المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



النظام القانوني لمنهج القواعد الموضوعية  
  
1651   01:36 صباحاً   التاريخ: 10/11/2022
المؤلف : خليل ابراهيم محمد خليل
الكتاب أو المصدر : تكامل مناهج تنازع القوانين
الجزء والصفحة : ص126-133
القسم : القانون / القانون الخاص / القانون الدولي الخاص /

يرتبط مفهوم النظام القانوني بالدولة، في ظل المفهوم التقليدي الذي يربط بين القانون والدولة بوجود التنظيم وهو الدولة ذاتها، ووجود القواعد التي تضعها السلطة التشريعية، وتضمن هذه القواعد للجزاء. لذلك لا يمكن أن يتصور وجود قواعد قانونية إلا في ظل مجتمع سياسي منظم يخضع لسلطة عليا تصدر عنه هذه القواعد، وهو ما لا يصدق إلا على المجتمعات الداخلية للدول المختلفة. إلا أن مثل هذا القول لم يعد صحيح على إطلاقه من وجهة نظر جانب من الفقه (1) الذي يرى انه يكفي لتكوين القاعدة القانونية بوصفها قاعدة سنوك أن تنتمي إلى مجتمع منظم ولو لم يكن مجتمعا داخليا لدولة معينة، فالدولة ليست الكيان الاجتماعي الوحيد القادر على تكوين القانون. لذلك نجد أن هناك مجتمعا للبائعين والمشترين من التجار ورجال الأعمال المتعاملين عبر الحدود، إذ يشعر أعضاء هذا المجتمع المتضامن والذي أصبح حقيقة يتعذر إنكارها، بأهمية وضرورة القواعد التي تحكم معاملاتهم في إطاره حتى يمكن لهم إدراك مصالحهم المشتركة، وهذا المجتمع قد أصبح مجتمع منظمة له مؤسساته التي تفرض الجزاء عند مخالفة قواعده العرفية ذات النشأة التلقائية، وهي تتمتع بقوة الالتزام الذاتي التي تفرض على القاضي والمحكم بصفة خاصة تطبيقها من تلقاء نفسه. لذلك فمفهوم النظام القانوني يمكن أن يوجد في كل جماعة منظمة على نحو كاف، ويتوافر لها أجهزة تمارس سلطة معينة على أعضاء تلك الجماعة بصدد العلاقات والروابط التي تنشأ بينهم، ولو لم يتوافر لها وصف الدولة لأنها لا تحتكر صناعة القانون لوحدها، ومن ثم يمكن أن يوجد أكثر من نظام قانوني إلى جانب النظام القانوني الذي توجده الدولة مادام العنصران الزمان قد توافرا لقيام أي نظام بصفة عامة وهما التنظيم والقواعد(2) ولكن يجمعها كلها النظام القانوني الوطني للدولة بالمقابلة للنظام القانوني الدولي.

وأمام هذا الرأي وذاك كان هناك خلاف حول مدى تمتع منهج القواعد الموضوعية بالنظام القانوني، إذ ذهب رأي إلى إنكار وصف النظام القانوني للقواعد الموضوعية، وذهب رأي آخر إلى الاعتراف بالنظام القانوني للقواعد الموضوعية إلا أنه نظام غير كامل، في حين نجد أن هناك اتجاه اعترف بصفة النظام القانوني الكامل للقواعد الموضوعية (3)، ونبين الآراء الثلاثة فيما يأتي:

أولا: إنكار النظام القانوني للقواعد الموضوعية: أنكر جانب من الفقه (4) صفة النظام القانوني على مجموع القواعد الموضوعية ويستند هذا الرأي إلى أسباب عدة في إنكاره لصفة النظام القانوني لهذه القواعد منها:

