أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-1-2016
3322
التاريخ: 16-5-2017
3324
التاريخ: 10-5-2017
4626
التاريخ: 9-5-2017
5527
|
اولا – الاختصاص الشخصي :
ومؤدى الاختصاص الشخصي أن تختص المحاكم الجنائية اللبنانية بمحاكمة كل من يرتكب جريمة على الإقليم اللبناني. فكما أن التشريع الجنائي اللبناني يطبق على كافة الجرائم التي تقع على الإقليم اللبناني، فإن القضاء اللبناني بدوره يختص بمحاكمة مرتكبي هذه الجرائم. فلكل دولة إذن سيادة تشريعية وسيادة قضائية فيما يتعلق بالجرائم الواقعة على إقليمها.
وبالتالي فلا يجوز لأي من مرتكبي الجرائم على الأرض اللبنانية أن يزعم بخروجه عن الولاية الشخصية أو فلنقل الاختصاص الشخصي للمحاكم اللبنانية.
القيود الواردة على مبدا الاختصاص الشخصي للمحاكم اللبنانية :
ثمة قيود ترد على المبدأ السابق يخرج بمقتضاها بعض الأشخاص من نطاق الاختصاص الشخصي للمحاكم اللبنانية، ولا يجوز بالتالي محاكمتهم أمام القضاء الجنائي اللبناني. وتتنوع، وتتمايز الأسباب التي تستند إليها هذه القيود. وعلى أية حال، فإن طوائف الأشخاص غير الخاضعة لاختصاص القضاء الجنائي اللبناني هي:
1- رئيس الجمهورية والوزراء:
ولهؤلاء حصانة إجرائية تحول دون محاكمتهم أمام القضاء الجنائي العادي، بل تتم هذه المحاكمة وفقا لإجراءات غير عادية .
وفي هذا المعنى تنص المادة 60 من الدستور اللبناني على أنه «لا مسؤولية على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته إلا عند خرقه الدستور والخيانة العظمي. أما التبعة فيما يختص بالجرائم العادية فهي خاضعة للقوانين العامة. ولا يمكن اتهامه بسبب هذه الجرائم أو لعلتي خرق الدستور أو الخيانة العظمى إلا من قبل مجلس النواب بغالبية ثلثي مجموع أعضائه ويحاكم أمام المجلس الأعلى المنصوص عليه في المادة (8۰). ويعهد بوظيفة النيابة العامة لدى المجلس الأعلى إلى قاض تعينه المحكمة العليا المؤلفة من جميع غرفها. ويؤلف المجلس الأعلى من سبعة نواب وثمانية من أعلى القضاة ويجتمع تحت رئاسة أرفع القضاة رتبة وتصدر عنه قرارات التجريم بغالبية عشرة أصوات. على أن ينظم قانون خاص أصول المحاكمة أمامه.
وكذلك الأمر بالنسبة للوزراء بالنسبة لارتكابهم الخيانة العظمى أو لإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم. حيث لا بد من أن يصدر قرار الاتهام من مجلس النواب بأغلبية ثلث الأعضاء. وتتم محاكمة الوزراء أيضا أمام المجلس الأعلى (م 7۰ من الدستور اللبناني).
2 - العسكريون ومن حكمهم :
حاكم العسكريون ومن يأخذ حكمهم من الموظفين المدنيين الملحقين بمصالح الجيش، وكذلك أفراد قوى الأمن الداخلي والموظفين التابعين لهم أمام محاكم عسكرية . إذ أن لهؤلاء الأشخاص حصانة إجرائية تحول دون خضوعهم للاختصاص الشخصي للمحاكم الجنائية العادية .
٣- الأحداث :
ويقصد بالأحداث الأشخاص الذين لم يتموا الخامسة عشرة من عمرهم. وهؤلاء لا يخضعون للاختصاص الشخصي للمحاكم العادية، وإنما تتم محاكمتهم أمام محاكم خاصة تسمى بمحاكم الأحداث . وتتبع هذه المحاكم إجراءات خاصة، كما أن تشكيلها يختلف عن تشكيل المحاكم العادية بالنظر لطبيعة إجرام وانحراف الأحداث.
