تـفنيـد الإدّعاءات : حول الربط بين الفشل وملكية الدولة (التجربـة العربيـة) |
2268
01:48 صباحاً
التاريخ: 15-7-2021
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-12
1359
التاريخ: 31-10-2016
3724
التاريخ: 2023-05-15
1865
التاريخ: 2024-01-19
924
|
- الربط بين الفشل وملكية الدولة (التجربـة العربية)
على صعيد دول المنطقة العربية، نجحت حكومة دبي نجاحاً مشابهاً في إنشاء شركة "طيران الإمارات" فبعد أن قرّرت شركة طيران الخليج في منتصف ثمانينيات القرن الماضي تقليص خدماتها ورحلاتها إلى دبي، شرعت حكومة إمارة دبي في استحداث شركة الخطوط الإماراتية برأسمال قدره 10 ملايين دولار، لتعمل وفق أسس تجارية بحتة بعيداً عن أي وجه من أوجه الدعم الحكومي. وبانطلاقة متواضعة وبمساندة من الخطوط الباكستانية التي قامت آنذاك بتأجيرها طائرتين من أسطولها، وبقيام الأجنحة الجوية الملكية لدبي بتزويد طيران الإمارات بطائرتين مستعملتين، تمكنت الشركة في عامها الأول من نقل نحو 260 ألف مسافر و شحن نحو 10 آلاف طن من البضائع على متن رحلاتها المختلفة. أفقدت هذه الانطلاقة القوية، بحد ذاتها، شركة طيران الخليج نحو 30 في المئة من أرباحها، ثم ألحقت بها الخسائر في العام التالي. ومنذ هذه الانطلاقة القوية، استمرت طيران الإمارات في تطور مستمر بتسارع كبير في قدراتها الاستيعابية وفي شراكاتها ونطاق تغطية خدماتها ورحلاتها، وفي التوسع نحو أنشطة أخرى مرتبطة بصناعة النقل الجوي، إلى أن أصبحت من أسرع شركات الطيران العالمية نمواً. وعلى مدار السنوات الخمس عشرة الماضية، تضاعف عدد الركاب المسافرين على متن رحلاتها المتنوعة 10 أضعاف، من نحو 3.1 مليون راكب في عام 1997 إلى نحو 39.4 مليون راكب في عام 2012، والبضائع المشحونة من نحو 189 ألف طن إلى نحو 2.1 مليون طن في عام 2012. أما إيراداتها فقد ارتفعت بوتيرة أكثر تسارعاً، بنحو 70 ضعفاً خلال الفترة 1996-2012، ووصلت في العام المالي 2012 إلى نحو 23 مليار درهم إماراتي (19.9 مليار دولار). ولم تتكَبّد الشركة أي خسائر تذكر منذ نشأتها خلال أكثر من 25 عاماً(21)، بل كانت أرباحها الصافية في تزايد سنوي باستثناء الأعوام 1999 و2001 و2008 و 2011 التي شهدت الأرباح السنوية فيها انخفاضاً لاعتبارات خارجة عن نطاق سيطرة الشركة. ففي عام 1999، تأثر الاقتصاد العالمي بحالة من الركود الاقتصادي أثرت في معظم القطاعات الاقتصادية حول العالم، وبحالة مشابهة بعد حوادث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، وتراجع الطلب العالمي بفعل الأزمة المالية في عام 2008. حالياً، تعتبر شركة طيران الإمارات إحدى الشركات التابعة لمجموعة الإمارات (Emirates Group)، وتضم عدداً من الأنشطة والمجالات المرتبطة بقطاع النقل الجوي كخدمات المطارات والهندسة وخدمات الضيافة والتموين والسياحة وغيرها، إلى جانب شركات أخرى هي داناتا ودبي لصناعات الطيران، ويتبع جميعها مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية، الذراع الاستثماري لحكومة دبي.
