أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014
1583
التاريخ: 15-11-2020
2970
التاريخ: 10-10-2014
4088
التاريخ: 27-11-2014
1743
|
أقوى دليل يرشدنا إلى عدم اعتراف الأئمَّة السلَف بتواتر القراءات تلك : استنكارهم على قراءات كثير من القرّاء المشهورين ، وحتّى السبعة ، وكيف يجْرؤ مسلم محافظ أن يُنكر قراءةً يرى تواترها عن النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ؟! .
هذا الإمام أحمد بن حنبل كان يُنكر على حمزة كثيراً من قراءاته ، وكان يكره أن يصلّي خلف مَن يقرأ بقراءة حمزة ، يا تُرى إذا كانت قراءة حمزة ـ وهو من السبعة ـ متواترة عن النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ، وأنَّ النبي ( صلّى الله عليه وآله ) هو الّذي قرأها ونُقلت إلى حمزة متواترة قطعية ، فما الذي يدعو إلى كراهتها ؟ أفهل يكره مسلم قراءةً قرأها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ؟! .
وكان أبو بكر بن عيّاش يقول : قراءة حمزة عندنا بِدعة . وقال ابن دريد : إنّي لأشتهي أن يخرج من الكوفة قراءة حمزة . وكان ابن المهدي يقول : لو كان لي سلطان على مَن يقرأ قراءة حمزة لأوجعت ظهْرَه وبطنه . وكان يزيد بن هارون يكره قراءة حمزة كراهة شديدة (1) .
وتقدَّم تلحين أئمَّة النحو والأدب كثيراً من قراءات القرّاء الكِبار ، وقد أنكر المبرِّد قراءةَ حمزة : ( والأرحام ) ـ بالخفْض ـ و( مصرخيّ ) بكسر الياء ـ ، وأنكر مغاربة النُحاة كابن عصفور قراءة ابن عامر : ( قتلُ أولادهم شركائهم ) ـ برفع ( قتل ) ، ونصب ( أولادهم ) ، وخفض ( شركائهم ) ـ (2) وخطَّأ الفارسي قراءة ابن عامر : ( أرجئه ) (3) وتقدَّم تفصيل ذلك .
وهل يجْرُؤ مسلم أن يُخطِّئ أو يُنكر قراءةً هي متواترة عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ؟! فإن دلَّ ذلك فإنَّما يدلّ على أنّ ما أنكروه شيء منسوب إلى نفس القرّاء ، إنكاراً عليهم ، لا إنكاراً لشيء ثبَت عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قطعيّاً ؛ تدلّنا على ذلك التعليلات الواردة في هذه المناسبات تبريراً للإنكارات المزبورة ، فقد أنكر أبو العبّاس المبرِّد قراءة أهل المدينة : { هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ }[ هود : 78] (4) قال : هو لحنٌ فاحش ، وإنَّما هي قراءة ابن مروان ، ولم يكن له عِلم بالعربية (5) وأمثال ذلك كثير .
وقد عقد ابن قتيبة باباً جمَع فيه نماذج من غلَط القرّاء المشهورين وفيهم من السبعة : حمزة ، ونافع ، قال : وما أقلَّ مَن سلِم من هذه الطبقة في حرْفِه من الغلط والوهْم (6) ، كما جمَع محمَّد عضيمة كثيراً من موارد خطَّأَ النُحاة فيها القرّاء ، ونسبوهم إلى قلَّة المعرفة وضعف الدراية ، ونُقل عن ابن جنّي وصفه للقرّاء ـ بصورة عامّة ـ في كتابه ( الخصائص ) بضعف الدراية ، وفي كتابه المصنّف بالسهْو والغلَط ، إذ ليس لهم قياس يرجعون إليه (7) ، وغير ذلك ما يطول .
وجاء في ( المرشد الوجيز ) باب ممّا نُسب إلى القرّاء وفيه إنكارات من أهل اللغة وغيرهم ، منها : الجمْع بين الساكنَين في تاءات البزّي ، كان يشدِّد التاء في أوائل الأفعال المستقبلة في حال الوصل ، في أحد وثلاثين موضعاً من القرآن ، نحو : {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} [البقرة: 267] (8) . ومنها : إدغام أبي عمرو ، كان يُدغم أوَّل حرفَين مثْلين اجتمعا من كلمتين سواء سكَن ما قبلَه أو تحرَّك ، في جميع القرآن ، نحو : {شَهْرُ رَمَضَانَ} [البقرة: 185] و {ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ} [الأنفال: 7] (9) ، ومنها : قراءة حمزة ( فَمَا اسْطَاعُوا ) قرأ بتشديد الطاء ، مُدغِماً التاء في الطاء ، وجمع بين الساكنَين وصلاً (10) ، يعدّد كثيراً من الأمثلة خطّأوهم فيها ، ونسَبوهم إلى الوهْم وضعف الدراية (11) .
* * *
أضف إلى ذلك : إنكارات العامَّة على كثير من قراءات السبعة ، وربَّما كانوا يضطرُّونهم إلى النزول وفْق الرأي العامّ ، ممّا يدلّ على أنَّ اختيارهم الأوَّل كان عن اجتهاد لا غير .
جاء في نهاية ابن الأثير ، قال : ولمّا حجَّ المهدي قدّم الكسائي يُصلّي بالمدينة ، فهمَز فأنكر عليه أهل المدينة ، وقالوا : إنّه يُنبر في مسجد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) بالقرآن .