4 - أعضاء السلك السياسي والقنصلي المعتمدون :
ولهؤلاء حصانة تحول أيضا دون خضوعهم للاختصاص الشخصي للمحاكم الجنائية اللبنانية. ومع ذلك فقد اختلف الرأي في تحديد طبيعة هذه الحصانة، وهل هي حصانة تشريعية (في معنى أنهم غير مخاطبين ابتداء بالقاعدة الجنائية وبالتالي بتحرير الجرم الواقع منهم من صفته غير المشروعة)، أم أنها حصانة إجرائية فحسب (في معنى أنهم لا يحاكمون أمام القضاء الجنائي الوطني وإن كان الجرم الواقع منهم يظل محتفظة بصفته غير المشروعة).
والرأي الأرجح على أية حال هو أن حصانة هؤلاء الأفراد إجرائية تحول دون خضوعهم لنطاق الاختصاص الشخصي للمحاكم اللبنانية .
ثانيا الاختصاص النوعي أو الموضوعي :
يختلف الاختصاص النوعي أو الموضوعي للمحكمة بحسب وصف الجريمة المرتكبة على النحو التالي:
1- الجنح والمخالفات : وتكون من اختصاص المحكمة البدائية . ويجوز الطعن في الأحكام الصادرة في هذه الجرائم بطريق الاستئناف والتمييز إذا تعلق الأمر بجنحة. وبطريق الاستئناف فقط بالنسبة للمخالفات بشروط معينة.
2- الجنايات : وينعقد الاختصاص بنظرها إلى محكمة الجنايات ولا يجوز الطعن في الحكم الصادر في الجنايات إلا بطريق التمييز فقط. ويمتنع الطعن في الحكم بطريق الاستئناف . ولربما كانت العلة في ذلك أن الجنايات تحظى بتحقيق متان ودقيق من جانب
سلطة التحقيق. وهي في حقيقة الأمر تفحص مرتين في هذه المرحلة: الأولى - أمام قاضي التحقيق، والثانية - امام الهيئة الاتهامية.
ثالثا – الاختصاص المكاني او المحلي:
ويقال لهذا النوع من الاختصاص أيضا: الاختصاص الإقليمي. ومعيار هذا الاختصاص مكاني، فهو لا يرتبط إذن بشخص مرتكب الجريمة ( الاختصاص الشخصي)، ولا بوصف الجريمة ومدى جسامتها (الاختصاص النوعي)؛ ولكنه يرتبط بما يسمى بدائرة. الاختصاص المكاني للمحكمة.
وعلى أية حال، فإن الاختصاص المكاني أو المحلى إنما يتحدد وفقا لأحد هذه المعايير الثلاثة : مكان وقوع الجريمة، محل إقامة المتهم، مكان إلقاء القبض عليه.
1. مكان وقوع الجريمة:
ومؤدى إعمال هذا المعيار الأول من معايير الاختصاص أن ينعقد الاختصاص المكاني للمحكمة التي في دائرتها وقعت الجريمة. ولهذا المعيار المبني على مكان وقوع الجريمة مبرراته العديدة : ففي مكان وقوع الجريمة يسهل جمع الأدلة، وسماع شهود الجريمة، وسهولة حضورهم أمام المحكمة، وضمان تحقيق الردع العام الناشئ عن الحكم بالعقوبة في نفس المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة. فلا شك أن الأثر الرادع للعقوبة إنما يتحقق بصورة أمثل لدى الناس الذين عاصروا الجريمة، أو علموا بأمرها.
كيفية إعمال هذا المعيار الأول من معايير الاختصاص:
تثور أحيانا بعض الصعوبات الناشئة عن إعمال هذا المعيار وتطبيقه . ولا مشكلة في الأمر بالنسبة للجرائم البسيطة التي تتكون من فعل واحد
يبدأ تنفيذه وينتهي في مرحلة زمنية غير ممتدة . فجرائم القتل والسرقة والتزوير والاغتصاب تخضع لاختصاص المحكمة التي في دائرتها وقع فعل القتل أو السرقة أو التزوير أو الاغتصاب. لكن ثمة طوائف من الجرائم يدق الأمر بالنسبة لتحديد المكان الذي تعتبر وقعت فيه على نحو يثير الالتباس أحيانا. ويظهر ذلك على وجه الخصوص في طوائف الجرائم التالية:
أ- طائفة الجرائم المستمرة:
الجريمة المستمرة هي الجريمة التي يستغرق تنفيذ السلوك المكون لركنها المادي فترة زمنية تطول أو تقصر. ومن أمثلتها جريمة حيازة المخدرات، وحيازة سلاح بدون ترخيص، واستعمال المحررات المزورة، وإخفاء الأشياء المسروقة أو بصفة عامة المتحصلة من جناية أو جنحة.
