أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-4-2019
2033
التاريخ: 12-5-2019
2689
التاريخ: 16-8-2020
3135
التاريخ: 2023-05-23
1071
|
الكتابات التاريخية عند المسلمين وعلاقتها بعلم الحديث: -
إن العلاقة بين الحديث والتاريخ وثيقة، حيث إن علم التاريخ كان في البداية جزءا لا يتجزأ من علم الحديث، حيث كان ظهوره ذلك (1). "فعلم التاريخ فن من فنون الحديث النبوي، وزين تقر به العيون حيث سلك فيه المنهج القويم المستوي، بل وقعه من الدين عظيم... إذ به تعلم أهل الجلالة والرسوخ ما يفهم به الناسخ من المنسوخ، ويظهر تزييف مدعي اللقاء ويشهر ما صدر منه من التحريف في الارتقاء، لما تبين أن الشيخ الذي جعل روايته عنو من مقصده كاف قد مات قبل مولده أو كان اختل عقله أو اختلط لم يجاوز بلدته التي لم يدخلها الطالب قط" (2).
فبين العلمين علاقة وثيقة إذ اعتمد كل منهما في البداية على الرواية الشفهية واعتمد كل منهما على الإسناد في الرواية، فالمحدثون اهتموا بالإسناد وهو سلسلة الرواة ومدى اتصاله وصدق رواته، فلا يقبلون حديثا إلا إذا كان رواته موثوق بهم، وقعدوا لذلك القواعد واهتموا بكل ما يتصل بذلك من جرح أو تعديل للرواة، وكذلك بحث الإخباريون والمؤرخون في الرواة وعن مدى صدقهم وكذبهم في نقل الأخبار، فالمتأمل في موضوع التاريخ عند المحدثين يجده البحث في رواة الحديث كتاريخهم وكل ما يتعلق بشئونهم، وسائر ما له صلة بتكوين الثقة والحكم عليهم جرحا وتعديلا (3)
فالأحاديث تتصل اتصالا وثيقا بنشأة التدوين التاريخي عند المسلمين بعد القرآن، وتعني كلمة حديث في الأصل (الخبر) أو (الرواية الشفوية) في موضوع ديني أو دنيوي، ثم اتخذت معني خاصا في الإسلام فصارت تعني أقوال الرسول "صلى الله عليه وآله وسلم"(4) لقد احتل تاريخ ولادة الرواة وتاريخ وفاتهم عند أهل الحديث مكانة هامة لمعرفة اتصال الأسانيد وانقطاعها وفي الكشف عن أحوال الرواة وفضح الكذابين قال سفيان الثوري: "لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ " وقال حسان بن زيد "لم يستعن على الكذابين بمثل التاريخ " فالتاريخ أحد الطرق التي يعلم بها النسخ في أحد الخبرين المتعارضين المتعذر الجمع بينهما ، وهذا ما يسمي في اصطلاح المحدثين باسم "مختلف الحديث " وهو علم من علوم الحديث، وللتاريخ أهمية كبيرة إذ يعتبر أصل في الجرح والتعديل ويستعمله العلماء للرد على الوضّاعين يدفعون به الشبهات التي تنسب للحديث ، وعن طريقه يعرف ما يقبل وما يرد من الحديث(5).
وكما حدث في الحديث من العناية بالإسناد في أول العهد عُني برواية التاريخ فدونوه بالأسانيد إلى من عزيت روايته إليه، فالمؤرخون الأولون من المسلمين اعتمدوا على الروايات الشفوية، شأنهم في ذلك شأن رواة الحديث. فكل جيل منهم يستمد أخباره من الجيل الذم قبله، وكان الخبر التاريخي يستمد من السماع عند الحفاظ الموثوق بهم وهو ما يعرف بالأسانيد، التي اعتبرت وقتئذ وسيلة للإجماع على صحة الخبر، فالتاريخ عند المسلمين في نشأته أخد نفس الطريقة التي سلكها الحديث (6).
