الموقع المجاور:

يقصد بمصطلح الموقع المجاور Vicinal Location, موقع الدولة بالنسبة للدول المجاورة لها مباشرة، التي تحيط بها وتلتصق مع مجالها الأرضي عبر الحدود السياسية المشتركة فيما بينها، وهو من الخصائص المكانية ذات الأهمية القصوى للدولة، لأنه يرتبط بدراسة علاقات الدولة مع الدول الواقعة على طول حدودها، وهي العلاقات التي تعرف بعلاقات الجوار.

ويمتاز الموقع المجاور بطبيعة خاصة من حيث أنه يشمل دولا تلتصق أقاليمها بعضها ببعض التصاقا يؤدي بالضرورة إلى داخل مصالحها الوطنية وتشابكها. ولذا غالبا ما يتسم التفاعل بين دول الجوار بشدة حساسيته، نظرا لارتباطه المباشر بسيادة الدولة على مجالها الاقليمي من ناحية، وباحتياجاتها اللازمة لحماية هذا المجال وتأمين مصالحه من ناحية أخرى. و على ذلك فإن الوضع المتميز الذي يحظى به الموقع المجاور ومن ثم علاقات الجوار، في دراسة الجغرافيا السياسية، إنما ينبع من ارتباطه الوثيق بالأمن الإقليمي أو القومي للدولة, إن لموقع الدولة بالنسبة للدول المجاورة دورا كبيرا في الجغرافية السياسية لهذه الدولة، فإذا كانت الدولة صغيرة وتقع بين دولتين كبيرتين متحاربتين فإن أراضيها تكون عرضة للاختراق وميدانا للقتال مثل بولندا الغني اختفت من خريطة العالم أكثر من مرة نظرا لموقعها بين كل من المانيا والاتحاد السوفيتي قبل تمزقه، وكذلك بلجيكا التي احتلتها المانيا لتتمكن من الدخول إلى فرنسا.

وموقع الدولة في منطقة التوتر الدولي يجعلها عرضة للمشكلات الدولية أكثر من الدول البعيدة، مثل الدول الأوربية التي قاست من جراء الحربين العالميتين، ومثل دول الشرق الأوسط التي قاست وما زالت تقاسي من جراء موقعها بين مراكز دول القوى العالمية.

وللموقع المجاور خصائص ويقصد بهذه الخصائص السمات الجغرافية والمعطيات المكانية، التي تميز الدولة وتحدد علاقاتها في محيطها الاقليمي مع دول الجوار، واهم هذه الخصائص للدول الحدود البرية وعدد دول الجوار والوعاء الدفاعي والعمق الإقليمي, ويرتبط بهذه الخصائص عدد من المؤشرات هي عبارة عن نسب توضح مدى الضغوط الكامنة في الموقع المجاور، والتي يمكن ان نتعرض لها الدولة من جراء خصائص ذلك الموقع، اي هي مقاييس نظرية توضح الشعور الدفين لدى الدولة بوجود تهديدات محتملة من دول الجوار ضد سيادة الدولة وكيانها الاقليمي .

ويرتبط بالموقع المجاور علاقات الجوار، ويقصد بها العلاقات السياسية القائمة بين دولة ما والدول المجاورة لها والتي تشترك معها في حدودها البرية، وتنطوي هذه العلاقات على ظاهرتين: الأولى وهي ظاهرة التكامل والاندماج، والثانية هي ظاهرة الصراع. ويتحدد قيام ونجاح اي من الظاهرتين، على نجاح أو إخفاق عملية الاتصال بين الدولة وجاراتها بأوسع معانيها.

وتقوم ظاهرة التكامل بين الوحدات السياسية الدول على خصائص مشتركة فيما بينها، اي انها تنشا بين الوحدات السياسية ذات الاعتماد المتبادل, في حين تقوم ظاهرة الصراع بين الوحدات السياسية، التي تربط بينها علاقات يسودها تعارض المصالح او العداء على اختلاف درجاته.

وتتسم علاقات الجوار عادة بدرجة عالية من الحساسية، لأنها ترتبط ارتباط وثيق بحاجة الدولة الماسة إلى المحافظة على وجودها وعلى كيانها الإقليمي، وهذا ما يدخل في صميم مقتضيات الأمن القومي للدولة. ومن هنا فكما تتطلب علاقات الجوار الالتزام بأقصى درجات ضبط النفس للحفاظ على حد ادنى من علاقات حسن الجوار، فإنها تستوجب أيضا الالتزام بأقصى درجات الحرص والحذر، والأخذ بأساليب المراقبة والمتابعة لكل ما يجري على اراضي الدول المجاورة، فضلا علن التعامل الوقائي مع كل ما من شأنه أن يهدد السيادة الإقليمية للدولة ويزعزع أمنها القومي وتتأثر الدول المتجاورة بأحجام بعضها وعدد سكانها وبقوتها أو ضعفها، إذ إن كل هذه المميزات تنعكس على علاقات الدول ببعضها البعض وبسياستهم الخارجية وبمجرى الأحداث التاريخية.

وأحيانا يؤدي تجاور الدول إلى التعاون يمما بينها، وهذا التعاون يؤدي بدوره إلى القوة وإلى التقدم الاقتصادي كما هو الحال في دول غرب أوربا وفي دول الخليج العربي, وقد يحدث العكس يتحدى الدول الكبرى على الدول الصغرى كما حدث عندما اعتدى العراق على الكويت، وعندما استولى الاتحاد السوفيتي سابقا على جزء كبير من دول شرق أوربا، ومن دول العالم الإسلامي في جنوبه، واليابان التي احتلت منشوريا وأجزاء من الصين وجنوب شرق آسيا.