أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-1-2019
5601
التاريخ: 6-7-2018
8636
التاريخ: 1-12-2016
2111
التاريخ: 18-10-2016
5651
|
خصائص الديانة:
اتصفت الديانة في وادي الرافدين بعدد من الصفات والسمات العامة، ولعل أهم ما يميزها:
أولا. الحيوية:
أي الاعتقاد بوجود قوى أو أرواح كامنة في المظاهر الطبيعية المختلفة وتجسيدها على هيئة آلهة، فقد جسدت تلك المظاهر ذات التأثير الأكبر في حياة الإنسان فكانت السماء إلها والأرض إلها والشمس إلها والقمر إلها والنجوم آلهة والبرق والرعد إلها.. وبذلك فإن كثرة المظاهر الطبيعية أدى إلى زيادة عدد الآلهة (1).
وهذا التطابق في القوى الإلهية مع الظواهر الطبيعية المتصلة بها تدل عليه الأسماء الإلهية فنجد "آن- السماء" للدلالة على إله السماء و"هرساغ- التلال الفسيحة" للدلالة على المرتفعات القريبة, "نانا- القمر" للدلالة على إله القمر, "أوتو- الشمس" للدلالة على إله الشمس.
والاختيار المبكر لتلك القوى الإلهية التي جرى تصورها في ظواهر طبيعية ذات أهمية اقتصادية للسكان، إذ أن كل مدينة تقوم بمبدأ تقديس الظاهرة وفقا لطبيعتها أو للقوى المؤثرة على اقتصادها (2).
ثانيا. تعدد الآلهة:
لقد كان لكثرة المظاهر الطبيعية التي أثرت في حياة الإنسان أن كانت سببا في زيادة عدد الآلهة، أي أن عدد الآلهة ارتبط بتلك الظواهر الطبيعية (3)، وبذلك فقد طغى على الفكر الديني مبدأ الشرك أي تعدد الآلهة فنجد عند البابليين مثلا أن عدد الآلهة بلغ عددا كبيرا بحيث تملأ معجما كبيرا, ووضع البابليون لأنفسهم جداول لأسماء آلهتهم الكثيرة ونظمت إلى مجاميع وذكرت علاقاتها بعضها لبعض, وقسموا الكون إلى مناطق يحكم في كل منها إله أو مجموعة من الآلهة, وكذلك خصصوا لشؤون الحياة المختلفة ولظواهر الطبيعة آلهة بيدها نظامها وأسبابها, ولم يصل البابليون ومن قبلهم السومريون في كل ما نعرفه من أطوار تاريخهم إلى التوحيد, وإنما كانوا يفردون بعض الآلهة ويفضلونها على الآلهة الأخرى (4) فقد يتغير رئيس الآلهة وبطلها تبعا للتغيرات السياسية أو العسكرية, وهذا ما يعرف بمبدأ التفضيل أو التفريد (5), فقد أشار السومريون إلى أن الإله آن هو رب السومريين حصرا (ذوي الرؤوس السود) وإله سومر القوي وهذه إشارة تفريد واضحة (6)، ونفس الشيء عندما انتقلت المكانة إلى مردوخ بعد اتساع سلطة بابل.
