دور السوريين في تطور المقال في الصحافة المصرية

يمكن القول، إن تطور الكتابة المقالية، كانت وراءه جهود حثيثة لرعيل مهم من رواد الصحافة وخاصة الصحفيين السوريين الذين هاجروا إلى مصر، وكان لهم إسهامهم الواضح في النهضة الصحفية والثقافية.

وها هو (داوود بركات) رئيس تحرير (الأهرام) يقول سنة 1917م إنه: بعد أن كان الصحفي البارع يدبج الفصل الطويل المسجع يملأ به صفحات جريدته، وإن خلا من المعني، بات الصحفي يعالج موضوعه معالجة المصور يرسم ما يريد تصويره. وبعد أن كان يكتب ليرضي فقط صار يكتب لينفع، ويقول، إن الصحافة قوتان: هي الرأي والمادة، وهي عندنا ضعيفة إذا قيست بقوة الصحافة الأوروبية.

ثم عاد عام 1923 فصور تطور الصحافة من ناحية الأسلوب، فقال إنه دخل على لغة المحررين شيء كان مستنكرة عند القدماء، كالألفاظ الجارحة والعبارات القاسية. كان القدماء يبحثون عن العبارة اللينة والكلمة الملطفة ليؤدوا بها المعنى الشديد الجارح، ويتحامون الألفاظ الخشنة. وقال: إن العبارات الإنشائية قد ترك منها السجع والمترادفات.  

أما (جبرائيل تقلا) الذي رأس تحرير (الأهرام) وعمل فيها بين عامي 1912و1943، فكان يرى أن مهمة الصحفي تيسير المعرفة للقراء، ويؤمن بأن الخطأ المشهور خير من الصواب المهجور، وحدث أن قرأ في الأهرام خبرا عن تعذيب مسجون فاصطدم بهذه العبارة (وقد قرر الطبيب الشرعي أن المسجون وجدت في ظهره جروح من أثر المشق بالسياط). فدعا إليه المحرر الذي كتب الخبر وقال له: إما أن تغير هذه العبارة بكلام مفهوم أو تذهب الآن وتعد 50 ألف نسخة من أحد القواميس لتفهم القراء، أن (المشق) بالسياط يعني الضرب بالكرابيج.   

وكان (أنطون الجميل الذي رأس تحرير (الأهرام) بين عامي 1923 و1949، يؤمن: بأن الصحفي يجب أن يكون أديبة، وأن مؤسسي الصحافة العربية كانوا هم أركان النهضة الأدبية، وأن من يكتب تاريخ الصحافة عندنا يكتب تاريخ الأدب في تلك الحقبة من الزمن. وقال: إن الصحافة قد ارتفعت إلى المنزلة التي صارت إليها وأصبحت أشبه بدائرة معارف شاملة عامة وبات الارتباط وثيق بينها وبين الأدب.  

وقدم (خليل ثابت) اسهامات كبيره في تطوير الصافة ولغة التحرير الصحفي وهو الذي عمل في صحيفة (المقطم) اعواما طويلة ورأس تحريرها عام 1913 ويقور مؤرخره: ان الصحافة المصرية مدينة له بطائفة من التعبيرات المتداولة، فقد اغنى الصحافة بمصطلحات كثيرة وقيل انه ادق صحفي في اختيار الالفاظ وقد كان يكتب الافتتاحية ويترجم التلغرافات ويراجع البروفات.(1)

_________________________

(1) أنور الجندي الصحافة السياسية في مصر ص 144.