أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-2-2022
6407
التاريخ: 26-1-2016
3352
التاريخ: 21/11/2022
1841
التاريخ: 11-6-2017
2057
|
إذا كان التوافق في صوره القديمة يتلخص في تعليم الأبناء لمهنة الآباء ليصبحوا قادرين على الإنتاج والاعتماد على أنفسهم. فإن هذه المهمة في العصر الحديث قد أوكلت إلى المدرسة، لكي تهيئ الأطفال لدخول المجتمع والتكيف معه. وهذه العملية المعقدة تستغرق وقتاً طويلاً تبدأ في سن الخامسة أو قبل ذلك أحياناً وتستمر إلى ما بعد العشرين، يقضي فيها المتعلم ما يقارب ربع حياته، ويكمل في البيت، ما طلبت إليه المدرسة إنجازه.
ولما كان المجتمع قد وصل إلى درجة من التعقيد، فالمدرسة هي الأخرى تواجه صعوبة في مسايرة حركة التطور الاجتماعي، إذ هي أصبحت ملزمة بتغيير وتعديل مناهجها تارة والتدخل في سلوكيات روادها تارة أخرى، لأنها تعدهم لمجتمع متغير، متحول. من هنا تبدو عملية التوافق المدرسي ضرورية ولا سيما أن الحاجة أصبحت ملحة إلى أخصائيين في جميع المجالات العملية والحياتية.
وتنازل الأهل طائعين عن قسم أكبر من مسؤولياتهم تجاه أولادهم لصالح المدرسة، التي عهدوا إليها القيام بمهمة التعليم والتهذيب والتربية بالنيابة عنهم. وما إرسال الأهل لأطفالهم قبل سن الخامسة من العمر إلى مدارس الروضة إلا انعكاساً للرغبة التي تحدوهم في كسب سنوات من عمر الولد، يقضيها في عهدة معلمين متخصصين، فيريحون أنفسهم وينصرفون إلى إتمام الأعمال الحياتية للإنفاق على أولادهم.
وأولى عمليات المقاومة لعملية الانفصال عن البيت والتوجه قسراً إلى الروضة وإلى. المدرسة الابتدائية، تبدو في البكاء والعويل الذي نشهده على أبواب هذه المدارس في الأيام الأولى للسنة الدراسية، حيث تتعالى أصوات الأطفال رافضة، مستجيرة طالبة النجدة من هذا المأزق، وهذا الموقف الصعب الذي وضعوا به، إنه دفع قسري للتكيف والتوافق مع مجتمع جديد يجهلونه، وكل ما يعلمونه عنه، أنه مقيد للحرية، فلا حركة حرة، ولا لعب، ولا تناول طعام في كل وقت، ولا كلام إلا بإذن خاص، ولا هواء طلق. ولا ألعاب إلا في أوقات خاصة ومحدودة يقطعها صوت جرس المدرسة، وهم في ذروة النشوة، والويل لمن يتأخر، ولم يستجب لصوت (هذا الجرس اللعين).
كل هذه الصورة الوهمية تتجمع في ذهن الطفل لتشكل هاجساً كبيرا أو كابوساً مرعباً هو الذي يدفعه إلى البكاء المر والمعارضة الشديدة لدخول هذا (القفص)، يضاف إلى ذلك وهو الأهم مفارقة الصديقة، العزيزة، الحنونة، العطوفة، الأم إلى وجه جديد لم يألفه بعد فتزيد مأساته وتشتد معارضته.
هذا الفطام الذي نطلق عليه عبارة (الفطام الثاني)، وذلك بعد الفطام الأول الذي يتمثل بتحول الطفل عن حليب الأم إلى الغذاء الخفيف، فإلى أطعمة الكبار. هذا الفطام الثاني المتمثل بسلخ الولد عن أسرته، عن الأم، والبيت، والأخوة لهو أشد وأبلغ من الفطام الأول، لأنه يحدث هنا، وقد ترسخت علاقاته الوجدانية مع من يحيط بهم. من أجل ذلك سارت هذه العملية بخطين متوازيين أحدهما يتولاه الأهل، الذين عليهم إعداد الولد بأساليب التشويق لهذه النقلة المهمة، ولا بأس من مرافقة الأمهات لأطفالهن ليبقين إلى جانبهم في المدرسة لبعض الوقت، ريثما يألفون الأجواء الجديدة. والثاني تولته الإدارة المدرسية والمعلمون الذين فتحوا الأبواب والقلوب لاستقبال الوافدين الجدد، وخففوا من القيود النظامية الثقيلة عن هؤلاء التلامذة مع منحهم بعض الامتيازات عن بقية رفاقهم في الصفوف والمراحل المتقدمة. وما أدخل إلى رياض الأطفال من تطوير في الشكل والمضمون، سوى الدليل الواضح على الرغبة في تخفيف وطأة هذه النقلة من مجتمع إلى مجتمع جديد، ولتخفيف تأثيرات عملية الفطام الثاني هذه وتجاوزها بسلام.
