أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-3-2020
2383
التاريخ: 28-2-2020
3619
التاريخ: 12-2-2020
3004
التاريخ: 11-3-2020
26660
|
قال تعالى: { فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } [يونس: 94 - 97]
بين سبحانه صحة نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال:{ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}اختلف المفسرون في معناه على أقوال أولها قال الزجاج إن هذه الآية قد كثر سؤال الناس عنها وخوضهم فيها وفي السورة ما يدل على بيانها فإن الله سبحانه يخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وذلك الخطاب شامل للخلق فالمعنى فإن كنتم في شك فاسألوا والدليل عليه قوله في آخر السورة { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ}الآية فأعلم الله سبحانه أن نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليس في شك ومثل هذا قوله {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} فقال: طلقتم والخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وحده وهذا مذهب الحسن وابن عباس وأكثر أهل التأويل .
وروي عن الحسن وقتادة وسعيد بن جبير أنهم قالوا إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يشك ولم يسأل وهو المروي أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (وثانيها) أن الخطاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وإن لم يشك وعلم الله سبحانه أنه غير شاك ولكن الكلام خرج مخرج التقرير والأفهام كما يقول القائل لعبده إن كنت عبدي فأطعني ولأبيه إن كنت والدي فتعطف على ولولده إن كنت ابني فبرني يريد بذلك المبالغة وربما خرجوا في المبالغة ما يستحيل كقولهم بكت السماء لموت فلان أي: لو كان تبكي سماء على ميت لبكت عليه وكذلك هاهنا يكون المعنى لوكنت ممن يشك فشككت .
{ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}عن الفراء وغيره (وثالثها) أن المعنى فإن كنت أيها المخاطب أو أيها السامع في شك مما أنزلنا إليك على لسان نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيكون الخطاب لغيره (ورابعها) ما ذكره الزجاج أنه يجوز أن يكون في معنى ما فيكون المعنى ما كنت في شك مما أنزلنا إليك { فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ}أي: لسنا نريد بأمرك أن تسأل لأنك شاك ولكن لتزداد إيمانا كما قال إبراهيم (عليه السلام) حين قال له أ ولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي فالزيادة في التعريف ليست مما يبطل صحة العقيدة وإنما أمر سبحانه بسؤال أهل الكتاب مع جحد أكثرهم لنبوته فيه قولان (أحدهما) أنه أمره بأن يسأل مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار وتميم الداري وأشباههم عن ابن عباس ومجاهد والضحاك والآخر أن المراد: سلهم عن صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) المبشر به في كتبهم ثم أنظر فيما وافق تلك الصفة وهذا القول أقوى لأن هذه السورة مكية وابن سلام وغيره إنما أسلموا بالمدينة وقال الزهري إن هذه الآية نزلت في السماء فإن صح ذلك فقد كفي المئونة ورواه أصحابنا أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) ). وقيل أيضا أن المراد بالشك الضيق والشدة بما يعانيه من نعتهم وأذاهم أي: إن ضقت ذرعا بما تلقى من أذى قومك { فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} كيف صبر الأنبياء على أذى قومهم فاصبر كذلك { لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ }يعني بالحق القرآن والإسلام {فلا تكونن من الممترين}أي: الشاكين { وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ }أي: من جملة من يجحد آيات الله ولا يصدق بها {فتكون من الخاسرين}أي فإنك إن فعلت ذلك كنت من الخاسرين ولم يقل من الكافرين لأن الإنسان قد علم شدة تحسره وتأسفه على خسران ماله فكيف إذا خسر دينه ونفسه .
{ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} معناه: أن الذين أخبر الله عنهم بغير شرط أنهم لا يؤمنون فنفى الإيمان عنهم ولم ينف عنهم القدرة عليه فإن نفي الفعل لا يكون نفيا للقدرة عليه كما أن الله سبحانه نفى عن نفسه مغفرة المشركين ولم يكن ذلك نفيا لقدرته على مغفرتهم وقيل معناه إن الذين وجب عليهم سخط ربك عن قتادة وقيل معناه وجب عليهم وعيد ربك { وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ}أي: كل معجزة ودلالة مما يقترحونها { حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} الموجع فيصيروا ملجئين إلى الإيمان وفي هذا إعلام بأن هؤلاء الكفار لا لطف لهم في المعلوم يؤمنون عنده إيمان اختيار .
____________________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي ،ج5 ،ص266-267.
{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ}.
المراد بالذين يقرؤن الكتاب علماء الإنجيل والتوراة ، والشيء المسؤول عنه هو ما جاء في القرآن من قصة موسى وغيره من الأنبياء بقرينة السياق ، لأن الآيات نزلت في قصة موسى مع فرعون .
وتسأل : ما هو الوجه في قوله تعالى لنبيه الأكرم : {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ}مع العلم ان النبي لا يشك في ذلك ، كيف ؟ وقد تحمّل من الأذى في سبيل رسالته ما لم يتحمله نبي ولا مصلح .
الجواب : الوجه ان يقول النبي ( صلى الله عليه واله ) لمن يشك فيما ذكره القرآن من قصة موسى وغيره من الأنبياء ، ان يقول له : اسأل عن ذلك العلماء المنصفين من أهل الكتاب ، فإنه ثابت في التوراة والإنجيل ، تماما كما جاء في القرآن .
{لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ ولا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ}. المراد بالامتراء الشك ، والمعنى بلَّغ الناس يا محمد ان من يشك أو يكذب بالحق الذي أنزل إليك فهو من المعذبين الخاسرين يوم القيامة . . وعبّر سبحانه عن هذا المعنى بنهي النبي عن الشك والتكذيب ليقول محمد ( صلى الله عليه واله}للناس : أنا بشر مثلكم وواحد منكم أحاسب وأعاقب كأي إنسان يشك أو يكذب بآيات اللَّه إذا أنا شككت وكذبت . . وهذا الأسلوب هو أبلغ الأساليب وأنجحها في الدعوة إلى الحق الذي تتساوى أمامه جميع الناس .
{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ولَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الأَلِيمَ}. المراد بكلمة ربك هنا العذاب ، ولا يؤمنون خبر ان الذين حقت عليهم ، والمعنى ان الذين يعذبهم اللَّه هم الذين لا يؤمنون بالحق بحال ، حتى ولو قام عليه ألف دليل . . اللهم إلا إذا شاهدوا العذاب وأيقنوا به . . ومعلوم ان الايمان في هذه الحال لا يجدي شيئا ، لأنه تماما كإيمان فرعون حين أدركه الغرق ، وتقدم الكلام عنه قريبا في الآية 90 .
________________
1- تفسير الكاشف ،محمد جواد مغنبه ،ج4، ص191-192.
تتضمن الآيات الاستشهاد على حقية ما أنزله الله في السورة من المعارف الراجعة إلى المبدإ و المعاد وما قصة من قصص الأنبياء وأممهم - ومنهم نوح وموسى ومن بينهما من الأنبياء (عليهم السلام) وأممهم - إجمالا بما قرأه أهل الكتب السماوية فيها قبل نزول القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ثم تذكر ما هو كالفذلكة والمعنى المحصل من البيانات السابقة وهو أن الناس لن يملكوا من أنفسهم أن يؤمنوا بالله وآياته إلا بإذن الله، وإنما يأذن الله في إيمان من لم يطبع على قلبه ولم يجعل الرجس عليه وإلا فمن حقت عليه كلمة الله لن يؤمن بالله وآياته حتى يرى العذاب.
فالسنة الجارية أن الناس منذ خلقوا واختلفوا بين مكذب بآيات الله ومصدق لها، وقد جرت سنة الله على أن يقضي فيهم بالحق بعد مجيء رسلهم إليهم فينجي الرسل والمؤمنين بهم، ويأخذ غيرهم بالهلاك.