1. افتقاد القواعد الموضوعية العمومية والتجريد: إذ من المعلوم أن من خصائص القاعدة القانونية أنها عامة ومجردة، وهذا يعني أن خطابها لا يتوجه إلى شخص معين أو واقعة معينة، وإنما العبرة فيه بعموم الصفة وبتحقق الشروط، إذ تنطبق القاعدة على كل واقعة تتحقق بشأنها الشروط المطلوبة وعلى كل شخص اجتمعت له الصفات اللازمة، وصفة التجريد تنصرف إلى عنصري القاعدة القانونية وهما الفرض والحكم، فالقواعد الموضوعية حسب هذا الاتجاه لا تتصف بالعمومية و التجريد، لأنها تراعي مصلحة الطرف القوي اقتصادية على حساب الطرف الضعيف في العلاقة القانونية وذلك برعاية مصلحة الشركات عبر الدولية وتحييد دور القاضي الوطني كأداة توجيه للاقتصاد القومي، وبصفة خاصة داخل الدول النامية، وحتی بالنسبة للقواعد الموضوعية التي تستقر بمقتضى القضاء الخاص بالتحكيم الدولي وعلى الرغم من أنصافها بالتجدد المستمر، فإنها هي الأخرى لا تتصف بالتجريد، نظرا لكونها غير سابقة الوجود، بل وجدت لواقعة بذاتها، ولأجل أشخاص معينين، وهذا ينفي عنها صفة العمومية (5).

2. افتقاد القواعد الموضوعية لجزاء يكفل احترامها: إن أي نظام قانوني لا يقوم له أساس ما لم تقترن قواعده بجزاء يحمل الأفراد على احترامها واستمرارها على غرار النظام القانوني للدولة الذي يتميز بوجود الجزاء أو تضطلع الدولة بتوقيعه عند الاقتضاء، بينما القواعد الموضوعية للقانون التجاري الدولي تفتقد إلى ذلك الجزاء وأن الجزاء الخاص لهذه القواعد كما يقول به أنصار القواعد الموضوعية يظل في دائرة أحكام التحكيم الذي لا يتأتي في الوسط التجاري أو التجمع المهني بل في اللجوء إلى السلطات العامة في الدولة التي تملك رفض ذلك التنفيذ ومن ثم يصبح قرار التحكيم عديم القيمة، ففكرة النظام القانوني إذا تفترض وجود بنیان وتنظيم ومؤسسات ومن ثم وجود سلطة تمنح كيانة وفعالية لقواعد هذا النظام (6). وأصحاب المنهج الموضوعي ذاته يرون بأنه لا يمكن التأكيد بوجود جزاء مستقل للقواعد الموضوعية عن كل تدخل للدولة في ظل الوضع الراهن للقانون التجاري الدولي، فهو لا يعرف غير وسائل الجير التي تملكها الدولة(7).  

3. افتقاد القواعد الموضوعية للقواعد الآمرة: إذ لا يقوم نظام قانوني متكامل إلا بوجود قواعد قانونية آمرة، والملاحظ على القواعد الموضوعية للتجارة الدولية أنها تتسم بالطابع المكمل في أغلب قواعدها، إذ يتوقف إعمالها على إرادة المتعاقدين، فهي لا تصلح من ثم لان ينشأ عنها نظام قانوني مستقل (8). لذلك نجد أن جانبا من الفقه (9) يشير إلى أن عادات التجارة الدولية وأعرافها وان شكلت قواعد قانونية قادرة على حكم وتنظيم العقود الدولية إلا أن تلك القواعد ليست إلا قواعد تخييرية أو تكميلية فهي لا تطبق بقوة سريانها بل لابد أن يقرر الأطراف بإرادتهم الصريحة أو حتى الضمنية، رغبتهم في سريان أحكامها. 4. افتقاد القواعد الموضوعية للجماعة والتنظيم: إذا كان جوهر أي نظام قانوني يقتضي توافر عنصرين هما: وجود تنظيم له وجود حقيقي وملموس لوحدة اجتماعية معينة، ووجود قواعد قانونية، فانه من الصعب الاعتراف بصفة النظام القانوني لقواعد القانون التجاري الدولي لأنه من العسير القول بوجود عنصر التنظيم الجماعة التجار ورجال الأعمال العابرة للحدود والذي يعطيها صفة الوحدة والتماسك، فالتوسع الحالي في التجارة الدولية بين أشخاص ينتمون إلى أنظمة قانونية مختلفة أدى إلى وجود جماعات متباينة من التجار لكل منها عاداتها وأعرافها الخاصة التي تعبر عن مصالحها التي تتعارض ومصالح غيرها الأمر الذي لا يتفق وفكرة التنظيم اللازمة لوجود أي نظام قانوني بصفة عامة (10)

