أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-11-2020
2061
التاريخ: 2024-09-04
275
التاريخ: 2024-09-08
203
التاريخ: 2023-12-06
884
|
حين نريد أن ندرس ظاهرة الفرق بين المكّي والمدنيّ من خلال الخصائص والميزات نجد أوّلا أنّ الدعوة الإسلامية بدأت في مكة وعاشت فيها ثلاث عشرة سنة. وهذه الفترة المنسوبة إلى زمن نزول القرآن تعتبر في الحقيقة فترة إرساء اسس العقيدة الإسلامية بجوانبها المختلفة، سواء ما يتعلّق بالجانب الإلهي أو الغيبي أو الأخلاقي أو الاجتماعي وسواء ما يتعلق بالجانب الإيجابي كعرض مفاهيمها عن الحياة والأخلاق والمجتمع أو ما يتعلق بالجانب السلبي كمناقشة الأفكار الكافرة التي كانت تسود المجتمع آنذاك. وهذه الحقيقة تفرض- بطبيعة الحال- أن يكون القسم المكّي أكثر شمولا واتّساعا من جانب وأن يكون مرتبطا بمادّته وموضوعاته بالاسس والركائز للرسالة الجديدة من جانب آخر. وهذا هو الذي يفسّر لنا غلبة المكّي على المدنيّ من الناحية الكمّية مع أنّ الفترة المدنيّة تبدو- تاريخيا- وكأنّها زاخرة بالأحداث الجسام والمجتمع المدنيّ أكثر تعقيدا ومشاكل. كما أنّ هذا بنفسه- بالإضافة إلى الفكرة التي أشرنا إليها وهي مراعاة الظروف التي تسير بها الدعوة- يفسّر لنا هذه الخصائص والميزات التي غلبت على المكّي من جانب والمدنيّ من جانب آخر.
فأما بالنسبة إلى الخصيصة الاولى تلاحظ أنّ المجتمع المكّي كان مجتمعا يتّسم بطابع الوثنية في الجانب العقيدي بالإضافة إلى أنّ إيضاح الموقف تجاهها يشكل نقطة أساسية في القاعدة للرسالة الجديدة لأنّها تتبنّى التوحيد الخالص كأساس لكلّ جوانبها وتفصيلاتها الاخرى. فكان من الطبيعي التأكيد على فكرة رفض الشرك والوثنية والدخول في مناقشة طويلة معها بشتّى الأساليب والطرق.
وبالنسبة إلى الخصيصة الثانية نلاحظ أنّ المجتمع المكّي لم يكن يؤمن بفكرة الإله الواحد كما لا يؤمن بعوالم الغيب والبعث والجزاء والوحي وغير ذلك. وهذه الأفكار من القواعد الأساسية للرسالة والعقيدة الإسلامية، بالإضافة إلى أنّ مجتمع أهل الكتاب كان يؤمن بهذه الاصول جميعا. فكان من الضروري أن يؤكّد القسم المكّي على ذلك انسجاما مع طبيعة المرحلة المكّية التي تعتبر مرحلة متقدمة، كما أنّ بيانها في هذه المرحلة يجعل المرحلة الثانية في غنى عن بيانها مرة اخرى.
وبالنسبة إلى الخصيصة الثالثة فلعلّ التأكيد على الأخلاق في القسم المكّي دون المدنيّ كان بسبب العوامل الثلاثة التالية :
الف) أن الأخلاق تعتبر قاعدة النظام الاجتماعي، فالتأكيد عليها يعني في الحقيقة إرساء لقاعدة النظام الاجتماعي الذي يستهدفه القرآن.
ب) كما أنّ الدعوة كانت بحاجة- من أجل نجاحها- إلى استثارة العواطف الإنسانية الخيّرة ليكون نفوذها في المجتمع وتأثيرها في الافراد عن طريق مخاطبة هذه العواطف. والأخلاق هي الأساس الحقيقي لكلّ هذه العواطف وهي الرصيد الذي يمدّها بالحياة والنموّ.
