الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
سجع الكهان
المؤلف:
د. علي الجندي
المصدر:
في تاريخ الادب الجاهلي
الجزء والصفحة:
ص269 -271
23-03-2015
28727
كانت الكهانة موجودة عند العرب في الجاهلية، وكان للكهان قداسة دينية، ونفوذ كبير، إذ كانوا يوهمون العامة بأنهم يعرفون الغيب عن طريق ما يتلقون من الجن، وكان الناس يتجهون إليهم يحكمونهم في المنازعات. والمنافرات. ويستشيرونهم في أمورهم وبخاصة المستقبلة. ويقصون عليهم أحلامهم لكي يفسروها لهم. وأحيانا كان الكهان ينذرون بعض القوم بأحداث تقع لهم.
ولم تكن الكهانة مقصورة على الرجال، بل كان هناك نساء كاهنات كذلك. ومن أشهر الكهان: شق أنمار. وتحكي الأساطير عن خلقته أنه كان شق إنسان له عين واحدة. ويد واحدة ورجل واحدة. ومنهم سطيح الذئبي: ويقولون عنه إنه لم يكن فيه عظم سوى جمجمته؛ وأن وجهه كان في صدره؛ ولم يكن له عنق. ومنهم المأمور الحارثي: كاهن بني الحارث بن كعب، وعزى سلمة. ومن أشهر الكاهنات: طريفة الكاهنة: وكانت باليمن وفاطمة الخثعمية: وكانت بمكة، والزرقاء بنت زهير، وزبراء كاهنة بني رئام.
وكان الكهان في أحاديثهم يعمدون غالبًا إلى سجع مصطنع، فيه غموض وإبهام، وكأنما كانوا يقصدون زيادة التأثير في السامعين، وإلهاءهم عن التتبع لما يلقى إليهم من الأخبار التي كانت في منتهى الغرابة والعجب.
ومما ورد لهم(1) ما يروى أن حجرا أبا امرئ القيس رق لبني أسد، فبعث في أثرهم؛ فأقبلوا حتى إذا كان على مسيرة يوم من تهامة تكهن كاهنهم وهو عوف بن ربيعة فقال لبني أسد: "يا عبادي! قالوا: لبيك ربنا، قال: من الملك الأصهب، الغلاب غير المغلب، في الإبل كأنها الربرب، لا يعلق رأسه الصخب، هذا دمه ينشعب(2)، وهذا غدًا أول من يسلب. قالوا: من هو يا ربنا؟ قال: لولا أن تجيش نفس جاشية، لأخبرتكم أنه حجر صاحية، فركبوا كل صعب وذلول، فما أشرق لهم النهار حتى أتوا على عسكر حجر فهجموا على قبته وقتلوه".
ويروى أن شقًّا وسطيحًا اتفقا على تعبير رؤيا رآها ربيعة بن نصر اللخمي أحد ملوك العرب، فأخبره سطيح بإغارة الحبشة على بلاد اليمن بسجع متكلف يبعث على التردد في تصديقه، إذ قال: "أحلف بما بين الحرتين من حنش، ليهبطن أرضكم الحبش، وليملكن ما بين أبين إلى جرش"(3). وقال شق: "أحلف بين الحرتين من إنسان ليهبطن أرضكم السودان، وليملكن ما بين أبين إلى نجران".
ويقال إن زبراء أنذرت قومها غارة عليهم، فقالت: "واللوح(4) الخافق والليل الغاسق، والصبح الشارق، والنجم الطارق، والمزن الوادق(5)، إن شجر الوادي ليأدوا (6) ختلًا، ويحرق أنيابًا عصلا(7)، وإن صخر الطود لينذر ثكلًا، ولا تجدون عنه معلًا"(8).
ومن المؤكد أن الكهان كانوا يسجعون في كلامهم بمثل هذا السجع بدليل أنهم لما سمعوا القرآن ظنوه من هذا القبيل، فرد الله زعمهم بقوله تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ}. وقوله تعالى: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ، وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ}، وغير ذلك من الآيات.
وظاهر من نماذج نثرهم أن الكهان كانوا يستعملون السجع المتكلف الغامض، وفي جمل قصيرة، وغير واضحة المعنى، لكي تتحير الأذهان في فهم المقصود منها وأغلب الظن، بل يكاد يكون من المؤكد أنهم لم يكونوا يدركون حقيقة ما يقولون فكانوا يأتون بالألفاظ.
ويرصفونها بعضها بجانب بعض بدون وعي تام لمعانيها، ما دام السجع موجودا فيها، ويكتنفها الغموض والإبهام، مكتفين بالإيماء والتلميح، متخذين من حال مخاطبيهم النفسية ما يساعدهم على ذلك، كما يفعل ضاربو الرمل والحصى بيننا الآن.
ويرصفونها بعضها بجانب بعض بدون وعي تام لمعانيها، ما دام السجع موجودا فيها، ويكتنفها الغموض والإبهام، مكتفين بالإيماء والتلميح، متخذين من حال مخاطبيهم النفسية ما يساعدهم على ذلك، كما يفعل ضاربو الرمل والحصى بيننا الآن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأغاني جـ9 ص84.
(2) ينشعب: يسيل.
(3) مخلافان باليمن.
(4) اللوح: هنا الريح.
(5) الوادق: الممطر.
(6) يأدوا: يختل.
(7) عصلًا: معوجة.
(8) معل: ملجأ.