قوله تعالى:{ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ}إلى آخر الآية الشك الريب، والمراد بقوله:{مما أنزلنا إليك}المعارف الراجعة إلى المبدإ والمعاد والسنة الإلهية في القضاء على الأمم مما تقدم في السورة، وقوله:{ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ }{يقرءون}فعل مضارع استعمل في الاستمرار و{من قبلك}حال من الكتاب عامله متعلقة المقدر، والتقدير منزلا من قبلك. كل ذلك على ما يعطيه السياق.
والمعنى{فإن كنت}أيها النبي{في شك}وريب{مما أنزلنا إليك}من المعارف الراجعة إلى المبدإ والمعاد وما قصصنا عليك إجمالا من قصص الأنبياء الحاكية لسنة الله الجارية في خلقه من الدعوة أولا ثم القضاء بالحق{فاسأل}أهل الكتاب{الذين}لا يزالون{يقرءون}جنس{الكتاب}منزلا من السماء{من قبلك}أقسم{لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين}المترددين.
وهذا لا يستلزم وجود ريب في قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا تحقق شك منه فإن هذا النوع من الخطاب كما يصح أن يخاطب من يجوز عليه الريب والشك كذلك يصح أن يخاطب به من هو على يقين من القول وبينه من الأمر على نحو التكنية عن كون المعنى الذي أخبر به المخبر مما تعاضدت عليه الحجج وتجمعت عليه الآيات فإن فرض من المخاطب أو السامع شك في واحدة منها كان له أن يأخذ بالأخرى.
وهذه طريقة شائعة في عرف التخاطب والتفاهم يأخذ بها العقلاء فيما بينهم جريا على ما تدعوهم إليه قرائحهم ترى الواحد منهم يقيم الحجة على أمر من الأمور ثم يقول: فإن شككت في ذلك أو سلمنا أنها لا توجب المطلوب فهناك حجة أخرى على ذلك وهي أن كذا كذا وذلك كناية عن أن الحجج متوفرة متعاضدة كالدعائم المضروبة على ما لا يحتاج إلى أزيد من واحد منها لكن الغرض من تكثيرها هو أن تكون العريشة قائمة عليها على تقدير قيام الكل والبعض.
فيئول معنى الكلام إلى أن هذه معارف بينها الله لك بحجج تضطر العقول إلى قبولها وقصص تحكي سنة الله في خلقه والآثار تدل عليها، بينها في كتاب لا ريب فيه، فعلى ما بينه حجة وهناك حجة أخرى وهي أن أهل الكتب السماوية الموفين لها حق قراءتها يجدون ذلك فيما يقرءونه من الكتاب فهناك مبدأ ومعاد، وهناك دين إلهي بعث به رسله يدعون إليه، ولم يدعوا أمة من الأمم إلا انقسموا قبيلين مؤمن ومكذب فأنزل الله آية فاصلة بين الحق والباطل وقضى بينهم.
وهذا أمر لا يسع أهل الكتاب أن ينكروه، وإنما كانوا ينكرون بشارات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعض ما يختص به الإسلام من المعارف وما غيروه في الكتب من الجزئيات، ومن لطيف الإشارة أن الله سبحانه لم يذكر في القصص المذكورة في هذه السورة قصة هود وصالح لعدم تعرض التوراة الموجودة عندهم لقصتهما وكذا قصة شعيب وقصة المسيح لعدم توافق أهل الكتاب عليها وليس إلا لمكان أن يستشهد في هذه الآية بما لا يمتنعون من تصديقه.
فهذه الآية في إلقاء الحجة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وزانها وزان قوله تعالى:{أ ولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل:}الشعراء: - 197 في إلقاء الحجة إلى الناس.
