أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-3-2020
5616
التاريخ: 27-8-2022
3133
التاريخ: 29-8-2020
3396
التاريخ: 2023-03-01
1200
|
يعتد بالمقاصد والنيات ولو لم تذكر في العقد:
ونظرية السبب في الفقه الحنبلي والفقه المالكي، وبخاصة في الفقه الحنبلي، تبدو كما قدمنا أقرب إلى نظرية السبب الحديثة في الفقه اللاتيني، فالسبب هو الباعث على التعاقد، ويعتد به سواء ذكر في العقد أو لم يذكر، ما دام يكون معلومة من الطرف الآخر، فإن كان الباعث مشروعة فالعقد صحيح، وإن كان غير مشروع فلا يصح العقد(1)
ويذكر ابن القيم في الاعلام الموقعين (3/96- 98 ) وجوب الاعتداد بالمقاصد والنبات في العقود فيقول: هل الاعتبار بظواهر الألفاظ والعقود وإن ظهرت المقاصد والنبات بخلافها، أم للمقصود والنبات تأثير يوجب الالتفات إليها ومراعاة جانبها. وقد تظاهرت أدلة الشرع وقواعده على أن القصود في العقود معتبرة، وأنها تؤثر في صحة العقد وفساده وفي حله وحرمته، بل أبلغ من ذلك، وهي أنها تؤثر في الفعل الذي ليس بعقد تحليلا وتحريمه، فيصير حلالا تارة حراما تارة باختلاف النية والقصد، كما يصير صحيحة تارة وفاسدة تارة باختلافها، وهذا كالذبح، فإن الحيوان يحل إذا ذبح لأجل الأكل ويحرم إذا ذبح لغير الله ... وكذلك الرجل يشتري الجارية ينوي أن تكون لموكله فتحرم على المشتري، وينوي أنها له فتحل له، وصورة الفعل والعقد واحدة، وإنما اختلفت النية والقصد، وكذلك صورة القرض وبيع الدرهم بالدرهم إلى أجل صورتهما واحدة ، وهذا قربة صحيحة وهذا معصية باطلة بالعقد. وكذلك عصر العنب بنية أن يكون خمرة معصية ملعون فاعله على لسان رسول الله صلى عليه واله وسلم ، وعصره بنية أن يكون خلا أو دبس جائز، وصورة الفعل واحدة. وكذلك السلاح يبيعه الرجل لمن يعرف أنه يقتل به مسلما حرام باطل لما فيه على الإعانة على الإثم والعدوان، وإذا باعه لمن يعرف أنه يجاهد به في سبيل الله فهو طاعة وقربة. وكذلك عقد النذر المعلق على شرط ينوي به التقرب والطاعة فيلزمه الوفاء بما نذره. وينوي به الحلف والامتناع فيكون يمينة مكفرة ... وكذلك من أدى عن غيره واجبة ينوي به الرجوع ملكه، وإن نوى به التبرع لم يرجع ... وهذا دليل على أنه من نوى بالبيع عقد الربا حصل له الربا . ولا يعصمه من ذلك صورة البيع، وأن من نوى بعقد النكاح التحليل كان محللا ولا يخرجه من ذلك صورة عقد النكاح وكذلك المالكية يعتدون بالباعث وإن لم يذكر في العقد، فلا يجيزون بيع أرض بقصد بناء كنيسة ، أو بيع خشب يقصد صنع صليب، أو شراء عبد بقصد أن يكون مغنية، أو استئجار كراريس فيها عبارات النواح (2)
وجوب علم الطرف الآخر بالسبب غير المذكور في العقد