والقاعدة أن الاختصاص المكاني بنظر الدعاوى الجنائية عن جريمة مستمرة أو متمادية ينعقد لكافة المحاكم التي في دوائرها تجسدت حالة الاستمرار. وبالتالي فإذا تنقل الجاني بما يحمله من أشياء مسروقة أو متحصلة عن جريمة عبر أكثر من مدينة كان يخفي هذه الأشياء في بيروت، ثم في صيدا، ثم في طرابلس، فإن الاختصاص المكاني ينعقد لكل محكمة من محاكم هذه المدن الثلاث.
ب . طائفة جرائم الاعتياد :
جريمة الاعتياد هي التي لا تكتسب وصفها القانوني كجريمة معاقب عليها إذا وقعت مرة واحدة، بل ينبغي لكي تقوم قانونا أن يتكرر وقوع الفعل المكون لها أكثر من مرة. ومثالها جريمة المراباة (أي الاعتياد على الإقراض بربا فاحش تزيد نسبته على النسبة المسموح بها قانونا).
وينعقد الاختصاص المكاني بالنسبة لهذه الطائفة من الجرائم لكل
محكمة تحقق في دائرتها أحد الأفعال المكونة لجريمة الاعتياد(1).
ج - طائفة الجرائم المركبة:
الجريمة المركبة ما هي الجريمة التي تأتلف من فعلين لا تقوم إلا بهما، ومثالها جريمة الاحتيال التي يتطلب نموذجها القانوني وقوع فعلين هما استخدام إحدى الطرق الاحتيالية التي نص عليها القانون، وتسليم المال من المجني عليه. وفي هذه الحالة ينعقد الاختصاص - على أرجح الأقوال . لكل محكمة وقع في دائرتها أحد هذين الفعلين
ولا شك أن تعدد الاختصاص بالنسبة لهذه الطوائف من الجرائم يعني تنازعا إيجابية بين أكثر من محكمة حيث يتصور أن تبسط كل منها اختصاصها بنظر الدعوى الجنائية الناشئة عن هذه الجرائم.
2- محل إقامة المتهم:
ومؤدي هذا المعيار انعقاد الاختصاص للمحكمة التي في دائرتها يقيم المتهم. ولكن يقصد بإقامة المتهم هنا إقامته الفعلية على نحو دائم، وبالتالي يستبعد من معنى إقامة المتهم في هذا الخصوص ما يعرف بموطنه القانوني، أو بموطنه العرضي أو المؤقت.
ولا شك أن الصلة في التعويل على هذا المعيار الاختصاصي أن المكان الذي يقيم فيه المتهم عادة وبالفعل غالبا ما يتيح الإلمام بماضي هذا المتهم، وبسوابقه القضائية. وقد يفيد في العثور على الأدلة التي ربما يكون أخفاها في مسكنه. وأخيرا فإن الأخذ بمثل هذا المعيار إنما يؤكد الأثر الرادع للعقوبة فيما لو حكم بها على هذا المتهم، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالردع العام في مواجهة جيرانه ومعارفه وذويه .
ومن تطبيقات معيار محل إقامة المتهم ما يمكن استخلاصه من نص المادة 2۰ من قانون العقوبات اللبناني التي تقرر تطبيق التشريع الجنائي اللبناني على كل لبناني ارتكب خارج الإقليم اللبناني جناية أو جنحة يعاقب عليها هذا التشريع. ولا شك أن الاختصاص بمحاكمة هذا اللبناني إذا عاد إلى لبنان إنما ينعقد للمحكمة التي في دائرتها محل إقامته.
٣. مكان إلقاء القبض على المتهم:
ووفقا لهذا المعيار يتحدد الاختصاص المكاني للمحكمة بالمكان الذي ألقي فيه القبض على المنهم. ويحبذ إعمال هذا المعيار بالنسبة للجرائم غير الجسيمة والتافهة والتي لا تستدعي نقل المتهم إلى دائرة محكمة أخرى، لا سيما مع ما ينطوي عليه ذلك من خطر فراره أثناء نقله .