على أن السورة من أوائل السور النازلة بمكة، ولم تشتد الخصومة يومئذ بين المسلمين وأهل الكتاب وخاصة اليهود اشتدادها بالمدينة، ولم يركبوا بعد من العناد واللجاج ذاك المركب الصعب الذي ركبوه بعد هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونشوب الحروب بينهم وبين المسلمين حتى بلغوا المبلغ الذي قالوا:{ما أنزل الله على بشر من شيء:}الأنعام: - 91.
فهذا ما يعطيه سياق الآية من المعنى، وأظنك إن أمعنت في تدبر الآية وسائر الآيات التي تناسبها مما يخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بحقية ما نزل إليه من ربه، ويتحدى على البشر بعجزهم عن إتيان مثله، وما يصف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه على بصيرة من أمره، وأنه على بينه من ربه أقنعك ذلك فيما قدمناه من المعنى، وأغناك عن التمحلات التي ارتكبوها في تفسير الآية بما لا جدوى في نقلها والبحث عنها.
قوله تعالى:{ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}نهى عن الارتياب والامتراء أولا ثم ترقى إلى النهي عن التكذيب بآيات الله وهو العناد مع الحق استكبارا على الله فإن الآية لا تكون آية إلا مع وضوح دلالتها وظهور بيانها وتكذيب ما هذا شأنه لا يكون مبينا إلا على العناد واللجاج.
وقوله:{فتكون من الخاسرين}تفريع على التكذيب بآيات الله فهو نتيجته وعاقبته فهو المنهي عنه بالحقيقة.
والمعنى: ولا تكن من الخاسرين، والخسران زوال رأس المال بانتقاصه أو ذهاب جميعه، وهو الإيمان بالله وآياته الذي هو رأس مال الإنسان في سعادة حياته في الدنيا والآخرة على ما يستفاد من الآية التالية حيث يعلل خسرانهم بأنهم لا يؤمنون.
قوله تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ }إلخ، تعليل للنهي السابق ببيان ما للمنهي عنه من الشأن فإن أصل النظم بحسب المعنى المستفاد من السياق أن يقال: لا تكونن من المكذبين لأن المكذبين لا يؤمنون فيكونون خاسرين لأن رأس مال السعادة هوالإيمان فوضع قوله{الذين حقت عليهم كلمة ربك}موضع{المكذبين}للأدلة على سبب الحكم وأن المكذبين إنما يخسرون لأن كلمة الله سبحانه تحق عليهم فالأمر على كل حال إلى الله سبحانه.
والكلمة الإلهية التي حقت على المكذبين بآيات الله هي قوله يوم شرع الشريعة العامة لآدم وزوجته فمن بعدهما من ذريتهما:{ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا - إلى قوله - وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ:}البقرة: - 39.
وهذا هو الذي يريده بقوله في مقام بيان سبب خسران المكذبين: إن الذين حقت عليهم كلمة ربك}وهم المكذبون حقت عليهم كلمة العذاب فهم{لا يؤمنون}ولذلك كانوا خاسرين لأنهم ضيعوا رأس مال سعادتهم وهو الإيمان فحرموه وحرموا بركاته في الدنيا والآخرة، وإذ حق عليهم أنهم لا يؤمنون فلا سبيل لهم إلى الإيمان ولو جاءتهم كل آية{حتى يروا العذاب الأليم}ولا فائدة في الإيمان الاضطراري.
وقد كرر الله سبحانه في كلامه هذا القول واستتباعه للخسران وعدم الإيمان كقوله:{ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ:}يس: - 7، وقوله:{ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ:}يس: - 70 أي بتكذيبهم بالآيات المستتبع لعدم إيمانهم فخسرانهم، وقوله:{ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ:}حم السجدة: - 25 إلى غير ذلك.
وقد ظهر من الآيات أولا أن العناد مع الحق والتكذيب بآيات الله يحق كلمة العذاب الخالد على الإنسان.
وثانيا: أن رأس مال سعادة الحياة للإنسان هو الإيمان.
وثالثا: أن كل إنسان فهو مؤمن لا محالة إما إيمانا اختياريا مقبولا يسوقه إلى سعادة الحياة الدنيا والآخرة، وإما إيمانا اضطراريا غير مقبول حيثما يرى العذاب الأليم.