فإذا ذكر السبب، أي الباعث، في العقد، فقد دخل في دائرة التعاقد واعند به في جميع المذاهب على النحو الذي قدمناه. أما إذا لم يذكر السبب في العقد لا صراحة ولا ضمنا، فإن المذهب الحنبلي يعتد به مع ذلك، ، بشرط أن يكون معلومة من الطرف الآخر، وهذا هو المنحى الذي نحاه الفقه اللاتيني الحديث فمن باع عصير عنب، ولم يبين المشتري أنه يريد اتخاذه خمرة، فقد رأينا المذهب الحنفي يصحح البيع لأن السبب غير مذكور في العقد. أما في المذهب الحنبلي فالحكم يختلف، ويعتد في هذا المذهب بالباعث ولو لم يذكر في العقد، ما دام هذا الباعث كان معلومة من الطرف الآخر: فإذا كان بائع العصير يعلم أن المشتري سيتخذ العصير خمرة لم يصح البيع. وقد يستخلص علم البائع من القرائن وظروف الحال، فمن باع عصير عنب إلى شخص يتجر في الخمر فقد قامت القرينة على أن المشتري إنما يريد اتخاذ العصير خمرة، فلا يصح العقد. وقد جاء في المغني (4/283-284 ) في هذا المعنى ما يأتي: «ربيع العصير ممن يتخذه خمرا باطل. وجملة ذلك أن بيع العصير لمن يعتقد أنه يتخذه خمرة محرم. وكرهه الشافعي، وذكر بعض أصحابه أن البائع إذا اعتقد أنه يعصرها خمرا فهر محرم، وإنما يكره إذا شك فيه. وحكى ابن المنذر عن الحسن وعطاء والثوري أنه لا بأس ببيع التمر لمن يتخذه مسكرة. قال الثوري: بع الحلال ممن شئت، واحتج الهم بقول الله تعالى: (وأحل الله البيع) [البقرة : 275]، ولأن البيع تم بأركانه وشروطه . ولنا قول الله تعالى: "ولا تعاونوا على الاثم والعدوان " (المائدة: ۲)، وهذا نهي يقتضي التحريم، وروي عن النبي صلى الله عليه واله وسلم " أنه لعن في الخمر عشرة، فروى ابن عباس أن النبي (ص) أتاه جبريل، فقال : يا محمد إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وشاربها وبائعها ومبتاعها وساقيها، وأشار إلى كل معاون عليها ومساعد فيها. أخرج هذا الحديث الترمذي من حديث أنس ... وروي ابن بطة في تحريم النبيذ بإسناده عن محمد بن سيرين أن قيمة كان لسعد بن أبي وقاص في أرض له، فأخبره عن عنب أنه لا يصلح زبيبة ولا يصلح أن يباع إلا لمن يعصره، فأمر بقلعه، وقال : بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر، ولأنه يعقد عليها لمن يعلم أنه يريدها للمعصية، فأشبه إجارة أمته لمن يعلم أنه يستأجرها ليزني بها. والآية مخصوصة بصور كثيرة، فيختص منها محل النزاع بدليلنا. وقولهم: تم البيع بشروطه وأركانه . قلنا: نعم لكن وجد المانع منه، إذا ثبت هذا، فإنما بحرم البيع ويبطل إذا علم البائع قصد المشتري ذلك، إما بقوله وإما بقرائن مختصة به تدل على ذلك، فأما إن كان الأمر محتملا، مثل أن يشتريها من لا يعلم حاله أو من بعمل الخل والخمر معا، ولم يلفظ بما يدل على إرادة الخمر، فالبيع جائز، وإذا ثبت التحريم، فالبيع باطل. ويحتمل أن يصح وهو مذهب الشافعي لأن المحرم في ذلك اعتقاده بالعقد دونه، فلم يمنع صحة العقد كما لو دلس العيب، ولنا أنه عقد على عين المعصية الله بها فلم يصح، كإجازة الأمة للزنا والغناء، وأما | التدليس فهو المحرم دون العقد، ولأن التحريم ههنا لحق الله تعالى فأفسد البيع كبيع درهم در همين وبفارق التدليس فإنه لحق آدمي".