ويدخل الطفل الروضة أو المدرسة، وتبدأ معاناة التوافق المدرسي، التي تسلمها المدرسون بما أوتوا من حكمة وصبر وتؤدة، وعطف شديد ليحلوا محل الأب أو الأم، وتحويل علاقة الطفل الجديدة معهم إلى علاقة أبوة أو أمومة، فهم أهل جدد، وأخوة جدد. وبذلك يزول عامل القلق والخوف ليحل محله عامل الرضا والاطمئنان. والمعلم وهو البديل للأب. والمؤهل الأول لعملية توافق التلميذ مع الجو المدرسي، تقع على عاتقه مسؤوليات جسام، لذلك ينبغي عليه أن يكون مربياً قبل أن يكون معلماً ملماً بمادته، يسوقها إلى التلميذ بأسلوب مشوق، حتى لا ينفر منها هذا التلميذ، وينفر بالتالي من المدرسة، وأن يكون موجهاً ومرشداً، يعمل على إشباع رغبات تلامذته بالطرق التربوية المناسبة.
وحتى يستطيع المعلم أن يحقق هذا التوافق بين التلميذ، وبين الأجواء المدرسية عليه أن يكون متوافقاً هو نفسه مع مهنته، يحبها ويخلص لها، فلا يشعر التلميذ بالكراهية، والظلم والنفور، لأن الرمز ساعتذاك يسقط، ومتى سقط الرمز، سقط المرموز إليه.
وإذا المعلم لم يشبع حاجات تلميذه بما ينبغي أن تشبع، فهو يلوذ برفاق السوء ليرتبط معهم بعلاقات مشبوهة، إذ تجمع هؤلاء الرفاق مشاعر الإحباط والفشل وكراهية المعلم، ويشكل أفراد العصبة هذه (مدرسة داخل المدرسة)، تقود حركة التطرف والانحراف. وهنا يأتي دور رقابة المدرسين والأهل لمنع تشكيل هذه الجماعة أو انضمام الولد إليها.
العوامل التي تساعد على التوافق الدراسي:
1- إتاحة فرص التعليم أمام الجميع. والمساواة بين التلامذة.
2- الكشف عن القدرات، وتوجيه المتعلم وفق هذه القدرات.
3- خلق روح التنافس الخير بين التلامذة، وتشجيع العمل الجماعي.
4ـ الاهتمام بالوسائل التعبيرية الشفوية، كعمليات الخطابة والمسرح.
5- تدريس المواد المتعلقة باختصاص التلميذ المستقبلي، وعدم تحميله من المواد الدراسية ما هو فوق طاقته.
أما عن سبب عدم توافق التلامذة مع مواد دراسية معينة، فقد أجريت استفتاءات بين طلبة المدارس حول هذا الموضوع بتوجيه سؤال: (لماذا لا يرغب بتعلم هذه المادة)؟، فكانت الاجابات متنوعة وكلها تدل على تبريرات يوجدها التلميذ لدعم حجته، وهذه الإجابات متفاوتة بين القول بأنها مملة، رتيبة، لا جدوى منها. وبين نفور من المدرس وطريقة تدريسها، أو سلوكيات هذا المدرس مع التلامذة، إذ يعمل بطريقة غير مباشرة على تنفيرهم منها كأن يفرضها عليهم فرضاً، أو يقول لهم كما هو سائد في معظم المدارس (لا شأن لي في الأمر، أنا أدرس مقررا كلفت بتدريسه من قبل وزارة التربية، وليس أكثر)، أو أن يقول: هي مادة يجب أن تدرسونها لأن الرسوب فيها يلغي الامتحان. مثل هذه الأقوال غير المقبولة من المدرس تعزز نفور التلامذة من المادة، فيحسون فعلاً أنهم يدرسون أمراً ليسوا بحاجة له، ولا يميلون إليه، فهم مكرهون على قراءته.
