المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



الخليفة العباسي عبد الله المأمون  
  
2219   02:40 صباحاً   التاريخ: 2023-03-31
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 11، ص66-80
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام محمد بن علي الجواد / قضايا عامة /

عبد اللّه المأمون : نزعاته وسياسته

عبد اللّه المأمون هو أبو العباس بن هارون بن محمد بن عبد اللّه بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس ، ولد بالياسرية في ليلة الجمعة منتصف ربيع الأول سنة ( 170 ه ) وبويع له بمرو فتوجه إلى بغداد وقدمها وعمره إذ ذاك تسع وعشرون سنة وعشرة أشهر وعشرة أيام .

وامّه أم ولد تسمّى مراجل .

من أبرز نزعات المأمون وصفاته :

1 - الدهاء :

لم يعرف العصر العبّاسي من هو أذكى من المأمون ، ولا من هو أدرى منه في الشؤون السياسية العامّة فقد كان سياسيا من الطراز الأوّل ، حتّى استطاع بحدّة ذكائه ، وقدراته السياسية أن يتغلّب على كثير من الأحداث الرهيبة التي ألمّت به ، وكادت تطوي حياته ، وتقضي على سلطانه ، فقد استطاع أن يقضي على أخيه الأمين الذي كان يتمتّع بتأييد مكثّف من قبل الأسرة العبّاسيّة ، والسلطات العسكرية ، كما استطاع أن يقضي على أعظم حركة عسكرية مضادّة له ، تلك ثورة أبي السرايا التي اتّسع نطاقها فشملت الأقاليم الإسلامية حتى سقط بعضها بأيدي الثوار ، وكان شعار تلك الثورة الدعوة إلى الرضى من آل محمّد ( صلّى اللّه عليه وآله ) فحمل الإمام الرضا ( عليه السّلام ) إلى خراسان ، وكان ( عليه السّلام ) زعيم الأسرة العلويّة وعميدها ، فأرغمه على قبول ولاية العهد ، وعهد إلى جميع أجهزة حكومته بإذاعة فضائله ومآثره ، كما ضرب السكّة باسمه ، فأوهم بذلك على الثوار والقوى الشعبية المؤيّدة لهم أنّه جادّ فيما فعله ، حتى أيقنوا أنّه لا حاجة إلى الثورة وإراقة الدماء بعد أن حصل الإمام ( عليه السّلام ) على ولاية العهد ، وقضى بذلك على الثورة ، وطوى معالمها ، وهذا التخطيط كان من أروع المخطّطات السياسية التي عرفها العالم في جميع مراحل التاريخ .

2 - القسوة :

وانعدام الرحمة والرأفة من آفاق نفسه هي صفة أخرى له ، والذي يدعم ذلك فهو قتله لأخيه حينما استولت عليه قوّاته العسكرية ، ولو كان يملك شيئا من الرحمة لما قتل أخاه .

كما أنّه قابل العلويّين بعد قتله للإمام الرضا ( عليه السّلام ) بمنتهى الشدّة والقسوة ، فعهد إلى جلّاديه بقتلهم والتنكيل بهم أينما وجدوا .

3 - الغدر :

فقد بايع للإمام الرضا ( عليه السّلام ) بولاية العهد ، وبعد ما تحققت مآربه السياسية دسّ إليه السمّ فقتله ليتخلّص منه .

4 - ميله إلى اللهو :

أمّا الميل إلى اللهو فقد أقبل عليه بنهم وفيما يلي بعض ما أثر عنه :

لعبه بالشطرنج :

ولم يكن شيء من الملاهي أحبّ إلى المأمون من الشطرنج[1] فقد هام في هذه اللعبة وقد وصفها بهذه الأبيات :

أرض مربّعة حمراء من أدم * ما بين الفين موصوفين بالكرم

تذاكرا الحرب فاحتلالها شبها * من غير أن يسعيا فيها بسفك دم

هذا يغير على هذا وذاك على * هذا يغير وعين الحرب لم تنم

فانظر إلى الخيل قد جاشت بمعركة * في عسكرين بلا طبل ولا علم[2]

وألمّ هذا الشعر بوصف دقيق للشطرنج ، ولعلّه أسبق من نظم فيه الشعر الذي أحاط بأوصافه ، وكان أبوه الرشيد مولعا بالشطرنج ، وقد أهدى إلى ملك فرنسا أدواته ، وتوجد حاليا في بعض متاحف فرنسا .

