإنّ التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من الرسم وغيره ، إذ ما ثبت من أحرُف الخلاف متواتراً عن النبي ( صلّى الله عليه وآله ) وجب قبوله ، وقُطِع بكونه قرآناً ، سواء وافَق الرسم أمْ خالفه .
وإذا اشترطنا التواتر في كلِّ حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرُف الخلاف الثابت عن هؤلاء الأئمَّة السَبعة وغيرهم ، ولقد كنت ـ قبل ـ أجنح إلى هذا القول ، ثمَّ ظهر فساده ، وموافقة أئمَّة السلَف والخلَف (49) .
* * *
هذا جُلّ ما ذكره القوم بشأن تحقيق الأركان الثلاثة لقبول القراءة ووصفها بالصّحة ، وقد نقلنا كلام ابن الجزري بِطوله ، فإنَّ تحقيقه كان هو الفصل الحاسم ، المعروف بين أئمَّة الفنّ خلَفاً عن سلَف ، ولم يزد على تحقيقه أحد فيما أعلم ، وقد تلقَّته العلماء بالقبول عِبر العصور .
وإنَّ مناقشتنا التالية لهذه الأركان سوف تدور على بنود ذكَرها هذا الإمام المحقِّق ، كمقياسٍ أساسيٍّ لملاحظتها وتحقيقها في ضوء الواقعية الراهنة ، الَّتي ترفض المحاباة في مجال البحث والتمحيص .
مناقشة هذه الأركان :
تلك شروط ثلاثة : ( السنَد ، والرسم ، والعربية ) ذكرها السلَف وتبِعهم عليها الخلَف تقليدياً ، من غير ما تحقيق عن واقع الأمر ، وهل تصلح هذه الأركان حلاًّ لمشكلة ( اختلاف القراءات ) ؟ .
إنَّها مشكلة لا تنحلّ بهكذا مسائل شكلية لا واقع لها ، إذا ما جاس الباحث خلال الديار ، وقد لمَس الأئمَّة القدامى قصور هذه الأركان عن التعريف بصحيح القراءة ، ومن ثمَّ أخذوا في تحريفها وتحويرها يمنةً ويسرة ، ولكن من غير جدوى ، فاستبدلوا من شرط ( التواتر ) ـ الذي كان رائجاً على ألسِنة غوغاء الناس ـ كفاية صحَّة الإسناد ، ولكن إذا لم يوجد لبعض القرّاء إسناد فماذا ؟ .
وكذلك شرط ( موافقة الرسم ) ، رسم أيِّ مصحف ؟ أهو مصحف عثمان ( الأُمّ ) ؟ فلم يكن بمعرض العامَّة ، أمْ هي المصاحف الأُولى المبعوثة إلى الآفاق ؟ فلم يُعَدّ لها وجود منذ عام 74 هـ ، حيث جمعَها الحجّاج بأمر عبد الملك بن مروان في مرسوم سلطانيّ عام ، وقد حاول بعض الأئمَّة ( الإمام مالك ) العثور على نُسخة منها فلم يستطع .
ثمَّ إنَّ قيد ( ولو احتمالاً ) يذهب بأثر هذا الاشتراط رأساً .
وأمّا شرط ( العربية ) فقُيّد ( ولو بوجه ) أبطَل أثره نهائيّاً ، إذ ما من قراءة شاذَّة إلاّ ولها وجه في العربية ولو بعيداً .
هذا إجمال مناقشتنا في هذه البنود التي اعتبروها شروطاً أساسية لمعرفة صحيح القراءة عن ضعيفها ، وإليك التفصيل :
* * *
أمّا موافقة ( الرسم ) ـ وهو عمدة الشروط ـ فالمصحف الأُمّ مصحف عثمان المختصّ به ، أو مصحف المدينة المودَع في مسجدها ، فإنَّه لم يكن بمعرض العموم ، فضلاً عن أنَّ المعتمَد في تصريح الجماعة هو مطلق المصاحف العثمانية الأُولى ، لا خصوص المصحف الأُمّ .
قال الإمام شهاب الدين القسطلاني : وأمّا قول القائل : ( ووافَق لفظه خطَّ المصحف ، المصحف الإمام ) ففيه نظر ، من جهة تقييده بالإمام ، وهو مصحف عثمان الذي أمسكه لنفسه ؛ لأنَّ المعتمَد موافقة أحد المصاحف العثمانية ، كما في النشر وغيره (50) .
ودليلاً على ذلك : أنَّهم اكتفوا بموافقة سائر المصاحف كمصحف الشام ومكَّة وغيرهما ، فقد أجازوا قراءة ابن كثير ـ قارئ مكَّة ـ : ( تجري من تحتها الأنهار ) بزيادة ( من ) ؛ لأنّ مصحف مكَّة كان مشتملاً عليها (51) وإن كان مصحف المدينة خالياً عن ذلك ( تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ ) (52) .
وقرأ ابن عامر ـ قارئ الشام ـ : ( ولدار الآخرة ) بلام واحدة ؛ لأنَّ مصحف الشام كان هكذا (53) ، وقرأ الباقون بلامين ( وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ ) (54) .
فلم يكن مقياس ( موافقة المصحف ) هو المصحف الإمام ، بل جميع المصاحف العثمانية ـ الخمسة أو السبعة ـ المبعوثة إلى الآفاق .
ولكن كيف الحصول على موافقتها ؟ ولم يَعُد لها وجود ، قبل أن ينتهي القرن الأوَّل ، إذ لم يمضِ على حياتها أقلّ من نصف قرن إلاّ وقد أكل عليها الزمان وشرب ، ولم يبقَ لها أثر على صفة الوجود .
وذلك منذ أن تحوَّل الخطّ ( خطّ المصحف بالخصوص ) من حالته البدائية الأُولى إلى مراحل جديدة ـ أيّام ولاية الحجّاج بن يوسف الثقفيّ على العراق ، ابتداءً من سنة 74هـ فما بعد ـ فقد أخذت المصاحف في تطوّر وتحسّن في خطِّها ونُقَطها وتشكيلها وسائر المحسّنات .