ليست قصة طيران الإمارات القصة الوحيدة التي يُعتد بها على صعيد نجاح منشآت الدولة. هناك أيضاً عدد من الشركات الحكومية الخليجية التي يشهد لها بالنجاح بثبات، ومنها الشركة السعودية للصناعات الأساسية «سابك»، وهي واحدة من الشركات العالمية الرائدة في صناعة الكيماويات المتخصصة والبلاستيكيات المبتكرة والأسمدة والبوليمرات والمعادن. وتُعد هذه الشركة التي أنشئت في عام 1976 برأسمال قدره 2.7 مليار دولار من أبرز الشركات الحكومية في السعودية وأهمها، فالحكومة السعودية تمتلك 70 في المئة من أسهمها، في حين يتوزع باقي الملكية بين مواطنين سعوديين ومواطنين من دول مجلس التعاون الخليجي. استطاعت الشركة بعد سنوات قليلة من نشأتها زيادة كميات إنتاجها بوتيرة متسارعة، فبعد أن كانت تنتج نحو 6.5 طن متري في عام 1985، أصبحت تنتج ضعف هذه الكمية بحلول عام 1990، إلى أن أصبحت تنتج زهاء 56 مليون طن متري في عام 2008. بعد أقل من 30 عاماً على نشأتها، أصبحت "سابك" أكبر شركة صناعية غير بترولية في المنطقة العربية وواحدة من أكبر 10 شركات عالمية لصناعة البتروكيماويات. "لـسابك" اليوم 60 منشأة صناعية موزعة على أكثر من 40 دولة في العالم تشغل أكثر من 30 ألف موظف. استطاعت الشركة بعد سنوات قليلة من نشأتها إظهار أداء متميز تمثل في تحقيقها أرباحاً
مستمرة حتى في السنوات التي عانت الصناعات البتروكيماوية المشابهة في العالم في خلالها ظروفاً صعبة ألحقت بها الخسائر. لا تعكس الاستمرارية في تحقيق الأرباح وحدها التميز في أداء الشركة، وإنما أيضاً الهوامش التشغيلية المنافسة التي تتفوق فيها على الهوامش في مؤشرات رائدة مثل Dow و BASF. في عام 2008، وصلت أرباح «سابك» الصافية إلى نحو 22 مليار ريال (5.9 مليارات دولار)، ووصلت موجوداتها إلى 272 مليار ريال (72.5 مليار دولار)، منها 95 مليار ريال (25 مليار دولار) موجودات متداولة .
ليست "طيران الإمارات" و"سابك" ، الشركتين الحكوميتين الوحيدتين في دول الخليج العربي اللتين تكللت مسيرتهما بالنجاح، فهناك الكثير من الشركات الحكومية الأخرى التي استطاعت أن تفرض نفسها على أرض الواقع، متحدية في ذلك المعطيات الجديدة التي تمخضّت عن اتساع نطاق المنافسة والأزمات الاقتصادية والمالية العالمية التي أثرت بشكل أو بآخر في اقتصادات المنطقة وأسواقها، وغيرها من المستجدات. فهناك، على سبيل المثال، شركة الاتصالات في الإمارات وشركات قطر للصناعات وقطر للاتصالات وبتلكو للاتصالات وبحرين للالمنيوم ودبي للموانئ، وجميعها شركات حكومية تمتعت مسيرتها بأداء متميز وهوامش ربحية وعوائد تجاوزت تلك التي تحققت لشركات ومؤسسات خاصة في أرجاء مختلفة من المعمورة .
