أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-11-2021
2464
التاريخ: 31-3-2022
2613
التاريخ: 2023-03-15
1285
التاريخ: 2023-12-20
1028
|
هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي الكوفي، المعروف بالأشتر؛ الوجه المشرق، والبطل الذي لا يقهر، والليث الباسل في الحروب، وأصلب صحابة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأثبتهم.
وكان الإمام (عليه السلام)، يثق به ويعتمد عليه، وطالما كان يثني على وعيه، وخبرته، وبطولته، وبصيرته، وعظمته، ويفتخر بذلك.
وكان أول حضوره الجاد في فتح دمشق وحرب اليرموك، وفيها أصيبت عينه فاشتهر بالأشتر.
وكان مالك يعيش في الكوفةِ وكان طويل القامة، عريض الصدر، طلق اللسان، عديم المثيل في الفروسية. وكان لمزاياه الأخلاقية ومروءته ومنعته وهيبته وابُّهته وحيائهِ، تأثير عجيب في نفوس الكوفيين؛ من هنا كانوا يسمعون كلامه، ويحترمون آراءه.
ونفي مع عدد من أصحابه إلى حمص في أيام عثمان بسبب اصطدامه بسعيد بن العاص والي عثمان. ولما اشتدت نبرة المعارضة لعثمان عاد إلى الكوفة، ومنع واليهُ - الذي كان قد ذهب إلى المدينة آنذاك – من دخولها.
واشترك في ثورة المسلمين على عثمان، وتولى قيادة الكوفيين الذين كانوا قد توجهوا إلى المدينة، وكان له دور حاسم في القضاء على حكومة عثمان.
ولي مالك الجزيرة - وهي تشمل مناطق بين دجلة والفرات - بعد حرب الجمل. وكانت هذه المنطقة قريبة من الشام التي كان يحكمها معاوية. واستدعاه الإمام (عليه السلام)، قبل حرب صفين.
وكان على مقدمة الجيش في البداية، وقد هزم مقدمة جيش معاوية.
ولما استولى جيش معاوية على الماء وأغلق منافذه بوجه جيش الإمام (عليه السلام)، كان لمالك دور فاعل في فتح تلك المنافذ والسيطرة على الماء. وكان في الحرب مقاتلاً باسلاً مقداماً، رابط الجأش مُجداً مستبسلاً، وقد قاتل بقلبٍ فتي وشجاعة منقطعة النظير. وتولى قيادة الجيش مع الأشعث، وكان على خيالة الكوفة طول الحرب، وأحياناً كان يقود أقساماً أخرئ من الجيش.
وفي معارك ذي الحجة الأولى كانت المسؤولية الأصلية والدور الأساسي للقتال على عاتقه. وفي المرحلة الثانية، في شهر صفرٍ، كان يقود القتال أيضاً يومين في كل ثمانية أيامٍ.
وكان له مظهر عجيب في المنازلات الفردية للقتال، وفي حل عقد الحرب، وعلاج مشاكل الجيش، والنهوض بعبء الحرب، والسير بها قدماً بأمر الإمام (عليه السلام). بيد أن مظهره الباهر الخالد قد تجلى في الأيام الأخيرة منها. بخاصة (يوم الخميس) و(ليلة الهرير).
وكان يوم الخميس وليلة الجمعة (ليلة الهرير)، مسرحاً لعرض عجيب تجلت فيه شجاعته. وشهامته، واستبساله، وقتاله بلا هوادة، إذ خلخل نظم الجيش الشامي، وتقدم صباح الجمعة حتى أشرف على خيمة القيادة.
وصار هلاك العدو أمراً محتوماً، وبينما كان الظلم يلفظ أنفاسه الأخيرة، والنصر يلتمع في عيون مالك، تآمر عمرو بن العاص ونشر فخ مكيدته. فأسرعت جموع من جيش الإمام - وهم الذين سيشكلون تيار الخوارج - ومعهم الأشعث إلى مؤازرته، فازداد الطين بلة بحماقتهم. وهكذا جعلوا الإمام (عليه السلام)، في وضع حرج ليقبل الصلح، ويرجع مالكاً عن موقعه المتقدم في ميدان الحرب. وكان طبيعياً في تلك اللحظة المصيرية، الحاسمة العجيبة أن يرفض مالك، ويرفض معه الإمام (عليه السلام)، أيضاً، لكن لما بلغه أن حياة الإمام في خطر، عاد بروح ملأها الحزن والألم، فأغمد سيفه، ونجا معاوية الذي أوشك أن يطلب الأمان من موت محقق، وخرج من مأزقٍ ضاق به!
وشاجر مالك الخوارج والأشعث، وكلمهم في حقيقة ما حصل، وأنبأهم بما يملك من بصيرة وبعد نظر، أن جذر تقدسهم يكمن في تملصهم من المسؤولية، وشغفهم بالدنيا.