لقد مهدت علوم الحديث لنشأة علم التاريخ، فعلم التاريخ عند المسلمين بدأ بتدوين السيرة والمغازي النبوية بحسب إتباع نفس منهج الإسناد القائم على لزك الجرح كالتعديل، ولذا فإنه يمكن القول بأن علم التاريخ قد نشأ وترعرع في أحضان علوم التاريخ ومناهج الإسناد منذ أن اهتم المسلمون بتدوين هذه الأخبار في منتصف القرف الثاني للهجرة كما مهد تقصى رواة الحديث لنشوء أحد فروع التاريخ وهو تراجم الأشخاص وطبقاتهم (7) فالعناية بدراسة علم الحديث أدت إلي الدراسات التاريخية.
فالتاريخ عند المسلمين بدأ متأثرا بالحديث وبأسلوب المحدثين، ويبدو أن الكتب الأولي من التاريخ الإسلامي قد اتبع فيها المؤرخون الأوائل نمط المحدثين وأسلوبهم وخاصة الإسناد (8) فالدراسات التاريخية بدأت بجهود مشتًركة تتمثل في حلقات للدراسة، بريط كل حلقة بأستاذ وقد يبرز طالب العلم حين يجتاز مرحلة دراسية فيكون حلقته، والدراسة مفتوحة لمن يريد، والرواية تسير في سلسلة، ونتيجة لذلك وبمرور الزمن تكونت مدرسة في التاريخ كالحديث والفقه (9).
وعلى ذلك تميزت الدراسات التاريخية في بداية نشأتها بوجود اتجاهين مميزين أحدهما ديني قوامه دراسة الحديث ومركزه المدينة والثاني قبلي كان استمرارا لبعض الأيام وروايات الأنساب في الأسلوب والنظرة، إذ تناول من الموضوعات المعارك كالفتوح الإسلامية وكان مركز هذا الاتجاه البصرة والكوفة (10).
فالاهتمام بأقوال وأفعال الرسول "صلي الله عليه وآله وسلم" للاهتداء بها أو الاعتماد عليها في التشريع وفي التنظيم الإداري وفي شؤون الحياة ضرورة مباشرة وطبيعية لدى أهل العلم، كما أن مغازي وغزوات أصحابه كانت مصدر اهتمام واعتزاز للمسلمين، وكانت المشاركة في المغازي عاملان في رفع المنزلة الاجتماعية وعنصرا في تحديد العطاء، مما قوي الاهتمام بها وسرعان ما صار الصحابة أنفسهم قدوة لمن بعدهم في أقوالهم وأفعالهم فبدأت دراسة مغازي الرسول "صلى الله عليه وآله وسلم " (11).
ومن الطبيعي أن تتألف هذه الحركة في المدينة باعتبارها دار الرسول "صلى الله عليه وآله وسلم" ودراسة أعماله، ودار السنة التي عاش فيها الصحابة وسمعوا أحاديث الرسول "صلى الله عليه وآله وسلم" ورووها بدورهم إلي التابعين (12)
فبدايات التاريخ العلمي بالعربية اقتًرنت بدراسة سيرة الرسول "صلى الله عليه وآله وسلم" ودراسة أعماله، وعليه فإن مصدر هذه الدراسة وموطنها في جميع الحديث وخاصة الأحاديث المتعلقة بمغازي الرسول "صلى الله عليه وآله وسلم" هي المدينة، وهو ما يفسر ارتباط المغازي بالحديث هذا الارتباط الذي ترك طابعا لا يمحى في المنهج التاريخي باستخدام الإسناد، كما طرأ من تغير هائل منذ هذه اللحظة في الأخبار التاريخية عند العرب ودقتها المؤسسة على النقد، وهو ما رسخ الشعور بأن الأخبار وظواهرها تستند إلي أساس تاريخي قويم (13)، حيث ولدت في فترة مبكرة النظرة الناقدة إلي الرواة أو مصادر المعلومات، وأُدخل عنصر البحث والتحري في جميع الروايات وكوّن أساسا متينا للدراسات التاريخية، وقد سميت الدراسات الأولي لحياة الرسول "صلى الله عليه وآله وسلم" بالمغازي , وتعني لغويا غزوات الرسول" صلى الله عليه وآله وسلم" وحروبه , ولكنها تناولت عصر الرسالة بكامله فهي تجمع بين الحديث والتاريخ وقد قام بها بعض أبناء الصحابة منهم : أبان بن عثمان(14)، وعروة بن الزبير(15) وعبد الله بن أبي بكر بن حزم الأنصاري (ت 135 هـ) ( وعاصم بن عمرو بن قتادة الأنصاري (16) وابن شهاب الزهري (17) وهؤلاء أعظم مؤرخي المغازي والسيرة الذي يرجع لهم الفضل في توضيح خطوط السيرة ، وفي تأسيس المدرسة التاريخية في المدينة ومحمد بن اسحق (ت 152هـ)(18).