ويفقد هذا المعيار مفعوله إذا نجح المتهم في الفرار قبل مباشرة إجراءات التحقيق معه. ويجوز هنا أن ينعقد الاختصاص لمحكمة أخرى قد يتم إلقاء القبض عليه في دائرتها.
لأي معيار من المعايير الثلاثة تنعقد أولوية الاختصاص المكاني؟
يثور التساؤل في الفقه حول ما إذا كانت الأولوية تنعقد لأحد معايير الاختصاص المكاني السابقة على حساب المعيارين الأخريين، أم أن هذه المعايير الثلاثة تقف على قدم المساواة، وبالتالي يجوز «انتقاء» إحداها وإهمال ما عداه دون أن يترتب على ذلك البطلان. ولربما كان مبعث التساؤل أن المشرع اللبناني - شأنه شأن معظم المشرعين - لم يحسم هذه المسألة، ولم يدل برأي في شأن أولوية الاختيار بين معايير الاختصاص المكاني المتعددة .
وثمة رأيان في هذا الخصوص: الأول يرى ترجيح المعيار الأول مكان وقوع الجريمة) على المعيار الثاني (محل إقامة المتهم)، وترجيح
هذا المعيار الثاني على المعيار الثالث (مكان إلقاء القبض على المتهم). والشرط الوحيد لهذا الترجيح أو لهذه الأولوية أن تباشر كل محكمة اختصاصها حتى يتضح ظهور المعيار الآخر الذي تنعقد له هذه الأولوية . ويميل الفقه اللبناني في مجمله إلى اعتناق هذا الرأي، ويعزو ذلك إلى اعتبار المصلحة العامة، فقواعد الاختصاص المكاني وفقا لهذا الرأي إنما تستهدف تحقيق المصلحة العامة وليس مصالح الأفراد المتهمين الخاصة.
أما الرأي الثاني فمؤداه انعقاد الاختصاص المكاني وفقا لأي من المعايير الثلاثة السابقة على قدم المساواة . ويستلهم هذا الرأي منطقه من أن قواعد الاختصاص المكاني وإن تعلقت بالنظام العام، إلا أنه لا يقبل الدفع بها لأول مرة أمام محكمة التمييز، بل ينبغي سبق تمسك الخصم به أمام قاضي الموضوع.
والحق لدينا أن قواعد الاختصاص المكاني بخلاف قواعد الاختصاص الشخصي والنوعي، تتعلق يقينا بالنظام العام، لكنها من ناحية أخرى تتصل على نحو وثيق بتنظيم العملية القضائية وحسن إدارتها. ولا شك أن حسن إدارة العملية القضائية والاختصاص من أجل مظاهرها) يقتضي تبسيط وتيسير هذه العملية. وإرضاء هذه الاعتبارات إنما يتفق مع النظر لمعايير الاختصاص المكاني الثلاثة على قدم المساواة بأكثر مما يتفق مع ترجيح إحداها وإعطائه الأولوية على ما عداه. إذ كيف يسوغ القول - وفقا للرأي الأول - أنه يجب الترجيح بين معايير الاختصاص شريطة أن تباشر كل محكمة اختصاصها حتى يتضح ظهور المعيار الآخر الذي تنعقد له الأولوية؟ أيعتبر ذلك تبسيطا وتيسيرا للعملية القضائية أم تعقيدا لها؟
حالات امتداد الاختصاص الجنائي:
يجوز الخروج على قواعد الاختصاص الجنائي السابق الإشارة إليها في حالات معينة هي تلك التي يطلق عليها الفقه حالات امتداد الاختصاص ويقصد بحالات الامتداد وقوع عدة جرائم ترتبط فيما بينها على نحو
وثيق بحيث يكون من صالح تسيير العدالة أن تحال الدعاوى عن هذه الجرائم جميعها أمام محكمة واحدة . إذ لا شك أن تبعثر» هذه الدعاوى أمام أكثر من محكمة يخل بحسن الفصل فيها لا سيما وهي مرتبطة فيما بينها. إذ أن هذا الارتباط يعكس تداخل أدلة الإثبات، وتداخل أركان وعناصر الجرائم، وتأثر المركز القانوني للمتهمين أحيانا بعضهم البعض الآخر... مثل هذه الاعتبارات تبرر إلى حد كبير ضرورة ضم هذه الدعاوي وإحالتها أمام محكمة واحدة. والقول بغير هذا يحمل مخاطر عديدة إذ يتصور أن تصدر أحكام متضاربة فيما بينها عن جرائم ترتبط بعضها بالبعض ارتباطا وثيقا .