________________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي، ج10،ص94-97.
لاتدع للشك طريقاً إِلى نفسك!
لمّا كانت الآيات السابقة قد ذكرت جوانب من ماضي الأنبياء والأُمم السابقة، وكان من الممكن أن يشكك بعض المشركين ومنكري دعوة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في صحة ذلك، فقد طلب القرآن من هؤلاء أن يراجعوا أهل الكتاب للتأكد والعلم بصحة هذه الأقوال، وليسألوهم عن ذلك، لأنّ كثيراً من هذه المسائل قد ورد في كتب هؤلاء.
إِلاّ أنّه بدل أن يوجه الخطاب لهؤلاء، خاطب النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: { فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} ليثبت عن هذا الطريق بأنّه { لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}.
ويحتمل أيضاً أنّ الآية أعلاه تطرح بحثاً جديداً ومستقلا في صدق دعوة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وتعلم المخالفين أنّهم إِن كانوا في شك من أحقيته فليسألوا أهل الكتاب عن علاماته التي نزلت في الكتب السابقة كالتّوراة والإِنجيل.
ونقل سبب آخر للنزول في بعض التفاسير(2) يؤيد هذا المعنى، وهو أن جمعاً من كفار قريش كانوا يقولون: إِنّ هذا القرآن لم ينزل من الله، بل إِنّ الشيطان يلقيه على محمّد!! وقد سبب هذا الكلام أن يقع عدّة أشخاص في وادي الشك والتردد، فأجابهم بهذه الآية.
هل كان النّبي شاكّاً؟!
يمكن أن يتراءى للنظر في البداية أنّ هذه الآيات تحكي عن أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)كان شاكّاً في صدق الآيات التي كانت تنزل عليه، وأنّ الله سبحانه قد أزال شكّه عن الطريق أعلاه.
ولكن واقع الأمر أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يتلقى مسألة الوحي مع الشهود والمشاهدة ـ كما تحكي آيات القرآن هذا المعنى ـ ومعه لا يبقي أي معنى للشك في هذا المورد. إِضافةً إِلى أنّ هذا الاُسلوب من خطاب القريب من أجل تنبيه البعيد رائج في العرف، وهذا هو المراد من المثل المعروف: إِيّاك أعني واسمعي يا جارة(3)، وتأثير مثل هذا الكلام أكبر من الخطاب الصريح في كثير من الموارد.
إِضافةً إِلى أن ذكر الجملة الشرطية لايدل دائماً على احتمال وجود الشرط، بل هو للتأكيد على مسأله ما أحياناً، أو لبيان قانون كلي عام، فنقرأ مثلا في الآية (23) من سورة الإِسراء: {وقضى ربّك أن لاتعبدوا إلاّ إِيّاه وبالوالدين إِحساناً إِمّا يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف} وينبغي الإِنتباه إِلى أنّ المخاطب في الآية هو النّبي ظاهراً، إلاّ أنّه لما كان النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أباه قبل ولادته وأُمّه في طفولته، فإِنّ من الواضح أنّ احترام الوالدين طُرح هنا كقانون عام بالرغم من أن المخاطب ظاهراً هو النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم).
وكذلك نقرأ في سورة الطلاق: {يا أيّها النّبي إِذا طلقتم النساء} وهذا التعبير لايدل على أن النّبي قد طلق امرأة في حياته، بل هو بيان قانون عام، والبديع في هذا التعبير أنّ المخاطب في بداية الجملة هو النّبي، وفي نهايتها كل الناس.
ومن جملة القرائن التي تؤيد أنّ المقصود الأساس في الآية هم المشركون والكافرون، الآيات التي تتلو هذه الآية والتي تتحدث عن كفر وجحود هؤلاء.