وقد بعث الحجّاج بمصاحف من الطراز الحديث إلى الآفاق ، وأمر بجمْع سائر المصاحف ، ومنها المصاحف العثمانية الأُولى ، وحتّى أنَّ المصحف الإمام ـ وكان محتفظاً به في وعاء في المسجد النبوي ( صلّى الله عليه وآله ) ـ أخفاه آل عثمان ضنّاً به .
حكى أبو أحمد العسكري في كتاب ( التصحيف ) : أنَّ الناس غبروا يقرأون في مصحف عثمان بن عفّان نيّفاً وأربعين سنة ، إلى أيّام عبد الملك بن مروان ، ثمَّ كثر التصحيف وانتشر بالعراق ، ففزع الحجّاج بن يوسف إلى كُتّابه وسألهم أن يضعوا لهذه الحروف المشتبهة علامات ... (55) .
ويحدّثنا محرز بن ثابت ـ مولى سلمة بن عبد الملك ـ عن أبيه ، قال : كنت في حرس الحجّاج بن يوسف ، فكتب الحجّاج المصاحف ( منقَّطة ، ومشكَّلة ، ومخمَّسة ، ومعشَّرة ) على يد نصر بن عاصم الليثي وصاحبه يحيى بن يعمر ، تلميذَي أبي الأسود الدؤلي (56) ، ثمَّ بعث بها إلى الأمصار ، وبعث بمصحف إلى المدينة ، فكرِه ذلك آل عثمان ، فقيل لهم : أخرِجوا مصحف عثمان ليُقرأ ، فقالوا ـ ضنّاً به ـ : أُصيب المصحف يوم مقتل عثمان .
قال محرز : وبَلَغني أنَّ مصحف عثمان صار إلى خالد بن عمرو بن عثمان .
قال : فلمّا استخلف المهديّ العبّاسي بعث بمصحف إلى المدينة ، فهو الذي يُقرأ فيه اليوم ، وعزَل مصحف الحجّاج ، فهو في الصندوق الذي دون المنبر .
قال ابن زبالة : حدَّثني مالك بن أنس ـ إمام المالكية ـ (93هـ ـ 179هـ) قال : أرسلَ الحجّاج إلى أمّهات القرى بمصاحف ، فأرسل إلى المدينة بمصحف منها كبير ، وهو أوَّل مَن أرسل بالمصاحف إلى القرى ، وكان هذا المصحف في صندوق عن يمين الاسطوانة التي عُملَت علَماً لمقام النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ، وكان يُفتح في يوم الجمعة والخميس ، ويُقرأ فيه إذا صلّيت الصبح ، فبعث المهدي بمصاحف لها أثمان ، فجُعلت في صندوق ، ونحّى عنها مصحف الحجّاج ، فوضِعت عن يسار السارية ، ووضِعت لها منابر كانت تقرأ عليها ، وحمل مصحف الحجّاج في صندوقه ، فجُعل عند الاسطوانة التي عن يمين المنبر (57) .
قال ابن وهب : سألت مالكاً عن مصحف عثمان ، فقال : ذَهَب (58) .
ويروي الشاطبي عن مالِك أنَّه قال : ( إنَّ مصحف عثمان تغيَّب فلم نجد له خبراً بين الأشياخ ) (59) . وفي كلامه هذا أنَّه حاول العثور عليه فلم يستطع ، الأمر الَّذي يدلّ على انقطاع أثره من صفحة الوجود بالكلّية ، وإلاّ فلو كان له وجود لمَا كان يختفي عن مِثل مالِك .
تلك حالة المصاحف العثمانية الأُولى لم يعُد لها أثر في الوجود ، أمّا سائر المصاحف فلا تصلُح مقياساً لموافقتها أو مخالفتها ؛ لأنَّ قيمة تلكمُ المصاحف الأُولى كانت باعتبار انتمائها إلى الصحابة الأوَّلين ، أمّا غيرها فلم يثبت لها هذا الاعتبار .
ولعلَّك تقول : يحتمَل أنَّ تلكمُ المصاحف المتأخِّرة كُتبت على نفس كتابة المصاحف الأُولى حرفيّاً ، قلت : هذا احتمال ، ولا يمكننا أن نعتمد احتمالاً نحتمله ما لم نستوثق من تحقّقه واقعاً قطعيّاً ، هذا فضلاً عن التصريح بأنّها كُتبت على أسلوبٍ حديث كان يختلف عن أسلوب المصاحف الأُولى بكثير ، وإلاّ لم تعُد حاجة إلى جمْعها ، فكانت تُنقَّط وتُشكَّل فحسب ، أمّا إبعادها عن صفحة الوجود فلا سبب له سوى التغيير الجذري الحاصل فيما بعد .
نعم ، أصل إملاء الخطّ في صورته البدائية بقيَ محفوظاً نسبياً ، لم يمسّوه بيد إصلاح ، حسب ما قدَّمنا (60) وسجَّل جزئيّاته أرباب المصاحف : كابن الأنباري ، وابن أبي داود وغيرهما ، وكانوا هم حلقة الاتّصال بيننا وبين المصاحف الأُولى بعض الشيء ، الأمر الَّذي لا نستطيع الاستيثاق بكلّيته تماماً .
وأخيراً ، فإنَّ إضافة قيد ( ولو احتمالاً ) ذهبت بفائدة هذا الاشتراط ، حيث أكثر القراءات الشاذّة بل والمرفوضة بالإجماع أيضاً ، يمكن توفيقها مع ظاهر الرسم ، حيث لا نُقَط ولا تشكيل ولا ألِفات ، ولا غير ذلك من علائم فارقة حسبما تقدَّم .
مثلاً قراءة ابن مقسم : ( خلصوا نجباً ) بالباء (61) يحتملها الخطّ ، وكذا قراءة ابن محيصن ( فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء ) بفتح تاء المضارعة (62) ، وقراءة أبي حنيفة ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ ـ بالرفع ـ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ـ بالنّصب ) (63) ، وقراءة الحسن ( لا ريباً فيه ) بالنصب والتنوين (64) ، وقراءته ( ظلمات ) بسكون اللام حيثما وقع في القرآن (65) وقراءته ( يَخْطَفُ ) بكسر الياء والخاء والطاء مع تشديدها (66) ، وقراءته ( وَعَلَّمَ آدَمَ ) بالبناء للمجهول (67) ، وقراءة المطوعي ( يسمعون كلم الله ) بلا ألف وكسر اللام (68) ، وقراءة ابن السميقع ( ننحّيك ) بالحاء (69) .
