أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-27
271
التاريخ: 10-10-2014
1526
التاريخ: 2024-08-29
285
التاريخ: 4-1-2016
4439
|
كان العرض المتقدِّم نموذجاً كافياً عن اعتناء المسلمين في عامّة أدوارهم بالقراءات المعروفة عن الأئمّة الكبار وحفظها وتدوينها والقراءة بها أجمَع ، غير أنّ أهل كلّ بلد كانت عنايتهم بمَن حلّ في بلدهم من الأئمّة أكثر من غيرهم ، ولم يكن من أحد من العامَّة والخاصَّة نكير على هذه السيرة المستمرَّة ، كما تقدّم في كلام ابن الجزري أخيراً .
وهكذا كانت اختيارات القرّاء واجتهاداتهم في الأخْذ والتمحيص موضع عناية كافّة المسلمين ، يتلقّونها ويقرأون بها ، نعم ، في إطار من محدوديّة شروط خاصّة تقدَّمت أيضاً .
لقد جرت هذه السيرة المستمرَّة في كِلا جانبَي القراءة والإقراء ، حتّى مطالع القرن الرابع ، حيث نبغ نابغة بغداد ـ في اجتلاب قلوب العامّة والنفوذ في عقول الأمراء ـ أبو بكر ( ابن مجاهد ) ، كان قد تصدَّر كرسيّ شيخ القرّاء رسميّاً من قِبل الدولة ، واجتمعت عليه عامّة الناس في غوغاء وضوضاء ، وكان له منافسون أفضل نَبلاً وقدَماً في القرآن ، وكانوا يستصغرونه لضآلة عِلمه وقلّة روايته عن الشيوخ وعدم رِحلته في طلب العِلم ، وضعف مقدرته في فنون القراءة وأنواعها المأثورة عن الأئمّة الكبار .
يقول المعافي أبو الفرج : دخلتُ يوماً على ابن شنبوذ (1) ، وهو جالس وبين يديه خزانة الكتُب ، فقال لي : يا معافي ، افتح الخزانة ، ففتحتها وفيها رفوف عليها كتُب ، وكلُّ رفٍّ في فنٍّ من العلم ، فما كنت آخذ مجلَّداً وأفتحه إلاّ وابن شنبوذ يهذُّه كما يقرأ الفاتحة (2) ، ثمَّ قال : يا معافي ، والله ما أغلقتها حتّى دَخلت معي إلى الحمّام هذا ، والسوق للعطشي (3) .
قال ابن الجزري : وكان قد وقع بين ابن شنبوذ وابن مجاهد تنافس على عادة الأقران ، حتّى كان ابن شنبوذ لا يُقرئ مَن يقرأ على ابن مجاهد ، وكان يقول : هذا العطشي ـ يعني ابن مجاهد ـ لم تُغبَّر قدَماه في هذا العِلم .
قال العلاّف : سألت أبا طاهر : أيُّ الرجُلين أفضل ، أبو بكر بن مجاهد ، أو أبو الحسن بن شنبوذ ؟ قال : فقال لي أبو طاهر : أبو بكر بن مجاهد عقله فوق عِلمه ، وأبو الحسن ابن شنبوذ عِلمه فوق عقله (4) .
* * *
كان ابن مجاهد حريصاً على التزمّت ، والأخْذ بتقليد السلَف فيما قرأوا ، قال عبد الواحد بن أبي هاشم : سأل رجُل ابن مجاهد : لِمَ لا يختار الشيخ لنفسه حرفاً يحمل عليه ؟ فقال : نحن أحوج إلى أن نُعمل أنفسنا في حفْظ ما مضى عليه أئمّتنا ، أحوج منّا إلى اختيار حرف يقرأ به من بعدنا (5) .
وهو الّذي أشار على الوزير ابن مُقلة بإحضار ابن شنبوذ وابن مقسم (6) في مجلسين ، ومحاكمة كلِّ واحد منهما بمَلأ من الفقهاء ، للضرب على يد الاختيار رأساً .
