أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-02-27
1120
التاريخ: 2023-11-16
1327
التاريخ: 2023-11-15
823
التاريخ: 2023-03-06
1271
|
الجسيمات المشحونة كهربيًّا التي تتألف منها الذرات هي الإلكترونات والبروتونات وتتكون ذرة أبسط العناصر - الهيدروجين - في المعتاد من إلكترون وحيد (سالب الشحنة)، وبروتون وحيد يحمل القدر عينه من الشحنة، لكنها شحنة موجبة. ومن ثَمَّ، رغم أن الذرة يمكن أن تكون متعادلة الشحنة الكهربية إجمالا (كما الحال في أغلب صور المادة الكثيفة التي نألفها، فإنها تحتوي على شحنات كهربية سالبة وأخرى موجبة داخلها، وهذه الشحنات والقوى الكهربية والمغناطيسية التي تستشعرها هي التي تُبقي على الذرات داخل الجزيئات والمادة الكثيفة. سنتناول قوى الطبيعة الأساسية في الفصل السابع، لكننا سنركز هنا على هذه الجسيمات الأساسية ذات الشحنة الكهربية وكيف جرى استخدامها كأدوات لاستكشاف البنى الذرية والنووية.
استُخدِمَت حِزَم الإلكترونات منذ القرن التاسع عشر، رغم أنه لم يعلم أحد وقتها ماهيتها؛ فحين مرّر التيار الكهربي عبر الغازات تحت ضغط منخفض للغاية، أمكن رؤية حزمة رفيعة كالقلم الرصاص. هذه الحزم كانت معروفة باسم «أشعة الكاثود»، ونعلم الآن أنها تتكون من إلكترونات والمثال المألوف على هذه الأداة جهاز التليفزيون الحديث، حيث الكاثود هو السلك الساخن الموجود في الخلف، والذي تنبعث منه حزم الإلكترونات كي تظهر على الشاشة عندما ترتطم بها.
كانت مفاجأة عظيمة في القرن التاسع عشر حين اكتشف أن الأشعة يمكنها المرور عبر المادة الصلبة كما لو أن شيئًا لا يعترض طريقها. كان في هذا تناقض ظاهري؛ فالمادة الصلبة الملموسة صارت شفافة على المستوى الذري. وقد علق فيليب رينارد - الذي اكتشف هذا الأمر - قائلًا: «المساحة التي يشغلها متر مكعب من البلاتين الصلب خاوية، مثلها مثل الفضاء النجمي الموجود خارج الأرض.» قد تكون الذرات فضاء خاويًا في معظمها، لكن هناك ما يمنحها كيانها، ويمنح الكتلة لكل الأشياء. وقد صار من الجلي أن هناك ما هو أكثر من الفضاء بفضل أعمال إرنست رذرفورد في السنوات الأولى من القرن العشرين، وقد تحقق هذا بعد اكتشاف الإلكترون والنشاط الإشعاعي، وقد وفَّرَ هذان الاكتشافان الأدوات الضرورية للكشف عن البنية الداخلية للذرة.
اكتشف الإلكترون وتحدد بوصفه مكوناً أساسيًا للعناصر الذرية على يد جوزيف جون طومسون في عام 1897 إن الإلكترونات السالبة الشحنة الكهربية، موجودة داخل الذرة منذ أن تكوَّنَتِ الأرض، ومن السهل استخلاص الإلكترونات؛ إذ إن كل ما نحتاجه هو درجات حرارة قدرها بضعة آلاف درجة مئوية وحسب. ستعجل المجالات الكهربية الإلكترونات، وتمنحها طاقة، وبهذا تمكن حزم الإلكترونات العالية الطاقة من استكشاف البنى الصغيرة الحجم.
ليس الإلكترون هو الجسيم الذري الوحيد المستخدم في هذا الغرض؛ فهناك البروتون الذي يحمل شحنة كهربية موجبة تعادل شحنة الإلكترون السالبة، لكن كتلة البروتون أكبر على نحو واضح؛ إذ تبلغ نحو ألفي مرة قدر كتلة الإلكترون. صارت البروتونات الخيار المفضَّل لعمليات الاستكشاف دون الذري، لكن في البدء كان هناك كيان آخر مشحون كهربيًّا أدى دورًا رئيسًا، ونعني بهذا جسیم ألفا.