وحين اقترح الإمام (عليه السلام)، عبد الله بن عباس للتحكيم ورفضه الخوارج والأشعث، اقترح مالكاً، فرفضوه أيضاً مصرين على يمانية الحكم، في حينٍ كان مالك يماني المحتدِ، وهذا من عجائب الأمور!
وعاد مالك بعد صفين إلى مهمته. ولما اضطربت مصر على محمد بن أبي بكر وصعب عليه أمرها وتمرد أهلها، انتدب الإمام (عليه السلام)، مالكاً وولاه عليها. وكان قد خبر كفاءته، ورفعته، واستماتته، ودأبه، ووعيه، وخبرته في العمل، فكتب إلى أهل مصر كتاباً يعرفهم به، قال فيه: (... بعثتُ إليكم عبداً من عباد الله، لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء ساعات الروعِ، أشد على الفجار من حريق النار، وهو مالك بن الحارث أخو مذحج، فاسمعوا له وأطيعوا أمره فيما طابق الحق؛ فإنه سيف من سيوف الله، لا كليل الظبة ولا نابي(1)، الضريبة؛ فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، فإنه لا يقدم ولا يحجم ولا يؤخر ولا يقدم إلا عن أمري، وقد آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم، وشدة شكيمته على عدوكم).
وكانت تعليماته (عليه السلام)، الحكومية - المشهورة بـ (عهد مالك الأشتر)، أعظم وأرفع وثيقةٍ للحكومة وإقامة القسط، وهي خالدة على مر التاريخ.
وكان معاوية قد عقد الأمل على مصر، وحين شعر أن جميع خططه ستخيب بذهاب مالك إليها، قضى عليه قبل وصوله إليها. وهكذا استشهد ليث الوغى، والمقاتل الفذ، والناصر الفريد لمولاه، بطريقةٍ غادرة بعدما تناول من العسل المسموم بسم فتاك، وعرجت روحُه المشرقة الطاهرة إلى الملكوت الأعلى.
وحزن الإمام (عليه السلام)، لمقتله، حتى عد موته من مصائب الدهر. وأبَّنَهُ فكان تأبينه إياه فريداً؛ كما أن وجود مالك كان فريداً له في حياته (عليه السلام).
ولما نعي إليه مالك وبلغه خبر استشهاده المؤلم، صعد المنبر، وقال: (ألا إن مالك بن الحارث قد قضى نحبه، وأوفى بعهده، ولقي ربه، فرحم الله مالكاً! لو كان جبلاً لكان فنداً(2)، ولو كان حجراً لكان صلداً. لله مالك! وما مالك! وهل قامت النساء عن مثل مالك! وهل موجود كمالكٍ!).
ومعاوية الذي كان فريداً أيضاً في خبث طويته ورذالته وضعته وقتله للفضيلة، طار فرحاً باستشهاد مالكٍ، ولم يستطع أن يخفي سروره، فقال من فرط فرحه: (كان لعلي بن أبي طالب يدان يمينان، فقطعت إحداهما يوم صفين - يعني عمار بن ياسرٍ- وقُطعت الأخرى اليوم، وهو مالك الأشتر.
وكلما كان يذكره الإمام (عليه السلام)، يثقل عليه الغم والحزن، ويتحسر على فقده. وحين ضاق ذرعاً من التحركات الجائرة لأهل الشام، وتألم لعدم سماع جنده كلامه، وتأوهَ، على قعودهم وخذلانهم له في اجتثاث جذور الفتنة، قال رجلٌ:
إستبان فقد الأشتر على أهل العراق. لو كان حياً لقل اللغط، ولعلِم كل إمرئ ما يقول.
نطق هذا الرجل حقاً، فلم يكن أحد في جيشِ الإمام (عليه السلام)، مثل مالكٍ، حكي أن مالكاً الأشتر كان مجتازاً بسوق الكوفة وعليه قميص خام وعمامةٌ منه، فرآه بعض السوقة(3)، فازدرئ(4)، بزيهِ؛ فرماه ببندقةٍ تهاوناً به، فمضى ولم يلتفت، فقيل له: ويلك! أتدري بمن رميت؟
فقال: لا.
فقيل له: هذا مالك صاحب أمير المؤمنين (عليه السلام)، فارتعد الرجل ومضى إليه ليعتذر منه. فرآه وقد دخل مسجداً وهو قائم يصلي. فلما انفتل أكب الرجل على قدميه يقبلهما، فقال: ما هذا الأمر؟!
فقال: أعتذر إليك مما صنعتُ.
فقال: لا بأس عليك، فوالله ما دخلت المسجد إلا لاستغفرن لك(5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ يقال: نبا حد السيف: إذا لم يقطع (النهاية: ج5، ص11).
2ـ الفِند من الجبل: انفه الخارج منه، وقيل: هو المنفرد من الجبال (النهاية: ج3، ص475).
3ـ السُّوقة من الناس: الرعية (النهاية: ج2، ص424).
4ـ الازدراء: الاحتقار والانتقاص والعيب (النهاية: ج2، ص 302).
5ـ تنبيه الخواطر: ج1، ص2.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|