والحالات التي تبرر امتداد الاختصاص عديدة ومتنوعة : منها ما نص عليه القانون صراحة (ارتباط الجرائم أو تلازمها المنصوص عليه في المادة 2۰9 من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني). وكذلك حالة المساهمة الجنائية التي تفترض تعدد الجناة (فاعلين وشركاء ومتدخلين) المرتكبين لجريمة واحدة (م 288 أ. م .ج) وكذلك حالة تعدد الجرائم الواقعة من شخص واحد.
1- ارتباط الجرائم او تلازمها المنصوص عليه في المادة 256 ا. م .ج:
تشير المادة 256 إلى أربع حالات الارتباط الجرائم أو تلازمها مما يميز امتداد الاختصاص للمحكمة التي تنظر إحدى هذه الجرائم وتنص هذه المادة على أن تكون الجرائم متلازمة :
أولا: إذا ارتكبها في آن واحد عدة أشخاص مجتمعين .
ثانيا : إذا ارتكبها أشخاص متعددون في أوقات وأماكن مختلفة بناء على مؤامرة مدبرة فيما بينهم.
ثالثا : إذا كان بعضها توطئة للبعض الآخر أو تمهيدا لوقوعه وإكماله أو لتأمين بقائه بدون عقاب.
رابعا : إذا كانت الأشياء المسلوبة أو المختلسة أو المستحصلة بواسطة جناية أو جنحة قد اشترك عدة أشخاص في إخفائها كلها أو بعضها.
ويترتب على توافر إحدى هذه الحالات الأربع أن تصدر الهيئة الاتهامية قرار واحد في الجرائم المتلازمة المستفادة من الأوراق المعروضة عليها فإذا كان بعضها من نوع الجناية والبعض الآخر من نوع الجنحة أحالت القضية برمتها على محكمة الجنايات (م 255 أ. م. ج). وذلك تطبيقا لقاعدة أن من يملك الأكثر يملك الأقل.
2. حالة الاشتراك الجرمي (المساهمة الجنائية):
ويمثل ذلك الفرض الخاص بتعدد الجناة لجريمة واحدة . وتستخلص هذه الحالة مما تنص عليه المادة 288 من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني في أنه «إذا كان مرتكبو الجرم الواحد قد صدر بحق كل منهم أو بعضهم قرارات اتهام مستقلة فلرئيس المحكمة أن يقرر توحيد الدعاوى المتعلقة بهم أما من تلقاء نفسه وأما بناء على طلب المدعي العام،.
ولعل أهم ما يمكن ملاحظته بشأن النص السابق أنه يقرر حالة من حالات الارتباط التي تجيز ضم الدعاوي أو توحيدها لكنها لا توجب ذلك بالضرورة
٣. حالة تعدد الجرائم المرتكبة غير القابلة للتجزئة من فاعل واحد:
وتغطي هذه الحالة من حالات الارتباط عدة فروض متمايزة عن بعضها البعض يجمع رغم ذلك بينها عدم القابلية للتجزئة مما يجعل من عدم توحيد الدعاوي وضم الإجراءات فيها سببا محتملا التضارب الأحكام الصادرة.
وعلى أية حال فثمة فروض ثلاثة تندرج تحت هذه الحالة :
أ- التعدد المعنوي للجرائم :
ويعبر التعدد المعنوي للجرائم في حقيقته عن سلوك جرمي واحد يخضع لأكثر من نص من نصوص القانون الجنائي، ويصير بهذه المثابة مكونة لأكثر من جريمة. ومثال ذلك جريمة ارتكاب الفحشاء في الطريق العام بغير رضاء المجني عليها. فرغم وحدة السلوك الجرمي في هذا الفرض، إلا أن الجاني يعتبر مرتكبا لجريمتين هما هتك العرض من ناحية، وخدش الحياء من ناحية ثانية. وكذلك مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص من حيث يترتب على السلوك الجرمي الواحد وقوع جريمتين هما: مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص، والاحتيال إذ يحصل الجاني على مال الغير باستخدام طريقة احتيالية (هي انتحال صفة ليست له).