وكبيع عصير العنب بيع السلاح لأهل الحرب أو لقطاع الطريق أو في الفتنة، وبيع الأمة للغناء، وإجارتها للزنا، وإجارة الدار ليبيع الخمر فيها، أو لتتخذ كنيسة أو بيت نار، وغير ذلك. فالباعث في كل هذه الأحوال يعتد به حتى لو لم يذكر في العقد، ما دام الطرف الآخر يعلم به. وقد جاء في المغني (4/284-285 ) في هذا المعنى ما يأتي: وهكذا الحكم في محل ما يقصد به الحرام، كبيع السلاح لأهل الحرب أو لقطاع الطريق أو في الفتنة، وبيع الأمة للغناء أو إجارتها كذلك، أو إجارة داره لبيع الخمر فيها، أو لتتخذ كنيسة أو بيت نار، وأشباه ذلك، فهذا حرام والعقد باطل لما قدمنا. قال ابن عقيل. وقد نص أحمد رحمه الله على مسائل نبه بها على ذلك، فقال في القصاب والخباز : إذا علم أن من يشتري منه يدعو عليه من يشرب المسكر لا ببيعه، ومن يخترط الأقداح لا يبيعها ممن يشرب فيها، ونهى عن بيع الديباج للرجال، ولا بأس ببيعه للنساء، وروي عنه لا يبيع الجوز من الصبيان للقمار، وعلى قياسه البيض، فيكون بيع ذلك كله باطلا. قيل: لأحمد رجل مات وخلف جارية مغنية وولدا يتيما وقد احتاج إلى بيعها. قال يبيعها على أنها ساذجة، فقيل له : فإنها تساوي ثلاثين ألف درهم فإذا بيعت ساذجة تساوي عشرين دينارا ، قال : لا تباع إلا على أنها ساذجة. وجه ذلك ما روى أبو أمامه عن النبي ع أنه قال: «لا يجوز بيع المغنيات، ولا أثمانهن ولا كسبهن، قال الترمذي: هذا لا نعرفه إلا من حديث علي بن يزيد وقد تكلم فيه أهل العلم، ورواه ابن ماجه، وهذا يحمل على بيعهن لأجل الغناء، فأما ماليتهن الحاصلة بغير الغناء فلا تبطل كما أن العصير لا يحرم بيعه لغير الخمر لصلاحيته للخمر . ولا يجوز بيع الخمر ولا التوكيل في بيعه ولا شراؤه. قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن بيع الخمر غير جائز. .... وتوجد نصوص أخرى، في المذهبين : الحنبلي والمالكي، في هذا المعنى نذكر منها :
ما جاء في الفروع، (۲/ ۱۷۱): «ولا يصح بيع ما قصد به الحرام كعصير لمتخذه خمرة قطعة. نقل الجماعة : إذا علم وقبل أو ظنا، واختاره شيخنا. نقل ابن الحكم إذا كان عندك بريده للنبيذ فلا تبعه، إنما هو على قدر الرجل، قال أحمد: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كرهوا بيع العصير، وسلاحا في فتنة لأن النبي صلى الله عليه واله وسلم نهى عنه، قال أحمد: وقد يكون يقتل به، ويكون لا يقتل به، وإنما هو ذريعة له ولحربي، ومأكول ومشموم لمن يشرب عليهما المسكر، وأقداح لمن يشرب فيها وجوز لقمار، وأمة وأمرد لواطئ دبر . ويصح بيع من قصد ألا يسلم مبيعه أو ثمنا ذكروه في كتب الخلاف، ومن اتهم بغلامه فدبره فنقل أبو داود بحال بينهما إذا كان فاجرة معلنة، وهذا كما نقله أبو داود في المجوس تسلم أخته يحال بينهما إذا خافوا عليها ياتيها ، قيل: لأحمد مات وترك سيوفا، | قال : لا تباع ببغداد وتباع بالثغر، ويتوجه أنه ندب، وفي المنشور منع منه لاستعمالها في الفتن غالباً .