والنبْر : همْز الحرف ، ولم تكن قريش تهمِز في كلامها ، قال رجُل : يا نبئ الله ، فنهرَه النبي ( صلّى الله عليه وآله ) وقال : ( إنّا معشر قريش لا نُنبر ) ، وفي رواية : ( لا تنبر باسمي ) (12) .
قال ابن مجاهد : قال لي قنبل ( أحد راويي ابن كثير ) : قال القواس في سنة 237 هـ : اِلق هذا الرجُل ( يعني البزّي ، الراوي الآخر لابن كثير ) فقل له : هذا الحرف ليس من قراءتنا ، يعني { وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ }[ إبراهيم : 17] مخفّفاً ، وإنَّما يخفَّف من الميِّت مَن قد مات ، وأمّا مَن لم يمُت فهو مشدَّد ، فلقيت البزّي فأخبرته ، فقال : قد رجعت عنه ... (13) .
ولولا أنَّ اختياره الأوَّل كان عن اجتهاد لمَا صحَّ له الرجوع ، ولمَا جاز الإنكار عليه .
وأيضاً قال محمّد بن صالح : سمعت رجلاً يقول لأبي عمرو بن العلاء : كيف تقرأ { لاَ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ }[ الفجر : 25 و26] ؟ فقال : ( لا يعذِّب ) ـ بكسر الذال المشدَّدة ـ ، فقال له الرجُل : كيف وقد جاء عن النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ( لا يعذَّب ) ـ بالفتح ـ ؟ فقال أبو عمرو : لو سمعت الرجل الَّذي قال سمعت النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ما أخذتُه عنه ، أوَ تدري ما ذاك ؟ لأنّي أتّهم الواحد الشاذّ إذا كان على خلاف ما جاءت به العامَّة (14) .
انظر إلى كلام أبي عمرو هنا ، إنَّه يعتمد في قراءته على تسالم عامَّة المسلمين ( وهو أحد مقاييسنا في اختيار القراءة الصحيحة فيما سيأتي ) ، ويترك رواية الواحد إلى جانب ولا يعبأ بها .
هذا ، في حين أنَّ الفتح هي قراءة الكسائي من السبعة ، ويعقوب من العشرة ، والحسَن من الأربعة (15) .
أفهل يُعقل وجود رواية متواترة بلغَت الكسائي وهو في مؤخَّرة القرن الثاني ولم تبلغ أبا عمرو ، وهو في مقدَّمة هذا القرن ؟! .
* * *
وذكر ابن الجزري : أنَّ من القراءات ما نقلَه ثقة ، ولا وجه له في العربية ، وهذا لا يُقبَل وإن وافَق خطَّ المصحف ، ولا يصدر مثل هذا إلاّ على وجه السهو والغلط وعدم الضبط ، ويعرفه الأئمَّة المحقِّقون والحفّاظ الضابطون ، وهو قليل جدّاً ، بل لا يكاد يوجد .
وقد جعل بعضهم منه رواية خارجة عن ( نافع ) : ( معائش ) بالهمز .
وما رواه ابن بكار عن أيّوب عن يحيى عن ابن عامر : ( أدري أقريب ) بفتح الياء مع إثبات الهمز .
وما رواه أبو علي العطّار عن العبّاس عن أبي عمرو : ( ساحران تظّاهرا ) بتشديد الظاء .
وما ذكره بعض شرّاح الشاطبيَّة في وقف ( حمزة ) على نحو : ( أسمايهم ) و( أُوليك ) بياء خالصة ، ونحو : (شركاوهم ) و( أحبّاوه ) بواو خالصة ، ونحو : ( بداكم ) و( واخاه ) (16) بألف خالصة .
ونحو : ( را ) في ( رأى ) ، و( ترا ) في ( تراءى ) ، و( اشمزّت ) في ( اشمأزت ) ، و( فادّارتم ) في ( فادّارأتم ) بالحذف في ذلك كلِّه ممّا يسمّونه ( التخفيف الرسمي ) ، ولا يجوز في وجه من وجوه العربية .
قال : فهذا وإن كان منقولاً عن ثقة ، إلاّ أنَّه لا يُقبَل ، إذ لا وجه له (17) .
قلت : وهو أقوى شاهد على أنّ ليس كلّ ما ثبت عن السبعة متواتراً عن النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ؛ وإلاّ لمَا صحَّ ردّه ولوَجب قبوله إطلاقاً .
______________________
(1) تهذيب التهذيب لابن حجر : ج3 ، ص27 ـ 28 .
(2) البرهان : ج1 ، ص319 .
(3) البحر المحيط : ج4 ، ص360 .
(4) بنصب ( أطهر ) وهي قراءة شاذَّة .
(5) المقتضب : ج4 ، ص105 .
(6) تأويل مشكل القرآن : ص61 .
(7) دراسات لأسلوب القرآن : ج1 ، ص32 فما بعد .
(8) راجع التيسير : ص83 .
(9) راجع التيسير : ص20، وسيأتي في ص266 .
(10) راجع التيسير : ص146 . والآية 97 من سورة الكهف .
(11) في المرشد الوجيز لأبي شامة : ص174 فما بعد .
(12) النهاية : ج5 ، ص7 .
(13) مناهل العرفان : ج1 ، ص452 عن منجد المقرئين لابن الجزري .
(14) مناهل العرفان : ج1 ، ص452 عن مُنجد المُقرئين .
(15) إتحاف فضلاء البشر : ص439 .
(16) في موضعين : ( الأعراف : 111 ، والشعراء : 36 ) فإنّه خفّف الهمزة المفتوحة فيهما ألفاً .
(17) النشر : ج1 ، ص16 ـ 17 .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|