وفي الفرض الخاص بالتعدد المعنوي فإن جهة التحقيق تقوم بتوحيد الدعوى عن كافة هذه الجرائم وتحيلها إلى المحكمة المختصة تحت الوصف الأشد جسامة. ويستخلص ذلك مما تنص عليه المادة ۱8۱ ع.ل بقولها «إذا كان للفعل الواحد عدة أوصاف ذكرت جميعها في الحكم على أن يحكم القاضي بالعقوبة الأشد. على أنه إذا انطبق على الفعل نص غام من الشريعة الجزائية ونص خاص أخذ بالنص الخاص»..
وأية ما كان الحل الذي يؤدي إليه تطبيق النص السابق : الاقتصار على الجريمة ذات العقوبة الأشد واستبعاد ما عداها، أو تطبيق النص الخاص على حساب النص العام، فإنه من المقرر أن ينعقد الاختصاص المحكمة واحدة يكون لها أن تبحث في أوصاف الفعل المتعددة، لكنها تلتزم بإجراءات واحدة تضمها دعوى جنائية واحدة .
ب - تعدد النتائج الناشئة عن سلوك جرمي واحد:
ويقصد بذلك أن يرتكب الجاني سلوكا جرمية واحدة يرتب رغم ذلك نتائج جرمية متعددة كأن يطلق الجاني عبارة نارية يصيب به شخصين أو أكثر أو يقتلهما، أو يجرح أحدهما ويقتل الآخر.
وفي هذا الفرض ينعقد الاختصاص بمحاكمة المتهم لمحكمة واحدة بصرف النظر عن تعدد النتائج المترتبة على الفعل.
ج - تعدد الجرائم المرتبطة بوحدة الغرض :
ويقصد بذلك أن يرتكب شخص واحد عدة جرائم تستقل كل منها بأركانها القانونية، لكنها تجتمع فيما بينها بوحدة الغرض. ومثال ذلك قيام الموظف العام باختلاس المال العام، وارتكاب جريمة تزوير في المحررات بغرض إخفاء الاختلاس . وكذلك من يرتكب جريمة سرقة ثم يعقب ذلك إشعال الحريق في المسكن الذي سرقه بغرض إخفاء معالم السرقة.
وفي هذه الحالة يكون على جهة التحقيق إحالة الدعاوي الناشئة عن هذه الجرائم المرتبطة فيما بينها بوحدة الغرض، أو ما يقال له كذلك وحدة المشروع الإجرامي أمام محكمة واحدة. وتوقع على الجاني العقوبة المقررة للجريمة ذات الوصف الأشد. آليات إعمال فكرة امتداد الاختصاص :
يترتب على توافر إحدى حالات امتداد الاختصاص السابق الإشارة إليها(2)، توحيد الإجراءات الخاصة بالجرائم المتعددة، أو بالمتهمين المتعددين عن جريمة واحدة وانعقاد الاختصاص بنظر هذه الجرائم أو بمحاكمة هؤلاء المتهمين أمام محكمة واحدة تفاديا لتضارب الأحكام وتشتيت الإجراءات فيما لو انعقد الاختصاص لأكثر من محكمة.
ولا مشكلة في الأمر إذا تم توحيد الإجراءات منذ البداية، وقيام جهة التحقيق أو الهيئة الاتهامية بإحالة هذه الجرائم أو هؤلاء المتهمين أمام محكمة واحدة . لكن الأمر يدق فيما لو انعقد الاختصاص ابتداء لأكثر من محكمة وكان على إحداها - احتراما لفكرة توحيد الإجراءات وضم الدعاوي - أن تحيل الدعوى الجنائية المطروحة أمامها إلى محكمة أخرى.
لا شك أن اعتبار حسن إدارة العدالة وتبسيط الإجراءات (وتلكما تمثلان فلسفة امتداد الاختصاص في حالة ارتباط الجرائم) يقتضي أن ينعقد الاختصاص لأكثر المحاكم إحاطة بمجمل الدعوى الجنائية وهيمنة على وقائعها. وتطبيقا على ذلك فإن المحكمة التي تحاكم الفاعل الأصلي تكون لها أولوية الاختصاص بمحاكمة المتدخلين في ارتكاب نفس الجريمة . كما أن المحكمة التي تنظر جريمة السرقة تكون أولى من غيرها بنظر جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة عن هذه السرقة؛ وهكذا دواليك.
