أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-7-2016
21787
التاريخ: 2023-04-24
1228
التاريخ: 29-11-2018
2918
التاريخ: 19/11/2022
1327
|
من المعروف ان الخبرات والمعارف والأساليب والطرق التربوية والتعليمية والإرشادية والتهذيبية والتأديبية والتثقيفية، في مجملها تشكل مجموعة الخزين المعرفي المتوارث بين الأجيال.. وهذا الخزين الذي يسميه (يونج) (الموروث الجمعي) الذي حمله الفرد ويتم نقله من هذا الفرد إلى الأفراد الآخرين، بواسطة الاكتساب والاتصال والتعلم خلال عمليات التكيف الاجتماعي، والتطبيع داخل المجتمع بين المجموعات الاجتماعية.. فيشكل هذا (الموروث الجمعي) سمات هويتهم الثقافية، واتجاهات ثقافتهم العامة، وقد يختلف هذا الموروث ومحمولاته من فرد إلى أخر، ومن مجموعة اجتماعية إلى مجموعة اجتماعية أخرى، إلا انه لا يختلف عن حمل السمات العامة للثقافة التي يتصف بها المجتمع بشكل عام.. ويعد هذا الموروث الجمعي، الخزين الثقافي الحي المتداول بين الافراد عبر الأجيال، في الفكر والسلوك والأفعال المادية واللامادية، على مدار الساعة، وهو قابل إلى الاتساع والزيادة والتغير على الدوام، بشكل طبيعي من خلال حالة التكيف الاجتماعي والثقافي لأفراد المجتمع بعضهم مع البعض الآخر، وفق نظام الخضوع الاجتماعي لعرف الجماعة وتقاليدها..
وانطلاقاً من هذا الفهم فأن الفرد لا يمكن ان يحيا بأمان وسلام، وينعم بالراحة والطمأنينة، دون ان يندمج مع بيئته ومجموعته الاجتماعية ويتكيف معها بشكل طبيعي ولا يتحقق ذلك دون ان يخضع لحالة التطبيع الاجتماعي مع مجتمعه، وينطلق وفق ثقافته ويحترم نظمه الاجتماعية السائدة، تلك النظم التي وجدت لتحقيق سبل التطبيع الاجتماعي والتكيف مع واقع الحياة لجميع الافراد..
من هنا تلعب عمليات (التنشئة الاجتماعية) الدور الأساسي لتحقيق حالة التطبيع الاجتماعي بشكل تدريجي للطفل، بوصفه المولود الجديد الذي يتطلب إخضاعه منذ البداية لواقع مجتمعه ورموزه وثقافته لكي يتكيف مع ذلك، ويتطبع اجتماعياً على ما تطبع عليه أبناء المجتمع.. فمن خلال هذا التطبيع يتم انتقال الطفل من الحالة البيولوجية إلى الحالة الاجتماعية الإنسانية.. ومن ثم يتم التدرج في امتصاص الثقافة وتشكل سماته الثقافية.. إذ أننا في البداية نجد (ان الطفل يولد بدون أي أنماط سلوكية موروثة، وهو يتعلم عادات وتقاليد ومفاهيم وقيم الجماعة التي ينتسب إليها عبر وسائل الاتصال الجماعي، التي تشكل مجموعة من الرموز التي تميزه عن الكائنات الحية الأخرى، فتكون الثقافة قد بدأت.. ويمكن النظر إلى الاختلاف الثقافي بين المجتمعات من زاوية اختلاف الرموز الثقافية بين مجتمع وآخر، والتي تعطي تفسيرات مختلفة لمحتوى ومضمون الثقافة من عادات وتقاليد وقيم ومواقف سلوكية، فما هو صحيح ومعترف به في مجتمع قد لا يكون كذلك في مجتمع آخر)(۱).
لهذا يأتي التطبيع الاجتماعي من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية ليحافظ على جوهر الثقافة، وليعزز من دورها وقيمها وأصالتها ورموزها وخصوصيتها في تواصل التجربة الإنسانية للمجتمع من جيل إلى جيل آخر يقوم هو الآخر في حفظ تجربته الإنسانية ومرجعياتها الأصيلة، التي تعبر عن سمات خصوصيته الثقافية، ومعنى ودلالات ثقافته التي يؤمن بها، ويتقيد بتقاليدها وعاداتها وطبائعها وموروثاتها الأخرى المتراكمة، كونها جميعاً تمثل أساس طبيعته الإنسانية والاجتماعية، و(مجمل التجربة الإنسانية المتراكمة والمكتسبة ومجمل التصرفات التي يتعلمها الإنسان، وهي كل ما يفرزه المجتمع من أفكار وأخلاق وقيم ومعتقدات يقدمها لعناصره فيتعلمونها ويتكيفون معها)(2).
وبما ان (التنشئة الاجتماعية) ليست واحدة في عملياتها وفي أساليبها، ولا هي ثابتة.. ففيها ما هو ثابت وما هو متحول، وفيها ما هو أصيل وما هو متغير، لأنها قابلة إلى التطور والاتساع.. فهي لا تسير بنفس الاتجاه والأسلوب والطريقة دائماً، فالتنشئة الاجتماعية قبل مئة عام تختلف تماماً عن التنشئة الاجتماعية في الوقت الحاضر.. لان تفكير الإنسان ووسائله وطرق عيشه الآن قد اختلفت عن الحال والواقع الذي كان عليه قبل مئة عام.. وهذا شيء بديهي تفرضه طبيعة الحياة . .