وقراءة الحسن : ( أو تنسها ) بتاء الخطاب (70) ، وقراءة ابن محيصن ( فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ ) بضمّ هاء الضمير (71) ، وقراءة قتادة ( فأقيلوا أنفسكن ) بالياء (72) ، وقراءة ابن زيد ( فَإِذَا عَزَمْتَ ) بضمِّ التاء (73) ، وقراءة الحسن ( فرغ عن قلوبهم ) بالراء المهملة والغين المعجمة (74) ، كلّ ذلك يحتمله الخطّ العاري عن النُقَط والتشكيل .
وغير ذلك ممّا يطول ، راجع كتُب القراءات الشاذَّة تجد غالبيَّة تلكُم القراءات يمكن توفيقها مع ظاهر الرسم الأوَّل ، فأين ( موافقة الرسم ) من صلاحية كونها دليلاً على تعيين القراءة الصحيحة عن الشاذَّة ؟! .
* * *
أمّا شرط ( السنَد ) لتكون القراءات بأسْرها متّصلة الإسناد إلى النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ، فهذا شيء لا نستطيع تعقّله ، فضلاً عن إمكان إثباته .
أوّلاً : القرّاء مختلفون في القراءات ، وكلّ قارئ له أسلوب خاصّ ومنهج يختصّ به دون مَن سواه ، وله في كلِّ آية فنون من أنواع القراءة ، بل في كلِّ كلمة يقرأها على أساليب يبتدعها كفنٍّ .
أفهل يصحّ أن ننسب كلَّ هذه القراءات المتنوّعة من كلِّ قارئ قارئ في جميع آي القرآن إلى النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ؟! .
أفهل نستطيع أن ننسب مثل : تاءات البزّي (75) ، وإدغام أبي عمرو (76) ، وإسكان حمزة (77) ، ونبر الكسائي (78) ، ومَدَّة ورش (79) وغير ذلك من مبتدعات القرّاء المستنكَرة ،
إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ؟ .
قال ابن قتيبة : ولا يُجعل لحْن اللاحنين من القرّاء المتأخِّرين حجَّة على الكتاب ، وقد كان الناس قديماً ـ على بداوتهم ـ يقرأون بلُغاتهم وفْق لهْجاتهم الفطريَّة .
ثمَّ خلَف قوم بعد قوم من أهل الأمصار المتحضّرين وأبناء العجَم (80) ، ليس لهم طبع اللغة ( لم تكن اللغة من فِطْرتهم ) ، ولا علم التكلّف ( لم يتقنوا علم العربية ) ، فهفَوا في كثير من الحروف ( القراءات ) وزلّوا وقرأوا بالشاذّ وأخلّوا .
منهم رجُل ( حمزة ) ستر الله عليه عند العوام بالصلاح ، لم أرَ أكثر تخليطاً وأشدّ اضطراباً منه (81) ، نبذ في قراءته مذاهب العرب وأهل الحجاز ، بإفراطه في المَدّ والهمز والإشباع ، وإفحاشه في الإضجاع والإدغام ، وقد شغف بقراءته العوام (82) ، رأَوه عند قراءته مائل الشدْقَين ، دارّ الوريدَين ، راشح الجبينين ، فتوهَّموا أنَّ ذلك لفضيلة وحذَق بها .
وليس هكذا كانت قراءة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، ولا خيار السلَف ، ولا التابعين .
قال : وما أقلَّ مَن سلِمَ من هذه الطبقة من الغلط والوهْم ، فقد قرأ بعض المتقدّمين ( يريد الحسن البصري ) (83) : ( ما تلوته عليكم ولا أدرأتكم به ) (84) فهمز ، وإنّما هو من ( دريت بكذا وكذا ) .
وقرأ ( أي الحسن أيضاً ) : ( وما تنزلّت به الشياطون ) توهّم أنَّه جمْعٌ بالواو والنون (85) .
وقرأ آخر ( يريد ابن محيصن ) (86) : { فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء }[ الأعراف : 150] بفتح التاء وكسر الميم ونصب ( الأعداء ) ، وإنّما هو من أشمت الله العدوّ فهو يشمته ، ولا يقال : شمت الله العدوّ .
وقرأ الأعمش (87) : ( وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ )[ إبراهيم : 22] بكسر الياء ، كأنَّه ظنَّ أنَّ الباء تخفِض الحرف كلَّه ، واتَّبعه على ذلك حمزة (88) .
وجعل يسرد من أمثال هذه القراءات الغريبة من أئمَّة السلَف ، ممّا لا يمكن استنادها إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قطعيّاً .
وبعد ، كيف يصحّ لنا أن ننسب أمثال هذه الغرائب ـ باسم القراءات السبع أو الحروف السبعة ـ إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ؟! وهل ذاك إلاّ جفاء وظلم بساحة قُدسه الشّريف ؟! .
نعم ، غاية ما هناك أنّ أرباب كتُب القراءات لفّقوا لكلّ قارئ إسناداً متّصلاً إلى النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ، وهذا لا يعني إسناد جميع قراءاته وأفنانها وتنوّعاتها إليه ( صلّى الله عليه وآله ) .
هذا فضلاً عن أنّها أسانيد تشريفية مصطنعة ، كما لم يُعرف لبعض القرّاء إسناد ظاهر كابن عامر مثلاً ، حسبما تقدّم .
ثانياً : كيف خفيَت رواية تلك القراءة عِبر عشرات السنين حتّى ظهرت على يد أحد هؤلاء القرّاء ؟ فهذا الكسائي ( توفّي سنة 198 هـ ) له قراءات خاصّة ، وبعضها مستنكرة ، كيف خفيَت على مَن تقدّمه لمدّة قرن ونصف ، ثمّ ظهرت على لسانه هو ؟ .
ثالثاً : ما تلك الاستنكارات على كثير من القراءات السبعة ، إن كانت قراءاتهم جميعاً مأثورة بالأثَر الصحيح عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ؟ .
وما تلك التعاليل والحُجج الاجتهادية لتوجيه القراءات ؟ إذ لم تعُد حاجة إلى تعاليل لو كانت منقولة عن النبي ( صلّى الله عليه وآله ) بسند صحيح ! وقد تقدّم توضيح ذلك جميعاً .
