منهجية العلم والبحث

يتقاطع الجغرافيون مع العلوم الاجتماعية والعلوم الطبيعية، باستخدام المفاهيم والأساليب على حد سواء، لدراسة العلاقات التفاعلية بين الإنسان والبيئية بكل تعقيداتها. هذه المنهجية التكاملية هي السمة المميزة لعلم الجغرافيا، وفي الوقت نفسه تعدُّ من أبرز معالم جذب الدراسين له. ومع الثورة في علوم التقنيات المكانية، مثل: الخرائط الرقمية، ونظم المعلومات الجغرافية، والاستشعار عن بُعد، والتوقيع الأرضي وغيرها، أصبح الجغرافي لديه أقوى أساليب التحليل الكمي المكاني الذي لا يستغني عنه أي صانع قرار، في أيِّ مجال يتعامل مع بيانات ذات ارتباط مكاني. بنسبة تصل الى 80% هذا الأفق الكبير لمجال علم الجغرافيا ليست سمة نقص وإنما سعة أفق ضرورية لفهم الواقع، بغرض حل مشكلاته المعقدة أو متعددة الأوجه. وعليه، فإنَّ الجغرافيا ليست مادة ثقافية وصفية في التدريس والبحث، بل علمية لها أسس ومفاهيم وأدوات متنوعة ومتعددة، ولا يخلو بحث علمي من بعض الأساليب الإحصائية أو الرياضية أو الهندسية، إنما وفق منظور الجغرافي المعني أساسًا بالربط بين مختلف الظواهر الجغرافية. وبناءً على ما تقدَّم، لتتضح الصورة أكثر، يمكن تقديم مثال تطبيقي تقني- من أمثلة لا يمكن حصرها- يبين من هو المعنيُّ بالقيام به، محاولة لإبراز دور الجغرافي وتلخيصًا لأهم ما جاء في تعريف علم الجغرافيا، وذلك على النحو الآتي، ابتداء بصيغة تساؤلية:

"أي المسار الأقل تكلفة لإنشاء طريق من نقطة (أ) إلى النقطة (ب) في منطقة دراسة معينة. من منظور تخطيطي تأخذ الإجابة على هذا التساؤل عدة عناصر وعوامل جغرافية في الاعتبار؟" هنا يستعمل الجغرافي التقنيات المكانية لإنتاج وتحليل وعمل مطابقة خرائطية.

بناءً على نماذج تحليل معينة تتضمن معايير تخطيطية وأوزان كمية وحسابات تكلفة. ومن ثمَّ الخروج ببدائل مختلفة في التكلفة، ليقدم العمل لصانع القرار المعني بهذا الطلب. إذًا من الواضح أنَّه لا بدَّ من معرفة جغرافية طبيعية وبشرية أولية متخصَّصة، وتقنيات متقدمة للتحليل والعرض، هي من صميم المتخصص في الجغرافيا. وبهذا فلا يمكن القول بعدئذ: "أنَّ الجغرافي لا دور له، أو أنَّ المهندس يقوم مقامه". وبخلاف هذا، وتعمدًا أو جهلًا، نجد أنَّ الأمر وصل إلى أنَّ بعض الأساتذة من خارج الجغرافيا يستعملون مصطلحات بديلة لما هو جغرافي في الأصل، وهذا لا يصح؛ لأنَّ المصطلحات العلمية يجب أن يُلتزم بها كما هي في تخصصاتها.