وما جاء في الحطاب، (4/267): «بيع العنب لمن يعصره خمرة، وبيع ثياب الحرير ممن يلبسها، غير جائزه. وانظر أيضا «المدونة الكبرى، (11/62-69 ) . ويقارن الشعراني في الميزان الكبرى، (۲/ 74 وما بعدها) بين المذاهب الأربعة في هذا الصدد، فيقول: ومن ذلك قول الأئمة الثلاثة إنه يصح بيع العنب لعاصر الخمر(3) مع الكراهة، مع قول أحمد بعدم الصحة، فالأول فيه تخفيف، والثاني مشدد. وجه الأول أن المقاصد هي التي يؤاخذ بها العبد، وأما الوسائل فقد يحال بين العبد وبينها، فلذلك كان بيع العنب لمن يريد أن يعصره خمرة غير حرام لعدم تحققنا أنه يتمكن من عصره. وكان البصري يقول: لا بأس ببيع العنب لعاصر الخمر، وكان سفيان الثوري يقول: بع الحلال لمن شئت. ووجه الثاني سد الباب، لأن ما يتوصل به إلى الحرام فهو حرام ولو بالقصد، كما لو نظر إنسان إلى ثوب موضوع في طاق على ظن أنه امرأة أجنبية فإنه يحرم عليه ذلك، فافهم(4) يكفي في علم الطرف الآخر بالسبب أن تكون الظروف بحيث ينبغي أن يعلم
ويعتد المذهب الحنبلي بالباعث، لو لم يذكر في العقد، كما قدمنا، وليس من الضروري أن يعلم الطرف الآخر به، بل يكفي أن تكون الظروف بحيث ينبغي أن يعلم به، وأكثر ما يكون ذلك في التبرعات . فإذا أهدى المقترض للمقرض شيئا قبل الأداء، حمل ذلك على الربا، وينبغي أن يعلم المقرض بذلك الباعث حتى لو لم يكن يعلم به فعلا، فلا تجوز الهدية . وإذا أهدي المشركون لأمير الجيش هدية ، حمل ذلك على الرشوة لو اختص بها، وينبغي أن يعلم ذلك، فلا يختص بها ولكن هي غنيمة أو فيء. وكذلك الهدايا التي تهدى للعمال، فإنها تحمل على الرشوة وإذا وهبت امرأة لزوجها صداتها، فينبغي أن يعلم الزوج أن الباعث على الهبة هو استدامة الزواج ، فإن طلقها بعد ذلك فقد اختل الباعث، ولها الرجوع فيما وهبت.
وقد جاء في القواعد، لابن رجب (321-322) في هذا المعنى ما يأتي : تعتبر الأسباب في عقود التملكيات كما تعتبر في الأيمان، ويتخرج على هذا مسائل متعددة : (منها): مسائل العينة. (ومنها) : هدية المفترض قبل الأداء. فإنه لا يجوز قبولها ممن لم يجر له منه عادة (ومنها): هدية المشركين لأمير الجيش، فإنه لا يختص بها على المذهب، بل هي غنيمة أو فيء على اختلاف الأصحاب. (ومنها): هدايا العمال، قال أحمد في رواية أبي طالب في الهدايا التي نهدي للأمير فيعطى منها الرجل، قال هذا الغلول، ومنع الأصحاب من قبول الفاضي هدية من لم تجر العادة بهديته له قبل ولايته. (ومنها): هبة المرأة زوجها صداقها إذا سألها ذلك، فإن سببها طلب استدامة النكاح، فإن طلقها فلها الرجوع فيها، نص عليه أحمد في رواية عبد الله ومنها : الهدية لمن يشفع له بشفاعة عند السلطان ونحوه، فلا يجوز، ذكره القاضي وأومأ إليه لأنها كالأجرة، والشفاعة من المصالح العامة فلا يجوز أخذ الأجرة عليها، وفيه حديث في السنن. ونص أحمد في رواية : صالح فيمن عنده وديعة فأداها، فأهديت إليه هدية ، أنه لا يقبلها إلا بنية المكافأة. وحكم الهدية عند أداء سائر الأمانات حكم الوديعة. (ومنها: ما نص عليه أحمد في رواية ابن ما هان فيمن اشترى لحمة ثم استزاد البائع فزاده، ثم رد اللحم بعبب، فالزيادة لصاحب اللحم، لأنها أخذت بسبب اللحم، فجعلها تابعة للعقد في الرد لأنها مأخوذة بسببه وإن كانت غير لاحقة به، وتأولها القاضي على أنها إن كانت مأخوذة في المجلس فلحقت بالعقد. وخرج ابن عقيل منها رواية بحلوق الزيادة بعد لزوم العقد والحاجة إلى ذلك. (ومنها): ما حكاه الأثرم عن أحمد في المولى يتزوج العربية يفرق بينهما، فإن كان دفع إليها بعض المهر ولم يدخل بها يردده، وإن كان أهدى هدية يردد منها عليه، قال القاضي في الجامع، لأن هذه الحالة تدل على أنه وهب لها بشرط بقاء العقد، فإذا زال ملك الرجوع فيها، كالهبة بشرط