أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-4-2020
5728
التاريخ: 25-3-2020
4133
التاريخ: 12-2-2020
2938
التاريخ: 28-4-2020
3189
|
قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ }[يونس: 107 - 109]
{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ} معناه: وإن أحل الله بك ضرا من بلاء أو شدة أو مرض {فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} أي: لا يقدر أحد على كشفه غيره كأنه سبحانه لما بين أن غيره لا ينفع ولا يضر، عقبه ببيان كونه قادرا على النفع والضر {وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} من صحة جسم ،ونعمة ،وخصب، ونحوها {فلا راد لفضله}أي:لا يقدر على منعه أحد، وتقديره :وإن يردك خيرا ،ويجوز فيه التقديم والتأخير ،يقال: فلان يريدك بالخير ،ويريد بك الخير {يصيب به}أي:بالخير {من يشاء من عباده} فيعطيه على ما تقتضيه الحكمة ،ويعلمه من المصلحة .{وهو الغفور} لذنوب عباده {الرحيم} بهم .
ثم ختم الله سبحانه السورة بالموعظة الحسنة ،تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والوعد للمؤمنين ،والوعيد للكافرين، فقال عز اسمه :{قل} يا محمد مخاطبا للمكلفين: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} وهو القرآن، ودين الإسلام ،والأدلة الدالة على صحته. وقيل: يريد بالحق النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، ومعجزاته الظاهرة {فمن اهتدى} بذلك بأن نظر فيه ،وعرفه حقا وصوابا .{فإنما يهتدي لنفسه}معناه: فإن منافع ذلك من الثواب وغيره ،يعود عليه {ومن ضل} عنه ،وعدل عن تأمله والاستدلال به {فإنما يضل عليها}أي: على نفسه لأنه يجني عليها {وما أنا عليكم بوكيل}أي:وما أنا بحفيظ لكم عن الهلاك إذا لم تنظروا أنتم لأنفسكم ،ولم تعلموا بما يخلصها ،كما يحفظ الوكيل مال غيره. والمعنى: أنه ليس علي إلا البلاغ ،ولا يلزمني أن أجعلكم مهتدين ،وإن أنجيكم من النار، كما يجب على من وكل على متاع أن يحفظه من الضرر { وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ} على أذى الكافرين، وتكذيبهم {حتى يحكم الله} بينك وبينهم بإظهار دينه، وإعلاء أمره {وهو خير الحاكمين}لأنه لا يحكم إلا بالعدل والصواب .
______________________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج5،ص237-238.
{وإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ}. قد يتضرر الإنسان بما كسبت يداه ، كما لو أقدم مختارا على الإضرار بنفسه ، أو ترك العمل مع قدرته عليه ، أو أقدم على عمل ما هو بأهل له ، وقبل ان يعد له العدة ، وهذا الضرر لا تصح نسبته إلى اللَّه لأنه تعالى أمر بالعمل والاعداد له ، ونهى عن الإضرار بشتى أنواعه . وقد يتضرر الإنسان بسبب الأوضاع الفاسدة في المجتمع الذي يعيش فيه ، وهذا أيضا لا ينسب إلى اللَّه ، لأنه تعالى نهى عن الفساد ، وأمر بالصلاح والإصلاح . وقد يتضرر الإنسان لا من كسبه ولا من مجتمعه ، كما لو ولد ناقص الخلقة ، أو كان بليدا لا استعداد فيه للعلم والمعرفة ، مهما جد واجتهد ، أو نزلت عليه صاعقة من السماء ، وما إلى ذلك ، وهذا النوع من الضرر هو المراد بقوله تعالى : {وإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ}مع العلم بأنه لو شاء سبحانه أن يكشف الضر من أية جهة أتى لانكشف وزال ، لأنه على كل شيء قدير .
{وإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ}. قدمنا ان الضرر لا تصح نسبته إلى اللَّه تعالى بقول مطلق ، أما الخير فتصح نسبته إليه بشتى أنواعه ، سواء أكان لعمل الإنسان تأثير فيه ، أم لم يكن ، لأنه تعالى يريد الخير ويأمر به ، وهو الذي أقدر الإنسان عليه {وهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}ورحمته وسعت كل شيء ، تماما كعلمه وقدرته .
{قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ومَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ}. ويتلخص معنى هذه الآية بقوله تعالى : {كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ - 21 الطور} ، وتقدم نظيرها في سورة الأنعام الآية 104 ج 3 ص 238 .
{واتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ واصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ}. هذه الآية تحدد وظيفة الرسول بتبليغ الوحي ، والعمل به ، والصبر على ما يلاقيه في سبيل ذلك من أذى المكذبين إلى أن يظهر اللَّه دينه ، ويعلي كلمته . . وهذه هي مهمة كل من ينوب عن المعصوم في تبليغ أحكام اللَّه ونشرها .
____________________
1- تفسير الكاشف ،محمد جواد مغنيه،ج4،ص199.