قال الدكتور صبحي الصالح : وقد انعقد المجلسان بأمر شيخ القرّاء ابن مجاهد ، الّذي عرفنا أنّه أوّل مَن جمع القراءات السبع ، وكان ابن مجاهد قد أخَذ القراءة عن ابن شاذان الرّازي ، الّذي أخذ عنه أيضاً كلّ من ابن مقسم وابن شنبوذ ، ولكن اشتراك الثلاثة في التلقّي عن شيخ واحد لم يمنع ابن مجاهد من التشدّد مع زميلَيه (7) .
وكان اعتراض ابن شنبوذ لموقف ابن مجاهد هذا شديداً حسبما ذكَرنا بعض كلامه ، وهكذا اعترض ابن مقسم على سدِّ باب الاختيار في القراءة ، قال : لمّا كان لخلَف بن هشام ، وأبي عبيد ، وابن سعدان أن يختاروا ، وكان ذلك مباحاً لهم غير منكَر ، كان لِمَن بعدهم أيضاً مباحاً (8) .
وهكذا جاهدَ ابن مجاهد قصارى جهده في سدِّ باب الاختيار في القراءة ، وقد توفّق لذلك نسبيّاً ، حيث وافقَته الظروف القاسية الّتي كانت تمرّ برَكْب الإسلام ذلك القرن المضطرب بالشغَب والدسائس وتفشّي الفساد في أرجاء البلاد .
* * *
أمّا قضية حصْر القراءات في السبع المشهورة ، فهو أيضاً من صُنع ابن مجاهد ، ويعود أكثر لَومه عليه .
قال الدكتور صبحي الصالح : ويقع أكبر قِسط من اللوم في هذا الإيهام ـ إيهام انحصار القراءات في السبع ـ على عاتق الإمام الكبير أبي بكر أحمد بن موسى بن العبّاس المشهور بـ( ابن مجاهد ) ، الّذي قام على رأس الثلاثمئة للهجرة في بغداد بجمْع سبع قراءات لسبعةٍ من أئمّة الحرَمين والعراقَين والشام ، واشتهروا بالثقة والأمانة والضبط وملازمة القراءة ، وجاء جمْعه لها محْض مصادفة واتّفاق ، إذ كان في أئمّة القرّاء مَن هُم أجلّ منهم قدراً ، وكان عددهم لا يُستهان به (1) .
هذا ، وعبارة ( القراءات السبع ) لم تكن معروفة في الأمصار الإسلامية حين بدأ العلماء يؤلّفون في القراءات : كأبي عبيد القاسم بن سلام ، وأبي جعفر الطبري ، وأبي حاتم السجستاني ، وغيرهم ، فقد ذكروا في مؤلّفاتهم أضعاف تلك القراءات ، وإنّما بدأت هذه العبارة تشتهر على رأس المئة الرابعة من لدُن ( ابن مجاهد ) ، ولم يكن متّسِع الرواية والرِحلة (2) ، وتوهّم الكثير ـ من عوام الناس وغوغائهم ـ أنّها هي المرادة من الأحرُف السبعة الّتي جاءت في الحديث النبوي .
ومن ثَمّ هبَّ الأئمَّة النقّاد في توجيه مَلامتهم الحادَّة إلى موقف ابن مجاهد هذا الموهِم ، الأمر الّذي حطَّ من كرامة أئمَّة آخرين هم أكبر شأناً وأعظم قدراً من هؤلاء السبعة .
_________________________
(1) محمّد بن أحمد بن أيّوب بن شنبوذ . ( راجع غاية النهاية : ج2 ، ص52 ) .
(2) يقال : هذّ الحديث يهذّه ـ بتشديد الذال ـ أي : قرأه سريعاً .
(3) السوق كناية عن رواج الأمر ، والعطشي : لقب ابن مجاهد ؛ لأنّه وُلد بحارة سوق العطش في بغداد ، فنُسب إليها .
(4) غاية النهاية في طبقات القرّاء : ج2 ، ص54 ـ 56 .
(5) معرفة القرّاء الكبار للذهبي : ج1 ، ص217 .
(6) محمّد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن بن مقسم . ( راجع غاية النهاية : ج2 ، ص123 ) .
(7) مباحث في علوم القرآن : ص251 ـ 252 . وراجع معرفة القرّاء الكبار : ج1 ، ص221 و247 .
(8) معرفة القرّاء : ج1 ، ص249 .
(9) مباحث في علوم القرآن : ص247 ـ 248 .
(10) راجع البرهان للزركشي : ج1 ، ص327 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|