* * *
أمّا اشتراط (موافقة العربية ) ، فقد حطّ من قيمته ، أو ألغى أثره بالمرّة ، إضافة قيد ( ولو بوَجه ) ، ولاسيّما مع تعميم القسطلاني : ( سواء كان راجحاً أمْ مرجوحاً ) (89) .
إذ ما من قراءة مهما كانت شاذّة فإنّ لها توجيهاً في العربية ، بعد أن كانت قواعدها ذات مطاطية قابلة للانعطاف مع مختلف الوجوه .
نعم ، لابدّ لهم من إضافة هذا القيد ، بعد أن كانت القراءات ـ ولاسيّما السبع ـ ذات طابع تحميلي ، فيجب قبولها ، ومن ثمّ يجب توجيهها حسب الإمكان .
إنّ هذه الأركان وُضِعت على ضوء التسالم على القراءات السبع أو العشر ، ومن ثمّ يجب تحويرها بما يتّفق معها ، فهي علاج للقضية بعد وقوعها ، فاللازم هو التصرّف في الشرائط بما يتلاءم ووجوه القراءات ، وليست القراءات هي التي تناقش على ضوء هذه الأركان .
ولذلك تجدهم يعالجون حدود هذه الشرائط حسب ما ورد من قراءات هؤلاء السبعة أو العشرة ، ولم نرَهم يناقشون قراءة مأثورة عن هؤلاء على ضوء الأركان المذكورة .
قال الداني ـ بعد حكاية إنكار سيبويه لإسكان أبي عمرو في مثل : ( بارئكم ) و( يأمركم ) ـ : والإسكان أصحّ في النقل وأكثر في الأداء ، وهو الذي أختاره وأخذ به .
قال : وأئمّة القرّاء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيَس في العربيّة ، بل على الأثبت في الأثر والأصحّ في النقل ، والرواية إذا ثبتت عنهم لم يردّها قياس عربية ولا فُشُوّ لُغة ؛ لأنّ القراءة سُنّة متّبعة يلزم قبولها والمصير إليها (90) .
انظر إلى هذا التزمّت والاختيار التقليدي المحض ، وإن دلّ فإنّما يدلّ على مبلغ ضغط التحميل المذكور .
وسنبحث عن مناشئ هذا التحميل الّذي تحقّق على يد قارئ بغداد الرسمي ( ابن مجاهد ) على رأس القرن الرابع ، كما أنّ المذاهب الفقهية انحصرت ـ في نفس الوقت ـ في أربعة ، وأُغلق باب الاجتهاد وحرّية اختيار المذهب خارج الأربعة .
يقول ابن الجزري : وقولنا في الضابط ( ولو بوجه ) نريد وجهاً من وجوه النحْو ، سواء كان أفصح أو فصيحاً ، مُجمَعاً عليه أمْ مختلفاً فيه اختلافاً لا يضرّ مثله إذا كانت القراءة ممّا شاع وذاع ، وتلقّاه الأئمّة بالإسناد الصحيح ، إذ هو ( أي الإسناد الصحيح إلى القارئ ) الأصل الأعظم والركن الأقوم ، وهذا هو المختار عند المحقّقين في ركن موافقة العربية ، فكم من قراءة أنكرها بعض أهل النحْو أو كثير منهم ولم يعتبر إنكارهم ، بل أجمع الأئمّة المقتدى بهم من السلَف على قبولها ؟ (91) ... ثمّ يذكر أمثلة من قراءات أنكرها أئمّة النحْو ، لكنّها وقعت مورد القبول ؛ لأنّها مأثورة عن القرّاء بالإسناد الصحيح (92) .
وهكذا يقول القسطلاني : والمراد باستقامة وجهه في العربية ، سواء كان راجحاً أمْ مرجوحاً ، كقراءة حمزة : ( والأرحام ) بالجرّ ، وقراءة أبي جعفر : ( ليجزى قوماً ) بالبناء للمفعول ونصب ( قوماً ) ، والفصل بين المضافَين في قوله : ( وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ... الآية ) (93) .
انظر إلى هذا التهافت في الاختيار ، تراهم لا يتجاوزون حدود تقليد مفروض عليهم ، ويزعمونه تحقيقاً في البحث وحرّية في الاختيار .
إنّ أكثر القراءات الّتي جاءت في كلام ابن الجزري وغيره ، هي من الشواذّ المخالفة لقواعد اللغة رأساً ، ولا يُجيز الفقهاء قراءتها في صلاة ولا في غيرها ، وقد تقدّم إنكار أحمد بن حنبل كثيراً من قراءات حمزة ، وكذلك غيره ، ومع ذلك فإنّ بعضهم يقف من هذه القراءات موقف المتحمّس الحادّ من غير مبرّر معقول .
يقول ابن السبكي : القراءات السبع ـ الّتي اقتصر عليها الشاطبي ، والثلاثة الّتي هي قراءة أبي جعفر ، وقراءة يعقوب ، وقراءة خلَف ـ متواترة ، معلوم من الدين بالضرورة ، وأنّها منزّلة على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، لا يكابر في شيء من ذلك إلاّ جاهل ، وليس تواتر شيء منها مقصوراً على مَن قرأ بالروايات ، بل هو متواتر عند كلّ مسلم يشهد الشهادتين ، وحظّ كلّ مسلم وحقّه أن يدين الله تعالى ويجزم يقينه بأنّ ما ذكرنا متواتر معلوم باليقين ، لا تتطرّق الظنون ولا الارتياب إلى شيء منه .
ويتعقّبه القسطلاني : فقد عُلم أنّ السبع متواترة اتّفاقاً ، وكذا الثلاث ، وأنّ الأربع بعدها شاذّة اتّفاقاً (94) .
انظر إلى هذا التحمّس الأعمى الّذي يبدو عليه أثر التحميل بوضوح ، وإلاّ فما وجه الانحصار في هؤلاء السبعة ؟ وفي غيرهم مَن هو أفضل منهم وأتقَن وأَولى .
* * *
وفيما يلي عَرْض موجز عن قراءات شاذّة يمكن توجيهها وفْق وجه من وجوه العربية ، الأمر الّذي يكفيك دليلاً على سقوط هذا الاشتراط ، وعدم صلاحه لتمييز القراءة الصحيحة المقبولة ، عن الشاذّة المرفوضة :
* قرأ أبو حنيفة وعمَر بن عبد العزيز : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ) برفع اسم الجلالة ونصب العلماء (95) .