ويلاحظ نظير هذا الموضوع في الآيات المرتبطة بالمسيح، عندما يسأله الله يوم القيامة: {ءأنت قلت للناس اتّخذوني وأمّي إِلهين من دون الله}؟ فإِنّه ينكر هذه المسألة بصراحة، ويضيف: {إِن كنت قلته فقد علمته} سورة المائدة من الآية (116).
ثمّ تضيف الآية التّالية: { وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} من بعد ما اتّضحت لك آيات الله وصدق هذه الدعوة.
إِنّ الآية السابقة تقول بأنّك إِن كنت في شك فاسأل أُولئك المطلعين العالمين، وتقول هذه الآية بأنّك يجب أن تسلم مقابل هذه الآيات بعد أن ارتفعت عوامل الشك، وإِلاّ فإِنّ مخالفة الحق لا عاقبة لها إلاّ الخسران.
إِنّ هذه الآية قرينة واضحة على أنّ المقصود من الآيه السابقة هم عموم الناس بالرغم من أن الخطاب موجه إِلى شخص النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنّ من البديهي أن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن يكذب الآيات الإِلهية مطلقاً، بل كان المدافع المستميت الصلب عن دينه.
ثمّ أنّها تخبر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ من بين مخالفيك جماعة متعصبين عنودين لا فائدة من انتظار إِيمانهم، فإِنّهم قد مسخوا من الناحية الفكرية، وتوغلوا في طريق الباطل إِلى الحد الذي فقدوا معه الضمير الإِنساني الحي تماماً، وتحولوا إِلىموجودات لايمكن اختراقها، غاية ما في الأمر أنّ القرآن الكريم يبيّن هذا الموضوع بهذا التبعير: { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ}.
وحتى إِذا جاءتهم كل الآيات والدلالات فإِنّهم لايؤمنون: { وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } ولا أثر لإِيمانهم في ذلك الوقت.
إِنّ الآيات الأُولى من الآيات مورد البحث تدعو عامّة الناس إِلى المطالعة والتحقيق والسؤال من أهل العلم، ثمّ طلبت منهم أن ينصروا الحق ويدافعوا عنه بعد أن اتّضح لهم. إلاّ أنّ الآيات الأخيرة تقول: لا تتوقّع أن يؤمن كل هؤلاء، لأنّ البعض قد فسد قلبه بحيث لايمكن إِصلاحه، فلا يثبطك عدم ايمانهم عن مواصلة الطريق. ولا تتعب نفسك في سبيل هدايتهم، بل توجه إِلى الأكثرية من الناس ممّن لهم أهلية الهداية.
وكما كررنا مراراً، فإِنّ التعبيرات التي تشابه هذه الآية السابقة ليست دليلا على الجبر أبداً، بل هي من قبيل ذكر آثار عمل الإِنسان، لكن لما كان أثر كل شيء بأمر الله، فإِنّ هذه الأُمور تنسب إِلى الله أحياناً.
ويبدو أنّ ذكر هذه النقطة مهم أيضاً، وهي أنّنا قرأنا في بعض الآيات السابقة في شأن فرعون أنّه قد أظهر الإِيمان بعد نزول العذاب والوقوع في قبضة الطوفان، إِلاّ أن مثل هذا الإِيمان لما كان يتصف بالإِضطرار لم ينفعه. إلاّ أنّ هذه الآيات تقول إِنّ هذا لم يكن أُسلوب وطريق فرعون وحده، بل هو طريق كل العنودين الأنانيين المستكبرين المُسْوَدّه قلوبهم الذين وصلوا إِلى قمة الطغيان ولديهم نفس هذه الحالة، فإِنّ هؤلاء أيضاً لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم، ذلك الإِيمان العديم الأثر بالنسبة لهؤلاء.
____________________
1- تفسير الامثل ،مكارم الشيرازي ،ج5،ص539-542.
2- تفسير روح الجنان ،ج6،ص227،ذيل الآية مورد البحث .
3- بحار الانوار ،ج90،ص145.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|