أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-02
824
التاريخ: 2-2-2017
1130
التاريخ: 2023-04-04
1162
التاريخ: 14-12-2015
1607
|
لو كانت أعيننا تستطيع رصد ما يُوجَد في السماء عند أطوال موجية تقع في النطاق الراديوي أو نطاق الأشعة السينية، لكُنَّا سنرى أنَّ بالونات ضخمة أو فصوصًا من البلازما تمتد عبر بعض المجرات. وتحتوي هذه البلازما على جزيئات مشحونة تتحرك بسرعات قريبة من سرعة الضوء، وتُصدر إشعاعًا قويًّا له أطوال موجية متنوعة عبر نطاق واسع. وتنشأ فصوص البلازما التي تظهر في بعض هذه المجرات (التي تُعد أمثلة لما يُعرَف باسم «المجرات النشطة») بفعل نفثات تتحرك بسرعات عالية إلى حد يجعلها قريبة من سرعة الضوء، وتتدفق خارجًا من الوسط المحيط بالثقب الأسود مباشرة، خارج منطقة أفق الحدث الموجودة حوله. وقد أوضح روجر بنروز بأسلوب عام كيف يمكن، من حيث المبدأ، استخراج طاقة دوران ثقب أسود من منطقة الإرجوسفير المحيطة به. وقد بين روجر بلاند فورد ورومان زنايك كيف يمكن تحويل الطاقة المخزنة في ثقب أسود دوار إلى مجالات كهربائية ومغناطيسية في الواقع؛ وبذلك تُتيح القدرة على إنتاج هذه النفثات النسبوية من البلازما، أي التي تقترب سُرعتها من سرعة الضوء. وكذلك تُوجد تفسيرات أخرى للآلية التي تُطلق النفثات بها من الثقوب السوداء القريبة. غير أنَّ معرفة التفسير الصحيح من بين هذه التفسيرات ما زالت قيد الدراسة في أبحاث حالية دءوبة ومثيرة.
وأيا كانت الآلية أو الآليات التي يُكشف عنها، فإن هذه النفثات عبارة عن تدفقات من أشعة متوازية شديدة مقذوفة من المنطقة المحيطة بالثقب الأسود، ولكن خارج أُفق الحدث بالطبع. وفي الحقيقة، فالمناطق الواقعة بين المجرَّات ليست فضاءً فارغا. بل تمتلئ بغاز مُتناثر ومُخفَّف جدًّا يُسمَّى الوسط الكائن بين المجرات. عندما تصطدم النفثات بالوسط الكائن بين المجرات، تتشكل موجات صدمية تتسارع داخلها الجسيمات تسارعا مذهلًا، وتتصاعد البلازما النشطة المفعمة بالطاقة، التي نشأت في نفثة بالقرب من الثقب الأسود، إلى الأعلى وتتدفّق خارج المنطقة المحيطة بموضع حدوث الصدمة مباشرة. ومع تمدد البلازما، فإنها تنقُل كميات هائلة من الطاقة إلى الوسط الكائن بين المجرات. تُوجد أمثلة عديدة على بعض من نفثات البلازما هذه تمتد عبر مسافات تُساوي ملايين السنين الضوئية. وبذلك فإنَّ الثقوب السوداء لها تأثير كوني هائل يتجاوز مناطق أُفق الحدث المحيطة بها بسنين ضوئية عديدة. وسأصف في هذا الفصل تأثير الثقوب السوداء في الوسط المحيط بها وتفاعلاتها معه.
يُوجد عند مركز معظم المجرات (على الأرجح) ثقب أسود تتراكم عليه المادة؛ ما يؤدي إلى انبعاث إشعاع كهرومغناطيسي. تُعرف هذه المجرات بالمجرات النشطة. وفي بعضها، تكون عملية التراكُم فعّالة للغاية ويكون انبعاث الإشعاع الناتج شديد الإضاءة. وتسمى هذه المجرات أشباه النجوم (وهو مصطلح مشتق من تعريفها الأصلي الذي تُعرَف فيه بأنها مصادر إشعاع راديوي شبه نجمية، وهي نقاط بعيدة جدًّا ينبعث منها إشعاع راديوي شديد الإضاءة). نفهم الآن أنَّ أشباه النجوم تشهد أقوى إطلاق للطاقة المستدامة بين كل إطلاقات الطاقة المعروفة في الكون. فأشباه النجوم تُشع طاقة . عبر الطيف الكهرومغناطيسي كله، من الموجات الراديوية ذات الطول الموجي الطويل، مرورًا بالأطوال الموجية للضوء البصري (المرئي)، وصولا إلى الأشعة السينية وما بعدها. ويمكن أن تكون الفصوص الباعثة للإشعاع الراديوي، المذكورة أعلاه، مُثيرةً ولافتة جدًّا لأنها تمتدُّ عبر مسافات تزيد على مئات الآلاف من السنين الضوئية (انظر شكل 8-1). وتنشأ الطاقة التي تُشَع عند الأطوال الموجية الراديوية من تلك الفصوص الكبيرة؛ وهي خزانات من البلازما الممغنطة الفائقة السخونة التي تستمد طاقتها من نفثات تنقل الطاقة عبر مسافات هائلة في الفضاء. وتتعرض الإلكترونات العالية الطاقة (والمقصود هنا بالعالية الطاقة أنها تتحرك بسرعة قريبة جدًّا من سرعة الضوء) لقوى تؤثر عبر اتجاه حركتها من المجالات المغناطيسية المحيطة التي تنتشر خلال فصوص البلازما التي تتحرك داخلها تلك الإلكترونات.