ولعه بالموسيقى :

وكان المأمون مولعا بالغناء والموسيقى ، وكان له هوى شديد في ذلك وكان معجبا كأشدّ ما يكون الإعجاب بأبي إسحاق الموصلي ، الذي كان من أعظم العازفين والمغنّين في العالم العربي ، وقد قال فيه : كان لا يغنّي أبدا إلّا وتذهب عنّي وساوسي المتزايدة من الشيطان[3].

 

وكان يحيي لياليه بالغناء والرقص والعزف على العود ، ولم يمرّ اسم اللّه ولا ذكره في قصوره ولياليه .

5 - تظاهره بالتشيّع :

لقد تظاهر المأمون بالتشيّع ، حتى اعتقد الكثيرون أنّه من الشيعة ؛ لأنّه قام بما يلي :

أ - ردّ فدك للعلويّين :

بعد أن صادرتها الحكومات السابقة عليه وكان قصدها إشاعة الفقر بين العلويّين ، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم حتى يشغلهم الفقر والبؤس عن مناهضة أولئك الحكّام ، وقد أنعش المأمون العلويّين ، ورفع عنهم تلك الضائقة الاقتصادية التي كانت آخذة بخناقهم ، واعتبر البعض هذا الإجراء دليلا على تشيّعه .

ب - تفضيل الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) على الصحابة :

وقام المأمون بإجراء خطير فقد أعلن رسميا فضل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) على عموم الصحابة كما أعلن الحطّ من معاوية بن أبي سفيان .

وكان هذا الإجراء من أهمّ المخطّطات التي تلفت النظر إلى تشيّعه ، فقد جرى سلفه على انتقاص الإمام ( عليه السّلام ) ، والحطّ من شأنه ، وتقديم سائر الصحابة عليه .

ج - ولاية العهد للإمام الرضا ( عليه السّلام ) :

حيث قيل إنّ معناها أنه قد أخرج بذلك الخلافة من العبّاسيّين إلى العلويّين .

ويلاحظ على كل هذه الظواهر أنه إنّما صنع الأمور المتقدّمة تدعيما لسياسته وأغراضه ، ويدلّ على ذلك ما يلي :

أوّلا : إنّه كان مختلفا كأشدّ ما يكون الاختلاف مع الأسرة العبّاسية الذين كانت ميولهم مع أخيه الأمين لأنّ امّه زبيدة كانت من أندى الناس كفّا ، ومن صميم العبّاسيّين ، أمّا امّ المأمون فهي مراجل ، وكانت من إماء القصر العبّاسي ، وكان العبّاسيّيون ينظرون إليه نظرة احتقار باعتبار امّه ، فأراد المأمون بما أظهره من التشيّع ارغام أسرته الذين كانوا من ألدّ الأعداء لآل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) وشيعتهم .

ثانيا : إنّه أراد كشف الشيعة ، ومعرفة السلطة بهم بعد ما كانوا في الخفاء ، ولم تستطع الحكومات العبّاسية معرفتهم والوقوف على أسمائهم وخلاياهم ، فأراد المأمون بما صدر منه من إحسان لهم أن يكشفهم ، وقد دلّت على ذلك بعض الوثائق الرسمية التي صدرت منه .

ثالثا : إنّه أراد القضاء على الحركة الثورية التي فجّرتها الشيعة بقيادة الزعيم الكبير أبي السرايا ، فرأى المأمون أن خير وسيلة للقضاء عليها وشلّ فعّاليّاتها هو الإحسان إلى الشيعة[4].

وقفة عند سلوك المأمون ونزعاته :

كانت حياة المأمون - قبل توليه الخلافة - حياة جد ونشاط وتقشف ، على العكس من أخيه الأمين ، الذي كان يميل إلى اللعب والبطالة أكثر منه إلى الجد والحزم .