ضوابط امتداد الاختصاص:
إذا كان امتداد الاختصاص جائزة إذا توافرت إحدى حالات الارتباط بين الجرائم، فإن ثمة ضوابط ترد على الامتداد في الاختصاص، يمكن إيجازها فيما يلي:
١- تنطبق الموجهات السابقة في أولوية انعقاد الاختصاص حين يتعلق الأمر بالإحالة بين عدة محاكم من نفس الدرجة. أما حين تثور الإحالة بين المحكمة البدائية ومحكمة الجنايات بشأن حالة من حالات الارتباط بين جنحة وجناية فالقاعدة في هذا الفرض تكون بإحالة الدعوى من المحكمة البدائية محكمة الجنح إلى محكمة الجنايات. ولكن العكس غير جائز : فلا تكون الإحالة من محكمة الجنايات إلى محكمة
ويعبر عن الآلية السابقة بمقولة أن من يملك الأكثر يملك الأقل. فيكون لمحكمة الجنايات أن تبسط ولاينها على الجنحة المرتبطة بالجناية المعروضة أمامها. لكن لا يحق لمحكمة الجنح أن تمد اختصاصها لنظر جناية لو كانت ترتبط بالجنحة المطروحة أمامها ارتباطا لا يقبل التجزئة(3) .
2- إذا توافرت إحدى حالات الارتباط بين جريمتين إحداهما تختص بنظرها محكمة عادية، والأخرى تكون من اختصاص محكمة استثنائية (كمحكمة عسكرية)، فالأصل هنا أن تتم الإحالة من المحكمة الاستثنائية إلى المحكمة العادية ، ما لم يرد نص صريح يقضي بغير ذلك.
٣- إذا توافرت إحدى حالات الارتباط بين جريمتين تختص بنظر إحداهما محكمة الأحداث، وتكون الأخرى من اختصاص المحاكم العادية، فلا يجوز بحال من الأحوال أن تبسط المحكمة العادية اختصاصها على الدعوى الجنائية في مواجهة الحدث(4) . والعلة في ذلك أن محاكمة الأحداث تخضع لقواعد تختلف عن تلك المطبقة أمام المحاكم العادية .
__________
1- ومع ذلك فثمة رأي فقهي غالب يرى انعقاد الاختصاص في هذه الحالة للمحكمة التي في دائرتها وقع القرض الثاني (او بصفة عامة الفعل الثاني المكون لحالة الاعتياد). ويجد هذا الراي سنده في أن الجريمة لا نقوم قانونا إلا بهذا الفعل الثاني. وبالتالي يكون مناط الاختصاص المكاني مرتبطة بهذا الفعل الثاني وحده .
2- تجدر الإشارة إلى أن حالات امتداد الاختصاص أو حالات ارتباط الجرائم وتلازمها المستخلصة من نصوص القانون ليست بالضرورة واردة على سبيل الحصر. يكاد يجمع الفقه على قيام التلازم والارتباط بين الجرائم المبرر لامتداد الاختصاص متى توافرت ظروف فعلية تجعل الارتباط بين الجرائم واقعة بالفعل، حتى ولو لم تكن هذه الحالات ضمن ما نص عليه القانون. .
3- وتشير إلى هذا الحكم المادة 333 من قانون اصول المحاكمات الجزائية إذ تنص على أنه إذا اعتبرت المحكمة أن الفعل المسند إلى المتهم لا يولف جناية بل جنحة أو مخالفة تبقي . يدها على الدعوى وتحكم بها.
4- والحدث في القانون اللبناني هو من أتم السابعة من عمره ولم يتم بعد الثانية عشرة ويخضع القانون حماية الأحداث المنحرفين رقم ۱۱9 بتاريخ 16/9/1983 إذا ارتكب جرمة يعاقب عليه القانون، أو وجد متسولا أو متشردا، أو معرضة للانحراف، او مهددة في صحته او سلامته أو أخلاقه او تربيته.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|