ويلاحظ أن مسألة ترك المدرسة في مستهل المرحلة الثانوية، غالباً ما يكون مسبوقاً بفشل في التوافق الدراسي، والمعالجات التقليدية التي تجري للحيلولة دون ترك المدرسة لا تجدي نفعاً، بل تزيد التلميذ إصراراً، بتركها وهو وإن رضخ للتوسل من قبل أهله واستمر في الدراسة، فهذا الرضوخ قسري ولن يستمر طويلاً، والحلول هنا هي في عدم تأجيل الجهود المبذولة لعدم التوافق المدرسي، حتى تصل إلى هذه النقطة، إذ تصبح مرضاً مستعصياً يصعب معه العلاج، والمفضل أن تجري هذه المعالجات منذ ظهور الملامح الأولى لعدم التوافق المدرسي والعمل على توضيح ما هو غامض من الأمور، وخلق الأجواء المساعدة على التكيف مع المدرسة.
وفي استفتاءات مبدئية حول الرضا وعدم الرضا عن البرامج المدرسية والعمل المدرسي بين صفوف الطلاب، تبين أن مجموعة الطلاب التي أعربت عن عدم الرضا كان أفرادها من غير المتوافقين مع العمل المدرسي، ومعظمهم قد ترك المدرسة بعد ذلك بقليل. وفي تحليل الأسباب الكامنة وراء نفورهم هذا تبين وجود أمرين ملفتين:
أولهما: عدم الرضا عن المعلمين والمناهج والطريقة التي تدرس فيها.
ثانيهما: النقمة العارمة على المجتمع المحيط بها، والذي لا يوفر الفرصة للمتعلمين ليعيشوا حياة حرة كريمة، مما يعمل على انخفاض الدافعية، فاليأس، فترك المدرسة.
- وإعادة أسباب الفشل المدرسي في الغالب إلى نقص الذكاء، أو نقص القدرة أو قلة الاستذكار، أمر مشكوك فيه، أو هي على الأقل أسباب ظاهرية، لكن الدراسة في العمق تظهر أن المسألة مسألة توافق أو عدم توافق مع النظام المدرسي فالولد غير المتوافق مع الجو الأسري، قد يصعب عليه التوافق مع الأجواء الدراسية فهو يتكيف قسراً.
والمدرسة تغذي الفوارق في القدرات، فتبرز نخبة من المتفوقين ليطمحوا بالوصول إلى مراكز قيادية في مجتمعهم، تؤهلهم لها كفاءاتهم العلمية، والتعليم الديمقراطي هو الذي يخلق الأجواء الكافية لتفتح هذه الإمكانيات أمام جميع أفراد الشعب ولا تعارض التربية الديمقراطية من أن يكون من الأهداف التربوية اختيار النخبة القادرة على قيادة المجتمع، وتفسح في المجال أمام تصعيد طبقة من الفقراء لتتسلم مثل هذه المراكز القيادية، بفضل نشاطها وإخلاصها وقدراتها وانتمائها إلى فئة النخبة أو الصفوة.
والطلاب هم الفئة الكبرى القادرة على التأثير على نظام الحكم، بما لها من امتداد شعبي في وسط طبقات المجتمع، وما لها من قوة تأثير منطقية وعلمية على تحريض الجماهير وتوجيهها. والحركات الطلابية غالباً ما ترتدي طابع الثورة والتغيير كما حدث في فرنسا سنة 1968، وما قيام الطلاب بالمناداة باتحادات طلابية، وإجراء انتخابات حرة، لا تتدخل فيها السلطات السياسية، سوى جزء من هذه الثورة - ثورة الشباب على المجتمع التقليدي.
وبدأت في بعض بلدان العالم تقوم عمليات امتصاص لنقمة هؤلاء الطلاب كإشراكهم في مراكز قيادية، ومجالس تمثيلية، وتحميلهم المسؤولية أسوة بغيرهم من رجال السياسة، فينزع بذلك فتيل الثورة الشاملة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|