أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-10-2014
657
التاريخ: 25-10-2014
672
التاريخ: 25-10-2014
1107
التاريخ: 25-10-2014
592
|
اتّفق المسلمون على انّه تعالى مدرك للمدركات، سميع، بصير. ثمّ اختلفوا في معناه: فذهب البغداديّون كلّهم إلى أنّ معنى كونه تعالى مدركا للمدركات سميعا بصيرا، أنّه عالم بها على جميع تفاصيلها وذهب البصريّون إلى أنّ معنى كونه تعالى مدركا للمدركات أنّه حاصل على وصف زائد على كونه عالما و جميع صفاته.
أمّا كونه سميعا بصيرا، فقد يعنى به المبالغة في وصفه بأنّه سامع مبصر
للمسموعات و المبصرات، فلا يصفونه بكونه سميعا بصيرا لم يزل على هذا المعنى و قد
يراد به أنّه يصحّ أن يسمع المسموعات و يبصر المبصرات إذا وجدت فيصفونه بكونه سميعا
بصيرا لم يزل على هذا المعنى. و الواجب أن نبيّن ثبوت هذه الصفة في الشاهد و أنّها
زائدة على سائر الصفات، ثمّ نبيّن ثبوتها في الغائب.
فأمّا ثبوت هذه الصفة في الشاهد فظاهر، و ذلك لأنّ أحدنا يجد من نفسه عند
ما يرى مرئيّا أو يسمع صوتا أو يدرك طعما أو رائحة أو حرارة أو برودة أو ألما- ما
كان يجده قبل ذلك، و أجلى الامور ما يجده الإنسان من نفسه و إنّما المحتاج إلى
البيان هو كون هذا الأمر زائدا على صفاته الأخر.
والذي يبيّن هذا أنّه قد يكون قادرا مريدا
كارها مشتهيا نافرا، و لا يجد من نفسه هذا الأمر و قد يجد من نفسه هذا الأمر مع
انتفاء هذه الصفات، فتحقق أنّه زائد على هذه الصّفات و بقي الاشتباه بينه و بين
كونه عالما و كونه حيا.
والدليل على أنّه زائد على كونه عالما أنّه يفصل بين ما إذا رأى شيئا فعلمه
و بين أن يغمض عينيه مع ثبوت علمه بذلك الشيء، و كذلك يفصل بين ما إذا أدرك
المدركات الأخر و بين ما إذا لم يدركها مع علمه بها في الحالين.
وكذلك قد يكون مدركا في حال نومه للألم بقرص البقّ و البرغوث و إن لم
يعلمه، و كذا قد يدرك الصوت الذي بحضرته و إن لم يعلمه، و لهذا ربما يصير ذلك سببا
لانتباهه، فثبت أنّه زائد على كونه عالما.
وبيان أنّه زائد على كونه حيّا هو أنّه قد يتجدد إدراكه لشيء مع استمرار
كونه حيّا، كمن يحضره شخص فأدركه، فإنّ إدراكه لذلك الشخص متجدّد، و لم يتجدّد
كونه حيّا في تلك الحالة، فثبت أنّه زائد على كونه حيّا.
وأمّا البغداديّون، فإنّهم يذهبون إلى أنّ الإدراك في الشاهد أيضا إنّما هو
العلم بالمدرك إذا كان حاصلا من طريق الحاسّة، و يعنون بحصوله من طريق الحاسّة أن
يؤثّر المدرك في الحاسّة كالصدمة التي يجدها السامع للصوت الشديد، و كما يجده من
يدرك حلاوة صادقة أو حموضة أو حراقة في حاسّته، و كما يجده من لمس شيئا حارّا أو
باردا.
قالوا: إذا حصل العلم بالمدرك عند تأثيره في حواسّنا كان ذلك العلم إدراكا.
و على هذا بنوا قولهم بنفي كونه تعالى مدركا في الحقيقة، و أنّ معنى كونه مدركا
للمدركات سميعا بصيرا، كونه عالما، و لم يجعلوه مدركا في التحقيق، لاستحالة حصول
علمه من هذا الطريق.