ومن الجدير بالذكر أن الاتجاه المنكر لصفة النظام القانوني على القواعد الموضوعية تقتصر على القانون التلقائي الذي يعد مصدرا للقواعد الموضوعية، دون أن تشمل القواعد الموضوعية التي يكون مصدرها الاتفاقيات الدولية (11)، كما لا يشمل من باب أولى القواعد الموضوعية ذات المصدر التشريعي الداخلي، إذ أن هذه القواعد لا خلاف بشأنها بخصوص اتصافها بالقواعد القانونية المشكلة لأي نظام قانوني.

 ثانيا: الاعتراف بالنظام القانوني الكامل للقواعد الموضوعية: يذهب الاتجاه الثاني (12) إلى الاعتراف بتوافر خصائص القاعدة القانونية في القواعد الموضوعية ومن ثم الاعتراف بكونها تشكل نظام قانونية مستقلا موازية للنظام القانوني الذي تضعه الدولة لتنظيم الروابط الدولية، إذ أن القواعد الموضوعية لا تختلف عن القواعد القانونية الأخرى إذ تتصف بالعمومية و التجريد، وتكون مصحوبة بجزاء توقعه السلطة المختصة عند الاقتضاء، إذ أن سلطة الدولة لا تعد هي السلطة الوحيدة لا يجاد القواعد القانونية ولا يجب الربط بين الدولة و القانون وإلا كان ذلك إنكارا لقانونية القواعد التي تنشأ على هامش قانون الدولة كالقواعد العرفية، فهناك من القواعد القانونية التي نشأت على هامش قانون الدولة صدرت عن منظمات مهنية واكتسبت صفة الإلزام ووضعت جزاءات على مخالفتها، وينتهي هذا الرأي إلى أن القواعد الموضوعية للقانون التجاري الدولي تعد من القواعد التي تشكل قواعد قانونية حقيقية تتخذ صفتها وقيمتها القاعدية م ن عوامل عدة (13) أهمها:

1. وجود المجتمع المتماسك للمتعاملين في ميدان التجارة الدولية: إن وجود الجماعات المتعددة داخل مجتمع التجارة الدولية يؤدي حتما إلى وجود مصالح مشتركة تدفع تلك الجماعات إلى التعاون والتضامن فيما بينها، وهذا التضامن والتعاون بين رجال التجارة الدولية أضحى حقيقة واضحة وتكونت لهذا المجتمع العناصر اللازمة لنشأة النظام القانوني، فمؤسسات ومنظمات مجتمع التجارة الدولية بل وجهازه القضائي المتمثل بالتحكيم يؤكد ذلك، وضرورة التعامل على المستوى الدولي تستلزم أن يكون لهذا المجتمع قانونه الذي يوجده بنفسه وفقا لحاجاته ومتطلباته الذي يشعر هو بأهميتها، وإذا ما وجدت الجماعة المتماسكة بدرجة كافية في معاملاتها وعلاقات أعضائها اكتسبت قواعدها صفة القواعد القانونية ذات الأصل العرفي(14).

هذا وان تعدد الجماعات العاملة في ميدان التجارة الدولية وتعدد عاداتها وأعرافها والتي تعبر بالضرورة عن مصالحها المختلفة، لا يعني بالضرورة تعارض هذه المصالح لوجود حد أدنى من المصالح المشتركة بين التجار ورجال الأعمال تدفعهم إلى التضامن الإدراك هذه المصالح مما يعني وجود مجتمع مستقل للتجارة ورجال الأعمال عبر الحدود ولا ينقصه التنظيم الذاتي (15).

2. وجود الأجهزة التي تعمل على احترام القواعد الموضوعية: وتعمل هذه الأجهزة على احترام القواعد السلوكية في إطار القانون التجاري الدولي وهي ممثلة بهيئات التحكيم، فالتحكيم سلطة قضائية حقيقية تساعد على صيانة و استقلال المجتمع الدولي للتجار ورجال الأعمال، وتمنح قواعده القيمة القاعدية التي تتمتع بها قواعد القانون الوطني (16) .