ولعل سرّ ذلك يعود إلى أن المأمون لم يكن كأخيه ، يشعر بأصالة محتده ، ولا كان مطمئنا إلى مستقبله ، وإلى رضا العبّاسيين به ، بل كان يقطع بعدم رضاهم به خليفة وحاكما ، ولهذا فقد وجد أنه ليس لديه أي رصيد يعتمد عليه غير نفسه ، فشمر عن ساعد الجد وبدأ يخطط لمستقبله منذ أن أدرك واقعه ، والمميزات التي كان يتمتع بها أخوه الأمين عليه .

ويلاحظ انه كان يستفيد من أخطاء أخيه الأمين وان الفضل عندما رأى اشتغال الأمين باللهو واللعب ، أشار على المأمون بإظهار الورع والدين ، وحسن السيرة ، فأظهر المأمون ذلك . . . وكان كلما اعتمد الأمين حركة ناقصة اعتمد المأمون حركة شديدة .

ومن هنا يتبيّن السرّ فيما يبدو من رسالته للعبّاسيين ، حيث نصب فيها نفسه واعظا تقيّا ، وأضفى عليها هالة من الورع والزهد في الدنيا والالتزام بأحكام الشريعة ، ليروه ويراه الناس نوعية أخرى تفضل على نوعية أخيه الأمين .

وقد برع المأمون في العلوم والفنون حتى فاق أقرانه ، بل فاق جميع خلفاء بني العباس ، فإنه لم يكن في بني العباس أعلم من المأمون[5].

وهو أعلم الخلفاء بالفقه والكلام[6].

وكل من تعرّض من المؤرخين وغيرهم ، لشرح حال المأمون ، قد شهد له بالتقدم ، وبأنه رجل خلفاء بني العباس وواحدهم[7].

وما يهمنا هنا ، هو مجرد الإشارة إلى حال المأمون ، وما كان عليه من الدهاء والسياسة وحسن التدبير .

وبالرغم من جدارة المأمون فيما إذا قورن إلى أخيه الأمين باعتراف أبيه الرشيد بذلك ، لكن الرشيد قد اعتذر عن إسناده الأمر إلى الأمين بأن العبّاسيين لا يرضون بالمأمون خليفة[8].

ويرى بعض المؤرخين أنّ السرّ في عدم رضا العبّاسيين بالمأمون يرجع إلى أن الأمين كان عبّاسيّا ، بكل ما لهذه الكلمة من معنى فأبوه : هارون ، وأمه زبيدة حفيدة المنصور . . . وكان في كنف الفضل بن يحيى البرمكي أخي الرشيد من الرضاعة وأعظم رجل نفوذا في بلاط الرشيد ، وكان يشرف على مصالحه الفضل بن الربيع ، العربي الذي لم يكن ثمّة من شك في ولائه للعبّاسيين .

أمّا المأمون فقد كان في كنف جعفر بن يحيى ، الذي كان أقل نفوذا من أخيه الفضل . وكان مؤدبه والذي يشرف على مصالحه ذلك الرجل الذي لم يكن العباسيون يرتاحون اليه . . لأنه كان متهما بالميل إلى العلويين . . . أما أم المأمون فخراسانية غير عربية . . .[9].

التحدّيات التي واجهت حكم المأمون وموقفه منها

لقد جابه حكم المأمون تحديات خطيرة كانت تهدد كيانه وكادت تعصف به ، وكان بقاؤه في السلطة يحتاج إلى الكثير من الدهاء .

وأهمّ ما كان يواجه المأمون ما يلي :

1 - تحرك الشيعة ضده وكان تحركا عنيفا ، وكانت ثورة أبي السرايا التي عمّت الكثير من الحواضر الاسلامية آنذاك نموذجا له .

2 - تكتل العائلة العباسية ضد المأمون ووقوفها إلى جانب الأمين أولا ، ثم عزلها له وتعيين عمه إبراهيم بن المهدي بعد ذلك .

3 - تحركات الخوارج والفئات المناوئة الأخرى .

4 - وجود المخاطر الخارجية من جانب الدول المتربصة بالدولة الاسلامية ، خصوصا الدولة البيزنطية .

وأمام هذه التحديات قام المأمون بما يلي :

أولا - تصفيته لتحرك أخيه الأمين والقوى المتحركة القوية ضده .