ويمكن توجيه هذه القراءة بتفسير ( الخشية ) ـ هنا ـ بمعنى الإجلال والتعظيم لا الخوف (96) .
* وقرأ الحسن : ( هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ) بفتح الواو المشدّدة والراء .
وتُوجّه بتقدير ( المصوّر ) مفعولاً به للباري ، مراداً به المخلوق (97) .
* وقرأ الأعمش والحسَن : ( وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ ) على بناء الفعل الأوّل للمفعول ، والثاني للفاعل ، وتأويل الضمير في ( وهو ) بإرجاعه إلى ( وليّاً ) (98) .
* وقرأ جابر بن زيد : ( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ ) بضم تاء ( عزمت ) على تأويل : فإذا أرشدتك إليه وجعلتك قاصداً له (99) ، ونُسبت هذه القراءة إلى الإمام جعفر بن محمّد الصادق ( عليه السلام ) أيضاً ، لكنّها لم تثبت عندنا .
* وقرأ الحسَن : ( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ ) بكسر ( إنّ ) على إجراء ( شهد ) مجرى ( قال ) (100) .
* وقرأ الحسَن وابن السميقع : ( وما تنزّلت به الشياطون ) (101) . قال الفرّاء : غلط الشيخ . وقال النحّاس : هذا غلط عند جميع النحويّين . وقال محمّد بن يزيد : هذا غلط عند العلماء ، وقد رأى الحسن في آخره ياء ونوناً فاشتبه عليه بالجمْع السالم فغلَط .
هذا ، ويمكن توجيه قراءته أيضاً ولو بعيداً ، قال المورج : إن كان الشيطان من شاط يشيط كان لقراءتهما : ( الحسن ، وابن السميقع ) وجه ، وقال يونس بن حبيب : سمعت أعرابيّاً يقول : دخلنا بساتين من ورائها بساتون (102) .
فإن كان التوجيه في العربية ـ ولو بوجه بعيد أو مرجوح ـ كافياً في تصحيح القراءة فهذه القراءة ـ الّتي هي أشذّ القراءات الشاذّة ـ أصبحت ذات وجه في العربية قياساً وسماعاً ! .
***
* ومن السبعة قرأ حمزة : ( وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ) بخفْض ( الأرحام ) عطفاً على الضمير في ( به ) (103) ، والعطف على الضمير وإن كان قبيح عند البصريّين ، لكنّه جاء في أشعار العرب ، وقد أجازه الكوفيّون على ضعف (104) .
* وقرأ ابن عامر : {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117] بنصب ( فيكون ) ، ووافقه الكسائي على النصب في سورة النحل : 40 ويس : 82 ، وهو مشكل ضعيف (105) ، لكنّه وُجِّه في العربيّة ، ومن ثمّ قرأ به الكسائي .
* وقرأ ابن عامر أيضاً : {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام: 137] ( زيّن ) مبنيّاً للمفعول ، و( قتل ) مرفوعاً ، و( أولادهم ) منصوباً ، و( شركائهم ) بالخفْض .
فقد فصل بين المضافَين ، وقدّم المفعول على الفاعل المضاف إليه ، وهذه القراءة فيها ضعف ، للتفريق بين المضاف والمضاف إليه ، وهذا إنّما يجوز في الشِعر ، وأكثر ما يجوز في الشِعر مع الظروف لاتّساعهم فيها ، وهو مع المفعول به في الشِعر بعيد ، فإجازتُه في القرآن أبعد (106) .
* وقرأ نافع : ( فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ) بكسر النون ، وغلّطه أبو حاتم (107) ؛ لأنّ نون الرفع لا تُكسر لئلاّ تصير تابعة ، وقد جاء ذلك في الشِعر (108) .
* وقرأ أبو جعفر ـ هو من العشرة ـ : { لِيَجْزِيَ قَوْماً }[ الجاثية : 14] بالياء المضمومة وفتح الزاي مبنيّاً للمفعول ، مع نصب ( قوماً ) ، وتأويل ذلك : أن يُجعل المصدر نائباً عن الفاعل ، أي يُجزى الجزاء ، وهو ضعيف ، لاسيّما مع ذكر المفعول به ، قاله القاضي (109) .
والقراءات من هذا النمط كثيرة ، والمحاولات في توجيههنّ أكثر ، ولقد كان الاهتمام بشأن القراءات وتوجيههنّ وفْق القواعد العربية صنعة أقوى من توجيه القراءة المشهورة .
قال الإمام بدر الدين الزركشي : وتوجيه القراءة الشاذّة أقوى في الصناعة من توجيه المشهورة ، ومن أحسن ما وضِع فيه كتاب ( المحتسب ) لأبي الفتح ، إلاّ أنّه لم يستوفِ ، وأوسع منه كتاب أبي البقاء العكبري ، وقد يستبشع ظاهر الشاذّ بادئ الرأي فيدفعه التأويل (110) . ثمّ جَعل يسرد أمثلة ممّا قدّمنا .
قلت : فما موقعيّة اشتراط ( موافقة العربية ) معياراً لتعيين القراءة الصحيحة عن الشاذّة ؟! وكلّ قراءة مهما شذّت فإنّ لها تأويلاً ممكناً يتوافق مع وجه من وجوه العربية ولو بعيداً ، كما تقدّم .
وقد وضع كثير من القدامى والمتأخّرين رسائل لمعالجة القراءات الشاذّة وتوجيهها من لغة العرب ، الأمر الّذي يجعل من اشتراط العربية لغْواً محضاً .
* * *
ولعلّ معترضاً يقول : هَب أنّ كلّ واحد من الأركان الثلاثة لا يفي بتعيين القراءة الصحيحة ، لكنّها جميعاً صالحة للإيفاء بذلك ، حيث لا يمكن اجتماعها إلاّ في قراءة صحيحة .