الثواب انتهى . وهذا في الفرق القهرية لفقد الكفاءة ونحوها ظاهر، وكذلك الفرقة الاختبارية المقسطة للمهر، فأما الفسح المقرر للمهر أو نصفه فتثبت معه الهدية . فأما إن كانت العطية لغير المتعاقدين لسبب العقد، كأجرة الدلال ونحوها، ففي النظريات لابن عقيل أن فسخ البيع بإقالة أو نحوها لم يقف على التراضي فلا يرد الأجرة، وإن فسخ بخيار أو عيب ردت لأن البيع وقع مترددة بين اللزوم وعدمه، وقياسه في النكاح أنه إن فسخ لفقد الكفاءة أو العيب ردت ، وإن فسخ لرده أو رضاع أو مخالعة لم تردا،
مذاهب أخرى غير مذاهب أهل السنة:
وتقرب المذاهب الأخرى غير مذهب أهل السنة . الزيدية والجعفرية والظاهرية . في نظرية السبب من المذهب الحنبلي ففي مذهب الزيدية ، جاء في المنتزع المختار، (3/19-20) «بتحرز مما منفعته غير حلال، نحو المزامير والأدفاف والدراريج وما أشبهها، فهذه لا توضع في العادة إلا لفعل محرم شرعا، فلا يجوز بيعها. ولو بيع ذو النفع الحلال إلى مستعمله في معصية، فذلك جائز إن لم بقصد بيعه للمعصية، وذلك نحو أن يبيع العنب إلى من يتخذه خمرة، والخشب إلى من يصنعها مزامير، وما أشبه ذلك، ولكن ذلك مكروه. قوله غالبا احتراز من بيع السلاح والكراع، فإنه لا يجوز بيعه إلى من يستعمله في حرب المسلمين من كافر أو باغ أو نحوهما كالأكراد، إلا أن يبيعه بأفضل منه. وحاصل الكلام في ذلك أن شراء السلاح والكراع والعبيد من الكفار ونحوهم جائز، وكذلك إذا عوض بأدنى منه، وأما بيع ذلك منهم، فإن كان لا مضرة على المسلمين جاز أيضا، وإن كان ثم مضرة فظاهر قول الهادي والوالي أنه لا يجوز البيع إليهم لأنهم يستعملونه في معصية ... أنه إن قصد نفع نفسه صح البيع وجاز له ذلك ولكن يكره، وإن قصد نفعهم عصي بلا خلاف. وهل ينعقد البيع أم لا، قال في "التنوير" عن أبي طه إنه ينعقد، وقيل : يكون الخلاف فيه كبيع العبد المسلم من الكافر أو بيع الشيء إلى من يستعمله في أمر واجب كالمصحف وكنب الحديث ونحو ذلك، فإنه يصح بيعه ويكون البيع متناولا للجلد والكاغد، ويرد بالغلط الزائد على المعتاد" .
وفي مذهب الجعفرية ، جاء في مفتاح الكرامة للعاملي (4/ ۳۷): «إجارة السفن والمساكن للحرمات، وبيع العنب ليعمل خمرة، والخشب ليعمل صنما، يكره بيعه على من يعمله من غير شروط، وظاهرها أنه لا بد أن يكون البيع لأجل ذلك، أي الغابة محرمة، سواء شرطها في متن العقد أو حصل الاتفاق عليها، ويجوز مع فقد الشرط، فقط يكره بيعها على من يعمله بغير شرطه(5)
وفي مذهب الظاهرية، جاء في المحلي لابن حزم (9/29-30) : «ولا يحل بيع شيء ممن يوقن أنه يعصي الله به أو فيه وهو مفسوخ أبدأ، كبيع كل شيء ينبذ أو يعصر ممن يوقن أنه يعمله خمرة، وكبيع الدراهم الرديئة ممن يوقن أنه يدلس بها، وكبيع الغلمان ممن يوقن أنه يفسق بهم أو يخصبهم، وكبيع المملوك ممن يوقن أنه يسيء ملكيته، أو كبيع السلاح أو الخيل ممن يوقن أنه بعدو بها على المسلمين، أو كبيع الحرير ممن يوقن أنه يلبسه، وهكذا في كل شيء، القول الله تعالى : " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان " (المائدة: 2) والبيوع التي ذكرنا تعاون ظاهر على الإثم والعدوان بلا تطويل وفسخها تعاون على البر والتقوى. فإن لم يوقن بشيء من ذلك فالبيع صحيح لأنه لم يعن على الإثم، فإن عصى المشتري الله تعالى بعد ذلك نعلبه، ورد من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن ابن جرير عن عطاء قال: لا تبعه ممن يجعله خمرا "
_____________
(1) بل هناك حالات يكون فيها السبب. أي الباعث . مانع من تنفيذ العقد بعد انعقاده صحيحة، ففي الوديعة لا يرد المودع عنده الوديعة للمودع إذا أرادها هذا الارتكاب جريمة، كمن أودع سيفا أراد استرداده للقتل، «الأشباه والنظائره لابن نجيم (۱۱۰).