ثانيا - القيام بلعبة تولية الإمام الرضا ( عليه السّلام ) لولاية العهد بالإكراه ليصوّر للأمة انه مع القيادة الشرعية وانه نقل الحكم إليها وهذا من شأنه أن يقلل من الروح الثورية للأمة باتجاه إقامة الحكم بقيادة أهل البيت ( عليهم السّلام ) .

ثالثا - محاربة وتصفية ثورات العلويين .

رابعا - التصفية الجسدية للإمام الرضا ( عليه السّلام ) بعد انتهائه من تصفية الثورات الخطيرة .

خامسا - التوجّه إلى بغداد للقضاء على معارضة البيت العباسي .

سادسا - تصفية مراكز القوى في الدولة باتجاه تعزيز قوته ووضعه .

سابعا - إشاعة فتنة خلق القرآن لإشغال الناس بها عمّا يهمّهم .

ثامنا - تصفية قوى المعارضة من قبيل الخوارج .

تاسعا - التوجه لمحاربة الدولة البيزنطية ودفع خطرها .

العلاقة بين الإمام الرضا ( عليه السّلام ) والمأمون

وصلت المسيرة الإسلامية أثناء إمامة الرضا ( عليه السّلام ) إلى مرحلة متقدمة نتيجة الجهود العظيمة التي بذلها الأئمة السابقون على الإمام الرضا ( عليه السّلام ) مما جعل السلطة العباسية مضطرة للدخول فيما دخلت فيه من تولية الإمام الرضا ( عليه السّلام ) لولاية العهد والإيحاء بتحويل الخلافة من العباسيين لأهل البيت ( عليهم السّلام ) . ولا يضاح هذا الأمر نذكر الأمور التالية :

أ - حالة الأمة بلحاظ القيادة الشرعية :

يبدو ان الأمة كانت تؤيّد قيادة أهل البيت ( عليهم السّلام ) وتعتقد بها ولكن ضمن ثلاثة مستويات ، هي :

1 - عموم الأمة التي أصبحت مؤمنة بقيادة أهل البيت ( عليهم السّلام ) ، دون ارتباطها بهم برباط عميق واع .

2 - المعارضون للدولة الذين يعتمدون الكفاح المسلّح لاسقاطها وإقامة الحكم الإسلامي ، وثورة أبي السرايا نموذج لذلك .

3 - المؤمنون الواعون بالقيادة الشرعية وهم أصحاب الإمام الرضا ( عليه السّلام ) وأنصاره .

ب - تحرك المأمون على واقع المستويات الثلاثة :

انتهج المأمون سياسة المراحل في احتواء المستويات الثلاثة واجهاضها بحنكة ودهاء وبالشكل التالي :

1 - التصدي لمواجهة الثوّار الموالين لأهل البيت ( عليهم السّلام ) وتصفيتهم عسكريا ، ففي أيامه خرج أبو السرايا وقويت شوكته ودعا إلى بعض أهل البيت ( عليهم السّلام ) ، فقاتله الحسن بن سهل ، فكانت الغلبة لجيش المأمون وقتل أبو السرايا .

2 - احتواء التوجه الشعبي لأهل البيت ( عليهم السّلام ) .

لقد ابتكر المأمون وسيلة سياسية بارعة لاحتواء هذا التوجه وذلك ببيعة الإمام الرضا ( عليه السّلام ) وليا للعهد والتظاهر بموالاة أهل البيت ( عليهم السّلام ) لتشويه هذا التوجه وامتصاصه .

وكان المأمون قد أنفذ إلى جماعة من آل أبي طالب ، فحملهم اليه من المدينة وفيهم الرضا علي بن موسى ( عليهما السّلام ) ، فأخذ بهم على طريق البصرة حتى جاؤوا بهم إليه ، وكان المتولي لإشخاصهم المعروف بالجلودي .