3. وجود جزاءات ذاتية خاصة للقانون التجاري السائد في مجتمع التجار: وهذه الجزاءات تلائم أشخاص هذا المجتمع ويفرضها قضاؤه المستقل عن الدولة التحكيم- إذ يضمن له الاحترام المتطلب لقواعده الآمرة الذي يضفي على هذه القواعد ويكفل صفتها الوضعية التي يصعب إنكارها(17). فهناك جزاءات مالية كتقديم الكفالة لضمان مصاريف التحكيم أو عدم تنفيذ الحكم، كما أن هناك جزاءات أدبية كنشر أو إذاعة من صدر الحكم ضده عن تقاعسه عند التنفيذ، كما أن هناك جزاء أت تتضمن الحرمان من بعض الحقوق كالمنع من إجراء التحكيم في المستقبل، أو المنع من ارتياد البورصات، أو الأسواق التجارية العالمية الأمر الذي يؤدي إلى التأثير في سمعتهم في هذه الأسواق (18)

وإذا كان القضاء يسمح بتنفيذ أحكام المحكمين الذين يطبقون عادات التجارة الدولية وأعرافها، فذلك لا يعني تجريد النظام القانوني للتجارة الدولية من صفته بدعوى أنه يعتمد في تنفيذه على تلك الجزاءات على السلطة القضائية في الدولة التي يراد تنفيذ الحكم فيها، بقدر ما يعني اعتراف هذا القضاء بوجود هذا النظام الذي يقوم على تحرير عقود التجارة من هيمنة القوانين الوطنية (19). كما أن أنعدام الجزاء في هذه الحالة الأخيرة لا يقلل من القيمة القاعدية للقواعد الذاتية للتجارة الدولية لان هذا الجزاء في القاعدة القانونية ولزومه لها أمر ما زال محل نظر وخلاف في الفقه  (20)

وفي النهاية فان مضمون هذا الاتجاه يقضي بان القواعد الموضوعية لقانون التجارة الدولية تشكل نظام قانونية بكل معنى الكلمة وهو نظام قانوني كامل له قدرته على الاكتفاء الذاتي وتمتعه بالنظام العام الدولي الذي يحميه ضد النظام العام الداخلي للدولة(21). فالقانون الموضوعي للتجارة الدولية بشكل عموما نظام قانونية ما دامت قد اجتمعت له العناصر اللازمة لنشأته، وهي قواعد سلوكية يحترمها المخاطبون بها ويطبقها القاضي أو المحكم، و أجهزة إكراه تكفل فعالية هذا النظام القانوني.

ثالثا: النظام القانوني غير الكامل للقواعد الموضوعية: ذهب الاتجاه الثالث(22)  إلى أن القواعد الموضوعية تشكل نظاما قانونيا إلا أنه نظام قانوني غير كامل وهو في دور التكوين، إذ يذهب الأستاذ فوشار "Fouchard" إلى أنه لا يمكن القول بأن القانون التجاري الدولي يشكل نظام قانونية بالمعنى الدقيق لهذا الاصطلاح، كما ذهب إلى المعنى نفسه الفقيه جولدمان "Goldman" فهو يرى أن قواعد قانون التجارة الدولية لا تشكل نظام قانونيا كاملا (23). ويستند أصحاب هذا الرأي على ما يلي (24):

1.لا يحتوي هذا المنهج على القواعد الكافية التي تغطي جميع جوانب العلاقات الخاصة الدولية، وهذا الأمر يؤدي إلى الإحالة إلى القانون الوطني لدولة معينة لتكملة النقص في قواعد هذا المنهج(25) ، وهذه الإحالة إنما تتم عن طريق قواعد الإسناد. فهذا المنهج و أن اشتمل على القواعد اللازمة لإبرام العقد في نطاق التجارة الدولية وتفسيره، فهو يخلو من الكثير من القواعد القانونية التي تحكم مسائل عديدة على درجة كبيرة من الأهمية، كالقواعد الخاصة بأهلية أطراف العلاقة التجارية الدولية، والتراضي على العقد، والتقادم المسقط، والفوائد التأخيرية و غيرها (26).