قوله تعالى:{ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ}إلخ، الجملة حالية وهي تتمة البيان في الآية السابقة، والمعنى: ولا تدع من دون الله ما لا نفع لك عنده ولا ضرر، والحال أن ما مسك الله به من ضر لا يكشفه غيره وما أرادك به من خير لا يرده غيره فهو القاهر دون غيره يصيب بالخير عباده بمشيئته وإرادته، وهو مع ذلك غفور رحيم يغفر ذنوب عباده ويرحمهم، واتصافه بهذه الصفات الكريمة وكون غيره صفر الكف منها يقتضي تخصيص العبادة والدعوة به.
قوله تعالى:{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ}وهو القرآن أو ما يشتمل عليه من الدعوة الحقة، وقوله:{فمن اهتدى}إلى آخر الآية، إعلام لهم بكونهم مختارين فيما ينتخبونه لأنفسهم من غير أن يسلبوا الخيرة ببيان حقيقة هي أن الحق - وقد جاءهم - من حكمه أن من اهتدى إليه فإنما يهتدي ونفعه عائد إليه، ومن ضل عنه فإنما يضل وضرره على نفسه فلهم أن يختاروا لأنفسهم ما يحبونه من نفع أوضرر، وليس هو (صلى الله عليه وآله وسلم) وكيلا لهم يتصدى من الفعل ما هولهم فالآية كناية عن وجوب اهتدائهم إلى الحق لأن فيه نفعهم.
قوله تعالى:{ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}أمر باتباع ما يوحى إليه والصبر على ما يصيبه في جنب هذا الاتباع من المصائب والمحن، ووعد بأن الله سبحانه سيحكم بينه وبين القوم، ولا يحكم إلا بما فيه قرة عينه فالآية تشتمل على أمره بالاستقامة في الدعوة وتسليته فيما يصيبه، ووعده بأن العاقبة الحسنى له.
وقد اختتمت الآية بحكمه تعالى، وهو الذي عليه يعتمد معظم آيات السورة في بيانها. والله أعلم.
_________________
1- تفسير الميزان،الطباطبائي،ج10،ص103.
وهنا أيضاً لم تكتف الآية بجانب النفي، بل إِنّها توكّد إِضافةً إِلى النفي على جانب الإِثبات فتقول:{ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ}، وكذلك{وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} لأنّ عفوه ورحمته وسعت كل شيء{وهو الغفور الرحيم}.
الكلمة الأخيرة:
هاتين الآيتين تضمّنت إِحداهما موعظة ونصيحة لعامّة الناس، واختصت الثّانية بالنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد كملتا الأوامر والتعليمات التي بيّنها الله سبحانه على مدى هذه السورة ومواضعها المختلفة. وبذلك تنتهي سورة يونس.
فتقول أوّلا، وكقانون عام:{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ}هذه التعليمات، وهذا الكتاب السماوي، وهذا الدين، وهذا النّبي كلها حق، والأدلّة على كونها حقّاً واضحة، وبملاحظة هذه الحقيقة:{ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ}.
أي إِنّي لست مأموراً بإِجباركم على قبول الحق، لأن الإِجبار على قبول الإِيمان لا معنى له، ولا أستطيع إِذا لم تقبلوا الحق ولم تؤمنوا أن أدفع عنكم العذاب الإِلهي، بل إِنّ واجبي ومسؤوليتي هي الدعوة والإِبلاغ والإِرشاد والهداية والقيادة، أمّا الباقي فيتعلق بكم، وعليكم انتخاب طريقكم.
إِنّ هذه الآية إِضافة إِلى أنّها توكّد مرّة أُخرى مسألة الإِختيار وحرية الإِرادة، فإِنّها دليل على أن قبول الحق سيعود بالنفع على الإِنسان نفسه بالدرجة الأُولى، كما أن مخالفته ستكون في ضرره.
إِنّ توجيهات القادة الإِلهيين والكتب السماوية ما هي في الواقع إلاّ دروس لتربية وتكامل البشر، فلا يزيد الإِلتزام بها شيئاً على عظمة الله، ولا تنقص مخالفتها من جلاله شيئاً.
ثمّ تبيّن وظيفة وواجب النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في جملتين: الأُولى{واتبع ما يوحى إليك} فإنّ الله قد حدّد مسيرك من خلال الوحي، ولا يجوز لك أن تنحرف عنه قيد أنملة.
والثّانية: إِنّه ستعترضك في هذا الطريق مشاكل مضنية ومصاعب جمة، فلا تدع للخوف من سيل المشاكل إِلى نفسك طريقاً، بل{وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} فإِنّ أمره حق، وحكمه عدل، ووعده متحقق لا محالة.
إلهنا ومولانا: إنّك وعدت عبادك الذين يجاهدون في سبيلك باخلاص، والذين يصبرون ويستقيمون في سبيلك بالنصر.
________________
1- تفسير الامثل ،مكارم الشيرازي ،ج5،ص550-552.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|