فقدم بهم على المأمون فانزلهم دارا ، وانزل الرضا عليّ بن موسى ( عليهما السّلام ) دارا ، وأكرمه وعظّم أمره ، ثم أنفذ اليه :

أني أريد ان اخلع نفسي من الخلافة واقلدك إياها فما رأيك في ذلك ؟

فأنكر الرضا ( عليه السّلام ) هذا الأمر وقال له :

« أعيذك باللّه يا أمير المؤمنين من هذا الكلام ، وأن يسمع به أحد » .

فرد عليه الرسالة :

فإذا أبيت ما عرضت عليك فلا بد من ولاية العهد من بعدي .

فأبى عليه الرضا إباء شديدا ، فاستدعاه اليه وخلا به ومعه الفضل بن سهل ذو الرئاستين ، ليس في المجلس غيرهم ، وقال له : اني قد رأيت أن اقلدك أمر المسلمين ، وأفسخ ما في رقبتي وأضعه في رقبتك . فقال له الرضا ( عليه السّلام ) :

« اللّه اللّه - يا أمير المؤمنين - انه لا طاقة لي بذلك ولا قوة لي عليه » قال له :

فإني موليك العهد من بعدي فقال له : أعفني من ذلك يا أمير المؤمنين .

فقال له المأمون كلاما فيه كالتهديد له على الامتناع عليه ، وقال له في كلامه : إن عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة أحدهم جدك أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب وشرط فيمن خالف منهم ان تضرب عنقه ، ولا بد من قبولك ما أريده منك ، فإنني لا أجد محيصا عنه ، فقال له الرضا ( عليه السّلام ) :

« فإني أجيبك إلى ما تريد من ولاية العهد ، على انني لا آمر ولا أنهى ولا افتي ولا أقضي ولا اولّي ولا اعزل ولا أغيّر شيئا مما هو قائم » فأجابه المأمون إلى ذلك كله .

وقد كان الإمام ( عليه السّلام ) مرغما على قبول ولاية العهد أي أنه لم يكن له الخيار في رفضها فقد كان المأمون جادّا في قتله لو تخلف عن قبول البيعة .

فعن الريان بن الصلت أنه قال :

دخلت على علي بن موسى الرضا ( عليه السّلام ) فقلت له : يا ابن رسول اللّه ، ان الناس يقولون انك قبلت ولاية العهد مع إظهارك الزهد في الدنيا ؟ فقال ( عليه السّلام ) :

« قد علم اللّه كراهتي لذلك فلمّا خيّرت بين قبول ذلك وبين القتل اخترت القبول على القتل ، ويحهم أما علموا ان يوسف ( عليه السّلام ) كان نبيا رسولا فلما دفعته الضرورة إلى تولّي خزائن العزيز قال له : اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على اكراه وإجبار بعد الاشراف على الهلاك ، على اني ما دخلت في هذا الأمر إلّا دخول خارج منه ، فإلى اللّه المشتكى وهو المستعان »[10].

وروي عن أبي الصلت الهروي أنه قال :

« إن المأمون قال للرضا علي بن موسى ( عليه السّلام ) يا ابن رسول اللّه قد عرفت فضلك وعلمك وزهدك وورعك وعبادتك وأراك احقّ بالخلافة منّي ، فقال الرضا ( عليه السّلام ) : بالعبودية للّه عزّ وجل افتخر وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شرّ الدنيا ، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم ، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند اللّه عزّ وجلّ .

فقال له المأمون : فإني قد رأيت أن اعزل نفسي عن الخلافة ، وأجعلها لك وأبايعك ، فقال له الرضا ( عليه السّلام ) : إن كانت هذه الخلافة لك وجعلها اللّه لك فلا يجوز ان تخلع لباسا ألبسكه اللّه وتجعله لغيرك ، وان كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك ان تجعل لي ما ليس لك . فقال المأمون : يا ابن رسول اللّه لا بدّ لك من قبول هذا الأمر ، فقال : « لست أفعل ذلك طائعا أبدا » . فما زال يجهد به أياما حتى يئس من قبوله ، فقال له : فإن لم تقبل الخلافة ولم تحبّ مبايعتي لك فكن وليّ عهدي لتكون لك الخلافة بعدي . فقال الرضا ( عليه السّلام ) : واللّه لقد حدّثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) أني أخرج من الدنيا قبلك مقتولا بالسم ، مظلوما تبكي عليّ ملائكة السماء وملائكة الأرض ، وأدفن في أرض غربة إلى جنب هارون الرشيد . فبكى المأمون ثم قال له : يا ابن رسول اللّه ومن الذي يقتلك أو يقدر على الإساءة إليك وأنا حيّ ؟ فقال الرضا ( عليه السّلام ) : أما اني لو أشاء أن أقول من الذي يقتلني لقلت .