وربّما قالوا ليس الإدراك إلّا هذا التأثير الذي هو للمدرك في حاسّة
المدرك.
وذكر صاحب الفائق: «إنّا لا ننكر هذا التأثير، و لكن كون المدرك مدركا
زائدا على هذا التّأثير»- و بيّن ذلك بأن قال-: «أحدنا عند ما يدرك شيئا و يرى
مرئيّا يجد من نفسه أمرا زائدا على علمه راجعا منه إلى المدرك متعدّيا إليه، كما
يجد ذلك في كونه عالما، فإنّه يعلم أنّ كونه عالما أمر راجع منه إلى المعلوم
متعدّي إليه. و إذا كان كذلك لا يجوز أن يكون نفس التأثير. وذلك لأنّ التأثير يرجع
من المدرك إلى المدرك، فهو بالعكس ممّا يجده من نفسه.
وهذا قريب إذا ثبت أنّ كونه مدركا زائدا على هذا التأثير لم يستحل ثبوته في
حقّه تعالى».
واستدلّ المشايخ على ثبوت هذه الصفة في حقّه تعالى بأنّ قالوا: كونه حيّا
هو الذي يقتضي هذه الصفة، و الشرط العامّ المراعى في جميع المدركين هو وجود
المدرك، و قد ثبت أنّه تعالى حي والمدرك موجود، فيجب أن يكون مدركا.
ودلّوا على أنّ كونه حيّا هو المقتضي لكونه مدركا بأن قالوا: أحدنا إذا كان
حيّا و صحّت حواسّه وارتفعت الموانع المعقولة من الإدراك و وجد المدرك، تحتّم و
وجب كونه مدركا، فلا يخلوا المقتضي له من أن يكون وجود المدرك أو ارتفاع الموانع
أو صحّة الحاسّة أو شيئا وراء ذلك، أيّ شيء كان.
قالوا: ولا يجوز أن يكون المقتضي لكونه مدركا وجود المدرك، لأنّ وجود
المدرك أمر منفصل عن المدرك، فلا يجوز أن تقتضي له صفة، لفقد الاختصاص به، و لأنّه
لو اقتضى وجود المدرك كونه مدركا، للزم استحالة أن يدرك الواحد منّا الضدّين في
حالة واحدة، و قد علمنا جواز ذلك و صحته، ألا ترى أنّا ندرك السواد في محلّ و
البياض في محلّ آخر على تضادّهما.
قالوا: و إنّما كان يلزم استحالة أن نراهما في حالة واحدة لو كان وجود
المدرك مقتضيا لكونه مدركا، لأنّ تضادّ الموجب يقتضي تضادّ الموجب.
قالوا: و لا يجوز أن يكون المقتضي لذلك ارتفاع الموانع،
لأنّ المرجع بذلك إلى النفي، و النفي لا اختصاص له ببعض الذوات دون بعض، و كونه
مدركا يختصّ ببعض الذوات دون بعض.
قالوا: و لا يجوز أن يكون المقتضي لذلك صحّة الحاسّة، لأنّه إن عنى به،
انتفاء الآفات و ارتفاعها، كان ذلك نفيا أيضا و لا يختصّ، و إن كان المرجع به إلى
حصول معان مخصوصة في الحاسّة، فتلك المعاني و أحكامها ترجع إلى المحال، فلا يجوز
أن توجب صفة راجعة إلى الجملة.
قالوا: و لا يجوز أن يكون المقتضي له شيئا سوى ما ذكرناه، لأنّه لو كان
كذلك للزم جواز اجتماع هذه الامور من كون الواحد منّا حيّا في صحّة حواسّه، و
ارتفاع الموانع و وجود المدرك، و لا يدرك المدرك. و تجويز ذلك سفسطة.
وقد سألوا أنفسهم و قالوا: كما أنّ كون المدرك مدركا، لا يثبت إلّا مع وجود
المدرك، كذلك لا يثبت إلّا مع حواسّ صحيحة في الشاهد، و الحواسّ مفقودة في الغائب،
لأنّه تعالى ليس بجسم فيتعالى عن جواز الحواسّ عليه، فلا يجب أن يكون مدركا.