نعلم في وقتنا الحالي أن ألفا ما هو إلا نواة ذرة الهليوم؛ تجمع مضغوط جسیم من بروتونين ونيوترونين، ومن ثَمَّ فهو موجب الشحنة وأثقل بنحو أربع مرات من ذرة الهيدروجين المنفردة. سبب أهمية هذا الجسيم يرجع إلى أن أنوية العديد من العناصر الثقيلة تطلق جسيمات ألفا تلقائيًّا، ومن ثَمَّ توفِّر مصدرًا مجانيا لهذه المستكشفات ذات الشحنة الكهربية. تتكون أنوية العناصر الثقيلة من عدد كبير من البروتونات والنيوترونات المحتشدة معا على نحو محكم، وتحدث ظاهرة نشاط ألفا الإشعاعي حين تسعى النواة الثقيلة لاكتساب الاستقرار بأن تُطلِق تلقائيًا كُتَلا صغيرة تتكون من بروتونين ونيوترونين. لا تهمنا تفاصيل هذه العملية هنا، لكن يكفينا القبول بأنها موجودة، وأن جسیم «ألفا» يظهر حاملا طاقة حركة، ويمكنه اقتحام ذرات المواد المحيطة. وبهذه الطريقة تمكَّنَ إرنست رذرفورد ومساعداه جايجر ومارسدن من أن يكتشفوا لأول مرة وجود نواة الذرة.
حين قابلت جسيمات ألفا الذرات، تشتتت جسيمات ألفا بصورة عنيفة إلى حد ما، بل إنها في بعض الأحيان ارتدَّتْ عائدةً من حيث أتت هذا هو ما يحدث حين تكون الشحنة الموجبة للعنصر الثقيل، الذهب مثلا، متركزة في كتلة مركزية مضغوطة. لقد صُدَّتْ جسيمات ألفا الموجبة الشحنة بواسطة نواة الذرة الموجبة الشحنة، وارتدت عنها مثلما يرتد جسم خفيف. ككرة التنس، عند ارتطامه بجسم آخر ثقيل، ككرة القدم.
جسيمات ألفا أخف بكثير من أنوية الذهب، حيث أنها أثقل من البروتونات، التي يؤلف الواحد منها نواة ذرة الهيدروجين؛ لذا إذا وُجهت جسيمات ألفا صوب الهيدروجين،
شكل 3-1: نتائج ارتطام الأجسام الثقيلة والخفيفة بالأجسام الخفيفة والثقيلة على الترتيب.
فسيكون الموقف أشبه بما يحدث حين ترتطم كرة القدم الثقيلة بكرة التنس الخفيفة. في هذه الحالة ستميل كرة القدم إلى مواصلة طريقها، مطيحة بكرة التنس إلى الأمام في الاتجاه العام لحركتها نفسه؛ لذا حين ارتطمت جسيمات ألفا الثقيلة نسبيًّا ببروتونات الهيدروجين، اندفعت هذه البروتونات إلى الأمام. وقد تم الكشف عن هذا من خلال الآثار خلفتها في الغُرف السحابية.
بفضل هذه التجارب التي أُجريت في السنوات الأولى من القرن العشرين، ترسخت الفكرة الأساسية للذرة النووية وإجمالاً نقول إن الطريقة التي تشتتت بها جسيمات ألفا عن الذرات ساعدت في ترسيخ صورة الذرة التي نعرفها منذئذ: تكمن الشحنة الموجبة داخل مركز مضغوط كثيف نواة الذرة - بينما تطوف الإلكترونات السالبة الشحنة عن بعد في المحيط الخارجي للذرة.
لا تتسم جسيمات ألفا الموجودة على نحو طبيعي بالقوة الكبيرة، فهي تنطلق من الأنوية الثقيلة وهي تحمل بضعة من الميجا إلكترون فولت فقط من طاقة الحركة — أو ما يساوي ذلك من الزخم البالغ بضعة من الميجا إلكترون فولت مقسومة على سرعة الضوء - ومن ثَمَّ فهي قادرة فقط على استكشاف البنى الواقعة في نطاق مسافات أكبر من 12-10 أمتار فقط. هذه الأحجام أصغر من أحجام الذرات، وبهذا تصير جسيمات ألفا مفيدة في استكشافها، لكنها لا تزال أصغر بكثير من نطاق الـ 14-10 أمتار الخاص بالنواة الكبيرة الحجم، كنواة الذهب، ناهيك عن نطاق الـ 15-10 أمتار الخاص بأحجام البروتونات والنيوترونات المنفردة التي تتحد كي تكون هذه الأنوية. لذا رغم أن جسيمات ألفا كانت ملائمة لاكتشاف وجود أنوية الذرات، فإن رؤية ما بداخل هذه الأنوية تطلبت حزم جسيمات ذات طاقة أكبر.
في ضوء هذا المقصد، صار لدينا بدايات فيزياء الجسيمات العالية الطاقة الحديثة. ففي عام 1932 بني أول معجل للجسيمات ذات الشحنة الكهربية على يد كل من كوكروفت ووالتون، وبدأت تتضح صورة تفصيلية لبنية النواة، وللجسيمات المكونة لها. يمكننا استخدام حِزَم الأنوية الذرية، لكن رغم أن هذه كانت في حقيقتها (مهشمات ذرات أو بالأحرى أنوية) وساعدت على تحديد نمط النظائر النووية (أشكال من العنصر نفسه تحتوي على العدد نفسه من البروتونات، لكن تحتوي على عدد متباين من النيوترونات) وتفاصيلها، فإن أوضح المعلومات عن المكونات النووية الأساسية جاءت باستخدام أبسط الحزم. تحتوي نواة الكربون في المعتاد على ستة بروتونات وعدد مماثل من النيوترونات؛ ومن ثَمَّ يتخلَّف قدر كبير من الحطام حين ترتطم نواة الكربون بنواة أخرى، وبعض هذا الحطام يأتي من نواة الكربون نفسها والبعض الآخر من النواة الأخرى. وهذا يسبب صعوبة بالغة في تفسير النتائج. ومن الأبسط بكثير استخدام حزمة من البروتونات فقط، وهذا كان ويظل أحد السبل الرئيسة لسبر أغوار النواة، والمسافات إلى نطاق 19-10 أمتار اليوم.