وهذا النقص هو ما يعترف به أنصار منهج القواعد الموضوعية أنفسهم أمثال فوشار "Fouchard إذ يذهب إلى القول أن القواعد الموضوعية للقانون التجاري الدولي هي قواعد مهنية لا تنتظم في الواقع كل المشكلات التي يمكن أن تثور في عقود التجارة الدولية وتواجه ما ينشأ عنها من منازعات فهي لا تشكل نظاما قانونيا متكاملا، فالقانون التجاري الدولي كما ذهب إلى ذلك "Goldman" يعتمد على النظم القانونية الوطنية في إعماله وفي جوهره وفي فعاليته، فالروابط الأساسية بين النظام القانوني للمجتمع الدولي للتجار والأنظمة القانونية الوطنية المتمثلة في الدعم والتكملة التي تقدمها هذه النظم لفعالية ذلك النظام لا يمكن نكرانها، وهذا ما يجعل المحكم الدولي يقوم بأعمال منهج قاعدة الإسناد، و إسناد الرابطة إلى قانون داخلي لسد النقص في قواعد القانون التجاري الدولي (27).

2. إن منهج القواعد الموضوعية لا يخلو من المثالب، فإذا كان من المستحسن وجود القواعد الموضوعية في القانون الدولي الخاص الاستجابتها لمعطيات العلاقات الخاصة الدولية وبعدها عن التعقيد في منازعات تلك العلاقات، إلا أنه من غير المتعذر رصد بعض المثالب التي يمكن أن تشوبها والتي يجب التنبيه إليها والعمل على تلافيها، وهي تدور في مجملها حول انعدام الأمان القانوني في هذا المنهج والذي يظهر من وجهين وكالآتي: أ. أنعدام الأمان القانوني من خلال إطلاق سلطة القاضي أو المحكم و عدم ضمان تنفيذ الحكم. إذ أن القواعد الموضوعية في اغلبها كالعقود النموذجية و الشروط العامة، و عادات التجارة الدولية، ومبادئ العدل والإنصاف - لم ترق إلى مرتبة القواعد القانونية بالمعنى الصحيح، من ثم فان إعمالها سوف يخضع لسلطة القاضي أو المحكم التقديرية، وهو تقدير يخضع للانطباعات الشخصية والمهنية لكل منهما والتي قد لا تتفق مع الحل القانوني السليم، وهذا التحكم لا يحول دونه إلا منهج قاعدة الإسناد، إذ أن تطبيق القانون الوطني بمقتضى هذا المنهج هو الذي يحافظ على توقعات الأطراف ويقدم لهم الضمان اللازم لعلاقاتهم التعاقدية، وذلك بالمقارنة مع منهج القواعد الموضوعية وعلى وجه الخصوص في الحالات التي يتفق فيها هؤلاء الأطراف على تطبيق قانون وطني معين، إذ أن وجود القواعد القانونية المحددة التي يضعها المشرع في نطاق القوانين الداخلية، وتكفل لها السلطات العامة الاحترام، وتلزم الأفراد والقضاة بها، يعد في ذاته عاملا للأمان والطمأنينة اللازمین لحسن علاقات وروابط الأفراد سواء فيما بينهم أم فيما بينهم وبين السلطات العامة(28).