(2) انظر هذا المعنى بدرو ديب بحث في نظرية الباعث في المذهب الحنفي (232-243 )، وكثيرا ما يعرض المالكية السبب في صدد الكلام في المحل. جاء في الحطاب، (4/263-264 ) : واعلم أن الأعيان على قسمين: الأول ما لا منفعة فيه أصلا، فلا يصح العقد به عليه ... الثاني ما له منفعة وهو على ثلاثة أقسام: الأول ما كان جميع منافعه محرمة، وهو الذي لا منفعة فيه لا يصح بيعه ولا تملكه ... وقال في " المتيطية " : ومن اشتري من آلة اللهو شيئة البوق وغيره فسخ البيع وأدب أهله انتهى. الثاني ما كان جميع منافعه محللة فيجوز بيعه إجماعا... الثالث ما فيه منافع محللة ومنافع محرمة، قال المازري فهو المشكل على الأفهام و مزلة الأقدام، وفيه ترى العلماء مضطربين، وأنا أكشف عن سره ليهون عليك اختلافهم. فإن كان جل المنافع والمقصود منها محرمة والمحلل منها تبعة فواضح إلحاقه بالقسم الأول ... وإن كان جل المنافع والمقصود منها محللا والمحرم تبع فواضح إلحاقه بالثاني... وإن كانت منافعه المقصودة منها ما هو محلل ومنها ما هو محرم أو فيه منفعة محرمة مقصودة وسائر منافعه محلله، قال المازري فهذا هو المشكل، وينبغي أن يلحق بالممنوع ... وربما وقع في هذا النوع مسائل تشكل على العالم، فبخلط المسألة بعين فكرته فبري المنفعة المحرمة ملتبسة أمرها هل هي مقصودة أم لا، ويرى ما سواها من المنافع المقصودة محللة فيمتنع من التحريم لأجل كون المقصود من المنافع محللا ، ولا ينشط لإطلاق الإباحة لأجل الإشكال في تلك المنفعة هل هي مقصودة أم لا، فيقف هنا المتورع، ويتساهل آخر ويقول بالكراهية للالتباس ولا يحرم، فاحتفظ بهذا الأصل فإنه من مذهبات العلم، ومن أتقنه علما هان عليه جميع مسائل الخلاف الواردة في هذا الباب .
(3) ومع ذلك فقد رأينا أن المذهب المالكي لا يجيز بيع العنب لمن يعصره خمرة «الحطاب، (4/267 ).
(4) ولا شك في أن نظرية السبب في الفقه الحنبلي تقرب كثيرة من النظرية الحديثة للسبب في الفقه اللاتيني، وتبعد في الوقت ذاته عن النظرية التقليدية التي وضع دوما أساسها. ويقول الأستاذ شكري قرداحي في هذا الصدد : إن فكرة السبب في الفقه الإسلامي ليست فكرة مجردة خالية من الباعث الذي يقترن بها، بعيدة عن الدوافع التي تحفز الشخص إلى العمل. فليست هي فكرة السبب كما كان يراها دوما، بل هي فكرة القضاء حيث ينطوي السبب على الباعث الدافع الذي يحفز، إلى التعاقد. فإذا نحن عزلنا الباعث عن السبب بالمعني التقليدي، كان العقد مشروعة. ولكن ابن حنبل يراه غير مشروع بالنظر إلى الغاية غير المشروعة التي يقصد إليها أحد المتعاقدين بعلم التعاقد الآخر، ومن الممكن أن تعدد الأمثلة، وهي تثبت جميعا أن الفقه الإسلامي قد صنع نظرية للسبب هي أبعد مدى وأوسع أفقأ من نظرية السبب التي صاغها دوما - نظرية ، كالنظرية التي صاغها القضاء الفرنسي في الوقت الحاضر، تعتد بالأغراض الذاتية التي حفزت أطراف التعاقد على الالتزام فنصل من وراء ذلك إلى إبطال التصرفات غير المشروعة والقانون والأخلاق، (2/285 -286 )