ثالثا. الاستمرارية:
وهي من الصفات البارزة في ديانة وادي الرافدين بصفة عامة, فالتطور الحاصل في العصور التاريخية في الألف الثالث ق.م لم يطرأ عليه تغيير كبير في جميع العصور التاريخية الطويلة التي مرت بها هذه الحضارة حتى زوال البابليين السياسي, فالآلهة التي قدسها السكان في العصور التاريخية المتأخرة هي بوجه التقريب الآلهة القديمة نفسها التي قدسوها في الأدوار القديمة, ونفس الشيء بالنسبة للطقوس والشعائر والتراتيل الدينية الأساسية, أما التغيرات التي نجدها فهي في علاقة الآلهة ببعضها البعض, إذ كانت العلاقة ومكانة الآلهة وأهميتها تتغير وفقا للتغيرات السياسية, فعندما تبلغ مدينة قوة سياسية وتبسط سلطانها على المدن الأخرى يعظم شأن إلهها, وهذا ما حدث عندما عظم شأن بابل في زمن حمورابي فارتفع شأن إلهها مردوخ وصار سيد الآلهة, وكثيرا ما يعمد الكهنة إلى تحوير المعتقدات الدينية لتتفق مع التغيير الحاصل في مكانة الآلهة, كما أن المدن قد تنفرد بعبادة إله أو جملة آلهة حيث تخصها بالتعظيم, ولكنها لا تترك تقديس الآلهة الأخرى أو على الأقل لا تنكر وجودها, وهذا ما ُذكر سابقا في ما يسمى بمبدأ التفريد أي خص إله أو جملة آلهة بالتعظيم والعبادة دون ترك الآلهة الأخرى(7)، ومما يلاحظ أيضا أنه حتى في فترات الغزو الأجنبي فإن الغزاة كانوا يقتبسون مما وجدوا, بما فيها من معتقدات وأفكار ونظم, ويعيشون ضمن إطارها العام مع بعض الإضافات البسيطة(8).
رابعا. التشبيه:
وهي النظر إلى الآلهة وكأنها بشر وإعطاء صفات ومميزات الإنسان على الآلهة فهي تأكل وتشرب, تتزوج وتفرح, تحزن وتمرض, تحب وتكره, تغضب وتحقد, تعفو وتنتقم, تتخاصم وتتحارب وتجرح... فكانت الآلهة تمثل أفضل الجوانب البشرية(9), تبعا لذلك فقد صورت الآلهة بأنها تعيش كما كان البشر يعيشون في مجتمع تحكمه قوانين وضوابط معينة وعلى رأس هذا المجتمع يقف رئيس الآلهة يساعده في إدارة شؤون مجمع الآلهة عدد من الآلهة الكبار.
كان للآلهة مجلس تجتمع فيه لتقرير المصائر واتخاذ القرارات المهمة التي تهم الآلهة والبشر (10). وهو ما ذهب إليه عبد الباسط سيدا في كتابه "من الوعي الأسطوري إلى بدايات التفكير الفلسفي" –نقلا عن خزعل الماجدي- بقوله: "أو أنهم أرادوا الاهتداء إلى المجهول اعتمادا على المعلوم، فقد وجدوا كيف تجري الأمور في العالم الأرضي، وكيف يحكم الملك ويضبط الأوضاع من خلال القوانين والمراسيم التي يصدرها، كما أنهم لاحظوا أساليب تنظيم الحياة الاقتصادية وأهمية الوسائل المعتمدة فتصوروا أن الأمور تجري كذلك في عالم الآلهة، بل أنهم رأوا أن هذا العالم هو الذي عمد إلى إيجاد العالم الكوني, وخلق الإنسان وجعله في خدمته"(11) وكان لكل إله حاشية كثيرة وزوجة وأولاد فهي تعيش وتأكل وتسكن في المعابد التي تشيدها لها البشر ومع ذلك فقد ميزوا الآلهة عن البشر بصفة فارقة وهي الخلود, فهي لا تموت بعكس الإنسان الذي قرن بالموت منذ أن خلقت الآلهة حيث استأثرت لنفسها بالخلود كما جاء في ملحمة جلجامش, وإذا كانت بعض الآلهة تموت فذلك لأجل محدود, حيث يمكن لهذا الإله الخروج من عالم الأموات إلى عالم الأحياء كما هو الحال بالنسبة للإله تموز الذي يمثل حياة الربيع, ومساكن الآلهة في السماء, وإذا شاءت أن تنزل إلى الأرض فهي تعيش في بيوت ضخمة هي المعابد.
ولما كانت الآلهة تتصف بصفات البشر المادية والروحية وتحتاج إلى جميع ما يحتاج إليه البشر من طعام ومسكن وعناية تحتم على الناس العناية بعبادة الآلهة؛ أي العمل لها وإقامة بيوتها وتقديم القرابين وإقامة الطقوس وتقديم التماثيل، وقد جاء في أسطورة الخليقة البابلية أن الآلهة خلقت الإنسان ليعبدها، وإذا قصر البشر في واجبهم تجاه الآلهة فإنهم يجازون بعقاب شديد في هذه الحياة حيث يكون العقاب والثواب (12).
