النمو العمراني التراكمي

ويعتبر هذا النوع من أنواع النمو أبسط نمو عرفته المدينة، حيث يتم فيـه مـلء المساحات الفضاء أو بالبناء على المشارف، وأحياناً : عند أقرب مكان من أسوار المدينة. ويعزى ذلك لارتفاع أسعار البناء في الداخل. ولكن بعد هدم الأسوار القديمة، وبنـاء أسوار جديدة تحيط بمساحة أوسع، وفي نفس الوقت يحـل طـريـق دائـري محـل السـور القديم، حيث يشير ولو جزئياً إلى أن الخطة الأصلية كانت دائرية. وهكذا تنمو امثال تلك المدن الدائرية حلقات في إثر حلقات، مثل مدينة موسكو. فطرقاتها الدائرية تؤكد على نمط النمو التراكمي الحلقي بوضوح ولكن لا : يعني هذا أن توسع المدينة وأحيائهـا المختلفة تتبع في توقيعها الخطة الأصلية. فربما تمتد وتتوسع وفق خطة الزوايا القائمة، بالرغم من أن الأصل في تطورها دائري الشكل.

وغالباً ما تكون المباني على شكل فلل فوق الأراضي الزراعية، تحيطها الأشجار المثمرة، مثل مدينة مرسيليا في القرن الـ 19م. مما جعـل هـذه الفـلـل عقبـة تقـف أمـام مخططي المدن حالياً، في سبيل تعديل وتطوير خطة مرسيليا والمدن التي تماثلها. كما أن نمو المدينة واتساعها لا يتم بـدون أن يخضع لضوابط طبيعية تفرضها ظروف الموضع (المكان). ويزداد تأثير هذه الضوابط كلما ازدادت المدينة مساحة وامتداداً. وهذا ينعكس على تحديد شكل المدينة ومورفولوجيتها. حيث تتحكم تلـك الخصائص المكانية في البيئة المحلية في توجيه المباني الجديدة (النمـو العمراني) على المستويين الرأسي والأفقي.

فالمنحدر ليس عقبة إذا لم يكـن شـديداً، بـل تفضـل الأحياء السكنية القديمة والحديثة أن تصعد على سفحه طلباً للهواء والشمس مثل عمان ونابلس. كمـا يتخـذ نمو المدينة على ضفاف الأنهار السريعة والمتغيرة المجرى، أشكالا نصـف دائرية. فنمـو مدينة الإسكندرية، هو نمو شريطي؛ لأن اليابس المتاح الذي تحتلـه يمثـل جيبـاً أرضـياً محصوراً بين شاطئ البحر المتوسط وضفة بحيرة مريوط.

كما أن هناك عوامل بشرية، تقف حائلاً أمـام نمـو المدينة، وتتمثل في الحـدود السياسية، حيث يتراجع نموها، بينما تستفيد المدن الأخـرى، فيزداد نموهـا مـن جـراء المنافسة غير المعلنة، من وراء الحدود السياسية. كما تحاول الأحياء السكنية الا تكـون في مهب الرياح الدائمة المحملة بالملوثات الغازية، مما ينعكس مباشرة على توجيه الامتداد العمراني في المناطق المحمية من تلك الملوثات.

ولذلك نجد المصانع في الغرب نمت للشرق من المدن مثل لندن وباريس، نتيجة لسيادة الرياح الغربية الدائمة فيها. وقد تكون السكة الحديدية الـتي تـدين - لها المدينة بكثير من الفضل عائقاً كالعائق المائي. وتصبح مصـدر إزعاج إذا مـا توغلت لمسـافة بعيدة في الأحياء السكنية. كما يلاحظ تواجـد المصانع للشـرق مـن بغـداد وعمـان للسبب ذاته.

كما لا يفوتنا في هذا الصدد ان نشير إلى دور وسائل المواصلات، وخاصـة العامة، في خلق نمو تراكمي نجمي أو أخطبوطي تتمثل في خطوط المواصلات، سـواء الطرق أو السكك الحديدية بأذرعها الممتدة من المدينة إلى بعيد. حيث النمو قريبـاً مـن المدينة الأصلية وعلى طول شرايين النقل. وكلما زادت المدينة حجماً، طالـت الأذرع وامتلأت الفراغات الأرضية بين تلك المباني الزاحفة وهكـذا... فالطريق في الدول المتقدمة والنامية عام قوي وفعال، يقف وراء كل توسع عمراني تحرزه المدن.

ولعل من أسوأ نمو تراكمي عرفتـه المـدن الحديثـة خاصـة في أفريقية وأمريكا اللاتينية، ذلك الذي تمثل في أحياء أو مدن عشش الصفيح. حيث تقـف بائسة على مقربة من حدود المدن، لا تعرف الماء النقي ولا الضـوء الكهربائي، وتعـاوني مـن الأمراض وسوء الأحوال. هذه المدن البائسة، تقف كشاهد على الهوة التي تفصل بين اغنياء هذا العصر وفقرائه ؟؟