قلنا : أمّا اشتراط السنَد فاقرأه عنّي السلام ، إذ لا نملك لآحاد القراءات إسناداً متّصلاً إلى النبي ( صلّى الله عليه وآله ) واحدة واحدة ، فكيف بصحّته أو تواتره ؟ إذ غاية ما هناك أنّ لكلّ قارئ شيخاً ، ولشيخه أيضاً شيخ ، وهكذا ، أمّا أنّ آحاد قراءاته جميعاً مأخوذة من شيخه ذاك فهذا أمر لا يمكن إثباته ، حيث كانت اجتهادات القرّاء أنفسهم هي من أكبر العوامل لاختياراتهم في القراءات ، فهذا الكسائي مثلاً لم يكن يحسب لمشيخته فيما كان يختاره من وجه حساباً ، وكذا غيره من القرّاء ، ولاسيّما النحويّين منهم ، كما سيأتي (111) .
هذا فضلاً عن الشكّ في أصل تلكم الأسانيد ، ولعلّها مصطنعة تشريفيّاً حسبما تقدّم .
وبقي الشرطان الآخران ـ موافقة الرسم والعربية ـ ، غير أنّ قيد : ( ولو احتمالاً ) و( ولو بوجه ) أبطلَ أثرهما ، بعد إمكان التوفيق بين القراءات الشاذّة ومرسوم الخطّ والعربية ولو بعيداً .
فالصحيح : أنّ هذه الشروط الثلاثة لا تفي علاجاً بالموضوع ، وإنّما ذكَرها مَن ذكَرها ظاهريّاً ، وتبِعهُ غيره تقليديّاً من غير تحقيق .
اختيارنا في ضابط القبول :
ونحن إذ كنّا نعتبر القرآن ذا حقيقة ثابتة ومستقلاًّ بذاته متغايراً عن القراءات جملةً ، فإنّ مسألة ( اختيار القراءة الصحيحة ) عندنا مُنحلّة ، وهي الّتي تتوافق مع النصّ المتواتر بين المسلمين ، منذ الصدر الأوّل فإلى الآن ، ولم يكن اختلاف القراءات سوى الاختلاف في كيفية التعبير عن هذا النصّ حسب اجتهادات القرّاء ، ولا عِبرة بهم إطلاقاً ، وإنّما الاعتبار بالنصّ الأصل المحفوظ كاملاً على يد الأمّة عِبر الأجيال .
وقد تقدّم كلام الإمام بدر الدين الزركشي : القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان ... إلخ (112) .
وكلام سيّدنا الأستاذ الإمام الخوئي ( دام ظلّه ) : تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات ؛ لأنّ الاختلاف في كيفية ( أداء ) الكلمة لا ينافي الاتّفاق على أصلها ... إلخ (113) .
وهكذا تعاهد المسلمون نصّ القرآن أُمّة عن أُمّة ، نقلاً متواتراً في جميع خصوصيّاته الموجودة ، نَظماً وترتيباً ، ورسماً وقراءة ، بكلّ أمانة وإخلاص عِبر العصور ، معجزة قرآنيّة خالدة : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9] أي على يد هذه الأمّة مع الأبديّة .
وعليه : فالقراءة الصحيحة هي الّتي تتوافق مع هذا النصّ المتّفق عليه لدى عامّة المسلمين ، وغيرها شاذّة غير جائزة إطلاقاً ، ولاسيّما إذا كانت تخالفه جوهريّاً ، فباطلة بالإجماع ._________________________
(1) البرهان للزركشي : ج1 ، ص321 .
(2) المرشد الوجيز : ص171 ـ 172 .
(3) نفس المصدر : ص171 .
(4) نفس المصدر : ص178 .
(5) النشر في القراءات العشر : ج1 ، ص9 .(6) لطائف الإشارة لفنون القراءة للقسطلاني : ج1 ، ص69 .
(7) البرهان في علوم القرآن للزركشي : ج1 ، ص318 ، وراجع صفحة : 274 من هذا الكتاب .
(8) المهذّب في القراءات العشر : ج1 ، ص27 .
(9) اللطائف : ج1 ، ص70 .
(10) جاءت في سبع موارد من القرآن ، وقد فصّلها في الجزء الثاني من النشر : ص12 ـ 13 ، وتقدَّم في فصل ( قراءات شاذّة من السبعة ) ص266 .
(11) جاءت في ستة موارد من القرآن .
(12) آية : 8 ، قرأ ابن عامر بنون واحدة وتشديد الجيم مبنيّاً للمفعول ونصب المؤمنين . ( الكشف : ج 2 ، ص113 ) .
(13) تقدّم في ص 266 .
(14) أيضاً تقدّم في ص 267 .
(15) البقرة : 271 ، النساء : 58 ، قرأ أبو جعفر بإسكان العين ، ووافقه اليزيدي والحسن . ( إتحاف فضلاء البشر : ص165 ) ، وبما أنَّ الميم مشدَّدة عند الكلّ فيجتمع ساكنان على غير حده .
(16) يونس : 35 ، قرأ أبو جعفر ـ أيضاً ـ بإسكان الهاء مع تشديد الدال ، وبذلك يجتمع ساكنان على غير حده . ( الإتحاف : ص249 ) .
(17) إبراهيم : 37 ، تقدّم في ص268 .
(18) قرأ أبو جعفر بضمّ التاء وصلاً ( الإتحاف : ص134 ) .
(19) جاءت في ثمانية موارد من القرآن ، وقد تقدّم في ص 268 .
(20) النساء : 1 ، وقد تقدّم في ص 268 .
(21) الجاثية : 14 ، وقد قرأ أبو جعفر مبنياً للمفعول ونصب ( قوماً ) . ( الإتحاف : ص390 ) .
(22) الأنعام : 137 ، وقد تقدّم ذلك في ص 268 .
(23) النمل : 44 ، تقدّم ص 268 .
(24) الصافّات : 123 ، وقد قرأ ا بن عامر بوصل همزة ( إلياس ) في حين أنَّ الكلمة أعجمية وهمزتها قطع . ( الإتحاف : ص370 ) .
(25) طه : 63 . ( راجع تفسير الفخر : ج22 ، ص74 ) .
(26) يونس : 89 ، قرأ ابن ذكوان بتخفيف النون على النفي . ( القرطبي : ج8 ، 376) ، وهذه محاولة لتوجيه القراءة ، وإلاّ فظاهر السياق كون (لا) ناهية ، وعليه فإن كانت النون نون رفع فيجب إسقاطها للجزم ، وأمّا نون التأكيد الخفيفة فلا تَلحق الفعل المثنّى وجماعة النساء .