وهذا التسريع يجعلها تُصدر إشعاعًا من الفوتونات يُعرف باسم الإشعاع السنكروتروني (وهو قد يكون راديويًا، أو قد يكون مُنتميًا، في حالات نادرة تتّسم بطاقة عالية إلى نطاق ذي أطوال موجية أقصر بكثير ، وصولا إلى الأشعة السينية).
شكل 8-1: هذه صورة مبثوثة بالموجات الراديوية لأحد أشباه النجوم العملاقة الذي يمتد عبر نطاق مقداره مليون سنة ضوئية.
ولإعطاء فكرة عن حجم الطاقة التي تُنتجها أشباه النجوم، تأملوا القيم التالية. تُنتج مصابيح الصمام الثنائي الباعث للضوء (إل إي دي) التي أعمل على ضوئها طاقة مقدارها 10 وات. وتُضاء تلك المصابيح بكهرباء مُستمَدَّة من محطة توليد الكهرباء المحلية التي تُوجد في منطقتي وتُنتج بضعة مليارات وات (يُساوي المليار وات 109 وات أو جيجاوات). وتُنتج الشمس نحو 1026 × 4 وات ، أي أكثر مما تُنتجه محطة الكهرباء هذه بمائة مليون مليار مرة. أما مجرتنا درب التبانة، فتحوي أكثر من 100 مليار نجم، ويقترب مقدار الطاقة التي تُنتجها من 1037 وات. لكن الطاقة التي يُنتجها أحد أشباه النجوم يمكن أن تتجاوز حتى الطاقة التي تُنتجها المجرة بأكثر من 100 مرة. تذكروا أنَّ ما يُطلق هذه الطاقة ليس مجرة مكونة من 100 مليار نجم بل العمليات الجارية حول ثقب أسود واحد. ويمكن أن يُلحق إشعاعٌ كهذا أضرارًا جسيمة بصحة الكائنات الحية هنا على كوكب الأرض؛ لذا من حسن حظنا عدم وجود أشباه نجوم قوية كهذه بالقُرب من مجرتنا!
يُعتقد أنَّ النفثات الموجودة في أشباه النجوم تستمرُّ مليار سنة أو أقل، وتستند هذه الفكرة إلى بعض تقديرات سُرعة نمو نفثات هذه الأجسام، وإلى قياسات الحجم التي نمت حتى وصلت إليه. وبذلك فإنَّ علاقةً بسيطة بين المسافة والزمن والسرعة تُقدِّم خيطا إرشاديًا إلى معرفة المدد المحتملة لاستمرارية نشاط النفثات في أشباه النجوم المرصودة عبر الكون.
ومع تمدد هذه الفصوص الباعثة للإشعاع الراديوي، تضعف مجالاتها المغناطيسية كما تضعُف الطاقات الداخلية للإلكترونات المفردة في تلك الفصوص. ويعمل هذان التأثيران على تقليل شدَّة الإشعاع مع مرور الزمن وزيادة مسافة البعد عن الثقب الأسود؛ ويعتمد مقدار الانخفاض الكبير في هذه الشدة على عدد الإلكترونات ذات الطاقة العالية الموجودة مقارنةً بعدد الإلكترونات الموجودة ذات الطاقة الأقل. ومن خواص الإشعاع السنكروتروني أنه كلما كانت شدة المجال المغناطيسي أضعف، وجَبَ أن تكون الإلكترونات أعلى طاقة لتنتج الإشعاع عند الطول الموجي الذي يُضبط التلسكوب الراديوي لاستقبال الإشعاع عنده. وهذا يُضاعف مقدار تضاؤل شدة الإشعاع السنكروتروني مع تمدد فصوص البلازما إلى الفضاء الخارجي. ولا يقتصر تأثير تمدد البلازما على أنَّ الإلكترونات تفقد الطاقة، ولكن نظرًا لأنَّ قوة المجال المغناطيسي تضعف، فإنَّ الإلكترونات ذات الطاقة المتزايدة فقط هي التي تكون مرتبطة بما يرصده التلسكوب، وفي كثير جدا من الأحيان، يكون عدد ما يُوجد من تلك الإلكترونات أقل بكثير من عدد الإلكترونات ذات الطاقة المنخفضة على أي حال. ويمكن أن ينطفئ ضوء الفصوص الباعثة للإشعاع الراديوي في أشباه النجوم بسرعة كبيرة.