أما الاتجاه الثاني فهو مدرسة العراق والتي قامت على النشاط القبلي، والذي برز في مدينتي البصرة والكوفة (19) وتميزت بتناول الموضوعات الخاصة بالمعارك والفتوح الإسلامية ودراسة الأنساب نتيجة - طبيعية للصراع الحزبي وللإقليمية القبلية وفي نفس الوقت وجد في هذه المدرسة كتابا للسيرة والمغازي - منهم معمر بن راشد اليماني البصري (ت150هـ) (20).
لقد شهد القرن الثاني للهجرة، نشاط الإخباريين واللغويين والنسابين كلا في حقله ويمثل الإخباريون خط الدراسة التاريخية (21)، ومن أشهر كتّاب هذه المدرسة أبو مخنف لوط بن يحي الأزدي، وسيف بن عمر الكوفي الأسدي وعوانة بن الحكم الكوفي (22) ومحمد بن السائب الكلبي (23).
وفي هذه الفتًرة وجد نوع من التخصص المحلي في رواية الأخبار، فكان لكل قطر من الأقطار
الإسلامية المهمة، إخباريون اختصوا بجمع أخباره وتدوينها مثل أبي مخنف سالف الذكر وهو الذي كتب أخبار العراق، و المدائني الذي كتب أخبار خراسان و الهند، والواقدي الذي دون أخبار الحجاز (24).
إن التاريخ بدأ عند المسلمين على أنه فرع من علم الحديث، حيث تأثر بطريقة وأسلوب المحدثين في جمع الرواة التاريخية، ونقدها فكان أهل السيرة والمغازي والأخبار يجمعون مأثور الرواة ويدونونها مع إسنادها غلي مصدرها الأصلي، وهذا المصدر قد يكون شخصا عرف بالعدل، له علم مباشر واضح بالواقعة المرورية، فكان النقد عندهم منصبا على الرواة لا موضوعيا منصبا على المرويات واتبعوا أيضا طريقة علماء الحديث، علم الجرح والتعديل ذاتيا في تدارس كتب التاريخ وتلقينها عن مؤلفيها بالسند المتصل قراءة وسماعا وإجازة بل أكثر من ذلك جمعوا المرويات أو الروايات ورتبوها بحس موضوعاتها في شكل رسائل أو كتب تشبه أبواب الحديث (25).
وإذا كان التدوين التاريخي للعرب قد خضع في مرحلته الإخبارية لبعض المعطيات الأسطورية
كالخرافية وللتأثر بعض الشيء بالإسرائيليات، ثم خضع في مرحلة تالية لتأليف السيرة النبوية ولعلم الحديث ومناهجه ومصطلحه ودار في فلكه كأحد العلوم المساعدة التي كان هدفها الأساسي معرفة رجالة وفقهائه، فإن هذا العلم أخد منذ مطلع القرف الثالث الهجري يتحرر من ربقة الروايات الأسطورية ومن سيطرة الفقهاء الذين رأوا منه مجرد تتمة ضرورية لمنظومة العلوم الدينية المكرسة لخدمة القرآن والحديث والفقه (26).
وفي علاقة التاريخ بالعلوم الإسلامية يقول السخاوي: " أما فائدة التاريخ فمعرفة الأمور على
وجهها ومن أجل فوائده أنه أحد الطرق التي يعلم بها النسخ في أحد الخبرين المتعارضين المتعذر الجمع بينهما، إما بالإضافة لوقت متأخر كرأيته قبل أن يموت بعام او نحوه، أو عن صحابيه متأخر وقد يكونه بتصريح الراوي وقوله: كان آخر الأمرين من النبي" صلي الله عليه وآله وسلم " من ترك الوضوء مما مست النار" (27).