ظلت البروتونات الموجبة الشحنة هي المفضلة لما يزيد على الخمسين عاما؛ وذلك لأنها تضرب بقوة كبيرة. ومع ذلك، للإلكترونات مزايا خاصة وأغلب معارفنا الحالية حول بنية نواة الذرة - بل حتى معارفنا بشأن البروتونات والنيوترونات المكونة للنواة - ناتجة عن التجارب التي تستخدم حزم الإلكترونات.
يسبب النشاط الإشعاعي على صورة تحلل بيتا - إشعاع «بيتا» - انبعاث الإلكترونات، ويمكن استخدام هذه الإلكترونات لسبر أغوار بنية الذرة، إلا أن هذه الإلكترونات لها طاقات قدرها بضعة من الميجا إلكترون فولت وحسب، كما الحال في جسيمات ألفا، ومن ثَمَّ فهي تعاني من القصور عينه؛ إذ إنها تمكننا من رؤية النواة كيف نعلم ممَّ تتكون الأشياء، وما الذي وجدناه إلى الآن؟
مثلما تمكننا جسيمات ألفا، لكن دون القدرة على استكشاف البنية الداخلية للنواة. كان مفتاح التقدم هو تأيين الذرات، وتحرير واحد أو أكثر من إلكتروناتها، ثم تعجيل حركة حزمة الإلكترونات المتراكمة بواسطة مجالات كهربية. وبحلول منتصف خمسينيات القرن العشرين في ستانفورد بكاليفورنيا، بدأت حِزَمٌ ذات طاقات قدرها 100 ميجا إلكترون فولت إلى 1 جيجا إلكترون فولت في استكشاف مسافات تقترب من 15-10 أمتار. بدأت الإلكترونات المرتدة عن البروتونات والنيوترونات في الكشف عن أدلة على وجود طبقة أعمق من البنية داخل هذه الجسيمات النووية. بيَّنَتْ هذه التجارب أن النيوترون، رغم أنه متعادل كهربيًّا، إجمالا له تأثيرات مغناطيسية وغيرها من الخواص التي توحي بأن هناك شحنتين كهربيتين داخله؛ شحنة موجبة وأخرى سالبة متعادلتين بصورة ما، مثلما هو الحال داخل الذرة. وجد أيضًا أن البروتونات لها حجم محدد، يمتد عبر مسافة في نطاق 15-10 أمتار. وما إن تأكَّد أن البروتونات ليست جسيمات نقطية، تبادر السؤال بشأن كيفية توزيع الشحنة داخل البروتون. تذكَّرنا هذه التساؤلات بما كان عليه الحال منذ سنوات في حالة الذرة، وقد جاءت إجاباتها بطرق مشابهة. في حالة الذرة، تم الكشف عن نواتها المركزية الصلبة بواسطة تشتت جسيمات ألفا، وفي حالة البروتونات، كان من شأن حزم الإلكترونات العالية الطاقة أن تمنحنا الجواب.
عام 1968 مكَّننا المعجل الخطي البالغ طوله ثلاثة كيلومترات في ستانفورد، من إلقاء أول نظرة واضحة داخل نواة الذرة، واكتشاف أن ما نعرفه باسم البروتونات والنيوترونات ما هو إلا كرات من «الكواركات المحتشدة.
في طاقات أعلى من 10 جيجا إلكترون فولت، تستطيع الإلكترونات استكشاف مسافات قدرها 19-10 أمتار؛ أي أصغر عشر مرات من البروتون ككل. حين قابلت الإلكترونات البروتون، وجد أنها تتشتت بعنف. يشبه هذا ما حدث منذ نحو ٥٠ عاما مع الذرة؛ فبينما كشف التشتت العنيف لجسيمات ألفا المنخفضة الطاقة نسبيًّا عن أن للذرة قلبًا صلبًا مشحونا، نواتها، بيَّن التشتت العنيف غير المتوقع للإلكترونات العالية الطاقة أن شحنة البروتون مركّزة في أجسام «نقطية»، أو الكواركات (نعني بكلمة «نقطية» في هذا السياق أننا نعجز عن تبين ما إذا كان لها أي بنية داخلية خاصة بها من عدمه). ووفق أفضل التجارب التي يمكننا القيام بها اليوم، تبدو الإلكترونات والكواركات بمنزلة المكونات الأساسية للمادة الكثيفة إجمالا.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|