فقال المأمون : يا ابن رسول اللّه إنما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك .

ودفع هذا الأمر عنك ، ليقول الناس إنك زاهد في الدنيا .

فقال الرضا ( عليه السّلام ) : واللّه ما كذبت منذ خلقني ربّي عزّ وجلّ وما زهدت في الدنيا للدنيا وإني لأعلم ما تريد .

فقال المأمون : وما أريد ؟ قال : الأمان على الصدق ؟ قال : لك الأمان . قال :

تريد بذلك أن يقول الناس : إنّ علي بن موسى لم يزهد في الدنيا بل زهدت الدنيا فيه ، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة ؟

فغضب المأمون ثم قال : إنّك تتلقّاني أبدا بما أكرهه . وقد أمنت سطوتي ، فباللّه اقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلّا أجبرتك على ذلك فإن فعلت وإلّا ضربت عنقك . فقال الرضا ( عليه السّلام ) : قد نهاني اللّه عزّ وجلّ ان القي بيدي إلى التهلكة ، فإن كان الأمر على هذا ، فافعل ما بدا لك ، وأنا أقبل ذلك على أنّي لا اولّي أحدا ولا أعزل أحدا ولا أنقض رسما ولا سنّة ، وأكون في الأمر من بعيد مشيرا .

فرضي منه بذلك وجعله وليّ عهد على كراهة منه ( عليه السّلام ) لذلك »[11].

ج - مع المؤمنين الواعين

كان المأمون حذرا من الإمام الرضا ( عليه السّلام ) يتحيّن الفرص لاغتياله ، وقد فعل ذلك في أول فرصة مناسبة فأوعز لعملائه باغتياله ، وذلك بعد نحو عامين من ولاية العهد . ففي أول شهر رمضان سنة إحدى ومائتين كانت البيعة للرضا صلوات اللّه عليه[12] وقبض الرضا ( عليه السّلام ) بطوس من أرض خراسان في صفر سنة ثلاث ومائتين وله يومئذ خمس وخمسون سنة . .[13].

عن أحمد بن علي الأنصاري قال : سألت أبا الصلت الهروي فقلت له : كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا ( عليه السّلام ) مع اكرامه ومحبته له وما جعل له من ولاية العهد بعده ؟

فقال : ان المأمون انما كان يكرمه ويحبه لمعرفته بفضله وجعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس انه راغب في الدنيا فيسقط محله من نفوسهم ، فلما لم يظهر منه في ذلك للناس إلّا ما ازداد به فضلا عندهم ومحلا في نفوسهم جلب عليه المتكلمين من البلدان طمعا في أن يقطعه واحد منهم فيسقط محله عند العلماء ، وبسببهم يشتهر نقصه عند العامة فكان لا يكلمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والبراهمة والملحدين والدهرية ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين إلّا قطعه وألزمه الحجة ، وكان الناس يقولون : واللّه إنه أولى بالخلافة من المأمون ، وكان أصحاب الاخبار يرفعون ذلك اليه فيغتاظ من ذلك ويشتد حسده له ، وكان الرضا ( عليه السّلام ) لا يحابي المأمون في حق وكان يجيبه بما يكره في أكثر أحواله فيغيظه ذلك ويحقده عليه ولا يظهره له ، فلما أعيته الحيلة في أمره اغتاله فقتله بالسم[14].