ففي القرن الثلاثة الاولي من الهجرة لم يدون المؤرخون المسلمون تعريفان لعلم التاريخ وإنما كانوا يكتفون بذكر فوائده وأغراضه. "يقول خليفة بن خياط "هذا كتاب التاريخ وبالتاريخ عرف الناس أمر حجهم وصومهم وانقضاء عدة نسائهم ومهل ديونهم " (28).
_____________
(1) رجاء مصطفى حزين، مدرسة الحديث في المدينة وأثرها في كتابة التاريخ الإسلامي، مؤتمر التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر (القاهرة، 1996)، ص 103.
(2) السخاوي، محمد بن عبد الرحمن شمس الدين، الإعلام والتوبيخ لمن ذم التاريخ، دار الكتاب العربي (بيروت، 1983)، ص 7.
(3) رجاء مصطفى حزين، المرجع السابق، ص 104.
(4) محمد الحويري، المرجع السابق، ص 111.
(5) رجاء مصطفى حزين، المرجع السابق، ص 104- 105.
(6) السيد عبد العزيز سالم، تاريخ الدولة العربية، مؤسسة شباب الجامعة (الإسكندرية، 2003)، 2/ 425.
(7) محمد عبد الكريم الوافي، المرجع السابق، ص 211.
(8) محمود عرفة محمود، عبد الرحيم محمد، تابت عبد السهل، دراسات في الحضارة العربية الإسلامية، مكتبة بن الكثير (الكويت, 1997) ص 316.
(9) عبد العزيز الدوري، المرجع السابق، ص 71.
(10) السيد عبد العزيز سالم، التاريخ والمؤرخون العرب، ص 66.
(11) عبد العزيز الدوري، المرجع السابق، ص 22.
(12) السيد عبد العزيز سالم، التاريخ الدولة العربية، 2 / 425.
(13) هاملتون جب، دراسات في حضارة الإسلام، 126-137.
(14) إبان بن عثمان بن عفاف القرشي أول من كتب في السيرة النبوية شارك في وقعة الجمل مع عائشة توفى سنة 105 هـ/ 723 = الزركلي، المرجع السابق، 1/ 27.
(15) عروة بن الزبير بن عوام الأسدي أحد الفقهاء السبعة بالمدينة انتقل إلى البصرة وعاد إلى المدينة فتوفى فيها سنة 93 هـ/ 712م = الزركلي، المرجع السابق، 4/ 26.
(16) عاصم بن عمرو بن قتادة بن نعمان الأنصاري شيخ محمد بن إسحاق إخباريا علامة بالمغازي، توفى سنة 120 هـ = الذهبي المصدر السابق، 1/ 116.
(17) محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري من بني زهرة بن كلاب أول من دون الحديث تابعي من أهل المدينة نزل بالشام واستقر بها توفى سنة 124هـ/ 742م = الزركلي المرجع السابق، 7/ 97.
(18) عبد العزيز الدوري، المرجع السابق، ص23؛ السيد عبد العزيز سالم، تاريخ الدولة العربية ،2 /425.
(19) إسماعيل نورم الربيعي، مفهوم التاريخ عند العرب، ص 70.
(20) السيد عبد العزيز سالم، تاريخ الدولة العربية، 2/ 427.
(21) عبد العزيز الدوري، المرجع السابق، ص 38.
(22) عوانة بن الحكم بن عوانة بن عياض من بني كل، أبو الحكم، مؤرخ من أهل الكوفة، ضرير، كان عالما بالأنساب والشعر ومهتم بوضع الأخبار لبني أمية له كتاب: في التاريخ وسيرة معاوية، توفى 147هـ/ 764م = الزركلي، المرجع السابق، 5/ 93.
(23) السيد عبد العزيز سالم، تاريخ الدولة العربية، 2/ 427- 428.
(24) السخاوي، المصدر السابق، ص 19.
(25) ابن خباط، خليفة بن خباط الليثي، تاريخ خليفة بن خياط، برقيق سهيل زكار، وزارة الثقافة (دمشق، 1968م) ص 52.
(26) عبد العزيز الدوري، المرجع السابق، ص 24.
(27) المرجع نفسه، ص 24-25.
(28) محمد عبد الكريم الوافي، المرجع السابق، ص247- 248.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|