ب. انعدام الأمن القانوني في مجال تحقيق العدالة عند تطبيق القواعد الموضوعية، وهو النقد نفسه الموجه القاعدة الإسناد، إذ أن من الانتقادات المهمة التي وجهت لقاعدة الإسناد أنها تؤدي إلى انعدام الأمان واليقين القانوني لإطراف العلاقة، وهذا الأمان القانوني لعدالة القواعد الموضوعية هو الآخر محل ش ك وتعتريه الشبهات من نواح عدة: فمن ناحية وعلى الرغم من أن القواعد الموضوعية قد وضعت استجابة لحاجات التجارة الدولية ومتطلباتها وتحقيق العدالة لأطرافها، إلا أن هذه العدالة وصفت بأنها عرجاء كونها غالبا ما تكون لمصلحة الطرف القوي من الناحية الاقتصادية على حساب الطرف الضعيف في العلاقة القانونية. ومن ناحية ثانية فان منهج القواعد الموضوعية خصوصا ذات المصدر الوطني - يتجاهل تنوع العدالة الإقليمية أو نسبيتها من دولة إلى أخرى في مختلف النظم القانونية الوضعية، إذ أن وفي ظل استقلال کل نظام قانوني وطني ومساواته في العلاقة بالأنظمة الوطنية الأخرى، يجب الاعتراف بنسبية فكرة العدالة وتنوعها واختلافها من نظام قانوني إلى آخر، حتى لا ينصب نظام من الأنظمة نفسه مشرعة عالمية يتمتع بسلطة مطلقة، ومن ثم فان هذه القواعد الموضوعية ذات المصدر الوطني ستحتكر العدالة دون بقية الأنظمة القانونية وهذا ما يخالف تنوع العدالة الإقليمية واختلافها. ومن ناحية ثالثة إذا أخذنا بنظر الاعتبار القواعد ذات المصدر الداخلي و هي من صنع المشرع الوطني أو القضاء في بعض الأحيان، فهي كذلك لا تؤدي إلى اتساق الحلول شأنها شأن القوانين الوطنية بموجب منهج قاعدة الإسناد، لذلك سيظل اختلاف الحلول قائما ومعه ينعدم الأمان القانوني والاستقرار اللازمين للتجارة الدولية، على الرغم من أن مبررات القواعد الموضوعية ووجودها كان استجابة لمتطلبات التجارة الدولية وتطورها عبر الحدود كونها الأكثر ملاءمة لهذا النوع من العلاقات (29).

عليه نتفق مع جانب من الفقه (30) أن الاتجاه الثالث هو الأكثر اعتدالا من حيث الاعتراف بصفة النظام القانوني للقواعد الموضوعية، هذا النظام الذي يجب عدم الاعتماد عليه وحده في حكم المنازعات الخاصة الدولية فهو يشكل في مجموعه نظاما قانونيا غير كامل، وهذا ما يعد إقرارا لواقع المجتمع الدولي المعاصر إذ أن منهج القواعد الموضوعية يعد منهجا مستقبليا سوف يظهر لنا فيما بعد تكامله وتعایشه مع المناهج الأخرى لحل المنازعات الخاصة للأفراد عبر الحدود، وهذا التكامل يجعل من هذا المنهج أحد المناهج التي تقدم الحلول للعلاقات الخاصة الدولية، إلا أنه ليس المنهج الوحيد فلا يعتمد عليه وحده في حل مسائل هذه المنازعات كافة، فالواقعية الدولية و الوضع الحالي للقانون الدولي الخاص يحتم تعدد المناهج وعدم الاعتماد على احد هذه المناهج للانفراد بتقديم حلول لمشكلات التنازع.

وطبقا لوجهة النظر هذه نجد أن جانبا من الفقه(31) يذهب إلى القول: ومن جانبنا نعتقد مع البعض(32) انه على الرغم من الاعتراف لقواعد قانون التجارة الدولية بالصفة القانونية، لكنها مع ذلك لاتزال غير كافية لتغطية المسائل كافة التي يمكن أن تثور في إطار العلاقات الدولية الخاصة، بمعنى أن هذه القواعد لم تشكل بعد نظام قانونية متكاملا لحكم العلاقات الدولية، الأمر الذي يتعين معه القول بأن التسليم بالصفة القانونية لقواعد التجارة الدولية لا يحول دون ضرورة الرجوع إلى القوانين الوطنية لسد الثغرات في قواعد قانون التجارة الدولية".

فالقواعد الموضوعية لقانون التجارة الدولية لا تستجيب إلا لعدد محدود فقط من المسائل التي تثور بصدد المسائل التي تعالجها، كالعقود الدولية، لذلك يثار التساؤل عن المصدر الذي يمكن أن يستقي منه هذا القانون ما يسد الثغرات التي تعتري أحكامه، ولاشك في أنه سيجد ملاذه في القوانين الوطنية الداخلية بما تقدمه من دعم وسند و فعالية لا يمكن نكرانها، لذلك سوف تظل الحاجة إلى منهج قاعدة الإسناد(33). وهو ما يعكس علاقة التكامل بين المنهجين.

____________

1- ينظر في راي هذا الجانب من الفقه د. هشام علي صادق، القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1990 ، ص 190-191.

2- د. أحمد عبد الكريم سلامة، نظرية العقد الدولي الطليق، الجزء الثاني، دار النهضة العربية القاهرة 1989، ص 315 .

