أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-03-2015
4063
التاريخ: 23-03-2015
2756
التاريخ: 23-03-2015
2941
التاريخ: 1-04-2015
56508
|
إذا رجعنا إلى القصائد الجاهلية الطوال،
والمعلقات منها على الأخص، رأينا ان الشعراء يسيرون فيها على نهج مخصوص: يبدؤون عادة
بذكر الاطلال-وقد بدأ عمرو بن كلثوم مثلا بوصف الخمر-ثم بذكر الحبيبة، ثم ينتقل أحدهم
إلى وصف الراحلة ثم إلى الطريق التي يسلكها. بعدئذ يخلص إلى المديح أو الفخر (إذا كان
الفخر مقصودا كما عند عنترة). وقد يعود الشاعر إلى الحبيبة ثم إلى الخمر. وبعدئذ
ينتهي بالحماسة (أو الفخر) أو بذكر شيء من الحكم (كما عند زهير) أو من الوصف (كما عند
امرئ القيس).
ويجدر بالملاحظة ان في القصيدة الجاهلية
اغراضا متعددة، واحد منها مقصود لذاته (كالغزل عند امرئ القيس، والحماسة عند عنترة،
والمديح عند زهير، والاعتذار عند النابغة).
هذا في المعلقات. أما في سائر القصائد الجاهلية
فالأمر يختلف أحيانا اختلافا ظاهرا. هنالك مقطعات في الأدب أو في الوصف أو الحماسة
مستقلة بنفسها. وهنالك أيضا قصائد تعالج موضوعا واحدا كقصيدة عروة بن الورد:
اقلّي عليّ اللوم، يا ابنة منذر... ونامي
فان لم تشتهي النوم فاسهري.
فإنها سبعة عشر بيتا تدور حول فكرة واحدة
وموضوع واحد، هما ان امرأة الشاعر تلومه لأن رزقه قليل، فيبدي هو لها
عذره ويقول لها إنه يود ألا يطلب الغنى إذا كان في الغنى مذلة له.
ذلك هو شكل القصيدة المألوف. ويبدو لنا
أن الشعراء الذين كانوا يطمعون في الانشاد في عكاظ كي تعلّق قصائدهم إذا ظفرت برضا
المحكّمين كانوا ينسجون قصائدهم على هذا المنوال الرسمي المألوف، حتّى أصبح ذلك النسق
المألوف في المعلّقات مرغوبا فيه وخصوصا عند الممدوحين فتعلّق به الشعراء المدّاحون
ثم احتفل به النقاد حتى غلب هذا الشكل المألوف للقصيدة على الشعر، ثم ظننّا نحن أنه
لم يكن للعرب إلا ذلك النسق التقليدي.
والواقع أن شعراء الجاهلية من غير أصحاب
المعلّقات ومن غير المتعرّضين بشعرهم للمدح كانوا يسلكون في النظم مسلكا طليقا من القواعد
التي سيطرت على المعلّقات والقصائد الشبيهة بالمعلّقات. حتى أن شعراء المعلقات أنفسهم
كانوا يتحرّرون من تلك القواعد والقيود في معظم أشعارهم الباقية.
وكان للعرب نوع من الشعر يسمّى الرجز (1)
يصرّعون صدوره وأعجازه على رويّ واحد، نحو:
دع المطايا تنسم الجنوبا... إنّ لها لنبأ
عجيبا
ما حملت إلاّ فتى كئيبا... يسرّ ممّا أعلنت
نصيبا
وربّما كان لكلّ بيت في صدره وعجزه
قافية مختلفة من قوافي الأبيات الأخرى في الارجوزة. وربّما كانت القصيدة من بحر الرجز
وكان لأبياتها روي واحد، كما يفعل في القصائد.
والرجز وزن من أوزان الشعر العربي الأصيلة،
وهو أقدم الأوزان العربية. ولقد أصاب بروكلمان (2) لمّا قال إنّه لا سبيل
إلى الزعم بأن بحر الرجز نشأ عند العرب من تأثرهم باليونان، وان كان ثمّت شبها شكليّا
ظاهرا (خارجيا) بين بحر الرجز العربي وبين الوزن اليوناني المعروف باسم أيامبي والذي
يتألف المصراع فيه من أوتاد (والوتد لفظ مركّب من صوتين أحدهما قصير والآخر طويل نحو
«علا»: ع.... لا).
_______________
1) راجع العمدة 1:58-61؛ تاريخ آداب اللغة
العربية لزيدان 1:65-67؛ بروكلمان 1:56-57، الملحق 1:22-24،90-92؛ دائرة المعارف الاسلامية
(النسخة العربية)، تحت كلمة؛ رجز.
2) بروكلمان، الملحق 1:23.