ج) إنّ المجتمع المدنيّ كان يمارس الأخلاق من خلال التطبيق الذي كان يباشره الرسول محمّد صلّى اللّه عليه وآله بنفسه فلم يكن بحاجة كبيرة إلى التأكيد على المفاهيم الأخلاقية، على العكس من المجتمع المكّي الذي كان يعيش فيه المسلمون حياة الاضطهاد وكان يمارس فيه تطبيق الاخلاق الجاهلية.
وبالنسبة إلى الخصيصة الرابعة نجد القصص تتناول من حيث الموضوع أكثر النواحي التي عالجها القرآن الكريم من العقيدة بالإله الواحد وعالم الغيب والوحي والأخلاق والبعث والجزاء. بالإضافة إلى أنّها تصوّر المراحل المتعدّدة للدعوة والمواقف المختلفة منها والقوانين الاجتماعية التي تتحكّم فيها وفي نتائجها والمصير الذي يواجهه أعداؤها. وإلى جانب ذلك تعتبر القصّة في القرآن أحد أسباب الإعجاز فيه وأحد الأدلّة على ارتباطه بالسماء.
وكلّ هذه الامور لها صلة وثيقة بالظروف التي كانت تمرّ بها الدعوة في مكة ولها تأثير كبير في تطويرها لصالح الدعوة وأهدافها الرئيسية.
ومع كلّ هذا لم يهمل القسم المدنيّ القصّة مطلقا بل تناولها بالشكل الذي ينسجم مع طبيعة المرحلة التي تمرّ بها، كما سوف نتعرف على ذلك عند دراستنا للقصّة.
وبالنسبة إلى الخصيصة الخامسة فقد كان لها ارتباط وثيق بجوانب مرحليّة وإعجازية؛ لأنّ المرحلة كانت تفرض كسر طوق الأفكار الجاهليّة الذي كان مضروبا على المجتمع، فكان لهذا الاسلوب الصاعق الحادّ تأثير فعّال في تذليل الصعوبات وتحطيم معنويّات المقاومة العنيفة.
وحين يتحدّى القرآن الكريم العرب في أن يأتوا بسورة منه يكون الإيجاز في السورة أبلغ في إيضاح الإعجاز القرآني وأعمق تأثيرا وأبعد مدى.
وقد كانت المعركة إلى ذلك كلّه في أوّلها معركة شعارات وتوطيد مفاهيم عامة عن الكون والحياة. والإيجاز والقصر ينسجم مع واقع المعركة وإطارها أكثر من الدخول في تفصيلات واسعة. ولهذا نشاهد السور القصيرة تمثّل المرحلة الاولى تقريبا من مراحل القسم المكّي.
وهذه الملاحظات لم تكن تتوفّر في المدينة بعد أن أصبح الإسلام هو الحاكم المسيطر على المجتمع، وبعد أن أصبحت مسألة الوحي والاتصال بالسماء مسألة واضحة، وبعد أن جاء دور آخر للمعركة يفرض اسلوبا آخر في العرض والبيان.
ومن هذا الدرس لخصائص ومميّزات القسم المكّي تتّضح مبرّرات خصائص القسم المدنيّ من الدخول في تفصيلات الأحكام الشرعية والأنظمة الاجتماعية أو مناقشة أهل الكتاب في عقائدهم وانحرافاتهم؛ حيث فرضت ظروف الحكم في المدينة، والحاجة إلى تنظيم العلاقات بين الناس بيان هذه التفصيلات في الأنظمة.
كما أنّ المعركة في المدينة انتقلت من الاصول والاسس العامّة للعقيدة إلى جوانب تفصيلية منها ترتبط بحدودها وأشكالها، وبالعمل على تقويم الانحراف الذي وضعه أهل الكتاب فيها. وبهذا نفسّر الفرق بين المكّي والمدنيّ بالشكل الذي ينسجم مع فكرتنا عن الوحي وفكرتنا عن مراعاة القرآن للظروف من أجل تحقيق أهدافه وغاياته.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
وفد كلية الزراعة في جامعة كربلاء يشيد بمشروع الحزام الأخضر
|
|
|