خامسا. لكل إله معبد:
كان يقام في كل مدينة كبيرة معبد رئيس لعبادة إله المدينة الحامي أو القومي، وقد تشيد معابد أخرى في المدينة نفسها أقل أهمية لعبادة الآلهة الأخرى، وهناك من المدن ما ضمت أكثر من عشرين معبدا لعشرين إلها إلى جانب إله المدينة الرئيس، وقد ُتخصص غرف ثانوية في معبد إله المدينة لتماثيل الآلهة الأخرى وإذا ما ارتفع شأن مدينة ما نتيجة التطورات السياسية ارتفع شأن مركز إلهها على بقية الآلهة وهذا ما حدث مع مردوخ إله مدينة بابل (13).
سادسا. الكهنة:
كان الإشراف على خدمة الآلهة في معابدها، وعلى إقامة الصلوات والطقوس من واجبات مجموعة من الكهان والكاهنات، وكان لكل واحد من هؤلاء لقب حسب المهمة التي يزاولها في المعبد، ولم تكن مهنة الكهنة مقصورة على الأمور الدينية فقط، بل كانت لهم مهام ثقافية وهي الأخذ بالمعارف واستنساخ التآليف الأدبية والدينية من وثائقها الأصلية القديمة، وكانت لهم مهام تعليمية أيضا كتعليم الخط المسماري وقواعد اللغة والإشراف على الجوانب الاقتصادية للمعبد.
وتوازيه في المرتبة (En ويأتي في مقدمة كهنة المعبد الكاهن الأعظم (في السومرية الكاهنة العظمى، ويبدو أن منصب الكاهن الأعظم في العصر الشبيه بالكتابي (في حدود 2800-3500 ق.م) كان مزيجا من السلطتين الدينية والدنيوية، وأن السلطة الدينية انفصلت كما ضم المعبد أصنافا أخرى منها كاهن ،(Ensi بعد ظهور الحاكم أو الأمير (في السومرية أو العراف (Baru) الذي يتولى الإشراف على تقديم الأضاحي، وكاهن البارو (Sanga) سنكا والكاهن العزام الأشيبو، أما شؤون الاغتسال والتطهير فكانتا من واجبات كاهن يحمل لقب رمكو(Ramku)، في حين كانت مهمة القيام بالدهان المقدس من واجبات كاهن آخر يسمى باشيشو (Pashishu)(14) (انظر المخطط رقم 01 ص 171).
____________
(1) فاضل عبد الواحد علي، عامر سليمان، المرجع السابق، ص 210 .
(2) فراس السواح، موسوعة تاريخ الإنسان-دين الإنسان-الكتاب الثاني، دار علاء الدين، دمشق، 2004، ص 158.
(3) فاضل عبد الواحد علي، عامر سليمان، المرجع السابق، ص 210 .
(4) طه باقر، المرجع السابق، ص 227 .
(5) فاضل عبد الواحد علي وآخرون، المرجع السابق، ص 210 .
(6) خزعل الماجدي، المرجع السابق، ص 263 .
(7) طه باقر، المرجع السابق، ص 226-227.
(8) فاضل عبد الواحد علي وآخرون، المرجع السابق، ص 211 .
(9) رشيد عبد الوهاب حميد ، المرجع السابق، ص 89 )
(10) فاضل عبد الواحد علي وآخرون، المرجع السابق، ص 211 .
(11) خزعل الماجدي، المرجع السابق، ص 264-265.
(12) طه باقر، المرجع السابق، ص 228-229.
(13) فاضل عبد الواحد علي وآخرون، المرجع السابق، ص 212 .
(14) فاضل عبد الواحد علي، من سومر إلى التوراة، ط 2، سيا للنشر، مصر، 1996، ص ص 79-81.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|