(27) الشعراء : 176 ، ص : 13 ، تقدّم ذلك في ص 268 .
(28) راجع النشر في القراءات العشر : ج1 ، ص10 .
(29) وابن عامر شامي أيضاً ، راجع ص 222 من هذا الجزء .
(30) وابن كثير مكّي أيضاً ، راجع ص223 .
(31) في مصحف المدينة والشام ، راجع ص 224 .
(32) في مصحف المدينة والشام ، راجع ص222 .
(33) في مصحف المدينة والشام ، راجع ص 223 .
(34) فقد رُسمت بلا ألف ، وقُرئت بألف .
(35) فقد رُسمت بلام واحدة ، وتقرأ بلامَين .
(36) رُسمت بواو ، وتقرأ بألف .
(37) رُسمت بواو وألف ، ولا تقرأ الواو .
(38) رُسمت بنون واحدة ، وتقرأ بنونين ( لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) يونس : 14 .
(39) رُسمت بألف بعد الجيم ، والصحيح : ( وَجِيءَ ) ماضٍ مبني للمفعول .
(40) الزمر : 69 ، الفجر : 23 .
(41) قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالمدّ والهمز بعد الألف : ( النشآءة ) ـ كالكآبة ـ ، وقرأ الباقون بغير مدّ ولا ألف ( النشأ ) ـ كالرأفة ـ . ( الكشف : ج2 ، ص178 ) .
(42) الكهف : 58 ، أي كما كُتبت الهمزة في صورة ياء .
(43) آل عمران : 52 ، الصف : 14 . ( راجع النشر : ج2 ، ص240 ) .
(44) آل عمران : 39 ، قرأ حمزة والكسائي وخلف ( فناديه الملائكة ) بألف ممالة بعد الدال ، وتكتب بصورة ياء ، وقرأ الباقون ( فنادته الملائكة ) بتاء التأنيث ، والخط يحتمل كلتا القراءتين . ( النشر : ج2 ، ص239 ) .
(45) آل عمران : 31 ، يقرأ بالنون وبالياء .
(46) البقرة : 96 ، يقرأ بالياء وبالتاء .
(47) يوسف : 23 ، قرأ نافع وابن عامر ( هيت ) بكسر الهاء وفتح التاء وياء ساكنة في الوسط ، وقرأ هشام بهمزة ساكنة في الوسط ، وقرأ الباقون بفتح الهاء والتاء من غير همز ، وابن كثير بضمِّ التاء ، كلّ ذلك يحتمله الخطّ العاري عن النقَط والتشكيل . ( الكشف : ج2 ، ص8 ) .
(48) النشر في القراءات العشر : ج1 ، ص11 ـ 12 .
(49) النشر : ج1 ، ص13 .
(50) لطائف الإشارات لفنون القراءات : ج1 ، ص68 .
(51) الكشف : ج1 ، ص505 .
(52) التوبة : 100 ، راجع ص223 من الكتاب .
(53) راجع ص 222 .
(54) الأنعام : 32 ، راجع الكشف : ج1 ، ص429 .
(55) التصحيف : ص 13 . ( راجع ابن خلّكان ـ في ترجمة الحجّاج ـ : ج2 ، ص32 ) .
(56) معرفة القرّاء الكبار الذهبي : ج1 ، ص58 .
(57) وفاء الوفاء للسمهودي : ج2 ، ص667 ـ 668 .
(58) البرهان في علوم القرآن : ج1 ، ص222 .
(59) وفاء الوفاء : ج2 ، ص669 .
(60) راجع ص213 .
(61) إعجاز القرآن للرافعي . قانون التفسير ص 170 ، والآية هكذا : ( خَلَصُواْ نَجِيّاً ) يوسف : 80 .
(62) إتحاف فضلاء البشر : ص 231 . تأويل مشكل القرآن : ص61 ، والآية 150 من سورة الأعراف .
(63) تفسير القرطبي : ج14 ، ص344 ، والآية 28 من سورة فاطر .
(64) القراءات الشاذّة لعبد الفتاح : ص23 ، وجاءت في عشرة موارد من القرآن هكذا ( لاَ رَيْبَ فِيهِ ) .
(65) المصدر السابق : ص24 ، والكلمة جاءت في ثلاثة وعشرين مورداً من القرآن .
(66) المصدر السابق : ص 25 ، والآية 20 من سورة البقرة .
(67) المصدر السابق : ص 26 ، والآية 31 من سورة البقرة .
(68) المصدر السابق : وفي الآية هكذا : ( يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ) البقرة : 75 .
(69) تفسير القرطبي : ج8 ، ص379 ، وجاءت في القرآن ( نُنَجِّيكَ ) يونس : 92 .
(70) القراءات الشاذّة : ص 29 ، وجاءت في القرآن ( نُنسِهَا ) البقرة : 106 .
(71) المصدر السابق : ص 31 ، وجاء في أربع موارد من القرآن .
(72) تفسير القرطبي : ج4 ، ص252 ، وجاء في القرآن ( فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ) البقرة : 54 .
(73) المصدر السابق : والآية 159 من سورة آل عمران .
(74) إتحاف فضلاء البشر : ص360 ، والقراءة المأثورة : ( فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ ) سبأ : 23 .
(75) هو صاحب قراءة ابن كثير من السبعة ، توفّي 250 هـ ، كان يشدِّد التاء التي تكون في أوائل الأفعال المستقبلة حالة الوصل ، نحو : ( وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ ) البقرة : 267 ، وهي لغة غريبة عن متعارف العرب إطلاقاً . ( انظر التيسير : ص 83 ، والنشر : ج2 ، ص232 ، والكشف : ج1 ، ص 314 ) .
(76) هو أحد السبعة ، توفّي 154 هـ ، كان يُدغم المِثلين إذا كان من كلمتين ، سواء سكن ما قبله أو تحرّك ، نحو : ( شَهْرُ رَمَضَانَ ) البقرة : 185 ، وهو من الجمع بين ساكنين على غير حده . ( انظر التيسير : ص20 ) .
(77) في قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَطَاعُوا ) الكهف : 97 ، قرأها ( فَمَا اسْطَاعُوا ) بإدغام التاء في الطاء مع سكون السين . ( انظر التيسير : ص 146 ، والنشر : ج2 ، ص316 ) .