وأجابوا عن هذا السؤال بأن قالوا: حاجتنا إلى الحواسّ إنّما هي من حيث إنّا
أحياء بحياة، و للحياة تأثير في محلّها بأن تجعله ممّا يصحّ الإدراك به، فيصير
محلّ الحياة آلة في الإدراك، و غير ممتنع أن لا يستكمل كون الشيء آلة الّا بتركيب
خاصّ و بنيّة مخصوصة، و القديم جلّ جلالة حيّ لا بحياة، فلا يحتاج في الإدراك إلى
الحواس.
قالوا: ما هذا إلّا كما علمنا من افتقارنا في الأفعال إلى آلات مخصوصة
منفصلة و متصلة و استغنائه تعالى في مثل تلك الأفعال عن الآلات لمّا كان تبارك و
تعالى قادرا لنفسه و كنّا قادرين بالقدرة.
ويمكن أن يعترض على هذا بأن يقال: فرق بين الموضعين. و
ذلك لأنّا علمناه- تبارك و تعالى- فاعلا، إذ بأفعاله استدللنا على ثبوته وعلمنا
أنّه ليس بجسم، فعلمنا استحالة الآلات عليه، وعلمنا حاجتنا إلى الآلات، فدعتنا
الضرورة إلى أن نقول: الحاجة إلى الآلات في الأفعال راجعة إلى علّة تخصّنا، من
كوننا قادرين بالقدرة، و لم يثبت مثل ذلك في هذه المسألة، لأنّا ما علمناه- تبارك
و تعالى- بعد مدركا للمدركات، بل نحن في بيان ذلك و سبره بلى، لو ثبت لنا أنّه
مدرك بدليل غير هذا، لكنّا نحكم بأنّ الحاجة إلى الحاسّة في الإدراك راجعة إلى ما
ذكروه، فأمّا و لم يثبت لنا ذلك بل نحن في بيانه، فلا وجه يدلّ على ما قالوه.
فالأولى أن نرجع، في بيان كونه تعالى مدركا رائيا للمرئيّات، إلى السمع، في
مثل قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ
وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: 103] إذ
قد ثبت بما بيّنه علماؤنا- رضي اللّه عنهم- أنّ المراد نفي تعلّق الرؤية به تعالى،
فيجب أن يكون المراد بقوله: «وَهُوَ يُدْرِكُ
الْأَبْصارَ»، إثبات الرّؤية له تعالى ليطابق النفي
الإثبات و قد وصف اللّه تعالى نفسه بالسمع فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وقال: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا }
[النساء: 134] وقال: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46]
.
وقد ورد في الأدعية المأثورة عن الأئمّة عليهم السلام: يا من يرى و لا يرى،
يا أسمع السامعين، و يا أبصر الناظرين، يا سميع الدّعاء، يا سامع الاصوات. فيجب أن
نثبته رائيا للمرئيّات سامعا للمسموعات.
فعند ذلك يتحقّق ما قاله الشيوخ من أنّ حاجتنا في رؤية المرئيّات وسماع
الأصوات إلى الحاسّتين إنّما هي لما ذكروه من العلّة.
فأمّا إدراكه تعالى لغير هذين النوعين من الطعوم و الروائح و الحرارة والبرودة
و جنس الألم فلم يرد به سمع، فالواجب أن يتوقف فيه. وقد قطع الشيوخ على كونه تعالى
مدركا لجميع هذه المدركات.
ثم سألوا أنفسهم فقالوا: يلزمكم أن تصفوه تعالى بأنّه ذائق لإدراكه الطعوم،
شامّ لإدراكه الروائح، لامس لإدراكه الحرارة و البرودة.
وأجابوا عنه بأن قالوا: الشمّ والذوق واللمس ليست إدراكات، وإنّما هي طرق
إلى هذه الإدراكات. فالذوق هو عبارة عن مماسّة تفعل بين الحاسّة و بين محلّ الطعم
أو الذي يظنّ أنّ فيه طعما، طلبا لإدراك الطعم. و الشمّ هو مجاورة تفعل بين محلّ
الرائحة أو الذي يظنّ أنّ فيه رائحة و بين الخيشوم، طلبا لإدراك الرائحة. واللمس
عبارة عن مماسّة تفعل بين محلّ الحياة وبين محلّ آخر، طلبا لإدراكه أو إدراك ما
فيه من الحرارة و البرودة.