ولا يعني هذا أنَّ العرض قد انتهى، لكنَّ المشهد انتقل إلى نطاق مختلف من الأطوال الموجية وهكذا يحدث شيء لافت بعض الشيء؛ إذ تُضيء الفصوص بالأشعة السينية. ويحدث هذا من خلال عملية تشتت تُعرف باسم تشتت كومبتون العكسي. ففي وجود مجال مغناطيسي كبير بما يكفي، يُمكن أن تُصدِر الإلكترونات إشعاعًا سنكروترونيا، وبذلك تفقد طاقة. وكذلك تُوجد آلية أخرى لفقدان الطاقة مرتبطة بهذا الموضوع الذي نناقشه وهي تحدث من خلال تفاعل هذه الإلكترونات مع الفوتونات التي تُشكّل إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، أي الإشعاع المتبقي من الانفجار العظيم، والذي يغمر الكون حاليًّا بوهج بارد من الموجات الميكروية. فمن الممكن أن يتصادم مثل هذا الإلكترون مع فوتون من إشعاع الخلفية الكونية الميكروي بحيث تُصبح طاقة الفوتون أكبر بكثير مما كانت عليه قبل الاصطدام وتُصبح طاقة الإلكترون أقل بكثير مما كانت عليه قبل الاصطدام (تذكروا أنَّ الطاقة كمية محفوظة عموما). ومن الظواهر التي تحمل أهميةً خاصة أنه عندما تنخفض طاقات الإلكترونات السريعة الحركة إلى مقدار يساوي طاقة إلكترون في وضع السكون 1000 مرة فقط (بعدما كانت في السابق أعلى من ذلك بنحو 100 أو 1000 مرة)، تكون طاقاتها مكافئة تمامًا للقدر الذي يجعلها تشتت فوتونات إشعاع الخلفية الكونية الميكروي وترتقي بها إلى فوتونات في نطاق الأشعة السينية. تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ تفاعُل أحد الإلكترونات العالية الطاقة فوتون منخفض الطاقة مع لإنتاج فوتون عالي الطاقة يتشابه بعض الشيء مع ما يحدث في لعبة السنوكر حين تصطدم الكرة البيضاء (تخيل أنَّ هذه إلكترون) بإحدى الكرات الحمراء، وتكتسب الكرة الحمراء قدرًا كبيرًا من الطاقة على حساب انخفاض طاقة الكرة البيضاء (من أجل أن يكون هذا المثال التوضيحي مناسبًا، يرجى التغاضي عن حقيقة أنَّ هذه الكرة لا تتحرك بسرعة الضوء!). وفي حين أنَّ المطاف ينتهي بالكرة الحمراء (حسبما يأمل اللاعب) داخل احد جيوب طاولة السنوكر، فإنَّ الفوتون الذي كان طوله الموجي الأصلي يبلغ نحو مليمتر واحد يكتسب قدرًا من الطاقة يساوي طاقته قبل الاصطدام نحو مليون مرة؛ ولذا يُصبح طوله الموجي أقصر مليون مرة.
يتَّسم قمر تشاندرا الصناعي، الذي أطلقته وكالة ناسا في عام 1999، بأنه حساس للأطوال الموجية الموجودة في نطاق الأشعة السينية، ويستطيع في الواقع اكتشاف أزواجِ من فصوص على شكل أثقال التمارين (الدمبل) من إشعاعات في نطاق الأشعة السينية تماما كما يستطيع التلسكوب الراديوي اكتشاف هذه البِنَى المزدوجة عند أطوال موجية تُقدَّر بالسنتيمترات. تظهر بعض البنى المزدوجة التي رصدت عند أطوال موجية في النطاق الراديوي على هيئة مخططات كنتورية في شكلي 20 و 21، بينما تظهر فيهما تلك البنى المزدوجة في نطاق الأشعة السينية على هيئة تدرج رمادي. وفي الواقع إذا استطعنا مراقبة دورة حياة أحد أشباه النجوم هذه خلال كل تلك المراحل التطورية (على غرار الطريقة التي قد يُراقب بها عالم الأحياء دورة تطور حياة الضفدع من طور بيض الضفادع إلى شراغيف إلى شراغيف بسيقان صغيرة، إلى ضفادع صغيرة بذيول قصيرة، إلى ضفادع أكبر ، ثم إلى ضفادع ميتة) فسنرصد تحولا من تألق البنى المزدوجة بإشعاع ذي أطوال موجية في النطاق الراديوي إلى أنها تُصبح مهيمنة بدرجة متزايدة في نطاق الأشعة السينية. أولا، ستتلاشى البنى ذات الإشعاع الراديوي إلى أن تُصبح غير قابلة للاكتشاف، ثم تتلاشى البنى ذات الأشعة السينية إلى أن تُصبح غير قابلة للاكتشاف. وبالطبع إن كان ممكنا أن تبدأ النفثات من جديد، لو كان ممكنا أن يحصل الثقب الأسود على مزيدٍ من الوقود مثلًا، فعندئذٍ ستزود النفثات فصوصا مزدوجة جديدة باعثة للإشعاع الراديوي بالوقود، ثم تزوّد فصوصًا باعثة للأشعة السينية بالوقود مجددًا. وكما نرى في الشكلين 8-2 و 8-3، في بعض أشباه النجوم، نستطيع أن نرى كلا من البنى المزدوجة ذات الإشعاع الراديوي والبنى المزدوجة ذات الأشعة السينية في آن واحد، ولكن في البعض الآخر، إما أن نرى هذه أو تلك (شكل 8-4). وفي حالتين لافتتين، نرى أنَّ البنية المزدوجة ذات الأشعة السينية تتوافق مع تجسيد سابق لنشاط النفثات، ولكن مع نشاط راديوي جديد أيضًا، بزاوية مختلفة لأنَّ الاتجاه الذي تُطلق بطوله النفثات المتعاكسة التوجيه قد تأرجح؛ أي تغير موضعه الزاوي، ويظهر مثال لهذه الظاهرة في شكل 8-3.
شكل 8-2: يمتد شبه النجم (الكوازار) العملاق هذا على مسافة مقدارها نصف مليون سنة ضوئية، ويتضمن بنية مزدوجة الفصوص عند كلٌّ من نطاق الأطوال الموجية الراديوية الموضح في هيئة خطوط كنتورية ونطاق الأطوال الموجية للأشعة السينية (الموضح في هيئة تدرج رمادي).
شكل 8-3: البنية المزدوجة الفصوص التي رُصدت في شبه النجم هذا عند أطوال موجية راديوية ]خطوط الكنتور] توضح أنَّ اتجاه النشاط الأحدث مختلف تماما عن ذلك الذي يظهر عند طاقات نطاق الأشعة السينية [التدرُّج الرمادي] (بقايا الانبعاث الذي كشفه تشتت كومبتون العكسي لفوتونات إشعاع الخلفية الكونية الميكروي) ما يُشير إلى أنَّ الموضع الزاوي لمحور النفثة ربما يكون قد تغير كما يتغير الموضع الزاوي لمحاور النفثات في أشباه النجوم الميكروية.
يُعد ثبات محور النفثة في العديد من أشباه النجوم والمجرات الراديوية مؤشرا على ثبات الزخم الزاوي للثقب الأسود الفائق الضخامة، فيُعتبر هكذا بمثابة جيروسكوب. ولا يمكن معرفة السبب الذي يجعل الموضع الزاوي لبعض محاور النفثات هذه يتغير دون غيرها من المحاور الأخرى إلا عند اكتشاف العوامل التي تحكم الزخم الزاوي للنفثات عند نقطة الإطلاق بالقُرب من الثقب الأسود. ولم يتضح بعد ما إذا كان هذا هو محور دوران الثقب الأسود نفسه، أم مُتَّجه الزخم الزاوي للجزء الداخلي من القرص التراكمي، وما يُفاقم هذا الغموض بالتأكيد تأثير لينز - ثيرينج أو تأثير باردين-بيترسون، ويلزم وجود مزيد من البيانات لتفسير السلوك المرصود تفسيرًا تامًا. ولكن ثمة خيوط إرشادية من أجسام أصغر أقرب إلى كوكب الأرض ربما تُشير إلى أن تغير الموضع الزاوي لمحاور النفثات يرتبط ارتباطًا تاما بالزخم الزاوي للقرص التراكمي.
شكل 8-4: هذه صورة ملتقطة بالأشعة السينية وتُظهر البنية المزدوجة الفصوص التي تمتد عبر هذه المجرة والتي لا يمكن اكتشافها إلا عند الأطوال الموجية الواقعة في نطاق الأشعة السينية.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|