أهم ما يمكن أن يفسر قصص نجاح هذه الشركات وتميزها هو ما توفره الأنظمة الحاكمة في هذه الدول من حماية ضد تدخل السياسيين والمسؤولين في إدارتها. فالمدراء العامون في هذه الشركات الذين يتم تعيينهم عادة بموجب مرسوم ملكي أو أميري يسعون إلى بناء جسور ثقة طويلة الأمد مع الأنظمة الحاكمة، وهذا بدوره ما يعزز من استقرارية المنظومة الإدارية في هذه الشركات، ويعزز الحافز نحو الظهور بأداء متميز. لذا، أهم ما يميز البيئة التي تعمل بموجبها المنشآت الحكومية في معظم دول الخليج العربي أنها مبنية على مبادئ وقواعد موحدة تمكنها من العمل وفقاً لأسس تجارية أساسها الربحية وباستقلالية عن التدخلات الحكومية. وعلى الرغم من التزام هذه الدول دعم مستهلكيها المحليين من خلال توفير السلع بأسعار ملائمة، فإن سياسة الدعم المتبعة والمتمثلة في تقديم دعم مباشر للمنتجين ودعم المستوردات بشكل مباشر حالت إلى حد ما دون إبعاد الشركات الناجحة عن أهدافها التجارية، ودون تخبطها في المشكلات المؤسسية المترتبة عن تعدد الأهداف. وعلاوة على ذلك، شحذ تركز مبيعات عدد من هذه الشركات، خصوصاً التصنيعية منها في الأسواق الخارجية، كفاءتها بتأثیر قوی المنافسة في هذه الأسواق، ومكّنها من تحمل التبعات المترتبة عن تخصيص جانب من منتوجاتها للأسواق المحلية بهوامش ربحية منخفضة، أو في بعض الأحيان بأسعار تقل عن تكلفة الإنتاج.
بطبيعة الحال، لا تنفي قصص نجاح بعض دول الخليج العربي في تعاملها مع المنشآت الحكومية ووضعها على قاطرة الكفاءة والتطور حقيقة وجود مشکلات هيكلية تعترض عمل منشآت أخرى في هذه الدول أو دول أخرى من دول المنطقة. فما زال الكثير من منشآت الدولة يعاني اختلالات هيكلية ناتجة بشكل أساس من تخبطها في تحقيق أهداف غير اقتصادية، ومعاناتها أوجه متعددة من الفساد. فلم تتمكن المرافق العامة، على سبيل المثال، وتحديداً شركات الكهرباء والمياه، حتى الآن من تحقيق أرباح تذكر، وما زالت هذه الشركات تتلقى دعماً حكومياً ضخماً للغاية بتزويدها بالنفط ومشتقاته بأسعار تقل بكثير عن أسعارها العالمية. تعاني شركات أخرى مثل طيران الخليج مشکلات تشغيلية صعبة وخسائر متكررة، ولطالما استُجوِب مدراؤها بشبهات متعددة من الفساد. وحتى الشركات الرابحة، مثل طيران الإمارات، سبق أن واجه مجلس إدارتها التحقيق بشبهة فساد. ثمة حالات وأمثلة كثيرة يمكن الاستشهاد بها للدلالة على أن قصص نجاح مجموعة مهمة من الشركات الحكومية في دول الخليج العربي ما هي إلا نتاج أوضاع خاصة تمتعت بها هذه الشركات ومَكّنتها إلى حد كبير من العمل وفقاً للاعتبارات التجارية، وجَنّبتها التدخلات السياسية السافرة التي كثيراً ما أثَّرت سلباً في أداء مجموعة واسعة من الشركات الحكومية في بلدان عربية أخرى. علاوة على ذلك، هناك من يعتقد أن الأداء المتميز لهذه الشركات هو نتيجة الرعاية الخاصة والدعم المباشر وغير المباشر الذي تتلقاه من الدولة، خصوصاً إذا علمنا أن ملكية عدد منها تعود إلى الحكام والمتنفذين في هذه الدول. وفي أي حال، تبقى تجربة هذه الشركات جديرة بالاهتمام، وربما تتطلَّب مزيداً من البحث والتحليل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(21) Donald N. Sull, Sumantra Ghoshal and Felipe Monteiro, The Hub of the World, Business Strategy Review, vol. 16, no. 1 (Spring 2005).
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|