3-  أشار بعض الفقهاء إلى أن قانون التجارة الدولية "Lex Mercatoria له مفاهيم رئيسية ثلاثة: الأول يصور هذا القانون - Lex Mercatoria- بانه نظام قانونی مستقل ذاتها، والثاني يصفه بأنه مجموعة من القواعد القادرة لأن تعمل كبديل لقانون وطني معين، و الثالث يصفه بأنه مجموعة مختلطة من العادات والاستعمالات في التجارة الدولية التي يمكن أن تتمم القانون واجب التطبيق. ينظر:

Berger, Klaus Peter, The creeping codification of the lex mercatoria, Kluwer Law Intemational 1999, P 40 et seq. http://www.trans-lex.org/100600

Craig, WL., Park, WW. Paulsson, J. International Chamber of Commerce Arbitration, 2nd edition, 1994, Oceana Publications, P603 et seq. http://www.jstor.org/stable/2202524

تاريخ الزيارة 2010/11/20

4- ينظر في عرض هذا الرأي د. عبد الله محمد المؤيد، منهج القواعد الموضوعية في تنظيم العلاقات الخاصة ذات الطابع الدولي ، دار النهضة العربية القاهرة 1998  ، ص446 د. محمود محمد ياقوت، حرية المتعاقدين في اختيار قانون العقد الدولي بين النظرية والتطبيق دراسة تحليلية ومقارنة في ضوء الاتجاهات الحديثة، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2000 ص 332؛ د. السيد عبد المنعم حافظ السيد، المرجع السابق، ص 469؛ د. هشام علي صادق، القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1990 ، ص 155-157؛ ويصف بعض معارضي القواعد الموضوعية أو قواعد التجارة الدولية "Lex Mercatoria بأنها تفتقر إلى العمومية و التوقع كما أنها مبهمة و ناقصة، فضلا عن افتقادها إلى الجزاء كما أنها لم تصدر من سلطة تشريعية مختصة، أو من اتفاقية دولية تم تصديقها. ينظر:

Goode, R., New Developments in International and Consumer Law, Ziegel, J.S. (ed.), Hart Publishing, Oxford, 1998, P4-6. See Ana Mercedes Lopez Rodriguez, Op., Cit., P49.

5-  د. السيد عبد المنعم حافظ السيد، عقد التأجير التمويلي الدولي، دراسة تحليلية مقارنة في القانون الدولي الخاص، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2010 ، ص 466-471

6- د. محمد عبد الله محمد المؤيد، منهج القواعد الموضوعية في تنظيم العلاقات الخاصة ذات الطابع الدولي ، دار النهضة العربية القاهرة 1998   ، ص 447 د. محمود محمد ياقوت، حرية المتعاقدين في اختيار قانون العقد الدولي، المرجع السابق، ص333.

7- د. أحمد عبد الكريم سلامة، نظرية العقد الدولي الطليق، الجزء الثاني، المرجع السابق، ص 371 .

8-  د. محمود محمد باقوت، حرية المتعاقدين في اختيار قانون العقد الدولي، المرجع السابق، ص333 .

9- د. أحمد عبد الكريم سلامة، نظرية العقد الدولي الطليق، الجزء الثاني، المرجع السابق، ص 44

10- د. محمود محمد باقوت، حرية المتعاقدين في اختبار قانون العقد الدولي، المرجع السابق، ص333.

11-  د. السيد عبد المنعم حافظ السيد  المرجع السابق، ص 473.

12- كان الفقيه جولدمان "Goldman" في أعماله الأولى يقول بان قواعد قانون التجارة الدولية تشكل نظام قانونية مستقلا تطور خارج نطاق القوانين الوطنية، وشعر التجار تجاهه بالالتزام ذاته الذين يشعرون به تجاه القوانين الوطنية، وإزاء هذه الحقائق اعتبر أن عادات التجارة الدولية واعرافها مصدرا من المصادر الرسمية للقانون، ولها ذات الفعالية التي نجدها في القوانين الوطنية، إلا أنه عاد واعترف بان هذه القواعد تشكل نظاما قانونيا إلا أنه غير كامل. ينظر:

Frank Baddack, Lex Mercatoria, Op., Cit., P40 .                            