(78) كان ينبر بالحرف ، أي يهمزه ، وقريش لم تكن تهمز في كلامها ، فلا تقول في ( النبي ) : ( النبئّ ) . ( انظر النهاية : ج5 ، ص7 ) وقد تقدَّم ذلك .
(79) هو صاحب قراءة نافع من السبعة ، توفّي 197 هـ ، كان هو وحمزة أطول القرّاء مَدّاً ( راجع التيسير : ص30 ، والإتحاف : ص37 ) .(80) يريد غالبيَّة القرّاء المعروفين ، وهم من أبناء العجم ، قال الداني : وليس في القرّاء السبعة من العرب غير ابن عامر وأبي عمرو ، والباقون هُم مَوال . ( التيسير : ص6 ) .
(81) كان يستعمل في الحرف ما يدَعه في نظيره ، ثمّ يؤصّل أصلاً ويخالف إلى غيره لغير ما علّة قرأ ( وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ ) فاطر : 43 ، أسكنَ الهمز والياء في ( السيئ ) الأوّل ، وأعرب الثاني . ( تأويل المشكل : ص 63 ) ، وأصل إسكان جميع الياءات التي اختلف فيها القرّاء إلاّ ياء ( محياي ) ، فإنّه فتحها وكسرَ ياء ( بمصرخي ) وليست بياء إضافة . ( الكشف : ج1 ، ص328 ) .
وطعنَ كثير من النُحاة في هذه القراءة ، قال الفرّاء : لعلّها من وَهم القرّاء ، فإنّه قلّ مَن سلمَ منهم من الوهْم ، ولعلّه ظنَّ أنَّ الباء في ( بمصرخي ) خافضة للّفظ كلِّه ، والياء للمتكلم خارجة من ذلك . وقال الأخفش : ما سمعت هذا من أحد من العرب ولا من النحويّين . ( راجع البحر المحيط : ج5 ، ص419 ) .
(82) لكن ظاهر الأئمّة قبول قراءاته إطلاقاً ، فهذا مكّي أشبع كتابه بقراءات حمزة محتجّاً بها ، وكذا غيره من أئمة القراءات الذين دوّنوا قراءات السبعة أو العشرة وغيرهم ، قال الذهبي : قد انعقد الإجماع بآخره على تلقّي قراءة حمزة بالقبول والإنكار على مَن تكلّم فيها . ( ميزان الاعتدال : ج1 ، ص605 ) .
(83) راجع القراءات الشاذّة لابن خالويه : ص 46 ، والبحر المحيط : ج 5 ص 133 .
(84) والقراءة المعروفة هكذا ( مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ ) يونس : 16 .
(85) راجع القراءات الشاذّة : ص 108 . والكشّاف : ج 3 ص 129 . والبحر المحيط : ج 7 ص 46 . وتفسير القرطبي : ج 13 ص 142 ، وجاءت الآية في القرآن هكذا : ( وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ) الشعراء : 210 .
(86) راجع البحر المحيط : ج 4 ص 296 .
(87) راجع البحر : ج 5 ص 419 . والإتحاف : ص 272 . والكشّاف : ج 2 ص 300 .
(88) تأويل مشكل القرآن : ص 58 ـ 64 .
(89) راجع لطائف الإشارات : ج 1 ص 67 .
(90) نقلاً عن كتابه ( جامع البيان ) ، النشر : ج 1 ص 10 .
(91) النشر : ج 1 ص 10 .
(92) راجع ص 338 ـ 340 من هذا الجزء .
(93) لطائف الإشارات : ج 1 ص 67 ، وراجع ص 339 و 340 من كتابنا هذا .(94) المصدر السابق : ص 76 ، ويشبه ذلك أيضاً اعتذار ابن مطرف في كتاب ( القرطَين ) : ج 2 ص 15 ـ الّذي اختصره عن تأويل مشكل القرآن ـ حيث يطوي الكلام على حمزة قائلاً : وباقي الباب لم أكتبه لِمَا فيه من الطعن على حمزة ، وكان أورع أهل زمانه .
ويعلّق السيد أحمد صفر على هذا الاعتذار الخاطئ فيقول : هكذا قال ابن مطرف ، وهو قول يدلّ على عصبية مضلّة ، وغفلة عن قيمة الحقائق العلمية ، وأيّ فائدة أعظم من أن يبيّن ابن قتيبة في باقي الباب أوهام القرّاء التي وهموا فيها وسجّلها عليهم العلماء الأثبات وبيّنوا خطأهم فيها ؟ وهل طعنُ ابن قتيبة في حمزة بغير الحقّ ؟ ( هامش تأويل مشكل القرآن : ص 59 ) .
(95) القرطبي : ج 14 ص 344 ، والآية 28 من سورة فاطر .
(96) راجع البرهان : ج 1 ص 341 .
(97) القراءات الشاذّة لعبد الفتاح : ص 89 ، والآية 24 من سورة الحشر .
(98) البرهان : ج 1 ص 341 ، والآية 14 من سورة الأنعام .
(99) المصدر السابق . وراجع القرطبي : ج 4 ص 252 . ومجمع البيان : ج 2 ص 526 . والآية 159 من سورة آل عمران .
(100) إتحاف فضلاء البشر : ص 172 . والآية 18 من سورة آل عمران .
(101) والقراءة المأثورة : ( وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ) الشعراء : 210 .
(102) راجع القرطبي : ج 13 ص 142 .
(103) الكشف : ج1 ، ص 375 ، والآية 1 من سورة النساء .
(104) إملاء أبي البقاء : ج1 ، ص 165 .
(105) الكشف : ج1 ، ص 261 .
(106) الكشف : ج1 ، ص 454 .
(107) البحر المحيط : ج 5 ، ص 458 . والآية 54 من سورة الحجر .
(108) إملاء أبي البقاء : ج2 ، ص 76 .
(109) الإتحاف : ص 390 .
(110) البرهان : ج 1 ص 341 .
(111) وراجع معرفة القرّاء : ج1 ، ص 100 .
(112) في صفحة 251 ، وراجع البرهان : ج1 ، ص 318 .
(113) في صفحة 274 ، وراجع البيان : ص 173 .