فهذه طرق الإدراكات و ليست نفس الإدراك و بيان ذلك أنّه تثبت هذه الامور و
ينفي الإدراك، فيقال: ذقته فلم أجد له طعما، و شممته فلم أجد له رائحة و لمسته فلم
أجد له حرارة أو برودة. وما هذا الّا كما يقال: نظرت إلى الهلال فلم أره، أصغيت
إليه فما سمعت كلامه.
قالوا: ونحن ما أثبتنا في حقّه- تبارك و تعالى- إلّا حقائق هذه الإدراكات،
دون طرقها، فلا يلزمنا وصفه بشيء من ذلك.
ويمكن الاستدلال على كونه تعالى مدركا لسائر المدركات بالإجماع بعد أن ثبت
كونه رائيا للمرئيّات، سامعا للمسموعات، بالدليل الذي ذكرنا بأن يقال: إذا ثبت
أنّه تعالى يرى المرئيّات ويسمع المسموعات بمعنى أنّه حاصل على وصف زائد على كونه
عالما بإدراكه لهما، ثبت أنّه مدرك لجميع المدركات، لأنّ أحدا من الامّة لم يفرّق
بين بعض المدركات و بين بعض في إدراكه تعالى: فمن أثبته تعالى مدركا لبعضها أثبته
مدركا لجميعها، و من نفى إدراكه لبعضها نفى إدراكه لجميعها من دون فرق، و لا يعتبر
بخلاف من خالف في ذلك، لشذوذه من الإجماع، ولتقدّم الإجماع على قوله و تأخّره عنه.
فإن قيل: إذا وصفتموه بأنّه مدرك للمدركات عند وجودها، و
أن كونه مدركا وصف زائد على كونه عالما يتجدّد عند وجود المدرك يلزمكم أن يكون
تعالى قد تغير و التغيّر عليه محال.
قلنا: ما تعنون بالتغيّر؟
إن قيل: نعني به أنّه حصل على صفة بعد أن لم يكن عليها.
قلنا: فهذا نفس المذهب، فلا يكون إلزاما، و كأنّكم قلتم: لو حصل مدركا بعد
أن لم يكن مدركا، قد حصل على صفه لم يكن حاصلا عليها. و هذا لا وجه له في الإلزام.
[فإن قيل: يلزم أن تصفوه من حيث العبارة بأنّه تغيّر.
قلنا: التغير الحقيقي مستحيل شاهدا و غائبا] لأنّ معناه أن يصير الشيء غير
ما كان، و هذا محال، و لكن بالعرف إنّما يستعمل فيما يدخل تحت الإدراك بأن يدرك
الشيء على وصف ثمّ يزول ذلك الوصف فيدرك على خلاف ذلك الوصف، كالإنسان يلحقه خجل
فتحمرّ وجنتاه فيرى أحمر الوجه بعد أن لم ير كذلك، و كالذي يلحقه و جل فيصفرّ وجهه
فيرى على لون ما كان يرى على ذلك اللون، و كالطعام الذي يتبدّل لونه أو رائحته
فيقال إنّه تغيّر. و إذا كان كذلك فلا يجري على الأوصاف التي لا تدخل تحت الإدراك.
يبين ما ذكرناه: أنّ أحدنا قد لا يكون مدركا لشخص لغيبته و لا صوت لعدمه،
ثمّ يحضر الشخص فيدركه و يوجد الصوت فيسمعه. و لا يقال: إنّه تغيّر لما لم يدخل
كونه مدركا تحت الإدراك، فثبت بهذه الجملة أنّه لا يلزمنا أنّ نصفه تعالى أنّه
متغيّر لحصوله مدركا بعد أن لم يكن مدركا لأنّ الإدراك لا يتعلّق به على وجه من
الوجوه.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|