13- د. السيد عبد المنعم حافظ السيدة المرجع السابق، ص 474 .

14- د. محمد عبد الله محمد المؤيدة المرجع السابق، ص59.

15- د. محمود محمد باقوت، حرية المتعاقدين في اختيار قانون العقد الدولي، المرجع السابق، ص 334.

16- د. محمد عبد الله محمد المؤيد، المرجع السابق، ص 59.

17- د. محمود محمد باقوت، حرية المتعاقدين في اختبار قانون العقد الدولي، المرجع السابق، ص 339 .

18- د. أحمد عبد الكريم سلامة، نظرية العقد الدولي الطليق، الجزء الثاني، المرجع السابق، ص327؛ ويشير جانب من الفقه المؤيد أن من أمثلة الجزاءات القوائم السوداء، والإضرار بالسمعة التجارية، و الانسحاب من عضوية المؤسسات المهنية. ينظر:

Berger, Klaus Peter, The Creeping Codification of the Lex Mercatoria, Op., Cit., P107.

19- د. محمود محمد باقوت، حرية المتعاقدين في اختيار قانون العقد الدولي، المرجع السابق، ص334

20- د. ثروت حبيب، دراسة مقارنة في قانون التجارة الدولية مع الاهتمام بالبيوع الدولية ، منشأة المعارف  الاسكندرية 1975   ، ص 475 - 476  .

21- د. السيد عبد المنعم حافظ السيد، المرجع السابق، ص 479.

22- من أنصار هذا الاتجاه د. أحمد عبد الكريم سلامة، نظرية العقد الدولي الطليق، الجزء الثاني، المرجع السابق، ص 379-372

 23-  Goldman, The applicable law. general principles of law - the Lex Mercatoria, in: Law (ed.), Contemporary Problems in International Arbitration (1987), 113. See Frank Baddack Lex Mercatoria, Op., Cit., P40.

24-  ينظر في أصحاب هذا الرأي د. محمد عبد الله محمد المؤيد، المرجع السابق، ص48

25-  د. السيد عبد المنعم حافظ السيدة المرجع السابق، ص 46.

26- د. أحمد عبد الكريم سلامة، نظرية العقد الدولي الطليق، الجزء الثاني، المرجع السابق، ص 372.

27- نقلا عن د. محمد عبد الله محمد المؤيد، المرجع السابق، ص 49-50.

28-  د. أحمد عبد الكريم سلامة، نظرية العقد الدولي الطليق، الجزء الثاني، المرجع السابق، ص378؛ فالقواعد الموضوعية لا تطبق استقلالا عن منهج قاعدة الإسناد فعلى سبيل المثال القاعدة التي أرساها القضاء و المتعلقة بصلاحية شرط الذهب شرط الضمان النقدي هي قاعدة وطنية من صنع القضاء دون غيره، ومن ثم فهي لا تكون وأجبة التطبيق إلا إذا كان القانون الفرنسي هو الواجب تطبيقه بموجب قاعدة الإسناد، اللهم إلا إذا كان هناك قانونا أجنبيا هو واجب التطبيق لحكم العلاقة ولكن يبطل هذا الشرط، فيمكن استبعاده هنا إعمالا للدفع بالنظام العام. ينظر: د. محمد عبد الله محمد المؤيد، المرجع السابق، ص 51. وفي هذه الحالة أيضا تكون أمام إعمال لقواعد الإسناد .

29- د. السيد عبد المنعم حافظ السيد ، المرجع السابق، ص 478 - 479

30- د. أحمد عبد الكريم سلامة، نظرية العقد الدولي الطليق، الجزء الثاني، المرجع السابق، ص 371 وما بعدها؛ د. السيد عبد المنعم حافظ السيد، المرجع السابق، ص 479

31- د. بشار محمد الأسعد، عنود الاستثمار في العلاقات الدولية الخاصة، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت لبنان، 2009 ، ص150 .

32- وهو يشير إلى راي د. هشام علي صادق، القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية، المرجع السابق، ص 1280

33- د. محمود محمد باقوت، حرية المتعاقدين في اختيار قانون العقد الدولي، المرجع السابق، ص 336-337.

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .