أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-08-2015
2906
التاريخ: 12-08-2015
2934
التاريخ: 7-1-2019
4571
التاريخ: 12-08-2015
8543
|
الدور .. في اللغة ـ كما في بعض كتبها ـ التقلّب والحركة إلى ما كان عليه ، وفي الاصطلاح هو توقّف الشيء على ما يتوقّف عليه (1) ، وإن شئت فقل : إنّه تعاكس الشيئين في السببية والمسببية ، فإن توسّط بينهما واسطة أو وسائط أخرى يسمّى مضمراً ، وإلاّ فمصرّح ، فتوقّف الشيء على نفسه لا يسمّى دوراً بل هو نتيجته .
ثمّ إنّه ربّما يطلق الدور على شيئين لهما معيّة
، ويقال له الدور المعي ، وهو ليس بمحال، وهو أن يكون شيئان موجودان ، يتوقّف كلّ
منهما على الآخر في صفة من الصفات ، بمعنى أن تتوقّف الصفة في كلّ منهما على ذات
الآخر ، سواء كانت تلك الصفة فيهما من نوع واحد ، كالأُخوة في أخوين والمعية في
شيئين ، أو من نوعين كالفوقية والتحتية في الفوق والتحت ، والتقدّم والتأخر بحسب
المكان في جسمين ، وهذا الدور جارٍ في كلّ متضايفين كما قيل .
ثمّ إنّ الدليل على استحالة الدور ـ بمعنييه
المتقدّمين ـ أنّه يستلزم تقدّم الشيء على نفسه وتأخّره عن نفسه ؛ ضرورة تقدّم
العلّة على المعلول تقدّماً عليّاً وتقدّماً بالذات ، فإذا كانت العلّة معلولة
لمعلولها ، لزم تأخّر الشيء عن نفسه بمرتبتين ، وكذلك تقدّمه ، وهو ـ أي تقدّم
الشيء على نفسه أو تأخّره عنها ـ ضروري الاستحالة ، مع أنّه قد يستدلّ عليه ،
بأنّه يستلزم تخلّل العدم بين الشيء ونفسه ، وهو واضح الاستحالة ، وبأنّ التقدّم
نسبة لا تعقل إلاّ بين شيئين .
فإنّ توهّم أحد أنّ المراد بالتقدّم هنا إمّا
التقدّم الزماني وهو غير لازم في العلة ، أو العليّ وهو مصادرة ؛ لأنّ معنى قولنا
: إنّ الشيء لا يتقدّم على نفسه ، أنّ الشيء لا يكون علّةً لنفسه .
يقال له : إنّ معنى تقدّم العلّة على معلولها هو
صحّة مثل قولنا : تحركت اليد فتحرّك الخاتم ، طلعت الشمس فوُجد النهار ، وبطلان
عكسه أي قولنا ، تحرك الخاتم فتحركت اليد ، وهذا الاعتبار الذي ممّا لا يشك فيه
عاقل ، بديهي البطلان بالنظر إلى الشيء ونفسه .
فإن قلت : إنّ الفرق بين الأجزاء التي هي العلة
والمركّب الذي هو المعلول ، إنّما هو باعتبار بشرط الشيء واللابشرط أو بشرط اللا ،
وقد ذكروا من جملة العلل الأربع المادة والصورة مع أنّهما عين المعلول ، فكيف
المخلص ؟
قلت : الأجزاء بالنسبة إلى المركّب الذي ليس إلاّ
نفسها ليست إلاّ نفسه ، لا علية ولا معلولية بينهما ، وإنّما يطلقون عليها العلية
؛ لأنّ بها قِوام المركّب ، فهي علل القِوام لا علل الوجود ، والتأثير في الثانية
لا في الأُولى ، فافهم .
وأمّا تقدّم الأجزاء على المركّب ففيه بحث طويل ،
قد تعرّض له صاحب الأسفار مجملاً ، وصاحب الشوارق مفصّلاً فراجع .
ثم إنّ معنى الدور ـ بتعبير واضح ـ هو كون الشيء
علّةً وفاعلاً لوجود نفسه ، وهذا ضروري الاستحالة ، بديهي البطلان ، يكذّبه العقل
بأَوّل تصويره ، فلا معنى لإطالة الكلام حوله وقد نقل العلاّمة قدّس سره (2) ، أنّ
أكثر العقلاء على ضرورة استحالته .
وأمّا التسلسل فهو عند المتكلّمين (3) عبارة عن
مطلق الأُمور غير المتناهية إذا ضبطها الوجود، سواء كانت مجتمعةً أم لا ، مترتّبةً
أم لا ، ودليلهم على ذلك برهان التطبيق ، فإنّهم يجرونه في الأُمور المتعاقبة في
الوجود كالحركات الفلكية ، وفي الأُمور المجتمعة ، سواء كان بينها ترتّب طبيعي
كالعلل والمعلولات ، أو وضعي كالأبعاد ، أو لا يكون هناك ترتّب أصلاً كالنفوس
الناطقة المفارقة (4) .
وعند الحكماء يفسّر بالأُمور غير المتناهية المجتمعة
في الوجود مع ترتّبٍ وضعاً أو طبعاً ؛ ولذا قال صاحب الأسفار : وعليه ( أي برهان
التطبيق ) التعويل في كلّ عدد ذي ترتيب موجود ، سواء كان من قبيل العلل والمعلولات
، أو من قبيل المقادير والأبعاد ، أو الأعداد الوضعية (5) ... إلخ .
ثمّ إنّ الأدلة على امتناع التسلسل في الجملة
كثيرة جداً ، لكنّها بمجموعها غير مسلّمة عندهم ، فلهم ردود ودفوع ونقوض ونقود ،
والبحث حولها طويل الذيل لا يسعه هذا المختصر ، لكنّنا نستخدم لك منها حجّةً قويمة
، قليلة المؤونة ، وكثيرة المعونة ، وهي ما اخترعه سلطان المحقّقين العلاّمة الطوسي
(6) ، وأشار إليه في تجريده وإليك تقريره بعبارة المحقّق اللاهيجي (7) :
إنّ الممكن لا يجب لذاته ، وما لا يجب لذاته لا
يكون له وجود ، وما لم يكن له وجود لا يكون لغيره عنه وجود ، فلو كانت الموجودات
بأسرها ممكنةً لَما كان في الوجود موجود ، فلابدّ من واجب لذاته ، فقد ثبت واجب
الوجود وانقطعت السلسلة أيضاً .
ثمّ تعريضاً على الشارح العلاّمة قدّس سره حيث
تنظّر فيها ، والشارح القوشجي حيث حسبها مصادرةً ، قال : وهذه الطريقة حسنة حقّة
... إلخ ، والأمر كما أفاد .
تتميم وتقسيم :
ما لا يتناهى على ستة أقسام :
الأَوّل : المجتمع في الوجود ، والمترتّب بالترتب
العليّ .
الثاني : المجتمع في الوجود ، والمترتّب بالترتب
الوضعي كالأبعاد .
الثالث : المجتمع في الوجود بلا ترتيب ، كالنفوس
الناطقة على رأي الحكماء .
الرابع : المتعاقب في الوجود من قبل الماضي ، مثل
الصور الطارئة على المادة على سبيل المحو والإثبات .
الخامس : المتعاقب في الوجود في طرف المستقبل .
السادس : العدد .
أقول : أمّا الأَوّل فهو محال بلا خلاف بين
الباحثين ، بل لم أفز على مخالف ولو من الدهريين والماديين ، فكأنّ هذا الاحتمال
مصادم ما أودعه الله في كينونة البشر ، فما يلتزم به فرد من هذا النوع الإنساني ؛
ولذا ترى عبّاد الطبيعة متحيرين في تعيين المبدأ الأَوّل ، فالتسلسل المذكور
احتمال بدوي لم يتجاوز عن المسفورات العلمية إلى الخارج ، وما نقلناه آنفاً من
البرهان وغيره حجّة واضحة على إبطاله .
وأمّا الثاني فامتناعه موضع وِفاق بين المتكلّمين
والحكماء ، واستدلّوا عليه بأدلة منها برهان التطبيق ، الذي هو عندي محلّ إشكال .
وأمّا الثالث والرابع فهما ممكنان ، بل واقعان
على زعم أصحاب الفلسفة ؛ ولذا يدينون بقِدم العالم زماناً ، لكنّ المتكلّمين
يرونهما ممتنعين أيضاً ، والحق معهم لِما سنبرهن على حدوث العالم في هذا الجزء إن
شاء الله .
وأمّا الخامس فإمكانه متّفق عليه بينهم ، فإنّ
الوجود لم يضبطه ، وهذا ما لا شك فيه ، كيف وخلود المكلّفين في الجنة والنار ،
وبقاء ما يرتبط بهم من الضروريات الإسلامية ؟
وأمّا السادس فهو مثل الخامس في اتّفاقهم على
إمكانه ، فإنّه إمّا غير موجود كما عن المتكلمين، وإمّا لا ترتّب بينها في غير
الواحد كما عن الفلاسفة ، فلم يتحقّق فيه مناط الاستحالة (8) .
___________________________
(1) الفرق بين تقدّم الشيء على نفسه ، وتوقف الشيء
على نفسه اعتباري ، فإنّ الأَوّل باعتبار علّية كلّ منهما للآخر ، والثاني باعتبار
معلولية كلّ منهما للآخر .
(2) كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد / 30.
(3) الشوارق 1 / 200، وكشف الفوائد / 30.
(4) شرح المواقف 1 / 541.
(5) الأسفار 2 / 145.
(6) كما ذكره صاحب الشوارق ، ونُقل عن المحقّق
الدواني أيضاً ، لكن قيل : إنّ السيد الداماد رحمه الله ادّعى وجدان هذا الدليل في
كتاب بهمنيار .
(7) الشوارق 1 /
199.
(8)
ولصاحب الأسفار هاهنا احتمال ، وللسبزواري عليه كلام ، لا يخلو مراجعتهما عن
الفائدة، الأسفار 2 / 152.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|