ويقول الأستاذ صبحي محمصاني إن نظرية الشريعة الإسلامية في السبب قريبة من نظرية القضاء الفرنسي لأنها لا تعتبر في العقد السبب فحسب، بل تعتبر أيضا الباعث الشخصي إذا كان مقصودة في العقد صراحة أو دلالة. ويورد الأستاذ محمصاني: قضية عرضت على مجلس المشاورين في قرطبة وخلاصتها أن رجلا استدان من زوجته ثلاثين دينارا وأمهلته لمدة خمس سنين، لكنه طلقها بعد سنة ونصف، فقاضته زوجته تطلب حلول الدين وسقوط الأجل، فرفع القاضي أمرها إلى ذلك المجلس. فافتي ابن عتاب لمصلحتها معللا بأن هذا الاتفاق كان ملحوظة فيه ود الزوجية واستدامة الصحبة نأما وقد انفصمت فقد زال السبب الموجب للتأجيل:" تبصرة الحكام " لابن فرحون (2/68) ... وبمعناه روي عن ابن حنبل وغيره أنه قال في هبة المرأة زوجها صداقها إذا سألها ذلك، فإن سببها استمالة النكاح، فإن طلقها فلها الرجوع فيها: «القواعد الابن رجب رقم (150) ص (322)، «البهجة شرح التحفة، (2/65) ، ومن اكترى فندقة أو حمام ، انجلي أهل البلد عنه أو قل وارده ولم يجد من يسكنه ، فلا كراء عليه : البهجة شرح التحفة (2/33)، ويشترط بقاء السبب لدوام العقد، فقد ورد في المجلة أنه لو حدث عذر مانع لإجراء موجب العقد تنفسخ الإجارة. مثلا لو استأجر طباخ للعرس، ومات أحد الزوجين تنفسخ الإجارة. وكذلك تنفسخ الإجارة بوفاة الصبي أو الظئر، ولا تنفسخ بوفاة المسترضع: م(433)، النظرية العامة للموجبات والعقود (2/96) ، انظر أيضا في شرط استمرار السبب قائمة البقاء العقد الأستاذ محمد يوسف موسى في «الأموال ونظرية العقد في الفقه الإسلامي (393)
(5) ويقول الأستاذ بدرو ديب: إن الأحكام التي يقررها المذهب الجعفري في هذه المسألة تنطوي على كثير من
المرونة والتنوع. فإذا أخذنا المثل المأثور الخاص بيع عصير العنب، وهو المثل الذي تتلاقى عنده المذاهب المختلفة ويصلح أن يكون معيارا مشتركا لها جميعا، نجد أن فقهاء الجعفرية يبدأون بالتمييز بين ما إذا كان العصير متخمرة أم لا. فإذا كان متخمرة فالبيع لا يجوز، لأن حالة المبيع تنم عما تنطوي عليه الصفقة من مخالفة للشرع. أما إذا لم يكن العصير متخمرة، وجب التمييز بين ما إذا كانت نية المشتري قد تكشفت أو لم تنكشف. فإن كانت قد تكشفت، بأن ذكر المشتري صراحة في العقد أنه أراد العصر لاتخاذه خمرة، فلا خلاف في بطلان البيع. أما إذا لم تتكشف نية المشتري، فهنا أيضا يجب التمييز بين ما إذا كان البائع يجعل ما بقصد إليه المشتري أو كان يعلم ذلك، فإن كان يجعل قصد المشتري فالبيع صحيح. أما إذا كان يعلم هذا القصد، وجب التمييز مرة أخرى بين ما إذا كان البائع متواطئة مع المشتري في تنفيذ قصده، أو كان لا شأن له في ذلك وإنما هو يقوم بشأن مألوف من شؤون التجارة. ففي الحالة الأولى، يكون البيع غير جائز . أما في الحالة الثانية، فقد اختلف الرأي : إذ يرى بعض الفقهاء أن البيع يبقى غير جائز، ولكن الكثرة يذهبون إلى أن البيع يصح ولكنه يكون مكروهة. وتسري هذه الأحكام في الأحوال المماثلة كإيجار السفن والمساكن لأغراض غير مشروعة وكبيع الخشب لصنعه أصناما»، (بحث في نظرية الباعث في المذهب الحنفي، ص (233-234 )
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|