مفهوم الفرضية :

يقصد بالفرض العلمي أنه حل مقرح لمشكلة البحث ، وهذا الحل يصوغه الباحث صياغة واضحة دقيقة ، بحيث لا تعطي أكثر من معنى واحد ، ولا تتضمن أكثر من علاقة واحدة. وتعرف الفروض بأنها التكهنات التي يضعها الباحثون لمعرفة الصلات بين الأسباب والمسببات، وهكذا يكون الفرض حدساً بالقانون، أو تفسيراً مؤقتاً للظواهر، لأنه متى ثبت صدقه، أصبح قانوناً عاماً يمكن الرجوع إليه في تفسير جميع الظواهر التي تشبه تلك التي أوحت بوضعه. أما إذا ثبت فساده، فيجب تركه والبحث عن تفسير آخر، ينتهي إلى الكشف عن القانون الحقيقي الذي تخضع له الظواهر.

ومن أمثلة الفروض الأولى، الفرض القائل: إن الأرض تدر حول محورها ، وإن الكواكب تسير في مدارات بيضية الشكل، ومن أمثلة الفروض الحديثة، أن قوة الرابط الاقتصادي بين مركزين يتناسب طرداً مع حاصل ضرب عدد سكانهما، وعكساً مع المسافة الفاصلة بينهما، وكذلك الفرضية القائلة: إن المدن ذات الأحجام والوظائف المتشابهة تكون على أبعاد متماثلة.

والفرض يمثل المرحلة الثانية في سبيل الوصول إلى المبادئ العامة، إذ لا تكفي الملاحظة في إدراك العلاقات الثابتة بين الأشياء المتغيرة المتحولة، ولن يغني عن الباحث شيئاً أن يكدس الملاحظات والتجارب، على غير نسق وعلى غير هدى. ولا قيمة لكل من الملاحظة والتجربة من الناحية المنهجية إلا إذا وجدت روح الملاحظة وروح التجربة، أي إلا إذا وجد الفرض.

إن الملاحظات المختلفة تمثل المواد الأولية الضرورية لإنشاء أي علم من العلوم، وهي شبيهة بأحجار البناء، فلا بد من تنظيمها وتنسيقها، كما تنظم وتنسق أحجار المنزل، حتى يتم بناء العلم؛ فالفارق كبير بين الأحجار التي تستخدم في البناء، وبين المنزل وقد تم بناؤه. وإنما ينظم الباحث الظواهر وينسقها بالتفكير التجريبي، أي بالفروض التي تنشئ العلم حقيقة وتدعمه .

ومعنى ذلك، أن مهمة الباحث لا تقف عند حد تسجيل الملاحظات والنتائج التي تؤدي إليها التحارب، بل لابد من ربط هذه الملاحظات والنتائج وتفسيرها تفسيراً عليماً يسمح بالتنبؤ بالمستقبل، والحكم بأن الظواهر نفسها توجد متى تحققت الشروط نفسها التي أدت إلى وجودها فيما مضى، فالتجربة أو الملاحظة الجيدة هي إذن تلك التي تسمح بالتعميم، أي التي تتيح لنا التكهن بالمستقبل.