وعن علي بن إبراهيم ، عن ياسر الخادم قال : « لمّا كان بيننا وبين طوس سبعة منازل اعتلّ أبو الحسن ( عليه السّلام ) فدخلنا طوس وقد اشتدّت به العلّة ، فبقينا بطوس أياما فكان المأمون يأتيه في كل يوم مرتين فلمّا كان في آخر يومه الذي قبض فيه كان ضعيفا في ذلك اليوم فقال لي بعد ما صلّى الظهر : يا ياسر أكل الناس شيئا ؟ قلت : يا سيدي من يأكل ههنا مع ما أنت فيه ؟ ! فانتصب ( عليه السّلام ) ثم قال : هاتوا المائدة ، ولم يدع من حشمه أحدا إلّا أقعده معه على المائدة يتفقد واحدا واحدا ، فلما اكلوا قال : ابعثوا إلى النساء بالطعام ، فحمل الطعام إلى النساء فلمّا فرغوا من الأكل أغمي عليه وضعف ، فوقعت الصيحة وجاءت جواري المأمون ونساؤه حافيات حاسرات ، ووقعت الوصية[15] « 2 » بطوس وجاء المأمون حافيا وحاسرا يضرب على رأسه ، ويقبض على لحيته ، ويتأسف ويبكي وتسيل الدموع على خديه فوقف على الرضا ( عليه السّلام ) وقد أفاق فقال : يا سيدي واللّه ما أدري أي المصيبتين أعظم عليّ ، فقدي لك وفراقي إياك ؟ أو تهمة الناس لي أنا اغتلتك وقتلتك ؟ قال : فرفع طرفه اليه ثم قال : أحسن يا أمير المؤمنين معاشرة أبي جعفر ، فإنّ عمرك وعمره هكذا وجمع سبّابتيه .

قال : فلما كان من تلك الليلة قضى ( عليه السّلام ) بعد ما ذهب من الليل بعضه ، فلمّا أصبح اجتمع الخلق وقالوا : هذا قتله واغتاله - يعني المأمون - وقالوا : قتل ابن رسول اللّه وأكثروا القول والجلبة[16] ، وكان محمد بن جعفر بن محمد ( عليه السّلام ) استأمن إلى المأمون وجاء إلى خراسان وكان عمّ أبي الحسن فقال له المأمون : يا أبا جعفر أخرج إلى الناس وأعلمهم ان أبا الحسن لا يخرج اليوم ، وكره ان يخرجه فتقع الفتنة فخرج محمد بن جعفر إلى الناس فقال : أيها الناس تفرقوا فإن أبا الحسن لا يخرج اليوم ، فتفرق الناس وغسل أبو الحسن في الليل ودفن »[17].

وقد استطاع المأمون ان يخدع الكثيرين عندما أظهر حزنه وجزعه على استشهاد الإمام الرضا ( عليه السّلام ) وبصورة أثرت على العوام ، لكنها لم تنطل على الخواص . حيث إنهم عرفوا دوافع المأمون وأساليبه وأهدافه ، كما لا حظنا ذلك في نصّ أبي الصلت ، وكما سنلاحظ ذلك في رسالة عبد اللّه بن موسى التالية .

طبيعة حكم المأمون

لقد شخّص السيد عبد اللّه بن موسى بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) ، طبيعة حكم المأمون وأساليبه برسالة تسلط مزيدا من الأضواء على العلاقة بين هذا الحاكم وبين الإمام الجواد ( عليه السّلام ) ، فقد كان تشخيص هذا السيد دقيقا وعميقا ، فقد كتب المأمون إلى عبد اللّه بن موسى وهو متوار منه يعطيه الأمان ويضمن له ان يوليه العهد بعده ، كما فعل بعلي بن موسى ، ويقول : ما ظننت ان أحدا من آل أبي طالب يخافني بعد ما عملته بالرضا ، وبعث الكتاب اليه .

فكتب عبد اللّه بن موسى :

وصل كتابك وفهمته ، تختلني فيه عن نفسي ختل القانص ، وتحتال عليّ حيلة المغتال القاصد لسفك دمي ، وعجبت من بذلك العهد وولايته لي بعدك ، كأنك تظن أنه لم يبلغني ما فعلته بالرضا ؟ ! ففي أي شيء ظننت أني أرغب من ذلك ؟ أفي الملك الذي قد غرتك حلاوته ؟ ! فو اللّه لأن اقذف - وأنا حي - في نار تتأجج أحب إليّ من أن ألي أمرا بين المسلمين أو اشرب شربة من غير حلها مع عطش شديد قاتل ، أم في العنب المسموم الذي قتلت به الرضا ؟ أم ظننت ان الاستتار قد أمّلني وضاق به صدري ؟ فو اللّه اني لذلك . ولقد مللت الحياة وأبغضت الدنيا ، ولو وسعني في ديني أن أضع يدي في يدك حتى تبلغ من قبلي مرادك لفعلت ذلك ، ولكن اللّه قد حظر عليّ المخاطرة بدمي ، وليتك قدرت عليّ من غير أن أبذل نفسي لك فتقتلني ، ولقيت اللّه عز وجل بدمي ، ولقيته قتيلا مظلوما ، فاسترحت من هذه الدنيا .

واعلم أني رجل طالب النجاة لنفسي ، واجتهدت فيما يرضي اللّه عز وجل عنّي وفي عمل أتقرب به اليه ، فلم أجد رأيا يهدي إلى شيء من ذلك ، فرجعت إلى القرآن الذي فيه الهدى والشفاء ، فتصفحته سورة سورة ، وآية آية ، فلم أجد شيئا أزلف للمرء عند ربه من الشهادة في طلب مرضاته .

ثم تتبعته ثانية اتأمل الجهاد أيّه أفضل ، ولأي صنف ، فوجدته جلّ وعلا يقول : قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ، فطلبت أي الكفار أضر على الإسلام ، وأقرب من موضعي فلم أجد أضر على الإسلام منك ، ولأن الكفار أظهروا كفرهم ، فاستبصر الناس في أمرهم ، وعرفوهم فخافوهم ، وأنت ختلت المسلمين بالاسلام ، وأسررت الكفر ، فقتلت بالظنة ، وعاقبت بالتهمة ، وأخذت المال من غير حلّه فأنفقته في غير محله ، وشربت الخمر المحرمة صراحا ، وأنفقت مال اللّه على الملهين وأعطيته المغنين ، ومنعته من حقوق المسلمين ، فغششت بالاسلام ، وأحطت بأقطاره إحاطة أهله ، وحكمت فيه للمشرك ، وخالفت اللّه ورسوله في ذلك خلافة المضاد المعاند ، فإن يسعدني الدهر ، ويعينني اللّه عليك بأنصار الحق ، أبذل نفسي في جهادك بذلا يرضيه منّي ، وإن يمهلك ويؤخرك ليجزيك بما تستحقه في منقلبك ، أو تختر مني الأيام قبل ذلك ، فحسبي من سعيي ما يعلمه اللّه عز وجل من نيتي ، والسلام »[18].

 

[1] العقد الفريد : 3 / 254 .

[2] المستطرف : 2 / 306 .

[3] الحضارة العربية لجاك س . ريلر : 108 .

[4] راجع حياة الإمام محمد الجواد ( عليه السّلام ) : 221 - 225 .

[5] حياة الحيوان : 1 / 72 .

[6] الفهرست : 174 ، ابن النديم .

[7] الحياة السياسية للإمام الرضا ( عليه السّلام ) : 154 .

[8] راجع الحياة السياسية للإمام الرضا ( عليه السّلام ) : 152 .

[9] راجع الحياة السياسية للإمام الرضا ( عليه السّلام ) : 156 - 157 .

[10] الحياة السياسية للإمام الرضا ( عليه السّلام ) : 141 .

[11] الحياة السياسية للإمام الرضا ( عليه السّلام ) : 141 .

[12] الحياة السياسية للإمام الرضا ( عليه السّلام ) : 141 .

[13] الحياة السياسية للإمام الرضا ( عليه السّلام ) : 66 .

[14] الحياة السياسية للإمام الرضا ( عليه السّلام ) : 107 - 108 .

[15] الوصية : الصوت يكون في الناس وغيرهم . الوصية : الرحمة .

[16] الجلبة : اختلاط الأصوات والصياح .

[17] الحياة السياسية للإمام الرضا ( عليه السّلام ) : 108 ، عيون أخبار الرضا ( عليه السّلام ) : 2 / 269 ، 270 .

[18] نظرية الإمامة : 381 ، نقلا عن الحياة السياسية للإمام الرضا ( عليه السّلام ) : 465 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.