وهذا الحال ينعكس أيضاً على طبيعة التنشئة الاجتماعية بين أسرة وأخرى، وبـيـن جـمـاعـة وجـمـاعـة أخرى، تبعاً لاختلاف الـمـسـتـوى الاجتماعي والفكري والاقتصادي، لهذه الأسرة أو تلك، أو لهذه الجماعة وتلك..
ومن هنا يحصل التباين والاختلاف في عمليات التنشئة الاجتماعية داخل المجتمع الواحد فينعكس ذلك على المحصلات الثقافية للأفراد.. فهناك أسرة تعلم طفلها على القوة والخشونة وتحمل الصعوبات والأخطار منذ الصغر، لكي ينشأ – في ظنها – قوياً شجاعاً.. وأسرة أخرى ميسورة الحال تخضع طفلها إلى الرعاية الفائقة وتستجيب لكافة احتياجاته وتعمل على دعم قدراته ومواهبه بكل ما هو مناسب لذلك، ولا ترفض له طلباً.. وأسرة أخرى تحرص على ان ينشأ طفلها نشأة طبيعية تدعم قدراته ومواهبه بكل ما هو سليم في تصورها بعد إدراكها العلمي لخصوصية التعامل مع الطفل والاستجابة لمتطلبات نموه الصحيح.. فنجد ان الطفل الأول ينشأ محباً للقوة والتسلط وربما الميل إلى العنف والعدوانية.. بينما الثاني عكس ذلك، طبيعياً، مسالماً، هادئاً، وربما يكون حنوناً.. أو ربما يكون انانياً وميالاً إلى (حب الأنا) بدرجة عالية لأنه نشأ على (التدليل) الزائد..
أما الطفل الثالث فنجده أكثر ميلاً للتكيف الطبيعي مع الأقران.. ايجابي التعامل مع الظروف والمواقف المختلفة، يميز بين ما هو لائق وما هو غير لائق في السلوك، وغير ذلك..
نفهم من هذا الطرح السريع، ان هناك اتجاهات اجتماعية متعددة في أساليب وطرق التنشئة الاجتماعية، وهذه الاتجاهات هي التي تعكس الاتجاهات المتباينة في ثقافة الفرد وسلوكه العام.. ولكي لا يحصل هذا التباين والاختلاف في اتجاهات التنشئة الاجتماعية، لابد من وجود الوعي العام لدى جميع الأفراد والجماعات بالأسس الصحيحة التي يجب ان ينطلقوا منها في التنشئة الاجتماعية لأطفالهم، بطرق وأساليب لا تشذ احدها عن الأخرى سلباً وايجاباً، وذلك بالعودة الصحيحة إلى المصدر الصائب في تعلم أسس ومنطلقات التنشئة الاجتماعية.. وهذا المصدر هو المرجع الصحيح للجميع.. فالطفل تعلم وأكتسب ثقافة في إطار تنشئته الاجتماعية من والديه في أحضان أسرته، ومن أقرانه والمحيطين به في المحيط الاجتماعي، ومن معلميه في المدرسة، ولكل من هؤلاء طرقه ووسائله ومؤثراته في إكساب الطفل وتعليمه الثقافة..
إذن تعتبر الأسرة والمدرسة والمحيط الاجتماعي والبيئي مصادر الطفل الأساسية في تشكيل ثقافته، وان الأب والأم والمعلم والأقران هم المراجع الأساسية للطفل في تلقي ثقافته . .
وهنا يبرز السؤال التالي: ما هي مصادر الأب والأم والمعلم في تحصيل الثقافة بشكل عام، وفي تعلم الخبرة اللازمة في معرفة ثقافة الأطفال؟.. لابد ان هناك مراجع معينة يرجعون إليها في توسيع دائرة ثقافتهم العامة، وفي إدراك خصوصية ومعاني ودلالات الثقافة الخاصة للأطفال.. في توجههم إلى هؤلاء الأطفال في إكسابهم وتعليمهم قيم ومؤثرات هذه الثقافة.. وربما يتقدم أحد ليقول: أن الأب والأم والمعلم قد اكتسبوا وتعلموا أساسيات واتجاهات ومكتسبات ثقافتهم العامة شيئاً فشيئاً خلال مراحل متعددة مرت بها تنشئتهم الاجتماعية، فأصبحت لديهم الخبرات الواسعة في نقل الثقافة إلى الآخرين، - راشدين وأطفال - ولكن هذه الخبرات التي تعد (مجهودات شخصية) غير صائبة في بعض اتجاهاتها وجوانبها ما لم يتم توسيعها بالاطلاع المستمر والتعلم المتواصل بالانطلاق من المصادر العلمية الصحيحة ومراجعها الأصلية في تعلم العلوم والمعارف وتوسيع الخبرات والتجارب لكي تكون صائبة في النظر إلى الثقافة عامة وقياسها قياساً علمياً، وكذلك بالنظر إلى ثقافة الأطفال وقياسها بدقة خاصة.
من هنا لابد من معرفة أصل الأشياء، وأساس مرجعياتها التي يتم الاعتماد عليها في تكوين المعارف والخبرات العلمية الواسعة.. ومع إننا قد تعرفنا على أساس الثقافة وأساس مرجعيتها بشكل عام، إلا اننا لابد من التعمق أكثر في تتبع المفاهيم التي كونت الثقافة العامة وساعدت على ترسيخ مرجعيتها الفكرية والعلمية والاجتماعية، لكي يصار بعدها الانطلاق إلى تحديد المفهوم الذي قاد إلى مرجعية الثقافة الموجهة للأطفال. .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ شوكت أشتي، القيم الاجتماعية في أدب الأطفال ص ۳۲.
2ـ فؤاد شاهين ـ علم الاجتماع ومفهوم الثقافة.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|